الاثنين ٤ تموز (يوليو) ٢٠٢٢
بقلم عادل القرين

رثاء الأبجدية

ما أجمل أيام الطفولة ومشاغبتها، وكأن لسان العمر يستنطق أنفاس الطين ونبض الحنين..

فهناك صبية يلعبون بأنامل البهجة وأصوات الفرح، وهناك طفلة تسرح شعرها المُضمخ بالحناء والطيب، على ترانيم الخلخال وخرير ماء العيون..

إلى أن التوت عقارب الزمن، وهمس الوقت في أذن القدر: قد كبُر الأبناء والبنات، وشاخ الآباء، وهرمت الأمهات..

فترمدت العيون، وشابت الظنون، وتغيرت الملامح، ولم يُلههم العجز عن خوفهم علينا من مس الهواء!

وساعة ما يصرخ المنادي فيما بيننا: "البقاء لله" تجزع أشجار الغفلة، وتذبل دموع الحسرة، ناحية سفح الرثاء، وآهات الخبر..

ما أوجعني لذاتي، حين أُحدث ألوان الصور، فوق قارعة قرطاسٍ يابسٍ هنا!!

هل أن نجوانا في حيرة نداء الضمائر؛ فإخالها صرخة في الحبر وترحال الصرير؟!

أم أن نداء الحال يجتث أرض المحال؟!

بهدوء يا أُمي أنصتي إليَّ، وهدهدي الشوق على ناصية الغياب..

وأجعلي ناي الذكريات يعزف الوتر المقصود بالتأمل..

أُماه:

أيُّ طفولة تنسى مواقفك؛ وأيُّ عمر يُلملم حنانك بعد الرحيل؟!

أُماه:

كيف لنا أن نناغي شفاه طفولتنا من جديد؛ وكيف لنا أن نفترش مُصلى غيابك؟!

أُماه:

كيف لنا أن نستنطق دموع الوجع؛ وكيف لنا أن نستجدي قطرة ماءٍ من سماءٍ مصفرة؟!

أُماه:

أنّى للشمس نسيانك في حالكات الدهر؛ وكيف للقمر أن يطوف في رحى يديك بالاستجابة؟!

أوما كنتِ تقتسمين رغيف عمركِ في كل يدٍ ممدودة؛ وعيون مشهودة للصغير والكبير؟!

فذاك يتوارى بكلامه المتعب بالشكوى، وتلك التي نذرت عمرها بالحنين، وابتسامتكِ تُلون لنا عناوين الرضا بالكلام!

أُماه:

ما زالت صرخات الطين تعتصر صوت القراح فوق قبركِ، وكأن منادياً يتوجس خلف خطاه نحو الكفن:

أيش ألف ألفين يا يمه إلشْ

أنتِ خيمتنه وكل مالي إلشْ

ولقمة التنور محسوبه إلشْ

وما أحد ينكر وعينه امدللـه


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى