الاثنين ١ تموز (يوليو) ٢٠١٩
بقلم كفاح الزهاوي

دهاليز الذاكرة

بدأت استار الليل تهبط رويدا رويدا، والغرفة مظلمة قليلا في هذا الوقت من الغسق. أخذت أصوات زقزقات العصافير تسكن شيئا فشيئا في عتمة الليل وتختفي من الأفق، وتوارت عن الأنظار واختبأت في مضاجعها لتأخذ قسطا من الراحة في أعشاشها،بينما نشيج الثكالى تقذف من عمق الفؤاد تراتيل من الهموم لتسكن في أعماق الجروح معلنة عن وجودها، باعثة على الأسى في مثل هذه الكوة المظلمة.

تلك الذكريات المشؤومة قد ترسبت عبر سنين مضت في قلبه الواجف والتي كادت ان تهدم جدران الأمل. على حين فجأة انبجست الدموع من عينيه وبدأت الأفكار تتلاحق وتتغير في حقائب الذاكرة مبعثرة الأجزاء متخلخلة الروابط بسبب المشاعر المتصادمة في بحر المعاناة.

كانت تلك المناظر البائسة تمر كشريط السينما أمام ناظريه ظنا منه أن الالوان قد نضت وباتت سوداء معتمة والوجوه جهمت من شدة الكآبة وتعذيب الذات، حيث تراءت للمرء اشباح تطلق صرخات حادة أقرب الى الهذيان مجسدة لوحة تعبر عن كارثة انسانية تؤلمه الى حد العذاب، حد الرعب، حد الانكسار. يكاد ان يفقد خيوط النور المتبقي من راسية الزمن التي اصبحت ارض هشة على شفا حافة الانهيار وهاوية متباعدة أقرب الى العدم.

كان يدخل في صراع مع اليأس الذي ينهش خلايا طموحاته ويبدد اماله التي طالما جاهد في سبيلها كي لا تفلت بقايا المتناثرة من ثمار الانسانية من دهاليز أفكاره، ان لا يتحول الى وحش كاسر، قذر ضعيف غير متماسك ويخسر كل شيء.شعوره بالوهن جعل بصره مكسوة بغشاوة غير قادر لرؤية دقائق الحياة في وضح النهار.

كان يشعر بطعم الهزيمة المرة في ذاته المتأصل بالإحباط. احاسيسه المتارجحة اضحت قاربا تتماوج وسط تلاطم الامواج وعواصف بحرية هائجة لا تسمعه اصوات النجاة.كان يسعى الى تفتيت عقد الاغلال ليخرج من عزلته الى الضوء هناك يرى التكامل في نظرته الناقصة الى العالم.

حكايات الماضي تؤلمه دون أن يعرف أسبابها، يعيشها دون أن يدرك تفاصيلها .انه يمشي على خيط رفيع في عمق الذاكرة تعيده الى أحلام الطفولة المنسية.

ساعات الزمن تتسابق الى الأمام ما لبثت أن تبددت بسرعة في غمار الصراع مع تناقضات الحياة. كان يطمح أن يرى هذا العالم العقلاني قد انتهى من تعذيبه واستمراره في معاناة الإنسان, أن ينتشله نشوة النجوم نحو فضاء الحرية من ثقل الهموم وان يرى بضيائها الأشجار الواقفة تعكس ظلالها على الأرض.

أراد أن يفتح فمه ليقول ما يخبئها الدهر من آلام ولكن قدرته خانته على المواصلة فأمسك عن الكلام مما زاد من شدة حزنه حتى احس انه فقد قواه في مواجهة العالم.

كان يتفرس في العيون التي تقدح شرّا. حاول ان يدرك ما فاته من الاحداث ربما كأن شيئا غامضا لم يفهمه ويحاول الغوص في أعماقه. كانت عيناه جاحظتين الى حد الانفجار وكأنه يصعب عليه الرؤية ، انه تعبير عن العجز في كبح جماح نفسه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى