الأحد ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم محمد كامل محمد

رسالة جديدة

في تمام العاشرة صباحًا كما اعتادت كل يوم جمعة، تستيقظ نشيطة على غير عادتها في باقي الأيام، رغم أنه يوم عطلتها؛ فهي على موعد متجدد تنتظره بشوق؛ تطارد عقارب الساعة ريثما يحين.

تقضي الساعات في تجهيز نفسها قبل أن تبدأ التسجيل؛ لتبدو في أجمل هيئة كما رآها أول مرة وأفتتن بها.
تتزين بأساوره التي أهداها إياها، و العطر الذي أحبه؛ تعبق غرفتها برائحته.

تجول في ذاكرتها، فتعود لسنوات بعيدة مضت، كان لقاؤهما صدفة، في إحدى زياراتها لصديقتها المقربة مي، التقت به.

هو الأخ الأكبر الذي يستقبل حياته الجديدة كمراسل للأخبار؛ لم يُتَح أمامه الكثير من الوقت، تبادلا نظرات الإعجاب، باتت تتقصى أخباره؛

انشغلت به، حينما قابلها بعد غياب دام عدة أسابيع، طمأنها، اعترف بشوقه الدائم لرؤيتها، تمنت أن يجد وظيفة أخرى؛ فلا يفترقا، لكنه يحمل فوق عاتقه أمانة تسليط الضوء على الأماكن المنكوبة.

روى لها الكثير من القصص، ما شاهده يفوق أي خيال، أطفال بلا مأوى، منهم من فقد عائلته بالكامل، فصارت الأرصفة والطرقات ملجأهم الوحيد، رجال بترت أعضاء من أجسادهم وفقدوا حواسهم في صراعات غير متوازنة، هناك من يملك القوة بلا حدود، وهناك من لا يجد طعاماً أو شراباً.

دمعت عيناها، ودّعته، ظلت بينهما الرسائل التي تحمل الأشواق عامرة، لكن غيابه طال، انقطعت أخباره عنها، بقيت على يقين من عودته، فلا تفتر عزيمتها ولا ينطفئ لهيب اشتياقها.

كانت تسجل له كل ما يمر أمام ناظريها، تلهث خلف الكلمات، فتبثه مشاعرها القلقة دائمًا، تشتعل نيران اغترابها، تكشف عما يجول بداخلها، تمارس طقوس حياتها التي أوشكت أن تتجمد؛ لا يقطع صوتها الممتد إلى أعماقها إلا هذا الصمت المرتد إليها.

يحمل صوتها الأشواق الدفينة إليه، تحبس أنفاسها، تعيق دموعها المندفعة، حتى لا تلجم صوتها، في كل مرة ترسل له، تتلهف لسماع صوته؛ كي تطمئن على صحته التي تعلم كم يهملها تحت وطأة الظروف، تتمنى أن تعرف شيئًا عن مخبئه، فتفاجئه بزيارتها، لعل لوعتها واشتياقها يهدأن.

في صباح السبت تصغي للإذاعة وأغنياتها الوطنية، كأن الوقت توقف في غيابه عنها، فتعيد ذاكرتها المعبأة بكلماته، تطل عيناه فتراقب سكونهما، ها هو يبادلها المشاعر، يأتيها صوته قائلًا:

 لِمَ كل هذا الصمت والسكون؟ أشاهد تسجيلاتك، فتحزنني حالتك رغم ما تحاولين التظاهر به.

 كل هذا شوقٌ إلى رؤيتك وسماع صوتك الذي غاب عني.

يتوقف فجأة صوت الأغنيات الهادر، يعلن المذياع بأسى عن رصد هجوم جديد؛ راح ضحيته عدد كبير من الضحايا؛ يتصدر اسمه القائمة؛ لكن يبقى صوته وكلماته يحومان حولها.

تصرخ، فتشق الصمت؛ تلملم عزيمتها لتكمل ما بدأه، فتنقل صورًا انطبعت في وجدانها، وحياة ما زالت تعج بالغيوم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى