السبت ١٦ أيار (مايو) ٢٠٢٠
بقلم الحسان عشاق

رواية الولي الطالح بوتشعميث

ضربات جماعية على الدفوف، يخرج الإيقاع متناسقا متناغما مع الرقصات، تن تن، تنزتن رتنزتن...تنزتن رتنزتن، تتشكل لوحة فنية رائعة من التراث الامازيغي الصرف، يكبر الحنين وتتولد الإشتياقات الى السلالات و الجذور العميقة، تسمع هسهسات القطع المعدنية الصغيرة اللامعة (الموزون) الموشحة للأحزمة الغليظة المطوقة لخصر الشيخات، هشومة تجيد الرقص على القعدة، تشد الأنظار حين تفك اسر خصلات الشعر لتطير في الهواء، تتماوج الأجساد وتطلق كمشة الزغاريد، يتقدم بوتشمعيث مندسا في جلباب ابيض معتمرا وشاحا اصفرا تتدلى على قفاه أهداب ذهبية اللون، من بعيد يظهر مثل طير البقر يلاحق جرارا يحرث الأرض، يدس المنقار في الأخاديد ينقر الديدان، يضرب الدف ضربات متتالية، يدور في دوائر صغيرة، يمشي مشية الإوزات باختيال شديد، يمد يداه الى الأمام فاردا الأصابع، يرسم براحتيه صورة لكائن خرافي يسبح في الفضاء الفسيح، الفرقة الشعبية تتوسد صدى الصوت الجهوري للشيخات الموشحات بالبياض والغارقة صدورهن بالقلادات والأسورة الرنانة، العيون اللهفة تداعب خصلات الشعر الطائرة في الهواء. تستحم الجماجم في أمواج رقصة احيدوس تدب فيها القشعريرة، تغيب على أجنحة السحاب راكبة أسرجه من الخيال، تسبح الحواس مفعمة بالفرح تذوب طربا في تجاويف المشهد، تسافر مزامير الوجع في الينابيع المسربلة بنخوة الجود والكرم، يستدرج التاريخ والحضارة والتراث، لاحت مملكة بورغواطة، وظهر حفدة النبي طريف من دنيا العدم منشرحو الاسارير، تبلغ الروح الشبع، تتمايل الأجساد من وراء الحواجز الحديدية، يقتلع صمام الاحتراس من الرؤوس، تتحاور الاجسام بالهمسات، أجسام مصابة بمس الهوى متكئة على الآهات تقاوم اجراس الاحاسيس، تكتب في التنهدات لغة عصية على البوح، تطرز للحب رقصة مقتضبة بين الأهداب، تسرقهم في غفلة لحظات الشرود، وتعيدهم التصفيقات الى الواقع، كل يغوص وحيدا في وحدته، شباب يحتكون بأحواض النساء، يفتشون في الروابي المنسية على منصات لنصب المدافع، تركض الأفئدة العطشى بين العرق والزحام والاحتكاك، ينحني الشاب الثمل كمن يربط أحزمة الحذاء، يلتصق بشدة بالجسد المنسي، يفك أزرار السروال، يلتصق بها بشدة يحاول فتح القمقم المغلق والمختوم بالأسرار. يرفع الجلباب بحركات دقيقة، يحتك الاصبع بالمحراب المقدس، لم يعد يسمع الضجيج ولا صخب البشر تحت ضوء القمر صار اطرشا، الشابة تدير ظهرها للعاصفة بدون ردة فعل، اطبقت بيديها على السياج الحديدي، همس في آذنيها بضع كلمات،السكين انغرز تحت البطن ولد الخوف والتردد، استسلمت مرعوبة وتركته يداعب الحوض، يسحب القلم يحاول كتابة قصيدة، ليروي خلسة ظمأ الحوباء، تهزمه صرخات وشتائم وراء الظهر، لملم أدوات التنجيم وهدم الخيمة بسرعة، فشل في اختبارات قياس الاختفاء في مختبرات فحص الفحولة، لم يكترث للعنات والقهقهات المنبعثة من الأفواه، ينسحب متخفيا بين الحشود خوفا من الاعتقال، افسدوا نزوة عابرة في محطات الاستغفال قبل أن يعانق الفرح، افلتت الشابة من اقتحام عنيف، تصفيقات حارة للفرقة الشعبية التي أتقنت الأداء، أيادي وحناجر تطالب بالمزيد، يمشي بتؤدة بنعله الأصفر، يتقدم مبتهجا متلذذا في نشوة الغباء بإنهاء الوصلة بنجاح، يقدم التحية للجماهير مقوسا. تأتيه الهتافات المطالبة بالمزيد...

 بوتشمعيث... بوتشمعيث

تصفيقات مجلجلة تصفع جدران المباني القريبة، تثقب الهواء والسماء، يفتتها اسمنت الساحة الواسعة، ترتطم بقسوة الأحجار المسورة للساحة التي اغتيلت فيها الخضرة بسبب الجهل المطبق في التخطيط للمستقبل، تخبئها الأشجار المتبقية المشذبة الأغصان في الشارع الرئيسي، تفر طيور الزرزور الأسود من الهرج والضوضاء، أرزاق الكادحين في فم الشيطان، المدينة يحكمها عشرات الآلهة الخارجين من رحم المأساة والبؤس والفقر الفكري، الاه الفتاوى يكثر من الموانع والحواجز والمواجع يلبس جبة وطربوشا، يشتهي كل نساء المدينة ولا يأتيه الشبع، يمضغ الكلام المعلب يفتي حسب العطاء، يصطف بجانب الفساد ويغمض الأعين عن المنكر، اله الوطء يستبيح الإعراض والمحرم ويبيت عاريا منكفئا على البطن يستقبل ماء أجاجا، اله النهب والاختلاس والزندقة، هذا الأخير تركع له جميع الإلهة المفقسة للنفوس الأمارة بالانبطاح والتزلف، ولكي يستفيد المهووس بحب الثقافة والفن والموسيقى يحتاج الى شفيع، طرق أبواب الآلهة الصغار الذين يزرعون التعاويذ بطعام متعفن، أعطه بعض الدراهم ودعه يرقص على الجراحات والفساد، بوتشمعيث فهم اللعبة بإتقان من خلال المران الطويل في تلابيب الجوع والعطش والعري، ما لا يؤتى بالعلم و القلم يؤتى بالنغم والفم والقدم، يؤتى أكثر بلي المؤخرات والبطون في الساحات والمواسم والحفلات، وفي الشقق الحمراء وامام باب المرابين، نحن في زمن وضيع تحكمه المؤخرات، الكل يزحف في الصحو والمنام على الكروش.

ترجل مند سنوات من سوق طاكسي كبير الى قرع الدف، وفي الترجل قصة اخرى لها ما بعدها من السقطات والكبوات والخيبات، ظل متسكعا مفلسا، يمشي حافي الجيوب و العيون، متشردا، من نافذة مضببة يتابع احداثا ملغزة في ضجيج الصمت، يستهلك اخبارا مبسترة تقيئها التلفزة والمذياع، يغرق ايامه في قناني الجعة والخمر مقدودة من الاستعطاء، في الزوايا يتكور مثل قطة خرساء متلفعا بالتلصص، تتبوله الأزقة وتتغوطه الدروب، يبلل فهرس الأيام القاسية بالانتظار والأحلام العابرة للوقت. لا أبجدية يحملها تحت الإبطين ولا فاكهة مشتهاة بين ضفائر القرويات اللواتي يرين فيه شخصا تافها، تربة فاسدة لا تصلح للزرع ولا الرعي، العروش بالية منغرسة في رئة الطفولة المثقوبة، جسد هزيل ينقع بشهية في مواويل الفاقة والفقر المدقع، يرحل من أزمة الى أزمة لكنه أبدا لم يكتشف طريق الطوارئ الى الرب، مشلولة صباحات الاستيقاظ في الحوباء، كل صباح يتقيأ الضجر والخسة، في الليل يسرج الريح ويستنشق نزلة التسكع ويخيط حلمه بالمسكنة. في القلب تركض الأمنيات العظام، يود ان يقطف باقات شبع وبطنة من رائحة الشواء المعروض في المحلات والمقاهي، ملابس نقية تلقي ستائر على حبال التشفي النابض في العيون، يصده الفراغ النابت ويثير الرهبة في مضاجع المخيلة، يصطحبه دوار إلى خراب البؤس، يهرب بدون تردد الى الحانات ليعب روحا من النسيان، يكتب في حضرة السكر لحظات الانتشاء، يمرق كوكبة الهاربين من سياط القهر وقلة الحيلة، تزدهر الأرواح بالسفر في الأحلام الوردية، تفك بالراح من القيود القاسية، يفرغ في الجوف كؤوس الخمر، يلتقط بصعوبة التنهيدات المنفلتة، يصرخ بالدواخل ويكشر الليل في الظلمة عن سكاكينه، خواء يقتص من الوقت الكئيب والصعب الفحولة، الإنصات لمشاكل السكارى المتشعبة يذيب في الحوباء شعلة التذمر، تنجلي الغيوم الداكنة، تزهر فوق روابي المخيلة الآمال العراض، الشمس تبصق الدفء فوق الرؤوس المكدودة. يفرقع صوت الكورتي، وجه مفروم مشقق الشفتين.تفر عصافير الدوري كانت تنقر الأرض الندية تحت ظل شجرة، تقفز قطة مرقطة متربصة في الخواء، تلاحق بعينيها طيران الوجبة.

 الدربيضة الدربيضة (الدار البيضاء)..بلاصة...بلاصة

تتداخل الأجساد في الطاكسي الكبيرة، ستة ركاب يتزاحمون متلاصقين متلاحمين، أربعة في الخلف واثنان بالقرب من السائق، عندما يكون الراكب ثخينا يجد صعوبة في السفر، ملزم بدفع الثمن مضاعفا لحجز مقعدين، مرات كثيرة يضطر الركاب الى الاحتجاج على الزحام بسبب الأجسام الثخينة، أمام المراوغات يضطرون الى النزول رفضا للسحق، بوشاحها المطرز بلون الربيع تثير الانتباه، تسيل لعاب الراكبين المسحوقين بالزحام والعرق ورائحة الانفاس، الله نائم في تنانير اللذة، يندسون في الضوء المشع باندفاعات مراهقة، يتسللون مثل اللصوص الى ما بين الفجين، فوق الربوة اجاص وكرز طازجة تحتاج القطاف، الوقت مدبج بالألغاز وبزفرات المصعوقين، تكبر الغرائز ويأكلها في صمت الكسوف القادم في هودج الاشارات والاستعارة واغلاق اصداف القميص، تسافر بذور الاشتهاء الى موطن الاسرار وتقضم في نهم تفاحة ادم، تجرها العيون الوقحة الى اوكار التلقيح المعدة سلفا، يختلس رحو من المرآة عطر شفتيها في لون الفراولة، تسحله نهداها المندلقة ويزفر برعونة تحت شرفة البلعوم، تنطلق السيارة بتؤدة بعد تأدية اتاوة الكورتي، تغادر المحطة الطرقية تاركة الضجيج والضوضاء وصيحات العمال، السيارة تهتز ترسل الخدر في الارجل المستريحة فوق السطح الحديدي، تهبط وتصعد بفعل الحفر، شوارع المدينة محفرة عذبها وسلخها الترقيع المغشوش، امام كل حفرة صغيرة حفرة اكبر.

المغنية الامازيغية اطلقت رصاصتها الملتهبة، تقتحم القلوب وتتكدس الغام الهوى في رحم الاحاسيس، تلملم قطعان الصمت وتنفخ الروح في الاجساد المتلصصة والمتهالكة على دفة الغمز، تشتعل روح المهجة بعشرات المصابيح والنجوم، على اجنحة الطريق المتعرجة تفضح الرياح المكنون، ترتعد فراشات الخيبات على اشرعة الحرمان، يتوسد الرجاء رزم من العشق والتمني، حمله الاه الاشتهاء الى مربض الحمامات النافرة، الصوت النافذ اجج النزوة في رئة المسافات، يختنق برائحة الانوثة الطازجة، يراها خمرا مقطرة من عناقيد نبيلة في ضيعة افرنجي ضليع في تقطير حبات الكرم، يرسل الكلمات المشفرة من هدهدة المقود الطيع، ينزوي بين طيات التبجح ويسرد مغامرات الطريق، مغامرات يخرج منها سالما غانما مع اصحاب البدلة الكاكي الذين يطلبون الاتاوات وعند الرفض يسحبونه على ظهر المخالفات الوهمية، تتناوب الآهات في هواء منقوع بالمنافسة، والبوح الودود يرشق الاحاسيس، يخترق النوافذ المغلقة والقلوب المسورة بالأقفال، ينتظر ان يخرج العفريت من القمقم ليرد الجواب، يحبو بالنظرات الخاطفة فوق الجسد مثل سحلية لدغدغة الرغبة الهلامية، السيارة المرسديس البيضاء تنهب الطريق المتعرجة نهبا، المغنية الامازيغية تمطر الراكبين بقصص الحب والهيام والازمنة المخصية، تساوى الغني والفقير في سهام الحب كلاهما يغرق في المشاكل، الراحة معدومة في البلاد، تلحس الاعين الجسد المتمدد في وداعة على الكرسي الامامي، تسحب قارورة تضغط على البخاخ، رائحة عطر قوية تعتقل السيارة، رقصت الاشجار والسحابات القليلة وغمزت الشمس. يأتيه ملتمس باللغة الامازيغية من الخلف. يطفئ فوانيسه المشتعلة.

 بدل الكاسيط اسي رحو شوف لينا حادة اوعكي

 مرحبا

على مقربة من العاصمة حادث مروري مروع، شاحنة كبيرة تصدم سيارة عائلية، هيكل المركبة مشتت تطايرت منه بضعة قطع الى جهات مختلفة، طابور طويل من السيارات المتوقفة، سيارة الاسعاف تنقل الجرحى، جثث مسجيه على الارض متروكة للعراء، حرب الطرق في بلادنا تقتل وتعطب الالاف سنويا، انها اشبه بحرب اهلية، افرغت الطاكسي من الركاب حين اطفا المحرك، عشرات الرؤوس تتدلى تملا خزانات الذاكرة بالمشاهد المروعة، الفرجة مضمونة وشحن البطاريات بالمجان، لتتقيا في المساء على مسامع الاهل والاحباب اهوال الطرقات وغباء وتهور السائقين، الفرصة سانحة للخروج من العتمة، الخيال يسكن حمم الاشتهاء ملتاع بحمى وفيروسات الهيجان، الخوف يرتعد فوق عقارب الخطوة الاولى، تقدم نحوها مرتبكا، تصطك بين الكلمات الحروف، امطرها ببضعة جمل مجربة المقاسات، يسود الصمت لهنيهات ضائعة، الاستجابة سريعة اكثر مما يتصور، شكك في الامر بضعة ثواني، لم يسمع خفقانا تحت صرة الموافقة، ارتدت السماء عباءة مزركشة، ازهر التوت والتفاح والاجاص واللوز، ضربا موعدا نهاية الاسبوع في المحطة الطرقية، لا شيئ يستهوي رحو اكثر من النساء، في منفى الانثى السري تداهمه الفتوة والعظمة، الوقوف مع القوارير يسوي التوازن النفسي، يمنح القوة والرجولة في مواجهة الاتراب المتقدمون بفك رموز علامات التشوير واسماء الشوارع والازقة، لم يدخل المدرسة ولا يعرف فك شيفرة الحروف، امام مرايا الاخر تركبه المذلة المروعة والقاسية، قصير القامة وضعيف، شكله ليس مقبولا، ترفسه زوابع الآهات في رحلة البحث عن النصف الاخر، يشتهي الاستراحة الدائمة على كتف امرأة في كل المواسم، تتيه خطاه مع الوقت في مصارين الطرقات، يحمل اوزار لزمن لكنه لا ينحني، افلت مرات عدة من سعير وقبضة الموت بأعجوبة، مثل الاطفال يحترف السهو ويركب جندول النسيان، يزداد القلق في الاوصال كلما اقتربت النوبة في نقل الناس، سفر المخاطر والارق والاستفزاز واسئلة المحطات الغريبة والعجيبة السارة والمحزنة، المحطات الطرقية في الوطن عالم غريب ومتشابك ظاهره مركبات وحافلات وبشر يركض في جميع الاتجاهات باطنه شرس وخبيث، السائقون يسبحون في عالم ضبابي، يحملون على الاكتاف شواهد الوفاة وقبور معدة سلفا، بعضهم مخمور بقناني الخمر الرخيص، اخرون رفع عنهم الوعي بالحشيشة المقدسة المستنبتة في مدن الشمال وحبوب الهلوسة القادمة من وراء الحدود، شلة اخرى مشدودة الى السماء تحلم بالجنة والفردوس المفقود، من محطات السفر تخرج الأساطير والاحاجي وقصص وروايات ابطالها سائقين اشبه بالعبث النابت على ناصية الوجود التافه في وطن محنط بالفوضى، يثمر مخلوقات خرافية قادرة على فعل اي شيئ، يركبون المحرم و الممنوع بعيدا عن شرطة الضمير باسم الخبز والحياة الصعبة، السفر قلق قاسي وشطارة زائدة، ملامح مجهولة وكلام اقل بمعاني مبتورة، تصهل الروح وتقاس درجة العفن و الوسخ في شرايين ومصارين الوطن.

 يا الله يا رحو الطاكسي عامرة

- باسم الله

كل شيئ في الوجود يمر مسرعا، الحياة بدون قيمة ولا معنى، غمضة عين ويحال الانسان على التقاعد، تخون الصحة ويعبر الانسان الى الضفة الاخرى، وخيانة الصحة اقبح شيئ يصيب الكادحين، لا ينفع لا اطباء ولا ادوية ولا تعويذات، في الصغر يجتهد الانسان في البحث الدؤوب عن المال خوفا من تقلبات الزمن العاهر وفي الكبر يبحث عن الصحة بالمال، النهار لم يعد كافيا لجمع الرزق من جيوب المسافر، الليل طريق موصل للمستنقعات الوعرة لاقتراف الموبقات والاخطاء، في الظلمة فرص تفترش المحطات بمناديل التائهات والهاربات واللواتي تقطعت بهن السبل، تهيج الفحولة وتصرخ من الظمأ والبوار وتلكم مناجاة لبصم صكوك الاحتفاء بالذات المصقولة بالإخفاقات، على اهبة الاستعداد لقنص الفريسة من صخب سحنات العابرين، السفر بلا مواعيد ولا زبون خيبة كبرى، الطرقات دائما تتوجس الرحيل، يرمقها جالسة على الكرسي الاسمنتي وحيدة ساهمة مضطربة، تضرب كفا بكف، بجانبها ترتاح حقيبة سوداء، عيون كثيرة تنهشها وتعريها، تراقب الحركات والسكنات تحصي الزفرات، في عقدها الثالث تقريبا، متلفعة بالوحدة والشرود، صيد سهل في ليلة دامسة تحكمها الاشباح، يغلي نداء الاشتهاء وتسقط بقع من مخاض اللعاب، يعوي مثل كلب قنص اصابته طلقة طائشة ومضى جريحا، تتشقق الجدران في الحوباء، تتهاوى الاسقف الشامخة بالتردد المغبون، تقدم نحوها متحصنا بصخور الناصح الامين،خاطبها بأدب مبعدا رياح النزوات، استدرجها بحنو للحديث، نازفا على الجسد الشهوات الرابضة في الشرايين، مكحلة، معطرة، ضوء عينيها يخيط شمسا لأيامه الحالكة. استحضر عواء الذئاب في الجوار وزحف الاوباش ودوريات الامن واستدراج لكشف الهويات في المخافر. الليل يبتلع الرزانة والجأش.

 يا الله تمشي معايا حتى للصباح

 اش من بلاصة...؟

 في البادية وصباح نردك ولا نوصلك فين تبغي

الانثى وحدها الكفيلة بترقيع مواطن الخلل وكبح جماح الرجال، انها همسة في وجه الضجيج اليومي، تعمد بحضورها كل انواع العياء والصراخ فيتلاشى، الاف الاسئلة تسقط في الدماغ والسيارة تطوي المسافات، كل الاشياء تمر مسرعة، الحانة لا تزال مفتوحة تستقبل العطشى والهاربين من ضغط الوقت المكفهر، اقتنى بضعة قناني خمر رخيص ولحم مشوي وزيتون وفاكهة وخبز، حين تشاركا الطعام واقتحمتها الطمأنينة عرف انها طلقت حديثا، سوء تفاهم مع والدة الزوج المتدخلة في الكبيرة والصغيرة، نفس الرواية ونفس الاسقاطات تندلق مذعورة من الابطين، تستريح فوق تضاريس فوضوية باحثة عن سقف، الزواج لم يعد مؤسسة مقدسة، الزواج لعبة مبتذلة في البلاد، اغلب المطلقات يلتحقن بجيش العاهرات، نظرة الرجال الى المطلقة مليئة بالاحتقار والدونية، سقطت على مفترق الطرق في الشهر السادس من الزواج، اما الاذعان للتقريع والتجريح واما الدفاع عن الكرامة، ليست جارية ولا خادمة انها انسانة يجب ان تعامل باحترام، الخيارات معدومة وحواء زاغت عن بيت الطاعة، انغمست مكرهة في حقائب الرحيل، وقعت أسيرة لصفقات التفريخ في الزمن الرديء.نفس المواويل السمجة والقبيحة سمعها من قبل، اغلب قصص الهاربات يتشابهن بتوقيت الحب المعدوم، المرأة والرجل يتنازعان على لا شيء لتفريخ القبح، لتكسير قشر الاهمية والنفخ في قفص الكلام ورسم الحدود، الكل يخرج عفاريته على فراش سوء الفهم، تتنفس أوكسجين الانهيار من اختناقات الهشاشة، اراء تستحم برغوة الخواء المنفوخ بالقوانين وشعارات المساواة الكالحة المرفوعة من قبل قبيحات وهرمات الوطن.

يستقبله كبير السائقين با عزوز عند الباب مرحبا بالشابة، ترد السلام وعيناها تمشط الارض، دعاها للدخول لتوقد القناديل المطفأة في الحوباء. المنزل المتواجد في الارياف مؤثث بعناية به اكثر من غرفة، محج للسائقين مدمني النشاط، با عزوز يقترب من العقد السادس، مولوع بالأفخاذ والخمر والمجون، متزوج من شابة في العقد الثاني لكنه لم يكتف، عندما تناديه الليالي الملاح يحمل الزوجة الى اخته في المدينة ليخلو له الجو ويمارس طقوسه بكل حرية، رائحة الطاجين تثير الشهية، باعزوز مهووس بإعداد طواجين مشتهاة حين يكون المزاج رائقا،ثمة شابة اخرى في الصالة الواسعة، ترتاح فوق زربية ووسادة مطرزة بعناية، تتقطع سلاسل التحفظ والحشمة والدهشة، يخلق التآلف والتآخي والتعارف، سرعة النساء على كسر الهوة والجمود واذابة المسافات بينهن اسرع بكثير من الرجال. يرقص الوقت على أنين الكمان و ضرب الدفوف المنفلت من المسجلة، عصافير القلب ترفرف في سماء الصالة، تنفض عن المهجة المواسم القاحلة، با عزوز يرقص كطفل صغير، مقوس الظهر كقوس قزح، يفرغ كؤوس الخمر في الجوف واقفا، يقبض على الكاس الفارغة بالأسنان، ترتسم على الوجه خريطة الفرح، بمخالب باردة يكبس على الجسد المستسلم في وداعة، تستلقي المفردات والحكي متعبة، تورق سنابل الحلم الاخضر في الذاكرة، وتصدح الحوباء بالزغاريد، يزهر في النبض الياسمين و في السحنة المجعدة الرياحين. تحتضن الابدان في الهزيع الأخير من الليل مخاضات الوجود الشقي وتنام على حافة العفو الالاهي.

في الصباح يجلده الغضب على النائمة بجواره اشبه بالشبح، انمسخت كلية لا تشبه المرأة التي تحرش بها في المحطة في ظلمة الليل، طارت المساحيق وطار الجمال الخادع، اذا اردت التحقق من جمال المرأة ادفعها للاستحمام في حينه لتسقط الاقنعة وتكتشف الحقيقة المخبأة تحت كثرة التبرج، من حكم باعزوز الشهيرة. تمتد حشود ملونة من الطرقات. لا يسمع سوى نبض الفوضى الكامن في ازيز المركبات وصيحات العمال، الكورتي ذو البشرة السمراء يصرخ كما العادة فوق الرصيف، يقتات من الصراخ، بدون صراخ يموت جوعا، يسجل ارقام السيارات ونوبة السائقين، يقدم التحية لبا عزوز الذي ترجل من طاكسي رحو، ولج المركبة الرابضة في المحطة وادار المحرك، يرشد المسافرين الى الطاكسيات والحافلات، مقابل بضعة دراهم تحمل الامتعة، تغيب السكينة والهدوء في الصباحات الصاخبة، المحطة الطرقية اشبه بالمسلخ، اشباح لا تمل من اطلاق غازات النصب والنشل، الشرطي القابع في المخفر غير مكترث، ينفخ في التسعيرة او يسطو المنحرف على الزبون، لم يرفع القبعة ليشيع المساحات المنسية التي يعبث فيها النشال والمدمن. ألف التمدد منهكا على وسادة الارشاء. عيون تائهة تتبادل الخوف الاحترازي، ماسحو الاحذية يلعقون بالنظرات الارجل، بائعو السجائر بالتقسيط والمحارم الورقية والبيض المسلوق والشاي يطوفون على المركبات.

 كارو مركيز...كارو مركيز... البيض مسلوق

 شي مسحة للسباط...شي مسحة آآآ شريف

ملتحي يلبس عمامة البر والتقوى يعرض سلعه، يسمع اشرطة صوتية لفقهاء المضمضة والحيض والنفاس، مسبحات وعطور مستقدمه من الاماكن المقدسة، اعواد الارك لتلميع الاسنان، وجوه معروكة بالفقر تدخن لفافات الحشيش، المصروف اليومي يأتي بتقطير الصحة يبذر على الموبقات، الكادح في البلاد يدور في حلقات مفرغة لزجة، كل مرة ينشب عراك تسحب فيه السكاكين، مهتاجون حد اللعنة، يتراشقون بالسباب والشتائم، باعزوز يشحن الركاب يودع الشلة محملا بأحلام محبطة تستدعي الغبطة إلى لعاب القهر، الحالمون هم الفائزون ينتظرون بصبر انباء الفجر الجميل الذي طال انتظاره، با عزوز ذاكرة متنقلة يحفظ تضاريس الطرقات والمدن والقرى، النوافذ مفتوحة على حدود الزمان والمكان، يعرف المنعرجات والمطبات و حواجز المراقبة، مهووس بالسفر والسوق حد الادمان، يجد حريته وخلاصه من مشاكل الدنيا في ركوب مخاطر الطريق، طفل يعيش البراءة في جميع الفصول، لا قلق في الدماغ، ولا خوف في القلب، تنام المدن والقرى لكن الطرقات تظل صاحية، وجه معروف كون كثيرا من الصداقات في المقاهي والمطاعم، شاهد العديد من الحوادث والعاهات حضر الجنازات، مر بأكثر من قصة عشق في حياته، الروح عطشى تكدح للوصول الى متعة تراقص أوتار القلب وتدفعه الى التقاط ورقيات الخيال المبعثرة، المتعة تسحب من تحت جلد امرأة لامست يداه وارسلت الخدر والقشعريرة، على الصرة تستريح المشاعر الجياشة، تتسكع الرغبة في شرايين الدم، ينشر على وجوه الانثى تجاعيد موجات الصقيع، ويمطر الوقت بموجات استغاثة حتى لا تصدا بين الفخدين المفاتيح، من يسمع أنين السائق تحت زخات المطر والبرد القارس وحرارة الصيف وجفاف الجيوب، والطرقات مسكونة بالحفر والشجارات،لا أرصفة ولا أعمدة كهرباء.

 يا الله يا با عزوز النوبة ديالك

 حاضر

الطاكسي مثل المرأة تحتاج الى الاهتمام الزائد، زيارات مستمرة للميكانيكي، تشحيم العجلات ومراقبة مستوى الزيت والماء والمكابح، صعب أن يضع الناس ثقتهم في سائق لا يعرفون ان كان محترفا حاضر البديهة يفهم زمجرة الرعد وانزلاق العجلات في الوحل والصرخات في قلب الطريق، ام هاويا متهورا يتهجى علامات المرور ويتلعثم في حجم السؤال عند اول عطب ويتعثر في الدخان والزحمة، ستة مسافرين محشورين في طاكسي اشبه بعلبة سردين، لا رابط بينهم سوى الوجهة، حين تتقياهم المركبة يهرعون كل في اتجاهه نحو المجهول، ربما سيلتقون في سفرية اخرى ربما لا، الاكيد ان الملامح ستمحى بسرعة من الذاكرة، نفوس تائهة في منعرجات الوقت تخربش في فضاءات الكينونة المتشعبة قصائد وهم عريض، تصدح بمزامير الانتصار رغم الانين والمعاناة، يحتشد الانسان ويزغرد بالبهاء والجنون والخضرة، يطلق سراح عصافير الدهشة والخوف، يتوهج الجمر الخابي ويتلألأ الصفاء، من اين للإنسان هذه القدرة العجيبة على النسيان والاستلذاذ برمشة ضوء صغيرة، يبتهج كبساتين الزعفران واشجار اللوز المزهرة، يسابق الريح للقبض على رغد العيش، وحدها الطرقات تعرف تفاصيل النواح والفرح والغضب. لاح في الافق البعيد صوت الرعد والبرق، رياح تهش الغيوم المثخنة بالسواد، الضغط يولد الانفجار، قطرات المطر تغسل الاسفلت. زخات المطر على سقف الطاكسي لها وقع خاص.

 اللهم اسقي عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك

 امين

زمجرة الرعد اشبه بانفجار قنبلة في ساحة حرب بعيدة، تنخنق شقشقات الكلام في الالسنة، يزدحم فراش الصمت في الادمغة، اهتزاز السيارة وفرقعة الاطار الامامي، تنحرف المركبة عن الطريق الزلقة فيولد الرعب، تموء الاحتمالات في القلوب، يتمجد اسم الله، يستنجدون بالملائكة والاولياء الصالحين يمضمضون الشهادة في رعب، يلبسون توب الورع على جنابة وطمث وكل صنوف العهر والنجاسة، يصلون في المخيلات ان يمنحهم الرب النجاة، فرصة اخرى لإعادة الحسابات، الموت غازل الصدور وتبختر، في ابط الخوف يتدثرون، ينكمشون، يرتعدون، هرب الدم عن السحنات المستسلمة للقدر، تسدد فاتورة الخطايا، با عزوز سائق محترف استحضر خلاصات وتجارب العمر، لم يرتبك، لم يجبن، لم يرتجف، الاف المرات فر من ايدي الموت المحقق، حاملا رضوضا وكدمات، بعض الكسور في الارجل، داخل القاعة تضج رائحة الادوية، رجل معلقة في الهواء ملفوفة في الجبس الابيض، كسر في الساق اليسرى، لا يدري ماذا حصل وكيف حصل، تذكر قوة الارتطام المباغت من الخلف، شاحنة صهريج تقطعت منها المكابح، فقد السائق السيطرة على الحصان الحديدي الهائج، انقلبت الطاكسي اكثر من مرة مثل بكرة خيوط، نجا جميع الركاب بأعجوبة بإرادة ومشيئة الله، لم تسجل اية اصابات خطيرة، بضعة خدوش وهلع جمد المفاصل وادخل البعض في نوبات بكاء شديد، لم ترسم على الجسد خرائط التوبيخ، مند زمان يرى الصحوة والتوبة بدون قيمة، يقف على الذات في المحطات الفارغة من أناشيد البسملة، الانسان وجد ليعيش ويتمتع بنعم الحياة بدون حواجز، الانسان مسير لا مخير مجرد عابر سبيل، يسافر راجيا الاها تربع على عرش السماء في الشدائد والمصائب، حين يلطمه الشفاء والصفاء، يلوك في اشتهاء ونزق تنانير تنشر العذوبة، ينزع طين الوصايا والاحاديث والآيات المقدسة، يهاب التيبس في جذور الفحولة، يزوره رحو يوميا في المشفى، قام بالواجب تجاه الزوجة الشابة، ابن الدوار يفهم في الاصول، ابن لم يلده من صلبه، علمه الحرفة ودفعه الى الطرقات ليلتقط الرزق، في البيت يدخل في فترة نقاهة، يتحرك مشدودا الى عكازين، فقد شيئا من الوزن، لكنه لم يفقد الشهية المتزايدة للأفخاذ والخمور التي يجلبها رحو كلما طلب منه، تخرج كالزهرة الفواحة من الخيمة الواسعة، يلهث واقفا على جرح يتوسد الآهات، في جسمها تعزف الربابة والكمان الحان الحقول والبراري، في قامتها يصدح الوجع اللذيذ، مهرجان املشيل للخطوبة، عرس للزواج الجماعي يقام سنويا بقبيلة ايت حديدو بجبال الاطلس، ترتدي لباسا تقليديا مزركشا، داست على اوتار الفواصل في الحوباء وصفعته عناقيد الهوى، في السوق كتب عقد الزواج، تزوج العشرات قبلها ابدا لم يشعر بالراحة والحبور، لا تجيد سوى اللغة الامازيغية، وبضعة كلمات مفرومة من العامية، عجنها بالطريقة التي يريد، وكيف ما يريد لتدوم العشرة ويرتاح من وجع الدماغ، ان غضبت لا تبرح البيت يسترضيها بسهولة، فليس لها احد سواه، لا تخالط نساء القرية، لا تستجيب لدعوات الحفلات، يستقيم ارواء ظمأ الشتات من مشاتل لم تستبح، وتثور انفاس الهزيع ضاجة بالشهوات، الصوت مختنق بين اقداح الشراب، الأغنية تناجي الحبيب في ساعات الفجر، لم تسمع النداءات المتحشرجة في البلعوم، الحب يعوي في الشرايين على غضاريف النوافذ، آهات من افرازات الهرمون، باعزوز في رحلة استكشاف الانثى في عز الكبر، تجرفه الجدائل بين الكفين، والكلمات والحركات محشوة في النبض، الوجه نجمة ذهبية في الظلمة الحالكة اكسير في سواحل الرماد، أزهرت الأدغال فاكهة في العيون، ترسل الخدر في الاشلاء، المحرك يزأر بقوة، تتهادى المركبة تلتقط موجات الريح، النتوءات مدسوسة في مصارين الاسفلت، فرقعة الاطار اشبه بطلقة رصاصة في الخلاء، قبض على فرامل العجلات الخلفية، اطفأ المحرك وتركها تنساب في الحقل كأنما وضعت فوق مزلجة الى ان ربضت، الحقل فارغ من الزرع، ارادة الله ان تقع الفرقعة في الخلاء وفي ارض محروثة، لا شجر ولا صخر ولا بنايات، ترجلوا مرعوبين، استنشقوا الهواء النقي، شكروا الخالق على تمديد العمر، علقوا في العيون شارات النصر، شابة مفجوعة تبكي بحرقة تجلس وسط الوحل شبه مغيبة، سيدة موشومة الذقن والايدي تربت على كتفها بنعومة، يهيم السائق البطل على صفحة المجد، رجال يركنون السيارات على جنبات الطريق يهرعون لتقديم العون.

 على سلامتكم... على سلامتكم

يجلس امام البيت على كرسي خشب اصيل ساهما واجما، نافورة الضوء ترقص على المحيا، القرية هادئة والجو جميل، دجاج ينقر الارض باحثا عن الحب،حمامات لا تكف عن الرفرفة والتحليق العالي، الزوجة منهمكة في اعداد وجبة الغداء، ارغفة تضج بشهقة الخميرة الطبيعية تطهى على نار هادئة في الفرن الطيني، زاره والداها في فترة مرضه، جاءا من الجبال ليقفا معه في المحنة، اعجب الاب بالمنزل والضيعة الصغيرة، اشجار اللوز والبرتقال والتين والرمان والمشمش، حظيرة بهائم يسمع منها ثغاء الخراف وخوار البقر، اكوام من التبن مغطى بالبلاستيك، مياه البئر اكثر عذوبة، تحت ظلال شجرة التوت يرتشف الشاي المنعنع وتشرب كؤوس اللبن، البوح لا يبرح أوجاع الذين تشردوا في الجبال، عن الحرب و تاريخ الاجداد الذي كتب بالدم، فقراء يقيمون قداسا للرب ليهربوا من حياة الضنك، ما اقدس البساطة في عيون البسطاء، مكتا قرابة الشهر نفحهما مبلغا ماليا، رفضا لكنه اصر، مبلغ بسيط لإطعام الاولاد التسعة، الفقر والبنون لا يلتقيان، من يملك المال لا يملك الاولاد، لغز عجيب وغريب، غادرا فرحين لان فلذة الكبد في ايدي امينة، ودعتهما وفي عينيها بقايا دموع، انتحرت على الشفاه المفردات والكلمات، اصعب شيئ يتعرض له الانسان فراق الاحبة، تحاول جاهدة طمر رائحة العناق المضمخ بوجع السؤال، خوفا من السقوط في فتنة الحنين، لم يسمعها يوما تشتكي او تتذمر، المطالب لا تتعدى حاجيات المنزل، تقنع بالقليل وترسم لوحة من صميم الاحلام المنسية في درج الذاكرة الطرقات تطارده كل ليلة، تداعب المخيلة بشراسة، في الاصابع توقد حنين المقود وهدير المحرك ويغوص في خفايا الوريد، انه اشبه بالسمكة لا تستطيع العيش خارج ماء البحر والوديان، اربعة اشهر بدون عمل، المركبة لم تصلح بعد ليعود الى العشق الابدي، مصاريف كثيرة تنام على الشفاه، الادوية استنزفت المدخرات، امتصت الحيوية والأفكار اللاهثة، باع عجلا لاحد الجزارين مكرها لتستمر عجلة الانفة في الدوران، كان بإمكانه في السنوات الماضية، سنوات الغفلة جني ثروة هائلة بالتهريب اسوة ببعض السائقين الملوثين بالربح السريع بنقل المخدرات والخمور والسجائر المهربة، يقتني بساتين واراضي فلاحية ومنازل سكنية في كل مدينة، فضل ان يعرق ويشقى في سبيل الخبز الحلال. الثروة السهلة تذهب بسهولة. عرف كثيرا ممن غاصوا في الوحل حتى الاذنين، سلكوا الدرب الخطأ في فترة ضعف وجشع اكيد، انتهوا في السجون والمستشفيات، تشردت العائلات و ابتلعهم الفقر، بعضهم يحمل العاهة المستدامة موقعة بأيدي العصابات، واخرون ادمنوا المخدرات مطاردين يعيشون ملفوفين في الخراب. عش مستقيما رغم الحاجة تعمر طويلا محترما بين الناس.

 دخلتي الحرفة بكري في السبعينيات ايامات الغفلة والسواقة العايقين دروا لباس

 لي كينقلو الممنوعات

 وعلاش ما درتيهاش...؟

 لانني انسان شريف

 الشريف في لبلاد ما عندو قيمة

يجره الحنين الى صراخ الكورتي و طقطقات ماسحي الاحذية والشجارات، والضجيج والشغب والقفاشات المنثورة على براريد الشاي، الروح ترنو بشغف الى انسام الحياة الصاخبة، الجسد تعبث فيه دودة الحزن والاسف، يشتاق الى الوجبات السريعة في المقاهي وقعقعة الكؤوس في الحانات، عمرا كاملا قطره في منعرجات السفر طلبا للرزق، للطريق سحر خاص لا تضاهيه كل كنوز الكون، كل مخلوقات الرب تنتعله ان نادى الرحيل، الطرقات تصنع الرجال وتحرسهم الملائكة، تكشف معادن اشباه الرجال في وقت الشدائد، تقود الطرقات في الوطن الى مدن وحراس في الحواجز ولصوص وشواذ، متعلمون وجهلة، شرفاء ومرتزقة، وراء المقود يكون مستلقيا على مضجع الاطمئنان والحلم، يهرب على جناح السلامة الى المجهول، الى جزر بلورية تنام على اسرة الرب، زرع ورودا وصداقات في كل بقعة وطاها، ينبلج الفرح ضوءا ساطعا حين يصل الى الوجهة سالما في الزمن المكفهر، الحرفة لم تعد مقدسة كما في السابق، دخلها الهواة ولاعبوا الركمجة في الازقة والشوارع، يراقب شطحات الشباب النزق يغرقون الحرفة في المهزلة، ضمائر مختومة بالعطب والشقاوة، يرسم كينونة الصبر على الجبهة، وجسر الاحترام والترفع عن الاذى ذاب مع السابقين، يتنامى الكساد وتهجم الرياح الدنيئة بمقادير ضخمة على اغلب الحرف، تصفى بقايا عروش الاخلاق دفنوها عميقا في غيابات الجب، تتشكل في الوعي تباشير الامة القادمة، امة تتوضأ بالدماء والفسق والفجور، مثل المشرق مثل المغرب كله غارق في الفساد، والجرب المتفشي وصل الى الافئدة واختنقت الصدور بالدخان المر والخيانات، با عزوز لا يزال متمترسا في خندق العادات القديمة، وضجة الأيام والعربات والقرى الهادئة والسواحل والأرصفة المتكئة على براعم السكينة و الوقار، هدير سيارة يقترب في النهار المضيء، ييمم السكون المدنس بتغريد العصافير ومواء قطة، مد العنق الى الامام. يعرف صوت المحركات جيدا، سحابة غبار تصعد الى السماء. الارض تستحم بالصيف في حرارة الظهيرة.

 سلام با عزوز

 كيف الحال يا ولدي رحو

 الحمد لله الطاكسي ديالك تصلحات... دقة امارش

- توحشت الطرقات وعييت من الراحة

الطرقات تمشي في الدماء، الحرية في العراء القاسي، في الفسيح الواسع، عينا زوجة با عزوز تهمسان بالبراءة في أعياد الجفاف، تجلس مهمومة وتنفض في الآهات رغبتها في الامومة، ترى أطفال الجيران يلعبون، يركضون، يتصايحون، تشاهدهم يذهبون الى المدرسة فرادى وجماعات، على الظهور الصغيرة ترتاح محافظ ثقيلة، تحاذر البوح بالأسرار المندسة في الفؤاد، لم تبح بل عينها فضحت، باعزوز عاقر لم تنفع وصفات الاطباء ولا محاليل المشعوذين، خاطت في الدماغ مساحات التعجب والاسى، رحو يرى فيها زنبقة برية في يد عجوز لا يعرف قيمتها، اتعبه الزمن المنخور، في مشيتها ألوان قوس قزح، يشتهي الجسد المنسي في اختناقات السفريات، يريد ان يستظل تحت نخلة النهدين، يرتشف من الرضاب اكسير الحياة، يقبلها في الخيال في كل لحظة، ويرسم حكايات الأمومة في الكلام، على مضض ترشق بالغمز الوقح و تنطمر في الحوباء، الضمير يحتضر تحت سنابك الاشتهاء الارعن، داس على العشرة والثقة بجرة رغبة، ماسكا في السر على جذوة العشق الممنوع من الصرف ولا يرعوى، يختار الاوقات والمناسبات ليرمي الشباك للاستفراد بالزوجة، يختلق الاف الاعذار ليطرق الباب، ينثر كلمات الغزل ويمطر الاهانات الشقية لاستفزاز ذبذبات الرصد والاستقبال، في الضلوع يطفح الغدر المنسي، النفس اللجوج لم تتق من اوبئة التحريض على الخيانة، كلما زاد التمنع زاد التودد الدنيء، والاحترام مرمي في الحضيض، تدوس الرغبة الجامحة المحرم، باغثها في المطبخ وقبلها بعنف شديد، اعتصرها مستعينا بحفنة الارتباك الشديد، شهقت و احمرت وجنتاها فأجفلت مثل المهرة الاصيلة، رفعت اليد في الهواء وهوت على الوجه بكل قوة، صفعة قوية اشعلت الفوانيس الخابية في الراس، لم ينتظر اكثر ليتلقى المزيد، هرب مهرولا من شقاوة اللحظة الخبيثة، باعزوز مخمور سلخ الراح بديهته، يدندن موالا لأغنية امازيغية ضاربة في القدم، الموال مدفون في الخراب والدمار الذي يحدثه الجفاف وشح السماء، غضب الله على العباد اكثر قسوة، الخبث اطل من جهة المطبخ، نزف كالكلب المسعور اطلق لعاب الخراب و ثقب الضمير، انتهكت حرمة المعبد في لحظة ضعف، الهواء مليئ بالدخان يخنق الانفاس، يبدد احلام السكارى، منكمش متلفعا بالخوف المهيض والمتقطع، الخوف من تمزيق السر ورميه عاريا على الوجه، غادر مسرعا متدرعا بالخواء، ردة فعل باعزوز غالبا تكون دامية وقاسية، سبق ان دخل السجن دفاعا عن حقه حين تطاول سائق متهور على دوره في نقل الركاب، السطو على نوبته والانتقاص من كرامته اخرج من جوفه العفاريت القديمة، اظلمت الدنيا في العيون حين تمادى السائق النزق في عمليات التجريح، سحب مفكا للعجلات من صندوق الطاكسي، دون تردد هوى به على الشاب المتنطع والمتبجح بالفتوة، انشدخ الراس الساخن، لجمته المفاجأة والضربة المركزة، سقط ارضا مدرجا بالدماء، عوقب بشهر سجن وغرامة. واقعة كانت كافية لينال احتراما اكثر من النقالة.

 نوبة ديالي

 علاش ما سجلكش الكورتي

 راه نسى... واش نحاكموه ولا نسوطوه

 شغلك هداك

خلافات بسيطة تتحول الى شجارات عنيفة تنتهي في المخافر والسجون، كلما احس بالحيف والاستفزاز تقفز عفاريت السنوات الماضية الى بؤبؤ العيون، الكادح لا يخرج الى الشارع محملا بالفكر والمعرفة والنظريات، الكادح يخرج محملا بالعضلات مستعد للمواجهة في اية لحظة، ومن لا عضلات لهم يعيشون اتباعا يرفلون في القمع والخنوع، يسيرون خلف ضعفهم تائهين يستقبلون الاعتداء بالطأطأة والذل والمسكنة، الريح لا تزال تعصف في المفاصل رغم السنون، تباعدت ليالي السكر، لم يعد رحو يستجيب للدعوات الملحة لشرب الانخاب، يستغل غياب باعزوز ليراقب الزوجة من على ربوة، كاتما صيرورة الغضب نازفا في اسف قيح الجرح، الخناجر المبثوثة في القلب المتيم لا تذوب، خيط الصبر بدا يتقطع، صرخة الغريزة تدغدغ خلايا الذئب في الضلوع، حاصرها وسط الحقل بوقاحة، كانت منهمكة في اعادة البقرات الى الحظيرة، تقيأ الرعونة مثل ذبيح، هربت مثل بصيص النور الدافق من الكوة، كافرة بعذاباته المزروعة في روضة الاشتهاء.

يسير في الطرقات مثقل بوعكة الصد، مشيدا مواويل عشق مراهق، صورتها تناغى بالقلب الغبطة والبهجة، يركب التحدي ويقسم ان ينال المراد، ليطفأ جمرة النيران المتقدة، ارسل في طلبها حيزبون الدوار، جميع الابواب موصده بالضبة والمفتاح، المفتاح في ايدي الزوج، خطط الاستمالة تهاوت تباعا، ليس جميع الغواني يغريهن الثناء، هرب نحو الليل يستغيث منقبا في الحانات عن منفذ للقفز الى الحديقة المسورة، لم يعد ير سوى الزوجة الشابة الموعودة لجسد متهدل يزحف نحو الخريف المنهوك، الفشل ينز من الدماء الحارة، صنع أصناما مزيفة من الأوهام وشرع في العبادة، فهم من الحركات العفوية انها دعوة لقضم التفاحة المحرمة، في الترحاب والاهتمام الزائد اختلطت المعاني، مدت الصابون والمغسلة، صبت الماء الدافئ على الضيف العزيز، تلاقت العيون وفترت الشفاه عن بسمة بريئة، أشاعت الفرح وانخلع عن الحياء الوشاح، مادت الارض وناق ضفدع في الخلاء، في جنبه يدس خنجر الغدر مشحوذا يتربص بالعنق ليذبح معلمه باعزوز. خافت من الفضيحة، وفي الدوار جيش من الوشاة ينقلون مساوئ الاخبار، فاتحت زهرة الزوج، لم يثر ولم يغضب، في الراس تسقط عناقيد القصاص، صراخ مبحوح يتسلق الشرايين والنصل يمزق القلب المحترق بطعنة الغدر.

 الكلب باغي اغدر بيا مزيان

 نهار كامل تابعني وكيصيفط عندي عيالات الدوار

 غادي نتهلا فيه احسن تهلية...

ما اكثر لصوص الفرحة من العيون، ما اكثر الخونة وهواة الطعن في الظهر، اتقي شر من احسنت اليه، الحكم القديمة دائما ذات دلالات ومعاني عميقة، با عزوز يعجن الايام بالصبر، بالمهل يأكل الباذنجان، يضع الخطط في الراس، متهيئا لولوج نفق القصاص، رتب كل شيئ بعناية، المصيدة منصوبة في انتظار سقوط الذئب، اندلق الكأس الثالث والاربعين في الجوف، الزجاجات الفارغة تبتسم فوق الطاولة، الحانة غارقة في الاجساد المتكورة، النديم يثرثر بدون انقطاع، كلما زاد شربا زاد صحوا، يستمع الى قفاشات النديم الغريبة والعجيبة، سائق حديث العهد بالمهنة متقاعد من الجيش، تعارفا قبل سنوات في التكنة العسكرية، حاربا في خندق واحد اعداء الوطن، لم يطق الجلوس طوال النهار في البيت، طرق بعض المعارف ومكنوه من طاكسي، مدمن على شرب الخمور، يجد ضالته في عصير العنب هربا من المشاكل وطعنات المقربين، ما ان عرج على احاديث النساء حتى دق جرس الانذار في الراس التائهة وعلق الانتشاء في الغفوة، غيظ من الخيانات يمشي لاهثا يجره الى الصحو يوقد المنسي الى حين، استوى باعزوز فوق الكرسي، استجمع القوى واصاخ السمع، ملأ الكوب بالعصير الاحمر القاني، الرجولة المطعونة تحكي الحقيقة بدون رتوشات، فيها بعضا من الافادة، زفر بقوة لاعنا النساء على كوكب الارض الفاسدة، تهجى ما علق من نزق الخديعة، والخديعة لا تضيئ نبوءة للمخدوعين، تتعرق الاعضاء يتلوى كمن يفتك به المغص، حين عاد الى المدينة بعد تقاعده، طرد من البيت الذي بناه من دمه وعرقه، ارسل كل شهر مبلغا ماليا، اقتنيت البقعة الارضية ولوازم البناء، ثلاثون سنة من الكدح والتقتير ذهبت هباء، طرد من المنزل حين طالب بكتابة عقد تمليك في اسمه، القاضي يصرخ لا يعذر احدا بجهله القانون، نعم شيد المنزل بماله لكنه مملوك للزوجة والادلة واضحة لا لبس فيها، حتى الاولاد كانوا في صفها، ماتت كل القيم على حافة الشوك والطمع، على أهبة الخضوع جمع حقائبه وانصرف بعد الطلاق، غاص في غبار الأمكنة، غاسلا السماء بالحسرات والندم على عمر بدده على الفراغ. فكر في الانتقام بعد انسداد الابواب، يمشي معفرا بالفجيعة هائما يتحين الفرصة لملحمة الدم، طعنة واحدة كافية ليزيل الثقل عن الكتف، ليقطع حبل الشر من المنبت، رآها ذات يوم من ثقب المراقبة والتربص تحمل في سيارة الاسعاف، علم بعد حين انها مصابة بسرطان الدم ايامها معدودة. انطفأت الجمرات التي تحرق الهشيم في الاشلاء...استعاد بالله وغاص في زحمة الوقت.

 جاك العفو من عند الله

 وييييه اسي عزوز...كنت غادي ننحرها من الوريد للوريد... الطاف الله حتى
حاجة ما تستاهل تقتل عليها.

 هذا ما يمنعش يتربا بنادم

 كاينة

لا تخفض الرأس لطعنة الغدر، العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم، انه اللغز المدسوس في ما وراء الكلمات المقدسة، رمقه في المحطة وحياه من بعيد، تنام الطعنة مبلطة بمعجون القصاص المنبجس من عتبات الروح الحانقة، والجرح لن يندمل بلثمة يد ودعوة للشرب في مفترق الطرقات، كل شيئ يمكن التسامح معه الا الطعن من الخلف. في حفلة فاتح ماي وعلى قصعة كسكس ولحم الظان يجتمعون، المسيرة العمالية انتهت بالخطابات و الوعود الضبابية، عجت بأهازيج الله أكبر والموت لأمريكا والامبريالية العالمية، دار الحديث عن مهنة السوق في زمن السيبة والفوضى، لم يعد شرط البقاء للأفضل حاضرا بل البقاء للأقوى والخسيس ومعطوب الضمير، الحضور الكبير للأسوأ يفسد الحرفة، نقابي السائقين والناطق الرسمي باسمهم، اتهم الحكومة والاحزاب بضرب القدرة الشرائية للعامل، نفس الكلام يردد كل عيد للعمال، نعل الله امة كثرت اعيادها، مجرد مسرحية سخيفة للإلهاء، لا شيئ تغير مند الاستقلال،الطرقات تعود لفترة الحماية وكذلك السكك الحديدية، بعض الطرقات والقناطر المبنية حديثا مصابة بالأعطاب، با عزوز يحفظ جيدا الشعارات الجوفاء والبخسة، عاصر زعماء نقابات واحزاب انقبلوا مائة وتسعون درجة، تنكروا للطبقات الشعبية وانتهوا في مزابل التاريخ، انتخبوه مرة زعيما نقابيا محليا، بعد عدة اشهر قدم الاستقالة خوفا من السقوط في عسل السلطة، للسلطة الف وسيلة ووسيلة لاستمالة الرافضين والمحترقين بحب المهنة والناس، في وعيه الشقي الوطن خريطة مبرنقة على مائدة السماسرة الكبار، خلف الظلال تختبئ عشرات الوجوه تلبس جلودا مستوردة، الشعب فقد عمره بالخديعة، لا وجود لفارس العشيرة ولا للمهدي المنتظر، قديما كسروا للحر ساقه وسرقوا منه الحرية والاحلام، النضال مشجب للوصول الى القمة والمناضل غلت ساقاه وايديه بالعطايا والاوسمة حين ركع للطاغية والمتجبر، لم يترك في الجينات ارث التضحية والبطولة، اسقط بصعقة الانحناء والتمسح والتدليس من خارطة التمرد. في زمن الجهل الوطنية الحالمة خيانة، والسجود لم يعد في حضرة الرب، المجد في حضرة الضمائر العارية قلاع مشيدة على الهواء، ومن علامة الارتكاسة ان تسرج الحمير لسباقات المسافات الطويلة، تعلم الرجولة والثبات على الموقف في الخندق تحت وابل الرصاص، يسال الاسئلة العميقة المحرجة والمستفزة، يفضح ما هو عصي على الفضح ويجهر بما يحتاط منه الاخر، الأفكار المنطقية لا تحتاج شرعية ولا تصفيقات شعبية، بل عن عقول مدركة وإرادات حرة تستوعب وتبحث عن الرقي.
في ألبوم الذاكرة عابرون بالألاف تسلقوا المخيلة مثل السناجب البرية تمتطي برشاقة الاشجار العالية، صور كثيرة لأسماء ورموز انهكتها الطرقات واستسلمت بعد المقاومة. الملاعق الفارغة تضرب في القصعة وتخرج محملة بالكسكس،رحو يجلس في مائدة اخرى غير بعيد، كلما خفت الثرثرة والضحكات حول القصعة المزهرة بالخضر واللحم، يلوح الخائن معلقا على حبل الاعصاب، يوقظ شياطين السنوات بمهماز حاد، لا يسمع سوى ضجيج الانتقام مجلجلا في الحوباء، الخفاش متمترس في الجوار يبحث عن منفذ ليلعق في اناء اقرب الناس ينفث في دخان الخطيئة.

 كل ياباعزوز واش شبعتي...؟

 الحمد لله..كناكل على قد الحال مشات الصحة

 نهار كبير هذا ياباعزوز

 بارك الله فيكم...بالصحة والراحة

اعترض سبيلها في الحقل المجاور كالمرة السابقة، رشقها بكلمات غزل، اصدرت ضحكة وطأطأت الراس خجلا، ضحكة كانت كافية لتولد الشمس في دهاليز الجفاف، يشتعل الجسم بالوخزات، الضحكة اولى الخطوات بتوقيت الاستجابة، لا شيئ اسمه المستحيل، المرأة تبقى امرأة بحاجة الى العطف والحنان والامومة، لا شيئ اسمه المحرم والمحصنات، كله من نعم الله، واما بنعمة ربك فحدث، في الارياف تفهم الكتب المقدسة بالمقلوب واصحاب المذاهب الاربعة جانبوا الصواب في تفسير معنى المحصنات، فقيه الدوار يبيع الدين مغلفا بالأخطاء والنواقص، يحرم المحلل ويحلل المحرم كلما اجزل العطاء وكبر العليق من يد الاعيان، اغلب ساكنة الارياف لا يثقون في الفقهاء والائمة لدفنهم الموتى، قراءة القرآن في القبور وقبض المقابل، صلاتهم لا تمشي بالأيمان الحق، لا يثقون في الاطباء الا اضطرارا، يرتادون الاضرحة طلبا للشفاء والبركة محملين بشمعة ودريهمات وتعليق التعويذات والتمائم، يفضلون مخاطبة الاحجار تجنبا لإفشاء الاسرار الصحية و هربا من تكلفة التداوي الباهظة.

الشمس تتدلى مثل ثدي امرأة مرضعة، الطاكسي البيضاء رابضة في فناء الدار، اشتراها باعزوز من اموال الحادث المروري، اقتنى قطعة ارض ووسع الاملاك، احضر بضعة بقرات وخراف مدخرات لليوم الاسود، كل مساء يقوم بتسوير الضيعة بالسياج، غرس عشرات الشجيرات المثمرة، يطوق اعناق الحياة بالأماني العراض وفي وعيه ينتصب التقاعد من الطرقات استجابة للوهن، استقبل البيت شقيقة الزوجة الصغرى، ادخلها الى المدرسة القريبة، اضافت سحرا الى المنزل وضج اكثر بالحركة، يراقبها تقلب الاوراق تتهجى الحروف، تحت شجرة التوت تضع الدمى في الصفوف، تحمل عصا وتخاطبهن ان ينتبهن قبل توقيع العقاب، معلمة في مدرستها الخاصة، الطفلة نامت في حضن اللعب.

الطريق المتربة تتلوى كالتعبان، شيع منزل باعزوز ولطمه الهوى، اطفأ المحرك وترجل، يتلهى برزمة المفاتيح، يلعق الشفاه ويبتلع اللعاب، في القلب نبضة حيرى من الموردة بشقائق النعمان، يدور بين منابع الغدر يبحث عن المنفذ، ليعانق المواعيد المنتظرة في الذهاب والاياب، في جلده تركض جحافل الحب وتسقط على خلجان حواء اية في الجمال تصرخ من الحرمان، كل يوم يقيس شدة الهزات فوق الارض الحرام، يغازل الهضاب والاشجار والأزهار والطرقات، كل الأسرار معلقة على زجاج النوافذ، الاذان تسترق السمع من الثقوب، حكاية العشق الممنوع في القرية تنعجن في الصباحات والمساءات، الثرثرة عابرة سبيل في بلاد الله، تخترق جدران الصمت و سجلات الرعونة، رائحة روث البهائم في يد المحبوبة اطيب من أريج الزهور، اجمل امرأة في القرية تنام بجانب جثة متكلسة، الله لم يكن عادلا ابدا ولا منصفا للقوارير، مصير الشابات الجميلات الحالمات معلق في كف السماء، تقتات من عري الهياكل غصبا، يفر من انوثتها الفرح والنضارة، تذبل عصافير القلب من الظمأ، بعد عقد ستموت فيها الحياة، الحب الحرام يخفي جبالا من حذر، الذكي من يمسك زمام الوقت يخطف الرحيق ويهرب، يفهم تقلبات شجرة عاكسها الثمر من شح التلقيح، حلت عقدة اللسان بعد المطاردة والالحاح، لم تعد تجفل كما في المرات السابقة.

يفترش الحلم على ارصفة ساعات الحديث، ترقب للطيف الحذر في محطات الانتظار اليومي، النوافذ مشرعة حين دق جرس الحب، تسافر الهمسات في حنايا السكون، تقترب بخطو وئيد إلى سفح الخطيئة، فاضت انهر الحنان، سر القبلة الخاطفة في المطبخ والتودد الظاهر دفن في الرؤوس، لا احد يفهم عقول النساء، باعزوز في دار غفلون. وفاكهة البستان اسقطت الاسوار وايقظت البحر الراكد في الدم.

 صباح الورد والياسمين

 صباح الخير اسي رحو

 فين با عزوز

 راه خدام... اوا دوز في العشية... غادية نكون وحدي

 ان شاء الله

لغتها الامازيغية معبرة اكثر من العامية، كلمات العامية مستعصية، كل الصباحات في الارياف قصائد فياحة، دائما متسع للشعاع وكينونة للصبر، منزويا يدوس على الجمر وحده، زوجة صعبة المراس سقته من ظمأ العناد، لأول مرة يستغرق شهورا لاستمالة انثى، المطاردات في السابق لا تكلفه سوى بضعة ايام، لكل جسد نقط الضعف والقوة، مفتاح قفل المرأة المستعصي والمغلف بأحزمة الضمير، امرأة اخرى عاهرة خيرت عقول النسوة وطبائعهن، جرب جميع الطرق لكنه لم يفلح، ظل مرميا في انتكاسة، شعر بالإهانة وغصة في الحلق وارتسم الوجوم الممدود في السفريات بحثا عن الرزق، ركب الاصرار والتحدي، يشعر فجأة بعناد طفولي يركبه من اخمص القدم المشققة الى ارنبة الانف، لاشيئ يخسره في المحاولات، لعبة سيلعبها عن اخرها، حمل أوجاع الرفض منكسرا وغاص في الزحمة ببصيص امل مربوط في خيوط العنكبوت، ناشدا نجاته من بئر الحرمان في بوابة كهف مهجور، عمل طيلة النهار بدون كلل ولا تعب، وقت صلاة العصر بحث عن باعزوز لم يجده، استفسر المقربين منه، عرف انه نقل عائلة الى مدينة اكادير، رحلة ستستغرق ستة وثلاثون ساعة واكثر، دعوة الزوجة للقاء المساء صادقة، دور الفكرة في الراس الاف المرات، تردد في بادئ الامر، خاف ان يكون باعزوز نصب له كمينا، تم عاد واستنتج لو اراد به شرا لقبض عليه في الخلاء وازهق روحه، ترصد طيفها ولاحقه برعونة، فوضى الغواية على ارض خصبة تصرخ من الجدب، دعوة صريحة لترميم التضاريس والصخور المنسية في الجسد، لامست الكلمات الحنونة أصابع الجرح المعتم، ايقظ الوباء الرهيب، والنزوة تحرس ليلا ينادي لخيانة تصلب على مذابح الشوق، يتملى على ضوء الشموع بوجنتين موردتين من النشوة. تعيد عقارب الساعة ودوران الارض الى الخلف، انهكته رحلة المد والجزر مند شهور، عاد من شروده وتيهانه على صوت الكورتي يطلب منه الرحيل.

 يا الله يارحو الطاكسي عامرة

في الطريق الى مدينة تاريخية يتلقى با عزوز الاشارة بان الذئب يحوم حول الحظيرة، قبض على قنديل الامان، الهاتف النقال نقلة كبيرة في عالم التواصل، استفاق في الصباح مثقل الرأس ببقايا الخمر، لم يعد بمقدوره الفكاك من جرثومة الادمان، اليوم خمر وغدا خمر، التوقف عن كرع الكؤوس يصيبه بالارتعاش، يشرب ليكنس تفاهات النهار، عقارب الساعة تتحرك بثاقل عجيب، باعزوز مثل صائم يتعجل الافطار، يعبر الطرقات ليغسل الوجه من رعشات الفقر، السور التاريخي العظيم بمدينة مكناس يمتد على مسافة اربعين كيلومترا بأبوابه وابراجه المتعددة ينهار في صمت، شاهد على الاجيال التي مرت، لم تنفع الرتوشات الباهتة، ترقيعات اشبه بضباب معلق على الزجاج الامامي للطاكسي، شعب اضاع واستباح تاريخه ويعمل على اضاعة المستقبل، حشود بشرية تركض في كل اتجاه، يعزفون العجلة في سحناتهم المكدودة، يصارعون رغيف الخبز القاسي، رجل عجوز يدفع عربة محملة بالأفرشة، الوجه متعرق ورجلاه تترنحان من الثقل، طفل في عمر الزهور يحشر انفه في كيس بلاستيكي ابيض يتلمس السفر الى مدن فاضلة، لصاق العجلات مخدر يجدب المشردين، عبوة واحدة بثمن بخس تكفي لتسكين فأرة الادمان، الكورتي في المحطة يصرخ عاليا، جميع عمال المحطات يتشابهون في الصياح، صوت العجلات والمحركات لا يتوقف عن الزئير، دخل مطعما شعبيا تناول صحن مرق بالدجاج، طاف على الدكاكين اقتنى حبلا وشمعا غليظا ملفوفا بعناية في ورق ازرق يحمل اسم ( زرهون) ماركة معروفة تعرضها نساء بكميات كبيرة امام ابواب الاضرحة، يتماهي به الزوار تماهيا روحيا، المغرب بلد المليون ولي تباع فيهم الخرافة وتقاس بهم درجة الوعي. ضوء الشمس يعلن الرحيل يحتضر يمارس انتحاره الازلي، الظلام ينشر ملائته المطلسمة على المدينة، الساعة تشير الى الثامنة ليلا، الرسالة وصلت عبر الهاتف. الفأر دخل المصيدة يحاول قضم الحبل، انطلق قافلا الى القرية، يطوي المسافات طيا، استعمل طريقا مغايرا.

 السلام عليك لالة زهرة

 تفضل اسي رحو الدار دارك

- الله اخليك ليا يا لالة زهرة

جلس رحو عاريا الا من التبان متدثرا بازار مرقط على حافة السرير الهزاز، اغتالته عند الباب النظرات والابتسامة الصافية، مد لها قفة مليئة باللحم والخضر والفواكه، احتفظ بكيس اسود تسمع منه قعقعات الزجاجات، تعرف زهرة مصدر الصوت، تروح وتجيئ من المطبخ اختها تمسك بالتلابيب، حملته على الصبر حتى تسافر الصغيرة في رحلة نوم عميق، الليل كله لهما لم العجلة، وقت غسل امنيات القلب على بعد خطوة، لا حاجة لوسوسة رياحين اللحظات الجامحة في كنيسة الانتظار، مرتاحا تهدهده ارتجاجات النصر، جندي متمرس في كشف دهاليز الرغبة لامرأة تستعد للهرب من سرير القحط، تراى له الرمان شامخا من تحت الجلباب الوردي، يتأرجح الاجاص والمشمش مزهوا في الجدع، مفاتن تقيم عرسا باذخا، كالقادمة من مدن الاساطير تمتلك أسرار الالهة وسر الخلود، افرغ الزجاجة الاولى في الجوف، الكلب في الخارج لا يكف عن النباح، ساهم يتعجل اللحظات الحميمة، تذكر تسلله في حلكة الليل، سقطت في الدماغ حكاية شيخ القرية عن النساء الامازيغيات ايام الاستعمار حين كن يبلطن اجسادهن بروث البهائم حتى لا يتعرضن للاغتصاب حفاظا على الشرف والكرامة، لا يدري كيف سقطت في الدماغ حكاية الشيخ المقاوم، زمن الشرف والطهارة انقرض من الوطن، ترك الطاكسي في دوار اخر بالقرية كي يبعد الشبهات، تمشى كثيرا بين الحقول مبتعدا عن المنازل تجنبا لنباح الكلاب الحارسة الامينة على ممتلكات الناس وامنهم، فتح باب السور ودخل الباحة الواسعة للدار، ابتسم الباب الثاني واطلت منه فرحة، رمق الكلب مشدودا الى الرسن تحت شجرة التوت، الارجوحة المصنوعة من الحبال تتدلى من غصن غليظ، السكون يخيم على المكان الا من صوت الموسيقى، طرق قوي على الباب الكبير يتبعه صرير، انتفض من مكانه ملسوعا، الصقيع يجتاح الاطراف يحس بالعجز، طارت السكرة وجالت بالدماغ الاف الاسئلة، انزلق تحت السرير مرعوبا، اقتحمه زبد الموج العاري، يد تربت على السرير الهزاز، ركضت أشرعة الوجع في الدماء، المكان دافئ جدا وقنينات الخمر ما تزال فوق المائدة، صحن من الزيتون الاسود ونقانق مطهوة، استفسر الزوجة عن الامر لم يأت الجواب، غاب لثواني سحب بندقية القنص واطلق رصاصة في الهواء، سحبه من تحت السرير بفوهة السلاح، بال في التبان عرف انه مطلوب لاقامة الحد، وثق رجليه ويديه بإحكام وكمم الفم بخرقة بالية، الرهبة تتسلق مذياع الجمجمة، تختنق قطعان الشجاعة و الفحولة، سحب باعزوز سكينا كبيرا، مزق التبان وبان الثقب الاسود، سكب في الجوف كؤوسا متلاحقة، يتمتم بين الفينة والاخرى كلمات قاسية ( الهاجم يموت شرعا) التعبير حاد يمزق الاوصال يرجم الروح بالطعنات، امره بالمشي على الاربع مثل الحمار، يأتي صوت المرأة متوسلا بالا يقتله، البندقية تغازل الثقب بتبختر شديد، الاشلاء ترقص من لمسة الحديد ويرتفع النبض، تضرطات متلاحقة تنقع الهواء، يغلق الانف من الرائحة الكريهة، يقضمه العذاب على مهل، الشيطان وطأت قدماه الارض المحرمة، جاء ليمزق الكبرياء والكرامة، سحب موس حلاقة شحذه بتاني على حجر وضع امامه، ثبت الراس بين الرجلين، حلق الشعر والحاجبان بدون ماء، يستعيد عطف السنوات، لم يثمر فيه اقتسام الماء والملح والطعام. انزل الكمامة عن الفم، الراس تسيل دما جروح متفرقة في الفروة العارية.

 انا مزاوك يابا عزوز عمرني نعاود

 لا غير عاود شكون منعك... غير انت لي راجل فهاد القرية

 والله عمرني نعاود

 سكت يا الكلب سكت...ولا غادي نخوي فيك القرطاس

يبكي بحرقة والم، با عزوز يشرب الانخاب يلوح بورقة الاغتصاب، المهاجم على حرمة الناس يموت شرعا، يعيد تكميمه مثل كلب مسعور، عويل الغدر اجراس من تواريخ الطعنة تفسد النشاط، يدندن بكلمات الذبح والشنق والمقصلات، العفو عند المقدرة غير وارد، في النشوة القصاص مكتوب بحبر الدم، سحب الشمع الملفوف بالورق الازرق الحامل للعلامة التجارية ( زرهون) من جيب المعطف الاسود، نزع الغلاف وبانت الشمعات المباركة بيضاء حليبية، غنى على المسامع المشوشة والمضطربة اغنية الشمعة ( لله يا الشمعة سالتك ردي لي سؤالي، اش بك فليالي تبكي مدالك اشعيلا). يطلق العنان للضحكات العالية... الشمعات الليلة لن تبكي ولن تسيل الدموع، لن تضيئ الاماكن المعتمة لتختفي، لن تشارك في محافل الشموع السنوية، الشمعة الليلة ستؤدي دورا عظيما، ستكتب سيرة عن الجسد المستباح، مكور على الارض المبلطة بالفسيفساء مرتجفا، كل مرة يأمره بالمشي على اربع مستعملا فوهة السلاح، الليلة لا نوم ولا طارق يطرق، الكلب في الخارج لم يعد يعوي، الزوجة نامت بعد العشاء، تنتظرها اعمال المنزل والارض والحظيرة، سيدة المكان في الغياب، صراخ يفر من الالم يضيع في وجه السكون، ازكمت الانف الرائحة الكريهة، دمدم بامتعاض ماسكا خيط الله مستبيحا الرجولة والفحولة، يتوجع باكيا حائرا ينتظر الخلاص، يتوسل بالعيون الله العظيم ان يفك اسره، يرمق بامعان صورة با عزوز المعلقة على الحائط في ريعان الشباب بزيه العسكري يتوسط سيدة طاعنة في السن مليئة بالاوشام ورجلا بلحية بيضاء الشبيهة بندف الثلج، شاهد الصورة في مناسبات عدة، لم تكن تمثل اي شيئ، استوعب متأخرا ان باعزوز عسكري يفهم في نصب الكمائن، الاشياء تشوشت في الجمجمة من الالم، زجاجات الخمر تطير وعينا البندقية فاغرة والاصبع يرتاح على الزناد، يعرف انها محشوة كبسة على الزناد ترسله على جناح السلامة الى المقبرة، يتلذذ بالاغتصاب يرسل المغتصب في غيبوبة، يصب نصف زجاجة خمر في صحن فارغ ويرغمه على اللعق، العق يا ابن الكلبة، هر صغير يحشر لسانه القرمزي في صحن لبن، تلطمه قهقهات با عزوز العالية، ترسله الى نعش النحيب راقصا على أوتار التمزيق والشج السرجي، الخامسة صباحا فك وثاقه وامره بالرحيل، تنفس الصعداء بكى بحرقة، جمع ملابسه على عجل وغادر، يجرجر أذياله الممزقة كسلحفاة فقدت القوقعة، لا يقوى على مقاومة الالم في السرج الدامي، يستعيد تمزق اللحم وبرودة الشمعة تدفع في الثقب المقدس، تسحب من الفتيل بتؤدة، يعاد الايلاج القاسي وهمجية المد والجزر اكثر من مرة، انتقم للشرف وطبق القصاص بالشمع المبارك. اختفى بالمرة عن القرية والمحطات الطرقية، صار لقب بوتشمعيث لصيقا به يطارده، با عزوز افشى السر في المقاهي والحانات نثره في المحطات الطرقية.

عام مضى على غزوة الشمع، باعزوز بطل في عيون السائقين ونساء الدوار والقرية التي ظلت تمضغ الواقعة طوال اشهر، رحو بوتشمعيث اشهر من نار على علم، اكترى غرفة في منزل قديم في المدينة، يعتاش على مساعدات الاخوة الشحيحة، يمارس مهن وضيعة لإشباع عصافير البطن، في الغدو والرواح يعتمر طاقية هربا من العيون الفضولية، يجره الحنين الى الطرقات والمقود كلما سقطت عيناه على طاكسي بيضاء، زوايا القهر الممد يأكله والفراغ يصلبه على قارعة الخواء، يصارع جرح الذكرى بالهرب من الجموع الغفيرة،الندب الشقي ماثل في الامام والوراء، في ضوء شمعة في الدكان المجاور، في تحديق النسوة الجارات اللواتي يمسحنه بالنظرات، مسنود الى العتمة والغموض مستتر من النزوة العابرة المسروجة على كف التعذيب، لملم ظله من زحام مجنون خوفا من الانحدار الى سقطة اخرى، التقاه الكورتي في زقاق مظلم امسكه من قفاه وجره.

 اهلا سي رحو كيف الحال....؟

 الحمد لله

 اش هاد شي سمعنا على الشمعة... واش بصح ولا كدوب...؟

 وخلي لي بغا يهدر يهدر... الناس ما عنداها شغل

 وعلاش غابر وطلقتي الطاكسي...؟

 عندي مشاكل مع العائلة

 اه...

يومئ للأشباح التي تقفز من الجدران في الغرفة العارية الا من سرير متقادم متوسلا أن يختفوا من المخيلة، تكشر المرآة وتعبس وتبادل نظرات الخجل، تقفز الصورة وتهمس غرفة التعذيب في الاذان (الهاجم يموت شرعا)، تنبجس دمعة من تلابيب الصبر، سيارة الاحلام تعطلت في الطريق المقفرة، يكره بعمق ذاك الذي وسع بداخله رحاب القرف، وشم ظلالا ورسخت في كهوف الحوباء، قطعت اوردة الاحترام بتوقيت الوشاة والهمازين، وقساوة حروب الذم والتبخيس تتربص في الازقة والشوارع، كوابيس الليلة المشؤومة تلاحقه في الصحو والمنام، اشباح تطل من الشقوق محملة بالبنادق والشموع الغلاظ، اطلالة الفوهات مقرفة مرعبة، الرصاص يلعلع في الفراغ، ينتفض مذعورا متعرقا، المترسب في ثكنات الدم يزفر كل يوم، ترتسم اوشحة القلق على أجفان الغرفة العارية. ما اقسى الوحدة والحصار في مقابر الحزن، في القلب الذبيح والكبرياء الجريح، في عالم مغموس بالشك واليقين والاسئلة الحقيرة والماكرة، يختنق بالدمع ويبكي بحرقة مثل ارملة، سابح في بركة السكون، الخيانة في دفاتر الميلاد فاغرة الافواه تنزف قبحا على صدر قبح، زاره اخوه المعلم في الخلوة فبل الظهيرة، وجده يهدي بكلام ملغز والقلب منه منكسر يبيت على جمر مشتعل، يتشدق بالموت والقتل والدم. لم يعد قادرا على مواجهة المصير، بالحوباء تكسرت المجاذيف،تسحقه، تفتته طواحين الليلة المشؤومة، ذهب بنفسه الى المسلخ لم يجبره اي احد. الزمن ظلوم لا يرحم اخطاء الضعفاء حين يشربون من الكاس الملوثة بالخطيئة، كيف السبيل للخروج من غابة الذنوب ومحو جريمة الاغتصاب، لم يعد يبصر في المدينة سوى الرماد والكفن.

 اخويا رحو خرج شوف الناس ما تبقاش ساد عليك الباب

 نخرج...؟

اخده الى البيت في السيارة بصعوبة، غادر منفاه الاختياري ملثما لابسا جلبابا صوفيا اسودا متخفيا، مرعوب من الاخر الذي لا يعرفه لكن يعرف بتفاصيل الليلة السوداء،يجيئه الصوت هادئا مقتحما، لكنه لم يخسر كل شيئ، الله يغسل خطايا العاثرين، تربكه الاسئلة النزقة، تورقها الإجابات المترددة على اطراف اللسان، تنبش في الاوجاع المضجرة، يحاول تجميع شتات ما تبقى من قوة فوق رفوف الذاكرة، حين تحاصره عيون الاهل والاحبة كعيدان الحقول الجافة، لا تكف عن التحديق والغوص في الاعماق تؤجج الشهقات، تتساقط الاقنعة وتشحذ المخالب، تسحق انفاسا في وجع القيامة، ونبضات القلب يسمعها الاصم وتكبر الدهشة، رحو اقرب الى الشبح، فقد الكثير من الوزن والحماسة واللغو، الذكرى الاليمة لن تحبس في قفص النسيان، الجرح لا يحتاج الى ضماد ولا منومات ولا مهدئات، الام المسكينة تخيط اقمصة الفرح بالاحاديث والاحاجي، روت على المسامع شيئا من الطفولة الشقية، الهرب من المدرسة في اول يوم، سرقة البيض والدجاج ونعلي الفقيه، تفر بسمة من العمود الفقري، رمت سلالا من الدفيء والعافية، ذابت بعض اختمام العبوس، في الجلسة تجنب الاخوة الحديث عن الشمع والخمر والنساء كي لا تسقط في الاسطح الراكدة، اكل بدون شهية من صحن المرق بخفة، بلع شرائح اللحم بدون مضغ،مستريحا على شفرة الخوف. لا يتوقف عن لي العنق بحركات بطيئة كمن اصيب بتشنج عضلي، شرب كؤوسا من الشاي المنعنع، احس بالراحة والطمأنينة على صهوة من غبطة الكلام، اخد بعد العصر حماما وغير الملابس، اكتسحته انتعاشة مفقودة، غادرا البيت في السيارة، طافا في الازقة والشوارع لساعات، قادهما التسكع الى الحانة، تردد في البداية لكن نداء الخمر اقوى. يكرع الكؤوس مزدحما بالصبر، سكير منزو لا يكف عن التلويح، تفرس في وجهه جيدا، عرف انه حمادي رئيس الفرقة الشعبية لفن احيدوس، تبادلا التحية والعناق، تشاركا الانخاب وقضمات من لحم مشوي.

 في غبرتي اسي رحو...؟

 غير في الدنيا

 كاين واحد السهرة في المدينة المجاورة يا الله معانا

 كاين شي طارة زايدة...؟

 هذي مدينة الطارة... حتى اللبسة كاينة والتدويرة ولعشا

 نمشي...

الدفوف تبدد الخمول والكسل، تصنع الفرجة بمقاس فضفاض، الراقصة المحترفة معتكفة في منصة النزوات، ترتعد منها الاطراف والارداف كالمذبوحة، تتراقص حبات الموزون في الحزام الغليظ وتصدر هسهسة ناعمة، يسمع رنين القلادات والخلاخل المشدودة الى الصدر والمعاصم، الرقصات الداعرة تزيد لهيبا في ميزان الحرارة، تشعل المتفرجين بالخفقان، ترقص الأرض المبلطة على مدار رفس الارجل المتناسق، تستحضر صراخ الهوية المطمور في عراء الاجساد، الجماهير مهتاجة تطالب بالمزيد، ترتل الحناجر الموال الامازيغي المفعم بالحرية والامجاد، المضمخ بالزفرات الحانقة على الطمس والسحق للموروث، اغاني اسقطت من معابد اللغات خوفا من زكام النعرات، رحو بوتشمعيث منشرح الاسارير يقبض على الايقاع يلعب بالأكتاف، انمحى طلسم الاغتصاب من عتبات الدماغ، من ملكوت الكلام الجارح، على ضفاف الروح تتبرعم الفرحة، تقبل الشتيمة على مضض، دخل في عراكات كثيرة لرفضه لقب بوتشمعيث المهجو من امتداد الحنق والتسفيه، لقب يحيله قهرا على ليلة الايلاج الدامي بشمع زرهون، استسلم في الاخير وتقبل بصدر مفجوع، لا يمكن ان يفتح جبهات للصراع ويغلق افواه السوء، يقارع اشخاصا واشباه اشخاص لا يملكون ملامح، كلما ارتفع منسوب القهر المستمر للذات و اللامبالاة كلما خف الذم والتجريح، اوصد الشهوة بمزلاج حديدي، هربا من حرائق السقوط في عشق الانثى، ترك حبال المخيلة ترتاح على الكتفين، يقضم أظافر الوقت متلفعا بالشرود، صوت الدف يعيد في النفس التوازن، حمادي يتقدم الى الامام بتؤدة، يرفع اليد في السماء، الابهام يستريح في ثقب الدف، حركة سريعة اشبه بمحاربي السيوف، يعم السكون، تنتهي الوصلة وتمطر الفرقة بتصفيقات حارة.

 تبارك الله عليكم

 الله ابارك فيكم

يجمع حمادي الدفوف والالبسة الموحدة في حقيبة كبيرة، عربة مجرورة بحصان تحمل الفرقة الى مقهى شعبي، حمادي مزهو كما العادة يدخن سجائر كازا بشراهة، ينفت الدخان في السماء، طاحونة الحياة عركته مند زمان، سافر الى بلدان كثيرة، زار الصين واليابان وامريكا جال في دول اوربا طولا وعرضا، الدف تأشيرة العبور الى بلاد الكفار، لم يحتمل فراق الاولاد، لم يروض ابدا الذات على انتعال الغربة، رائحة الارض وحقول القمح والزعتر البري، ضجيج الاسواق والاعراس، الثرثرات نادته من بعيد، قطع تذكرة في اول طائرة، رجع تاركا الجمل بما حمل، الغربة قاتلة، اللهم قطران بلادي ولا عسل البلدان، بقايا الطعام وفتات خبز على الموائد الخشبية، استقبلهم صاحب المقهى بفرح طفولي، يفرك يديه مرحبا، الطواجين البنية الاربعة مطهوة على نار الفحم الهادئة، لكل ثلاثة انفار طاجين، الدجاجات المحمرة تبتسم بعنف، تدخل اليد فارغة في المرق وتخرج محملة بالخضر واللحم، الشهية مفتوحة عن اخرها، قل الكلام المباح، بوتشمعيث لا يكف عن لي العنق، بجانبه ثوت الشيخة الهرمة ترتدي جلبابا اخضرا فاقعا ووشاحا ابيضا، عانس تزحف مستسلمة نحو الذبول، شرعت الاحداق واسعة تمهيدا للرعي، عيناه مثبتان على الطاجين، لم يعد يشتهي الهرب كما في الشهور الاولى، يمزق اوصال اللحم والخبز، يدفع في الجوف اللقم تباعا، الهدوء يطبطب على الروح ويندمل الجرح، الشيخة تسحب كيسا وتملاه بالمأكولات، العياء يكبس على الاشلاء، الوسادة الناعمة تنادي تريد المغادرة، السماء صافية والقمر في تمام اكتماله، الشارع مليئ بالمتسولين، يمدون ايديهم تكاد تلمس الوجوه، الهة الفقر تنشرهم في جميع الامكنة، كلاب وقطط مندسة في كل زاوية، قشرت تفاحة والتهمتها بصعوبة، يسحب حمادي رزمة اوراق من الجيب، يوزع على الرؤوس مبالغ مالية متساوية، يشكرون وينسحبون الواحد تلو الاخر غارقين في غيبوبة انتشاء، يركب الرباعي بوتشمعيث والشيخة وحمادي سيارة اجرة، السهرة لم تنته بعد. في بيت متواضع جلس الاربعة، الراقصتان وبوتشمعيث وحمادي يكرعون كؤوس الخمر، يتدلون على جذوة الراح هربا من الوقت الشحيح، يتقنون لعبة الهرب الى الامام، كل واحد يهرب من ذاته بحثا عن الخلاص المفقود، المهرجانات الصيفية لم تعد مزدهرة، عشرات الجمعيات لفن احيدوس فرخت، من رحم جمعية تولد العشرات، دائما المال سبب التشرذم، جماجم جاءت من العدم للتسول بالثرات، قريبا سيقرؤون الفاتحة على مكون ثقافي ضارب في القدم، اندلق الكأس في اليد، انتشرت مراسيم الفرح، الخمر اثقل حركة اللسان في الفم.

 بوتشمعيث خصنا ندفعو طلب نشاركو في مهرجان احيدوس في خنيفرة

 باسم الله

 لازم نجمعو شوية ديال لفلوس

 ندقو على الاعيان هذي المناسبة

يسكب الطمع أوجاعه على جلباب الفقر، غزلان الشحاذة ترعى في حقول الاعيان، تنحني القامات وتقوس الظهور لتقبيل الايادي، تلقى عبوة المسكنة وتصعد الى سماء الاوجاع للتسلل الى الجيوب، تحمر الخدود من الخجل حين تمد الصدقة، وتنسج حكاية من حكايات الفن التراثي البائسة، على لوحة الحياة ثمة اطفال جالسين في حجرات الفاقة، لا حرفة لحمادي سوى الرقص في الاعراس والمهرجانات والمواسم، قبل سنوات كان يصول ويجول، لم تكن في الساحة سوى بضعة فرق لفن احيدوس، الان الساحة تعج بأسراب المرتزقة والمتطفلين، الفلكلور بوصلة يشرع الابواب على مسارح الصخب والضجيج، الكل يمضغ الحروف والكلمات يعيد ترتيب القوافي وضرب الدفوف، يفسد النشاز العشق الابدي حد الوله وحد التقديس، تهطل في الطرقات الشوائب للمسكون بنار احيدوس،لم ييأس اسس جبلا من الآمال العراض، عرج زاحفا متعرقا نحو الخبز الحلال ليدق مسمار الوجود في وجه المحن متوضئا بالصبر، عندما يضيق الحال يحمل حمادي الملابس المستعملة الى الاسواق، يريد ان يكون انسانا فقط، يأكل حتى الشبع، الاسواق في فصل الشتاء تكون نائمة، حتى الدفوف تكون باردة، تحتاج الى الحرارة لينكمش الجلد، ليسمع الدف ما بجوفه عند الضرب، تخرج النغمة سليمة معافية، الدف البارد اصم يحدث صخبا عميقا ويخدش ملامح الايقاع على اعتاب الحضور،

 شعل العافية اسي عسو سخن الطارة راها صمكة

 حاضر اسي حمادي

عسو الكاسحة تجاوز الخمسين سنة من العمر، اشبه ببرميل نفط، الفم فار الا من بضعة اسنان صدئة، اشتغل حارسا للمقبرة طوال سنوات، اصيب بأزمة نفسية حادة، يتخيل اشباحا تلاحقه ليلا ونهارا، الانشوطة تتدلى من السماء، يحس بالاختناق ويهرب بدون اتجاه، يهدي بكلام غير مفهوم، قيل ان جنيا استوطن فيه ورفض المغادرة، جيء بفقهاء متمرسون لكي يحرروه من المسخ الذي يسكنه، رموا التعويذات والمحاليل، احرقوا البخور في المجامر، تلوا آيات قرآنية على مسامع الوهم والخرافة، فشلوا في فك اسره المزعوم من سطوة الجني، ولأنهم عجزوا اشاعوا ان الجني مسلم وليس كافرا، يحتاج الى فقيه مشكوك في تدينه، ادخل مستشفى الامراض العقلية، خرج بعد شهور معافيا من الوساوس والاوهام، خبير في صرع الدف، ضمه حمادي للفرقة لأنه قليل الكلام قنوع مثل ديك أخرس، مهووس بالزرود والموائد الدسمة، لم يلتقيه الشبع يوما في الولائم، يجفف الصحون بألوان الهدوء، حين يقرفص للأكل المجاني لا ينظر يمنة ولا يسرة، لا يسمع الاحاديث ولا شكل الوجوه، الحواس محنطة مغروسة في الصحن، يبلع بدون مضغ لم يغص ابدا باللقمة، تسائل اعضاء الفرقة اين يذهب الكم الهائل من الطعام المزدرد، اجابهم ان في البطن الاف الجيوب الفارغة، منذور للرعي الجائر كلما وجد، لا تحركه اشواك الياس ولا غربان الحزن، ولا يجهش في الاجنحة الغضب، الشمس لا تنام في احضان الفقراء الا في المناسبات، يدخل الى المنزل يستقبله الاولاد السبعة، محملا بالأكياس التي حملها في عربة يد، تورق الابتسامات في العيون وينتصب كالآلهة،ينسى التعب وينسحب الضجيج من الراس، يتمدد على الفراش، لم يعد يسمع صخب الاولاد المندلق كسرب السنونو، تستحم الروح بالبهجة والسرور، منغمسون في حشو البطن ببقايا الطعام، يغيب عن العالم المحسوس، النوم زائر يتعطر بالصمت، يعلو الشخير كالصفير المسافر فوق الهواء، بقايا سمفونية نشاز، الزوجة طامو تهش الاولاد، تدفعهم الى الزقاق المتربة. اخر الاولاد طفلة لا يتجاوز عمرها سنة ونصف السنة، الفتاة البكر في سن المراهقة، مكتظة باللهيب، مدهونة بالريحان ونار الطهارة، عابقة بندى اغنيات مطرزة على نقاوة الفجر مسكوبة فوق الصدر المرمري.

 سكتو خليو باكم ينعس راه عيان

طامو تحرس فتاتها البكر بعناية، الذئاب الشرسة تتربص بالخرفان الممسوسة بصعقة الهوى في الزقاق، ظل الام معلق على عصافير الحديقة الصغيرة حاضرون في الغياب، تعانق الطمأنينة وترتاح فوق الازهار من وجع الخوف حين يغلق الباب، السماء كل يوم تمطر بالمواجع، الصغيرات ثمرات مترعات بالأحلام الوردية والاندفاع الاهوج، طبول الغواية متمترسة في الطرقات وابواب المدارس، رابضة في المقاهي ودكاكين العطور والملابس،في جبروت الخفقان تكمن مأساة السقوط، الشارع مليئ بقصص هروب القاصرات من البيت، يسكنن صفحات الجرائد، افتضاض البكارة باسم الحب وطوفان الاحاسيس، انجاب اللقيط في المواخير، تحترس طامو كي لا تتأبط الندم، ترافق البنت الى المدرسة وتنتظر عند الخروج، تضبط مواعيد الدراسة، الجريمة تتقيا على السحنات المتساهلة والمتناسية، تلتهم براعم الارض ولحم الاكتاف، تنهش في العلن سر الارحام، الشياطين في المدينة تخرج من الاحشاء مدربة على ارتكاب الشر، الصغيرة تخبرها عن أساطير الطفولة المغتصبة وسلالم الظلام والندم، تتمنى ان يطرق الباب راغب في الزواج، ليس هناك شروط مسبقة، لا صداق بالملايين ولا عرس خيالي، مكان الفتاة بيت الزوجية، طامو تزوجت بقالبي سكر وكيس طحين، زغرودة النسوة وحناء في الارجل واليدين، جنون المفاجأة يقاتل الافكار يغتسل بالاحتمالات، استغاثت بالأم في البداية، نامت على نوافذ الخجل واطلقت صرخات وشهقات في نفق الليل و سراديب الصمت النازفة من حجرات الطين، توسلات على شرنقة النسيان، جف في الاوصال ندى العذارى، احبت لعبة الفراش وارتضت بالمصير، تقمصت الدور بإتقان وانجبت نصف دزينة من الاطفال، ولان الحياة ضنكة وشقية، عملت خادمة في المنازل، طاهية في الاعراس وحفلات العقيقة والختان، الطهو يسري في العروق ورثته عن والدتها، الطاهيات في الزمن العجيف يشتكين من المنافسة الشرسة للشركات الخاصة، المهن التقليدية تزحف نحو الانقراض، الدنيا فيها ملائكة الخير متوجة بأكاليل الحنو والاحسان، طوال سنوات من الكد والعرق، عاينت قلوبا مفعمة بشغف النور واخرى تنفث السموم، البشر رمل وحجر، عاشا على عطايا الناس، البسة وافرشة وادوات منزلية مستعملة، الصالح يعاد استعماله والمهترئ يباع في الاسواق، بفضل عائدات الادوات التي تباع، شيدت حجرات بالأجور والاسمنت وسقف متين، تخلصا من قطرات المطر المتسرب من الشقوق، ينتظرون الربط بالكهرباء والماء وقنوات الصرف الصحي، طرقات مبلطة حتى لا تغرق الارجل في الوحل، ترتاح الرئة من روائح المياه العادمة، سنين يشربون الوعود، ينتظرون الاحترام الراكب ظهر مترشح انتهازي.

 ان شاء الله غادي ندخلو ليكم الماء والضوء والواد الحار

 سنين وحنا كنسمعو هاد الهدرة

 اقسم بالله حتى نفذ الوعد

 بلا ما تقسم حفظنا الموال

طامو تقود تمرد النسوة المتجمهرات،تفهم في اصول اللعبة، في زقاق جانبي افرغن منه الجيوب، اقسمن بدورهن على التصويت للرمز، الكذب المبرقن ينشر جناحيه على احياء الدود والدم والصديد، الذئاب والثعالب والجرذان وبنات آوى تغرس الانياب في الحالمين، سلاح المواطن لانتزاع المكاسب النضال الجماعي، زمن الوعود والانتظار والخيانات المبعثرة انتهى، عسو يحضر جميع ولائم الوان الطيف السياسي، يقبل الايادي ويدعو بالنجاح للجميع، لو كانت دعواته ذات نفع لانتفع بها، يصهل التلف في واحة الروح، وسط الزقاق الفارغة من الملائكة اطفال يلعبون، المياه العادمة تنشر الروائح في الفضاء، نساء مترعات بشهيق الشهوة يفترشن الارض، تآلفن مع النتانة والذباب والحشرات، عربة مجرورة بحصان هزيل تخلف قعقعة عالية، الحوذي يجلد البهيمة بالسوط، اكياس الاسمنت والاجور ثقيلة، يجر اللجام برعونة، ضربات متلاحقة على الراس، انزلقت قوائم الحصان في الوحل وسقط منهك القوى، خياشيمه امتلأت بالزبد الابيض، تناثرت اكياس الاسمنت وقطع الاجور، ارتفع الغبار في السماء وهربت النسوة الجالسات على ابواب بيوت من قصب وطين، انهالت عليه الشتائم واللعنات من الاسطح والنوافذ والثقوب، من بين الازقة الضيقة ركض الرجال للإغاثة، سحبوا الحصان من قبضة الاختناق، الحوذي يتحسس اضلاعه وراسه، خدوش في الوجه والارجل، وبخه بعض الرجال على التهور واذية البهيمة والاثقال الزائدة، احجم عن الكلام وظل يبحلق في الحصان المتقطع الانفاس، يستعيد السقوط المنبجس من التهور واللهفة، وجه يرتدي ثوب الجنون، اذا نفق الحيوان مات الرزق.

 ها انت تهنيتي دابا هز السيمة والياجور على ظهرك

 اااااااه

 العفاريت كيطرو في الطريق بحال الى صايكين طيارة... الله امسخك

اجمل شيئ في الاحياء المهمشة التآزر والتأخي، عسو الكاسحة ظل يرقب المشهد دون حراك، جاء حوذي اخر وحمل السلع، ظل الحصان ملتصقا بالأرض، الزبد متكور على الخيشوم، رفس بالقوائم عدة مرات وسكنت الحركة، لمس الجثة ووجدها باردة، حملوه فوق العربة واجبروه على جرها بالجسد الملطخ بالفجيعة والمعتم القسمات، وفي الجر بعض العقاب الالاهي، الحوذي الحصان او الحصان الحوذي، الجثث النافقة تجلب الامراض واسراب الكلاب والذباب و الروائح الكريهة، رمقهما غير بعيد يسرعان الخطو انشرحت الاسارير، شهور يجلس امام المنزل بدون شغل، ملائكة الولائم معلقة في شجر الانتظار، يحلق الجوع المزروع تحت سندان الأيام، يرتفع شوق الهتافات والضرب على الدف، ترفرف عصافير البهجة تطرد روابي التكلس، انهكته الاطعمة الحافية وبراريد الشاي، حروف المطالب والشكاوى تتكسر في الحوباء، يدور في حلقات مفرغة وتتكرر نفس المشاهد اليومية، سكارى ينطحون جدران الطين يتبولون في الازقة، شجارات المدمنين و الازواج، مطاردات للكواعب لإطفاء لهيب النزوات، المضحك ان الجميع يؤدي الطقوس في الاوقات، يتعايدون في الامراض والاعياد، يتظاهرون بالحياة ليس الا، لا شيئ جديد في سماء الحي الشعبي المكتظ بالموبقات ولا مهرب.

- السلام عليكم... كيف الحال اسي عسو

 عليكم السلام ورحمة الله تعالى...مرحبا نهار كبير هذا دخلو تشربوا شي كاس اتاي

 مزروبين جمع الدوزان ديالك مسافرين لعين اللوح.

 عين اللوح...؟

 كاين مهرجان فن احيدوس والشاحنة كتسنا سربي راسك

نادى على البنت البكر، سكينة جاءت مسرعة، سلمت على حمادي وتلاقت عيناها مع عيني بوتشمعيث الذي ضغط على كفها وابقاها لثواني، مرر لسانه على شفتيه، تحركت تفاحة ادم وغلى الدم في العروق، مشى الهوينى على حافة العشق، الضوء خلف القبرات الرابضة في الصدر يشتعل، الوقت يحبس الانفاس تتقشر ببطء ويضج اللهب، جذوع الشهوة تمتد في الشرايين، وضعت الحقيبة عند الباب وانسحبت موردة الخدود، ذبذبات الهوى ترقص لها دقات الاوشاج، تملكته شراهة الأفخاذ البضة العذراء، فاحتسى العقل الاخرق الاحلام جرعة واحدة، سقطت في الدماغ الاف الخطط للقبض على القبرات التي تطل من شقوق القميص مترنحة، يمد يدا يساعد عسو على النهوض، يترنح كحائط آيل للسقوط، يحمل الحقيبة بيد ويسنده باليد الاخرى، تخلص من الحقيبة داخل صندوق الشاحنة، خطر بباله التلويح بأطراف الاصابع، لكن اعدم الفكرة في المهد، التقط بنظرة خاطفة وجه القمر، تبخرت ثاني رشقات الحلم بتكشيرة، دقت نواقيس الغنج والتمنع، والقبلات الدافئة تحبو على الركب في السر، لا شهود على الفرقعة الصماء سوى بقع من لعاب اللهاث، ظلوا وافقين في الزقاق الى ان غابت الشاحنة الحمراء المحملة بفرقة احيدوس، سحابة الغبار ترتفع في الهواء، تلطم الملابس المنشورة في النوافذ والاسطح. يمر بائع خضر يدفع عربة، يرفع عقيرته بالصياح، يستعرض اسماء الخضر، جزر وطماطم، بطاطس وفلفل وبصل، يحمل حبة طماطم في الهواء، يغازل الحمرة والاستدارة والطراوة غارسا عيناه في الشابة سكينة، طامو تلملم أبجدية الكلمات، تركض عناقيد النقمة في الدم، شباب اليوم لا يحشمون، لا يحترمون لا الكبير ولا الصغير، العربة مطوقة بأجساد النساء، تطير الخضر الطازجة بعد اخد ورد عن الاثمان، على ناصية الحي يحلى الكلام وتنثر الاخبار مضمخة بماء الزهر والمسك والقرف، الخضار ينادي بقرب نفاذ السلعة المليحة، النبض مضطرب والعين تسأل تستفز الرجولة. سكينة ساهمة تفتر بين الحين والاخر عن ابتسامة. تعرف الشاب حق المعرفة، ابن الحي يعيش وحيدا مع امه، يكد ويجتهد في سبيل لقمة الحلال، غازلها اكثر من مرة، تربص بها مقتنصا الفرص الشحيحة، الحراسة مشددة عليها من الام، انفتحت كل الابواب الموصدة بعد مطاردة شقية، سمعت نبض الكلمات واستسلمت حين طرق الحب الاوردة. كان يركض ورائها واصبحت تعد الثواني والدقائق للقاءات المسروقة، تعجل عقارب الساعة حتى يحل الموعد.

 باغي المعقول يا سكينة

 اجي للدار خطبني

 خليني غير نجمع شوية ديال لفلوس

 جيب غير امك تهدر مع امي... ونتلقاو بكل حرية بلا خوف

 ما قلتي عيب

إيماءات الاشلاء العطشى تحنط الخضار، الراس يهيج شرارات يمحق التردد، لم يعد يرى سوى الحورية الواقفة على بعد خطوات، يحس بالأنفاس تلسع الوجه، يغطس في عذوبة المشهد، ينسى في لحظة العربة والسلع والايادي الناهشة للخضر، عادة النهش متأصلة في الانسان، بدون نهش لا يستقيم البيع والشراء، في الاسواق الشعبية يتقوس الزبون ناشرا المؤخرة، كذلك الحال في اسواق الملابس المستعملة، بعض المساخيط يطلقون على اسواق الهواء الطلق، اسواق استعراض المؤخرات. السافلة اول شيئ يشد المتحرش بالنساء، جمال المرأة من كبر العجيزة، فراشة ترتجف في فوق الافنان تبحث عما يغذي الروح، وضاءة كشروق شمس بدد عتمة ليل طويل، لا كلام يعلو فوق فورة الاحاسيس، سفينة زاهية تسبر نبض المحيط، تقترب وتساعد الام في حمل قفة الخضر، تورق أسرابا من الصبوات،يغرق في بحر العيون العسلية، في متاهة بلا مخرج، قبل ان تتوارى ارسلت قبلة في الهواء، عواصف مفعمة بالينابيع تتلاطم بصخب، يرفرف القلب يغتسل ويتطهر من الهموم والتعب، من خلف النوافذ المشرعة يختفي صوت الخضار، يعم السكون المؤقت المتخم بالهمهمات.

الحقول اضناها الجفاف، فلاحون ذاهبون للحصاد بمناجل حافية، منسوب التذمر والسخط يصهل في الرؤوس، القحط يقلل من الافراح والمواسم، حمادي يفرك اصابعه يشبكها ويحدق الى الاعلى، يدخن السجائر السوداء بشراهة، يتجول في مصارين المدينة، يسلم على ابتسامات تتوسد الارصفة، يجلس القنوط في الاحضان، المدخرات التي جمعها من مهرجان عين اللوح بدأت تنفذ، الحمار عندما يجوع يأكل من( البردعة) السرج المحشو بالتبن، تسجن الروح في زنزانة الاسى ويلعن الاسراف، تفوح منه تنهدات الحرمان، المقاهي فاغرة الافواه، عشرات الاجساد يتحلقون حول براد شاي، ساحة المهرجانات خاوية على عروشها، تضرب اشعة الشمس الاسفلت وتنعكس في العيون، تمثال البغلين منتصبان في تحد، اختيار نصب تذكاري لدمغ المدينة لم يكن موفقا، صاحب الفكرة يرى المدينة اسطبلا للحيوانات، الانسان في الاخير حيوان ناطق، عشرات المكونات الحضارية والثقافية للمنطقة تم القفز عليها، صحيح ان المدينة لم تقفز بعد من مهجع التثاؤب الراسخ في مخالب الصحو، لانقراض الرجال اصحاب الضمير الصاحي و الكلمة المعبرة وظهور اشباه الرجال يلعلعون في المناسبات بدون طائل، الشوارع تفوح منها رائحة الكسل والتبعية العمياء، الجماجم مصابة بتقرحات الانتظار الاهوج، الحر مات محتضنا بجنون الامنيات، الالاه المنقذ لم يهبط من السماء ولم يطلع من باطن الارض، تشير البلادة بخرس الى الاستسلام والعطب الاسود، الجرح نازف عميق مزق الاوردة، واقفون على ناصية الشحاذة من ابواب المرابين، في الطابور يرمق حمادي جمعيات لفن احيدوس ولدت من رحم الارتزاق والتمييع، تنام على ضريح التضرع شاهرة شهادة الفقر والانتماء السياسي، تذوب واقفة خلف غواية السراب، تقرا ما تيسر من سورة الطاعة حتى تقطف الثمرة المشتهاة، الموظف يقبض طلبات المشاركة في المهرجان الثقافي السنوي، يحضر بوتشمعيث بجلبابه الابيض، يترجل من سيارة مستعملة اقتناها حديثا، تتسارع الهمهمات من تلكؤ الموظف، يدقق في الارواق وفي السحنات، تحاصره روابي الصمت، يضاجع الحروف ليثمر القرار النزيه، نفس الاجراء مارسه في السنة الماضية بتلكؤ اقل، محق فعدد الفرق الشعبية ازداد اضعافا والاحتراس واجب. المدينة تجيش بالنصابين وقطاع الطرق، الضوضاء لم تشتت انتباه الموظف المتفصد عرقا،الرفض يوخز النفوس المنتصبة بعيدا عن طبطبات الشفيع، تسمع بين الفينة والاخرى كلمة ( الملف ناقص) تحتاج بعض الاوراق، يخربش في ورقة صغيرة الملاحظات على ضفاف النظرات البائسة، تمطرق الراس بعض كلمات التذمر لكنه لا يبالي، ينفذ تعليمات فلفول كبير المفسدين وباقي الجوقة النحاسية المتحكمة في مصير المدينة الممتطية لظهر الشعب عن جهالة، القابضين على جمرة مقاييس الطاعة والرصد الملوثة بدخان الخيانة، يحرصون على دمغ الذوق العام بالرداءة، وتختفي رائحة التفاصيل الموجبة للتطويح في حضن الخشوع، حمادي ينجح في اختبار الوثائق، ينتظر قرار اللجنة الموسعة.

 يالله نمشيو عند با عسو نديرو شي غدا

 مرحبا اسي بوتشمعيث خصنا نتقداو

 كلشي في الكوفر السيارة

بوتشمعيث يسوق بتهور، حنين الايام الخوالي ووحشة الطرقات يترنح في الدماغ، على الصدر تقف نساء كثيرات، لكن ابنة عسو اجملهن جميعا، يشتهي الجسد البض بعنف ورعونة، باعزوز صاحب شمعة زرهون يتمثل في كل رجل حر، يتنمل الجسم وينخسف ويضمحل كلما صفعته الذكرى الاليمة والايلاج العنيف، لا يستطيع الاقتراب من المحطة الطرقية ولا استعمال الطريق المتربة المؤدية الى حيث هتك العرض، القصة صاحية في الاذهان، باعزوز ينثر الشقاوة على الطرقات، تناسلت الحكايات ونفخ فيها برياح الهزل، اغرب الاخبار ان ليلة الاغتصاب انقطع حبل الشمعة واستقرت في المخرج وحمل بوتشمعيث الى المستشفى، رتق التمزق السرجي بأكثر من غرزة، قذائف الذم والقذف والتنكيل مستمرة في الانشطار، صكوك النسيان مرتبط بمستجد اقسى، لكن الاكيد ان القفاشات القبيحة تهزم الغطرسة في الانسان، تحيله الى حلقة ضعيفة قابلة للكسر، الزمان الشحيح يدخر بعضا من المحن وبعضا من الفرح، اللهفة ترش حقول الجسد بالوان الربيع، على عتبة الباب الحديدي يجلس عسو اشبه بكيس قمح، يفترش فروة الخروف المتخلفة من عيد الاضحى، كؤوس وبراد شاي يرتاح في الصينية يرعى فيهما الذباب، تتسـارع النبضات والخطوات حيرى في تقلص المسـافة،تتارجح الافكار وترتطم بكمشة اسئلة، تهدهده حماسه الأحلام المتلألئة، حاملا نذورا مترعة بالتردد، عربة يجره حصان تطمس كلمات الترحاب، تطل الزوجة من الباب معلقة ابتسامة عريضة، سكينة تمسك جدائل الشعر بين الانامل، تلويها في حركات لولبية، يفتح بوتشمعيث صندوق السيارة، يخرج اكياس من الخضر والفواكه، دجاجات مذبوحة ومريشة، بين النظرة والنظرة مشاتل من حديث في الصدر حبيس، وبين النبضة والنبضة يعيد بتوجس ترتيب الانفاس خوفا من ارباك فصول التروي، كي لا تفضح نواميس الشهقة العالقة في الحلقوم، يناولها الاكياس الثقيلة، يسحب الاصابع من اذني الكيس الاسود، تتلامس الاصابع تزلزل الاشلاء المتصدعة وتتهاوى الرعشة، تغتال اهازيج القلق وتمطر الذات فرحا بعد تصحر دام اشهرا، تسافر جذوة الرجاء تحط الرحال على الصدر المورق، ومضة ابتسامة وترحاب اشبه بالهمس. وخيط الاستجابة رهيف اوهن من بيت العنكبوت.

 مرحبا بيكم دخلوا تستارحوا حتى يطيب لغدا....؟

 غادي نضربو شي دورة بالطموبيل ونرجعو...؟

الشابة تمعن في العصيان تستظل باللامبالاة، عينا بوتشمعيث ليستا بريئة تلعقان دمية العاج، رنين الخيانة والغدر جاثم على المخيلة، ينهش بوقاحة الشابة المثقلة بسنابل الانوثة، تقرع أجراس الولع في مئذنة الفراغ، والصعود الى مصابيح الكواعب مليئ بأزاز الفشل، السيارة تزار في المنحدرات، عسو يغط في النوم العميق، من على القنطرة يظهر الوادي، ينساب بتثاقل كبير، تحت الاشجار ثمة خيام منصوبة على الضفاف، الناس يبحثون عن الهدوء لطرد الارهاق والضجيج، سنارات مغطوسة في المياه، سمك (ساندر) يجلب الصيادين من القرى المجاورة، طواجين ومشاوي منصوبة في الهواء، بقايا الطعام والاوساخ مرمية بدون اكتراث، الادمغة المعطوبة يحركها قبح مفتول العضلات، هناك مواقع جذابة قرب الانهار تحتاج الى الرعاية لتصبح متنفسات عائلية، تمدد عسو على الارض في تثاقل كالسلحفاة تحت شجرة كاليتوس عالية، سحب بوتشمعيث زجاجة خمر، يستمتعان بتمرير جرعات الويسكي، هناك غداء دسم في الانتظار، بشر على طول الضفاف يتقيؤون قلقا متكلسا في الخلايا، اسارير منشرحة تناجي عطف السماء، اطفال يلاحقون الفراشات، يطلقون قوارب من ورق في المياه، ترتفع الصيحات، سيدة تدفع الحطب في النار، تنفخ في اللهب بالفم، تنغلق عينها وتدمع،يصعد الدخان الى السماء الصافية، رائحة المرق والشواء تضرب من بعيد، شباب يتساقون سباحة للعبور الى الضفة الاخرى، شابة تلاعب طفلة بالكرة، حركاتها تثير الغريزة تدهس الاكباد والقلوب، بلابل العشق ترفرف في الفضاء، تحضر سكينة كشمعة الضوء تنسكب في الشرايين تعبر المسامات، يدفع الكاس في الجوف يتلمظ من المرارة والحرارة، الساعة تشير الى الثانية بعد الزوال، الجوع يعوي في الامعاء. ملغومة بالأنوثة والغنج والدلال، كالأبجدية تسكن في ثنايا الحوباء، تسحقه الزغاريد و تستحم الدماء بالأغنيات المستفزة، ترفرف الصفعة فوق الجبين، سكينة فضلت الخضار صاحب العربة، بوتشمعيث لم يقل كلمته بعد، فضل الدخول من الباب بدل القفز من النافذة، عاش بشيء من الوهم والامل، اغرقها بالهدايا والتودد المبستر، تحول الى سائق خاص يحمل الام الى الاعراس، اذا اردت القبض على العجل عليك استلطاف البقرة، الشابة مضمخة بروح التمرد، هرب بها مرة الى ضفاف الوادي، راودها مستلطفا متمسكنا، نثر توسلات على اطراف اللسان، وعدها بالزواج والسفريات والملابس الانيقة والعطور، جلسا متلاصقين في المقعد الامامي، ادار المحرك وطلب منها السوق، قبضت بارتعاشة على المقود، ضغطت على محول السرعة، احست بالنشوة العارمة حين تحركت السيارة، باغثها وقبلها وضمها بعنف في لحظة تهور، مرر اليد على القبرات وتسللت الى حيث مستودع الاسرار، اجفلت وضجت صفحات الخد بالاحمرار، تهشمت الثقة الى الاف الشظايا، قفزت الى الكرسي الفارغ، طلبت العودة الى المنزل في الحال، اجهشت بالبكاء، خافت على الحوض من الكسر المفاجئ، ثوب الحياء والاحترام تمزق، بانت النية المبيتة، الامر يتعدى تقديم المساعدة المغلفة للأسرة، اعتذر عن التصرف الاخرق لأنه لم يستطع مقاومة المشاعر، انهارت الخطط التي ظل يطرزها لشهور لهدم قلاع واسوار التردد، ما زال في الجعبة المزيد، احس بالارتياح لأنها لم تفضح السر، ألقى سلاح الاغراء وتسلح بالصبر، انغمس كلية في طقوس الاتزان والتعقل، منتظرا فرصة ليلامس بصيص النور لإرواء العطش الداخلي.

الزقاق مزين بالأعلام والمصابيح، نصبت خيمة كبيرة في الساحة المحاذية للمنزل، على قطعة حديدية علق العجل المذبوح، الجزار يقوم بعملية السلخ وافراغ الجوف من الامعاء، يتاقطر المدعوون من الاحباب والغرباء، العرس عرس الحي بكامله، الزغاريد والبسملات تخرج من الافواه مدرجة بالأدعية، مكبر الصوت يقيئ اغاني اطلسية ترقص السكارى، سكينة لعبت في وجهها وشعرها المساحيق، الايدي والارجل مبلطة بالحناء، بدت مثل نجمة متلألئة في السماء، صغيرات يرقصن بحماسة على ايقاع الصحون والملاعق، يجلس الخضار مزهوا وسط حشد من الرجال في كامل الاناقة والعنفوان، الفرحة تداعب شواطئ العمر، على بعد ساعات سيقطف الشهب والنجوم، يطلق سراح القبرات والزنابق الحالمة، للمحطات الملتاثة بوعكة الانتظار و الشفاه المونقة بالوفاء.الفرقة الشعبية في كامل زينتها، حمادي يشعل النار ويسخن الدفوف، الشيخات مسربلات باللباس التقليدي الامازيغي.

 اشرب اسي بوتشمعيث...با عسو خصنا نديرو لو العز

 اعطيني القرعة...براكة من التورنيات

 غير بشوية شراب ما زال

 خليني نسكر على غدايد لعيالات

داخل السيارة وشرب بتهور شديد، افرغ ستة قنينات من سعة لتر في ظرف وجيز، الموعودة للوطا تتسكع في الدم، يسمع هسيس الضلوع المنشوية، صوت المغنية يطقطق اجراس النكسة، دارت بعينيه حيرة الاسئلة، يتنفس على حواشي الصفعة، الدف في اليد يبعثر الايقاع، المواويل تنفخ في زفير الحالمين، توسعت الدائرة وانضم اليها نساء ورجال، الكتف على الكتف، والارجل تعبث في ميزان الاغنية، حمادي مايسترو يحرس على ضبط التناغم والانسجام، رقصات حفلة الزواج منفلتة من أوكسيد الفقر، يمشي مترنحا الدف في اليد، يدخل وسط الدائرة يتلفظ بكلمات مبهمة، يهش الراقصين ملوحا بالدف، تنتشر الضحكات المستهزئة بين المدعوين وغير المدعوين، بوتشمعيث في قلب الحدث، الجالسة في المخدع تنساب بين الاوردة، كل الطقوس جاهزة لم يبق سوى الزغرودة الاخيرة، يسحبه عضوي الفرقة بالقوة الى السيارة، لكم احدهم على الوجه، اصاب الثاني في الراس، سحب قنينة من تحت الكرسي نزع عنها الغطاء بصعوبة، افرغ في الجوف السائل الاحمر القاني، اندلق الخمر على الجلاب الابيض،شرب الخطة في القنينة ما قبل الاخيرة، هربا من صحوة تورثه الهزائم، ينبجس التحدي من عرق الصفعة، مترنحا يتقدم تبتلعه الاهازيج واصوات الغناء، يتعرج معقوفا يكاد يسقط، عب اخر جرعة من الزجاجة ورماها بعيدا، يندلق الغضب في الشرايين، التقط بقاياه المنثورة فوق روابي الحلم. سحبها في غفلة من فوق الهودج الصغير، قبلها بعنف، تمزق الوجه بالأظافر، ضربات متلاحقة على الجسد متبوعة بصرخات وولولات، رفس ولكم وركل، اجساد تركض يمينا وشمالا، حملوه من الاربع فاقدا للوعي، رموه في المزبلة القريبة، وتركوه هناك بدون حراك، كلما ارتقي بوتشمعيث سلما نحو التصالح مع الذات، تسحبه الوضاعة والخسة نحو القاع.

عاد الى القرية مهزوما يحمل بثور السقطات غارق في الحنق والتذمر والاحباط، يتجنب الجمهرة خائفا من بنادق الاهل والاتراب، الزمن المتقيح يتقيأ الغصات والمواجع، النساء مصدر الضربات والطعنات الموجعة، نائم على جنبات الطرقات بدون اصدقاء، تحريك السيارة يحتاج الى مصروف يومي، الجيوب مثقوبة، التقاه شحموشاط في الحقل القريب من مزرعته، استفسره ان كان يبحث عن عمل، ابتلع جرعة الضجر وسعل من قسوة الجفاء، تزدحم المسكنة في رحم الفراغ، ينفخ في ريش الانكسارات بعضا من الضوء.

 واش كتعرف تربي الخيول...؟

 اييه اسي شحموشاط راني ولد القرية

 اوا دوز في لعشية نوريك اش غادي دير

 اش من وقت...؟

 ورا العصر

شيعه يغادر فوق صهوة جواد اصيل، حوافر الحصان تطن في الاذن، تستنبت في اعين العابرين تاريخ الفروسية المنقرضة في المنطقة، بانقراض مواسم القطاف والخير العميم، شحموشاط اقطاعي يتاجر في كل شيئ، بنى ثروة خيالية مشكوك في مصدرها، الرجل خرج من صلب عائلة فقيرة، غادر المدرسة مبكرا، انقطعت اخباره نهائيا مند سنوات،عاد الى القرية من بلاد الحرية والاحلام محملا بالمشاريع، يفهم في طقوس الأرض والزرع والنبات، اشترى الاراضي والبساتين بأبخس الاثمان، حفر الابار وبنى اسطبلات وغرس الاشجار، ابقار وخرفان ترعى في الفدادين، انخرط في العمل السياسي المبطن، لا فرق لديه بين اليمين واليسار، السياسة تدبير للمصالح الخاصة وحماية للظهر من طعنات غدر الايام، الحظ يبتسم من فتحة الكبوات ينساب بنعومة على المسامات العطشى، الراس يلبس الفاقة والهزيمة، والدعوة برد وسلام على الروح، ترامى على الفرصة بخشوع الساجدين، اللهم خدمة الحيوانات ولا خدمة الانسان.

الاسطبلات تمتد على مساحات واسعة، احصنة من مختلف الاعمار، اسرجة وارسان جلدية ناعمة معلقة على مشاجب، رائحة الروث تكبس على المكان، قطع التبن والاعلاف مكدسة بعناية، عمليات الترويض تتم في ساحة متربة،ارتدى حذاء مطاطيا طويلا ولباسا للعمل، امسك المدراة وشرع في كنس الروث والتبن من البيوت، تقديم مياه الشرب واستعمال فرشاة خشنة لتنظيف الشعر والتحميم، لكل حصان حظيرة خاصة واسم معلق على الباب، دفتر صحي يسجل تاريخ الميلاد، بشغف وهدوء يعيش الايام، ارتاحت عجلات المخيلة من مضغ السقطات والطعنات الاليمة، انداحت رائحة الشهقة من الفم، نساء القرية يمتحنن الشهوة، تعلم الدروس جيدا، كلما استبدت به النزوات يهرب الى المواخير والحانات، لكنه لم يتطهر ابدا من النفس الامارة. منثورا في مسامات العزلة، تسافر بالسر المفضوح في القرية والمدينة.

 يا الله اسي بوتشمعيث موسم الشيخ عمر قريب وجد الخيل

 موجود اسي شحموشاط خصنا غير البارود

 شحال من سربة غادية تشارك...؟

 راه وصلنا دابا 32 سربة من جميع المناطق بالاقليم

 تبارك الله

الخيام الامازيغية منصوبة على امتداد لمح البصر، رائحة البارود والشواء تضمخ الفضاء الواسع،نمل بشري يتدفق من كل حدب وصوب، طلقات البارود تلعلع ويعلو التصفيق، فرق الخيالة تستعرض مهارتها في الركوب واطلاق البارود في الهواء، الطلقات يجب ان تكون منسجمة متناغمة للاستمرار في المنافسة، الهدايا سروج مميزة ومبالغ مالية، في كل جولة يتم رش ميدان التباري بالماء لتسكين الغبار، شحموشاط يستقبل الضيوف بترحاب كبير، رجال يلبسون جلاليب بيضاء يصعدون إلى السماء على اجنحة الصلوات الخمس، يقسمون على الوفاء والتبعية، المسالة فيها البطنة وبعض الاعانات، يدعوه يطير بأجنحة الفرح في سماوات الحلم، الانتخابات على الابواب، الرغبة في تحفيظ كرسي الجماعة ومقعد البرلمان حاضرة بقوة، السياسي دائما يبحث عن الصيد الثمين، الاماني العراض مختبئة في نفوس البشر و الالهة، يمشي في حراسة الاتباع والمريدين، موشح بالبياض معتمرا قبعة صفراء ونعلا اصفرا، يطوف على الخيام يوزع الابتسامات على النعوش العارية، يشعل ألف موقد في شرايين الكادحين، يطرز المطالب بمشبك الوعود المستحيلة ويزخرف الأحاسيس بالوهم ويجيش كلمات العطف المحمولة على اكتاف الآيات القرآنية، اله المنطقة الجديد المسكون بالغربة المولود من الم الفقر والجوع يحسن الانصات، من أثرياء الازمنة الرديئة المتمرسة في نصب الكمائن لركوب ظهور الابرياء، ازمنة مفعمة بالذل والهوان، اقسم انه جاء لينفض غبار الماضي ويضمخ الحاضر بالورد والياسمين، حشود تحتضن سخام كوخ وحصير تنحني في خشوع لتقبل اليد وتتبرك، بالأمس ركب صهوة جواد ادهم، على وقع التصفيقات والصفير، سابق الريح ذهابا وايابا برشاقة وحماس، عنترة بن شداد نودي للدود عن القبيلة في عز المحنة والاخطار المحدقة، لا ينقصه سوى السيف البتار والحبيبة عبلة المنتظرة في شوق ولهفة في الخباء، اطلق عيار بارود في الهواء معلنا افتتاح موسم الشيخ عمر السنوي، الحصان الادهم يصهل و يحرك الراس صعودا ونزولا كأنما يقدم التحية للمتفرجين الذين تغص بهم الجنبات المسيجة بالحديد، الحوافر مثبتة في الارض المتربة، على استعداد للكر والفر مرة اخرى، يأتي الثناء والاطراء بالجملة، خراف تشوى على نار هادئة تنتظر الافتراس، قصاعي الكسكس تثير الشهية، يقل اللغط والضجيج في الخيام.

 يا الله بالصحة والراحة

 بارك الله فيك

امتهن شحموشاط قبل الاستقرار في القرية تجارة الحلزون مع الاسبان، جند الشباب والنساء الفقيرات، مشطوا المقابر وشجرات السدر محملين بالصفائح، عشرة دراهم للكيلو الواحد، صفقة مربحة للكادحين، الشطارة وحدها تكفي لجني مصروف اليوم،أصوات الدراهم تصم اجراس الاحتراس في النفوس، الامازيغي من طبعه يكره طهو الحلزون، الربح يوقظ الفقير من انقاض الغفلة، يؤلفون من الممنوع اسراب الفرح ويعلق على حبال الضيق، تقتلع من الاصوات الخابية أشواك الحرمان، الدوار كان بحاجة الى اشراقة ضوء للاغتسال من ادران العطالة، فأشعل المكسب الحلال آلاف الاحلام المنسوجة من وحل القنوط، كل صباح تتضاعف اعداد متعقبي الحلزون، الاخبار تطير بسرعة البرق، فيالق اللاشيء تلتقط الفرصة بالأحضان، اكياس الحلزون تاتي من القرى النائية، الميزان الكبير يدقق الاوزان، الشاحنات تحمل السلعة الى وجهات مجهولة كل اسبوع، الحركة تدب في القرية النائمة، السوق الاسبوعي يسترد العافية، دخان الشواء وبراريد الشاي والدعوات في الخيام شهود على مرور رشاش النقود، لاحديث يعلو فوق قيمة الحلزون ومزاياه الطبية، ملائكة الربح تسكن في اشلاء القرية، تعدو في تضاريس الرجاء، تفتح وردة العرفان بالجميل، شحموشاط تحول الى حديث الناس، الرجل الحلزون او الحلزون الرجل، أَطلق طاقة التحليق و لملمت آياته الحطام ونفخت الروح في الاجساد المتكلسة المتخمة بالكسل، بعد شهور انقرض الحلزون من القرية والنواحي.

 البابوش تترك من القرى اسي شحموشاط

 ما تخممو غادي نبادو نشريو الثومة من الفلاحة... لي كيعرف شي واحد يشري منو وبيع لينا...

 موجود الخير

يشع الفرج كأنوار الخلاص، في جعبة شحموشاط الاف الافكار، وقف بطوله الفارع وهيئته الرزينة، تنفس بعمق،مسح فمه بمنديل ابيض،تنحنح قليلا،ساد صمت غريب،الجهل ينهش الخاصرة، والقرية حكاية مستقبل غامض في كراسات قوانين العالم الممسوخ، تلعثمت زنابق الخجل وخرجت الكلمات مرتعشة، شحموشاط عازم على دخول غمار الانتخابات، الرؤوس المثقلة بالخيبات تعلمت مند زمان قراءة المبتغى في طقوس المصافحة والترحيب، الحذر معشعش بنسيج اليأس، الفقير بالبراءة والنيات الحسنة يدخل قهرا الى لعبة السيرك، يصدق القردة والمهرج الراقص فوق الحبال، شحموشاط يبشر بهواء الجيل القادم الى الساحة السياسية، وفي السياسة الكلب والاحمق والجاهل والعالم واللص سيان،الوطن متسامح الى ابعد الحدود مع الخلطات المستعصية على البلع، مصائب البلاد الغارقة في محبرة الفساد بسبب التوجهات السياسية السادرة والمعيقة لاستقبال النزاهة والشفافية، والسياسة هي الوهم والسراب والمستحيل، يحمل من المواعظ والحكم ما يكفي لتنويم القطيع، ليسقطوا في فخاخ الغواية والوعود والاقنعة، لديه الثروة لكنه يحتاج الى عرش،ليعيد ترسيم حدود الادوار، عيب ان يحكم ابناء القرى سكان الحواضر، تسري الهمهمات وسط الحشد المعجون بالوعود المبسترة، في الصدور طعنة من ساروا في طرقات الامنيات الماكرة، سرعان ما تنطفا عواصف الغضب طمعا في الخلاص القادم بالدعوات من مشانق السماء، والاذعان المبطن عدوى تصيب القطيع وتضمحل النقمة، جهات الارض تضج بالمخادعين والكذابين، يمسحون دموع القلق في الافئدة ويصلون ليكتمل المشهد، يكنسون بالوهم المتراكم فوق السحنات بعضا من التردد
والامتعاض والحنق، كلما هبط مؤشر الثقة في النفوس كلما ضخ الشاطر المزيد من محاليل الوهم.
 انا ما شي بحال هدوك المرشحين لي حلفو في القران باش اجيبو المشاريع والتنمية وكيخلفوا الوعود...؟

 هاد الحجاية سمعناها وكنسموعها هذي 50 عام اشنو الفرق بينك وبين هاد العطارة لي كيدقو الابواب في هذه الايام.

 الفرق انني من لحمكم ودمكم..لي دق عليا غادي يلقاني موجود في الكبيرة والصغيرة ديما وسطكم

اصحاب المبادئ والفكر حالة شاذة، صوت نشاز وسط القطيع، لا يمكن الحديث عن الوعي والالتزام حين يكون القطيع يعاني الفاقة، الحاجة في الوطن تسقط الانفة والعزة والمكابرة على شفاه العليق، تسجد الرقاب صاغرة تحرج الصلوات وتخرج العفة من الابدان، في الليل يتسلل الاشباح تسخن الجيوب وتعلن الولاء في النهار، بكمشة الرنين يسقط اعتى الرجال، الانسان مخلوق من المادة ويبحث عن المادة صدق حشاش القرية، دخل في نقاش مع شحموشاط، رمى على الوجه الاعيب الساسة الذين مروا، سحب الدخان من لفافة الحشيش باشتهاء، غرس العيون المحمرة في المترشح الجالس وسط الناس مثل وثن قديم، امطره بأسئلة عميقة زادت الملح فوق الجراح، قرأ من اجندة التاريخ اسماء من خانوا وباعوا، حقوق جرى عليها العسف واتسعت المحنة والمزالق، مطارق تذكي النفوس بطلقات التشكيك والتبخيس اللئيم، تعري الخسة والدناءة، تصاعد الضجيج والتأوهات والحوارات الثنائية، ترنحت الحقيقة وانخسف التعجب وبدا النبش في الذاكرة الشعبية المثقلة بالنكسات والنتوءات، الأشباح توغل في الحوباء تهدهد وردة النسيان رائحة القلق والاشمئزاز تفوح من الافواه، والخيمة لم تكن مهيأة لقصاص مهيب، الحشاش القى عبوات ناسفة في الجمع، الناس لا تحلم بالجزر العاجية وثروات قارون و لا بحقول مملوءة بالزمرد والياقوت، تحلم باليوم الحامل فوق الادمغة مصابيح العرس الدائم، بهواء نقي وشمس اخرى، في ادارة تحترم الكرامة، ارتبك المترشح وفغر فاه، الحشاش أَطلق طاقة التخمين و التحليق في الغد، هربت رباطة الجأش،استهلك الكلام المعلوف، رفع حمام الراس المكتظ بالجهل الى سقف الخيمة الاسود، مستجيرا طالبا النجدة من الملائكة والاولياء الصالحين، صوت المرأة المسنة مطرزة الوجه بالاوشام من الركن ياتي مكتسحا نافذا.

 الله امسخكم...مغادي يعطيكم حتى صولدي عريو على كتافكم غير لي جا دورو به... كيشروكم وكينساوكم

 الله يعطيك الصحة يا خالتي مسعودة

 شحموشاط ولدنا ودمنا ونتوما باغيين تفرسوه..لقراية ديالكم زيرو باش نفعاكم..نهار كامل دايخين مدوخين

 باراك عليهم

تعلو التصفيقات والضحكات، ابواق السيارات تغرق الطريق المتربة الاعلام على اسطح المنازل، اصوات الطبول والمزامير والدفوف في استقبال ولي الامر الجديد الذي يتقمصه الذعر وتفرمه الدهشة، يركب عربة مفروشة بزرابي امازيغية اصيلة، يلوح بالأيادي الى الجماهير المحتشدة في مركز القرية، الحشاش يمسك اللجام يثقل حركة الحصان، في الفم ترتاح لفافة حشيش، الهتافات تخترق السماء وتذوب في ذرات المستحيل، طقس الاحتفال يعري اوراقه، جزار يجر عجلا الى المذبح، نساء يفتلن الكسكس في القصاعي تحت الخيمة المنصوبة في الفضاء الواسع،العربة المجرورة تشق الجموع باستقامة، تنبثق انثى طاعنة في الولاء من بين الحشود وتطلق زغرودة، حلم كبير يمضي مختالا بدون عسس، يعبر من مفاتيح الانتصار نحو الجاه والمناصب، على اكتاف الضمائر المحنطة والشرف المتسخ،الخالة مسعودة امازيغية ما عاد من جمالها غير خيوط غائرة من تجاعيد،لا تفهم في السياسة لكنها تفهم في الاصول، نزل من فوق العربة احتضنته مثل طفل صغير، قبل يديها وراسها، طفلها الذي كبر واصبح برلمانيا ورئيسا للجماعة، ازاح وزيرا من على الكرسي.

تمر على القرية سنوات خريف وحشية كشطت عروش الفقراء والبستهم القحط والمسغبة، المرفوعون من تراب القرية الى شهوة القمر يائسون، للمرة الثانية يتلقون الصفعات، شحموشاط لم ينفذ الوعد، وسع الحاشية لكنها برؤوس صغيرة، سقطوا في معسكر الاعداء، فشلوا في الحفاظ على كرسي الرئاسة، خطف وجه جديد المنصب المتقدم في القرية، ولان شحموشاط تعلم المناورة والدروس جيدا، بدا الشر يطفو على مستنقع الايام في القرية المنسمة بالأوجاع، لا حاجة لمنافس لديه افكار وتصورات، يريد خشبا مسندة تنفذ الاوامر تسهل نهب الثروات، شخصا دفن في الطين مشاتل الرغبات، المندفع فوق احتمالات الأسئلة، المنحصر بين النية الحالمة المتسامحة والبوح الأخرس، وضع في الدوائر الاتباع وهيأهم لإعادة ترتيب الامنيات وتوزيع الوهم ليشتغل الطمع المجنون، استقدم بوتشمعيث الامي من الاسطبلات، البسه اللون السياسي ودفعه الى السيرك، يستعجل الثواني يلبس بذلة رمادية واسعة الاكمام، حذاء عريض ملمع على عجل، يطرق الابواب بحذر شديد، مبتسما يلوي عنقه بانزعاج، راميا معطف الخوف على الاكتاف المترنحة، اغتصاب الامس يمشي بين همهمات شباب الدوار، باعزوز يسكن بالجوار اذا تكلم افسد الخطة، مستعد ان يواجه باعزوز بكذبة تمرغ الشرف في الوحل، تلوح بندقية القنص في المخيلة، الجندي السابق متهور حد الجنون، مغموس في رئة الشجاعة والاقدام، يطرق الابواب يعرض الصورة ورمز الحزب في فرح ابله، ابتسم قبل التحنيط، الدوار ممتد على خرائط الفقر، جراح وقروح تنام في البيوت، متكئا على فضول الحدس يسحب الاوراق الزرقاء، يكمم الافواه ليصد رياح الشك والتقريع من الفجر الى الليل، ما لا يحقق بالكذب والمناورة والخداع يحقق بالمال واقداح الخمور في الليالي المظلمة، كل شيئ على نفقة شحموشاط الذي يدفع بغير حساب.

 شد والله حتى تشد اش عطيناك مال قارون راه غير كنعانوك على الزمان

 الله اكثر خيرك اسي بوتشمعيث حنا معاك والله حتى نصوتو عليك حنا وموالين الدار.

لكل مقام رشوة خاصة، يحمل للنساء اثواب وحناء وعطور ومناديل يقبل رؤوس العجائز، ينفح المتعبدين مسبحات وطواقي وصلايات وجلوس في الصفوف الامامية لتأدية الطقوس، للشباب يوزع قناني الخمور وقطع الحشيش وعلب السجائر المهربة، تكرع الانخاب على القسم والوفاء، حملات الانتخابات تاتي بالرزق الوفير، اذا لمس الامتناع في العائلات يلقم الافواه الدقيق والزيت والسكر، على قيمة الهدايا تتماوج فرحا طيور البوح تطلق صرخة الاذعان، لكل جواد كبوة، بوتشمعيث يدس تحت الابطين خطة بديلة في حالة تعذر الاستجابة والالتفاف حول الشخص والرمز، السلطة في الذمة، شحموشاط في جيبه تنام ورقة السلطة، المخزن من يوظب رقعة الشطرنج، على المترشح ارتداء الدور جيدا، يوزع فوق الركح الوعود العظام، المسرحية يجب ان تكون متقنة وبعناية كبيرة ومقنعة.

في الساحة المسربلة بالوان الطيف السياسي تتناثر اطراف العبارات، يكثر التبخيس والضرب من تحت الاحزمة، في الحملات كل شيئ مباح ومستباح، حروب طاحنة تنشب على حركة بائسة، كلمة منفلتة في لحظة حماسة، تستعمل الهراوات والسكاكين والحجارة، لكل مترشح فيالق متخصصة في العراكات وتوقيع العاهات، يستباح الشرف على لعبة مجنونة متحكم فيها عن بعد، تخلق العداوات على التفاهة والتافهين، الانتخابات سم زعاف دس في الدماء من الاجهزة السرية، المترشحون وجوه لعملة واحدة، يسرقون الخبز من افواه الجياع باسم المسؤولية المزورة الممنوحة من صناديق الاقتراع المثقوبة، يبنون القصور والفيلات من كدح وعرق الفقراء، يرسم أسرابا من الوهم الجميل، ينطفئ ويحترق الف مرة بالكلام النابي، يطفو كالشوك في القسمات، يصمد في وجه الهزات، يستنبت مناعة تقهر الزوابع، كبل قسمات الطعنات بما استطاع، المسرحية على وشك النهاية، عما قريب سيسدل الستار.

 علاش...علاش تاوينا...بوتشمعيث لي بغينا

 لا دجاج لا بيبي.... بوتشمعيث هو حبيبي

 حتى واحد ما يشرينا... بوتشمعيت لي بغينا

يحمل فوق الاكتاف ينساب برعونة على المسامات الحالمة، يرقص كالنوارس على اشعة الشمس، الاوراق الرمز تطير في الهواء، يلوي العنق باستمرار، داخل القاعة الضيقة يفرد له كرسيا دوارا، عملية انتخاب الرئيس بدأت، الصندوق الشفاف محروس بعناية، القائد يلقي على المسامع فصول من القانون المنظم لانتخاب المكتب المسير، صاحب الاغلبية يفوز بالرئاسة، ينتخب النواب بنفس الطريقة، شحموشاط لم يستطع جمع الاغلبية رغم الاغراءات ومحاولات التهديد، الموظف البنكي اخفى الاعضاء طيلة اسبوع في مدينة شاطئية، بعد اعلان الفائزين خطفهم الواحد تلو الاخر في سيارات معدة سلفا لذلك، صورة تتكرر في جميع الجماعات الترابية، عمليات دقيقة اشبه بحرب العصابات، تقفل الهواتف وتنقطع الاخبار نهائيا، لضمان التماسك الهش تدفع الرشاوى، شيكات على بياض توقع، توضع في الاماكن الامنة حتى لا تستعمل مستقبلا في الابتزاز. ضاعت الرئاسة بنسبة الاصوات، بوتشمعيث يصطف في المعارضة، يسمع كلمات غريبة تصيبه بعسر فهم وتلبك، تدخله في دوامة من الحيرة والبلاهة، محاصر بالجهل والدهشة، يجتهد في جميع الدورات في اعتناق الضجة، لا خيارات فكرية امامه، صراخ وعويل وضرب على المائدة المستديرة، يلقى المساندة من اعضاء المعارضة، مبارك يصب الزيت في النار، يشحنه مثل البطارية ويدفعه الى اثارة الفوضى، السلطة في ايدي الانسان الجاهل تحوله تدريجيا الى سلاح تدميري.

كانت أيامه صعبة بلون الفحم الأسود، اصبح شخصا مهما في القرية وخارجها، يحضر الاجتماعات واللقاءات الرسمية، يتواجد في الصفوف الامامية لحفلات التدشين، يشارك في الحملات المغرضة ضد الاغلبية، في بحث مضني عمن ينحث له ممرا للثراء، حاملا في الحوباء الاها جديدا، يبني وجودا بلوريا من خيال، يدخل الى المؤسسة نافخا الريش مستعجلا كالنسناس، لا يتردد في القاء خطب التهديد على مسامع الموظفين، الموظفة الجديدة تحرك فيه النزوات الطائشة، يرمي الكلام على عواهنه على الشبابيك الموصدة، يخترق الجدار يرمي المرساة في بحر العدم، يفتح نوافذ المكتب تدخل اشعة الشمس الصباحية، تتورد وجنتاها بالخجل، فوق مرابض النظرة المرتبكة يكفن اللواعج بقماش البراءة وتتلاحق في خيوط المروءة والشهامة.

 صباح الخير لالة اسماء

 صباح الخير

تعرف ان بوتشمعيث لقب وراءه حكاية اغتصاب، الموظفات كشفن الغطاء عن السر، تصده بأدب بالغ، على مسامعه رمت حفلة الخطوبة والخطيب، العرس على بعد اشهر، امطرت السماء في لحظة ثلوجا جمدت الاضلاع، توقف عقرب الساعة عن الدوران، زاد ذوبانا في ملكوت العشق، تتنزه خيول المخيلة في الهيكل، تركض في الوهاد والنجود، ندية يكسوها البهاء والانوثة الصارخة، يشتهي الجسد البض بفجيعة، حمرة الشفاه تمزقه، تظمأ الروح من نبيذ العشق المعتق، رائحة العطر ترسله في غيبوبة لذيذة، تهرب العيون وتسقط على الحمامات الرابضة في وداعة، النظرات لدغات تقود الى التلاشي، تحدق على خجل وتغرق في الصمت، طاردها برعونة لعدة اشهر، ارسل في طلبها نساء القرية، قدم وعودا بالزواج، رفضت العروض بشدة، اشتكته الى القائد بعد اشتداد الخناق، حلق في سماء مكفهرة بجوانح من خرافة وسقط في مفاصل المجهول، لاحقته اللعنات والشتائم والقفاشات، احدى الموظفات امرتها بشراء دزينة من الشمع ووضعها فوق المكتب لتلتقط الاشارة، تعالت الضحكات والقهقهات، رجل السلطة كان حاسما وقاسيا، نبهه الى خطورة الفعل، التحرش يقود الى المحاكم ويوقظ جمعيات النساء، نثر حكمة مقدودة من طمي التجربة ( المرأة تتزين يا سيدي لتعطيك اقبح ما عندها)، بوتشمعيث يعشق القبح في النساء،ولد من ضجعة القبح، ابواه فقيران رموه باكرا الى المراعي يرعى الغنم، يقتات على الفواكه والخضراوات المسروقة من الجنان، حين لطمه البلوغ، صار مهووسا بالثعبان الذي ينط من الجحر، يحممه، يلاعبه بليونة، تصطخب في الصدر صور الاميرات و الحوريات اللواتي سمع عن جمالهن الاخاذ، ينفخ فيهن وينتصبن امامه في كامل العري،يقتفي نهدا وسرجا،يعيد التحميم والدعك تزهر وردة الخيال، تتبلل الارض العطشى ينبثق العطر الأخاذ، ينغسل وجه الحقول وتثمر الشجرات، تسقط تينة نخرها الطير، يتعرق يرتفع الضباب، يسترخي منتشيا بلحظة الزهو من رعشة لذيذة تشاكس الروح، يطارد الصغيرات وراء نبات الصبار وفي البئر و الحقول، لم تسلم انثى الحمار من لعبة الايلاج، الصبي الجالس عند ضفاف المغيب يغادر الشرنقة، يحلق في الاعالي،انكسر الخجل في العروق، اخذه طوطو الراعي يوم السوق الى الماخور، في الجيب تستريح بضعة دراهم،دس الباقي بعناية في فتحة صغيرة بالسروال خوفا من السرقة، اجساد شبه عارية مغرية، نبضات القلب تزداد قوة، امسكته من الايد وقادته الى غرفة مجاورة، الغرفة غائمة لكنها لا تمطر، جالت في الراس الاف الصور، حمار يطارد حمارة في الحقل، كلبة الجيران تحاصرها عشرات الكلاب، يلتصقان بشدة تخدش الصورة الحياء، فلاح ينهال عليهما بالضرب المبرح، رجولة مهددة بأصابع الحقيقة، تجري في العروق رفرفة الخوف والارتباك ولهفة الشرب من النبع، كي يخبئ اعباء الايام،باحثا عن لمسة حنو وسط الزوبعة، يتوسد كومة اللحم المندلق، تشرب على مهل انين ارتباكه، يأتيه الصوت خافتا بان لا يخف، تعبث اليد المدربة بالأزرار، ينفك التشنج والانقباض بأنامل دافئة تؤثث جنة الوصال، تنبث في الاشلاء رقصة هلامية، نثار اللهب المنسكب من حمى الدم يطلق الرصاصة، تنبثق الأجنة من الروح وتنطمس الآهات. انسحب بحركة سريعة، اشعلت سيجارة شقراء وظلت تدخن بشره، يتضور بعطش متكلس،اراد في لحظة ان يعيد الكرة. لكنه يريد ركوب قوارب انثى اخرى.

 كيف جاتك عيشة الجابية...؟

 شكون هاد عيشة الجابية...؟

 هديك لي نعستي معاها...هديك هي سيارة التعليم لاولاد الدوار

 اه... مزيانة خصنا سلعة اخرى

 واش خاصين راه طاليين الدنيا....سما كتبول بهن

طوطو الراعي يعرف جميع المواخير في القرية والمدن المجاورة، حياته مقسمة بين الاغنام و النساء والخمور، أناشيد القلب تقطر ايامه، تحفر الصحبة رحلة غوص جديدة في تلابيب الحياة، استدرج الى عوالم سفلية غريبة، احتسى الخمر ودخن لفافات الحشيش، الخمرة تحرره من القيود، يصبح سيد نفسه، تطير من الرأس ملائكة القلق، تهدهد دمه بدبابيس الرغبات المحمومة، مبتذلا بإلحاح على طلب النساء، لا اسم لهن ولا شكل ولا عنوان، عابرات في المواخير، مجرد ضوء في نهاية نفق النهار، طوطو مولع بالثخينات، يقرا على مسامعه من الصحف والجرائد اخبار الفاتنات، تشتعل في القلب حسرة، لم يدخل المدرسة، ما بين الكلمة والكلمة تتدلى الطلاسم، يقبض على صورة فتاة ثخينة، تند عنه اهات، يصفع الجريدة براحة اليد الاخرى، تتزاحم حوله الاسئلة وعيناه مثبتة على القطيع، بوتشمعيث اعمى اضاع الطريق الى الدوار، مهمته التحديق في منتصف النهار وفي الشتاءات القاحلة، حطاب العمر يشهر مدية لتقطيع شريط المراهقة، طوطو له احلام في اقناء سيارة ونقل الركاب، حصل مند مدة على رخصة سوق، سيفتش عن أجوبة للحياة في الطرقات.

بوتشمعيث لم تكن له احلام، يرى نفسه مثل مدراة مكسورة مغروسة في الارض، يختنق برائحة الابقار والغنم، طاعن في الذل والمسكنة، محاصر بكعكعة الديوك، خوار البقر، ثغاء الغنم، ونهيق الحمير، الدوار محروث بالعابرين ومكسوري الاجنحة، بيوت الطين مسورة بالإملاق، في الليل تبدا المعاصي في الانتعاش، سحبوه من داخل ماخور سكرانا، طوطو افلت من قبضة امني ببضعة اوراق زرقاء، باع القطيع وبضعة بقرات، اشترى سيارة مرسديس بيضاء، سائق محترف تعلم السوق في الجرار، حرث الاراضي للفلاحين مكنته من صقل الموهبة، يخيط الدواوير والقرى المجاورة. بين الكلمات تتقافز الرغبات العابرة للوقت. يمدد اليد عبر النافذة، تجتاحه رغبات عارمة في السوق.

 خصني نتعلم نسوق..؟

 علاش الا... نعلمك بالزربة

 امت نبداو...؟

 الوقت لي تبغي..ونجيب ليك الرخصة الا بغيتي

 وخا مقاريش...؟

 ما شي مشكل

اختلف عما كان عليه بالماضي كلية، الان اختلف عما كان عليه بالأمس القريب، انتقل من رعي الغنم الى السوق، ومن تحميم الخيل الى تمثيل الشعب في مؤسسات الشعب، الحقير الجاثم بداخله يرتكب الحماقات، يتلقى الصفعات والتوبيخ، لا يرعوي ولن يرعوي،النساء جمرات تفتح اذرعها لهالات المعجزات، وحدهن يعطينه بهجة العيش والهرب من ضنك الحياة.

لبس ثياب الاطمئنان وتربع على عرش الاهمية، يستجيب لمطالب الدوار بدون تلكؤ، يدمغ الوثائق الادارية، يوصل صفائح الزيت والسكر والشاي الى العائلات المعوزة في شهر رمضان، ينقل المرضى الى المشافي، يعزي في الوفيات يحضر الجنازات ويمشي في الصفوف الامامية، ينفح الفقهاء اوراقا نقدية ليظهر الكرم والسخاء، يقدم الهدايا في العقيقة والختان والزواج، رسول شحموشاط في جميع المناسبات، الانتخابات على الابواب، والمفيد اعادة تدوير الاكاذيب، موظف البنك جيء بالخطأ الى الرئاسة، يستلزم الازاحة من العلياء المشروخ بالفضيحة، افسد الضرع والزرع، لم تفلح الفوضى والتهم في نفيه خارج اللعبة، تساقطت اوراق الهيجان الواحدة تلو الاخرى، احبط جميع الخطط وامتص الهجمات والتقريع، فشل ضرب الموظف المقرب برصاصة الارتشاء ولوثة نصب واحتيال، يدير اطوار الدورات برباطة جاش، العزيمة اقوى الاسلحة والثبات على الموقف سيف بتار يمزق الاعداء، ثاروا على ضيق الوقت، حفروا الخنادق والقبور من الاسمنت، تعجلوا اسقاط الجالس على الكرسي بالدسائس والمكائد، بوتشمعيث يشعل الحرائق في القاعة فيحترق، مبارك يخيط من الحبة قبة، يبتغي ان يتمخض الجبل فيلد فارا او زيزا، لا يتوانى في نفخ الكير، عصر الذم والسب على شرارة الغضب المصطنع، رجل السلطة يتلفع باللامبالاة، يبحلق في وجوه مستشارين مشطهم الانصياع، يلوح بورقة عاليا...

 ات شفار.. كليتي فلوس الشعب

 هذي تهم خطيرة

 عدنا الادلة..خصك تمشي للحبس.. السيد القائد هاد الرئيس خصو التحقيقات غرق الجماعة في المصائب...

يتبادلان ادوار الفضح والنهش في الاعراض، شهقات تحتضر في اللقاءات المفعمة بالرجم، الحقيقة غائبة والنفاق سيد الموقف، بقية اعضاء المعارضة صورة بلا صوت، خشب مسندة لا تهش ولا تنش، تنتظر وجبه الغداء ومصروف الجيب، النساء القليلات في المجلس بدون تأثير يذكر، متلفعات على الدوام بالصمت الا ما رحم ربك، سيدات جيء بهن باسم المناصفة والمساواة، باسم الريع السياسي ومحاصصة الاحزاب، نساء ينكمشن عند هبوب الرياح ورفرفة اسراب الفجيعة، يشتغلن بالإشارة مثل الجواري والراقصات، التمرد يفجر كوابيس لاتعد ولا تحصى، حصل ذات مرة ان مستشارة خرجت عن القطيع وبدلت القناع، سفينة تبحث عن ميناء اكثر ربحا، دفع لها مبلغ مالي مهم للانتقال الى الجهة الاخرى، لتكسير التماسك المطرز بالعطاءات، استفاقت في اليوم الموالي متهمة بإصدار شيك بدون رصيد، ارادت الطيران بأجنحة الشمع في عز الحر، قبض على النعجة الشاردة واقتيدت الى السجن. شهقت الباقيات بمذاق الموت البطيء، ممنوع استبدال المواقف بالصفقات الهجينة، حرام عد الاوراق بأصابع يد مغلولة.

الفضائح سكنت اسطر الجرائد، عمليات الافتحاص والتدقيق بطيئة تركب ظهر سلحفاة، لا جديد في سماء القرية، المعارضة تنفخ في القربة المثقوبة، الاغلبية الصامتة تمرر المبتغى في رمشة عين، بدون نقاش ولا فهم ولا شروحات، ديمقراطية العدد في البلد المحبوس في زاوية التقاعس، لم تنتج عبر السنوات سوى طوابير من اللصوص وقطاع الطرق، الثقة معدومة في ممثلي الشعب، والشعب متذمر من اللعبة لكن عند سماع المزمار و قرع الطبول يستدرج بسهولة يصبح مسلوب الارادة، في حالة النعاس والغيبوبة الدائمة، لا خير يرجى من شيوخ السياسة شعار يرفعه الجميع ليس عن قناعة ووعي والرغبة في التغيير والتخلص من ثآليل وبتور الامس بل لان رشاش العليق لم يصبهم، الوطن فعلا يحتاج الى تطهير افقي وعمودي لتصلح احوال العباد. التعامل بنفس الادوات يولد المزيد من الاحتقان، يكثر من القلاقل والرجات. المسكنات والمهدئات التي تقدم للكادحين لم تعد خيارا لامتصاص الغضب القادم لا محالة.

 الشعب طالع لو الدم

 طالع لو الدم لانو مواكلش من الكميلة...؟

- فعلا كلشي داير على الكميلة والزرقلاف

 رمي ليه الفتات يدخل في الغيبوبة الطويلة

الذي تعرفه خير من الذي لا تعرفه، لن تغير صديقك سوى بالاخبث منه، تلكم آيات تمضغ في المقاهي والحانات والدواوير، حكم تعري بنزق ان كل شيئ فاسد وقبيح، الصداقة في زمن السفالة خبث، الخبث يحل محل الخبث فلا حاجة للمحاولة والبحث عن الصفاء والطهارة، الانبياء والرسل انقرضوا مند الاف السنين من على وجه الارض، الانسانية تأكلت بروائح الاقنعة التالفة، طوطو يطلق بوق المركبة البيضاء يعلق صور شحموشاط في كامل الاناقة والعنفوان، طوابير طويلة من السيارات والشاحنات، السيناريو القديم يتكرر بنفحة اخرى، يزال الغبار المتراكم بالألفاظ تهمس في الآذان فتسكن فسحة اللاوعي، تلوح شرارة الإيقاع والتنويم كرغوة الصابون في الايدي، تصاب القرية والمدينة بحمى الانتخابات البرلمانية، ذهبت وجوه وحلت اخرى، الدنيا دوارة والزمن يتكسر في الابدان كالكاس الساقطة على الاسفلت، بوتشمعيث يتحكم في الكبيرة والصغيرة، نصب في غفلة مديرا للحملة، اثار الاختيار الحنق والضغينة في نفوس الاتباع، شحموشاط اختار ولا راد لإرادته ورغباته، العرس عرسه والمال ماله، الدرب مازال طويلا، ليس هذا وقت الحساب والقاء اللوم، العمليات القذرة تحتاج الى الرؤوس القذرة، من الحقارة، يخرج مدير الحملة شاهرا قبضة على الهتافات المعادية، يمشي في حماية الشرذمة المدججة بالأسلحة البيضاء، الداخل للانتخابات كالداخل للحرب في البلدان الفقيرة، مرحى بالسيد الامي ينادي ويدق طبول الخشوع، تنصب الخيام وتذبح الخرفان، العيون تشرب من نبع الخيال، تائهة في حدائق الحرمان، الاكلات الدسمة تنعش زوايا الصدر، تغسل ما دنسه الخبز الحافي وبراريد الشاي البائت، تزيل الاوراق الزرقاء نسيج العنكبوت المعشعش في الجيوب، زجاجات الخمر الرخيص تروي الظمأ، تلمع السماء بسحر الشفاء وتباشير الاماني العظام، تحتشد طواقي الجهل والغباء، يشمخ ويلقي الوصايا والحكم على المسامع، تزغرد النساء والفتيات ويصفق الرجال. شحموشاط ماركة مسجلة طاف على جميع الاحزاب، متمرس بما فيه الكفاية ليستدر العواطف ويسقط المزيد من السدج، يجازف بالأحلام ونبض الكلمة يخاطب النعوش، من فوق المنصة المنصوبة على عجل يأتي الصوت مقتحما. ينبجس عرق الخوف والهلع، حجارة وحيدة كفيلة بهدم المعبد الذي يبنى في العراء، الارض تلبس اقنعة من الياس والقنوط.

 انتما خوتي وحبابي الا لقيتو احسن مني صوتو عليه...عارف بلي هذي المرة الثالثة كنترشح للبرلمان...الخصوم ديالي غادي اقولو ما درت والو للقرية والمدينة...الناس لي قريبة مني عارفة شحال حليت ديال المشاكل...شحال ديال المساعدات...

يعلو الهتاف والتصفيق والصفير، الفرقة الشعبية تردد الاغنيات، الشيخة الموشحة بالقلادات والدمالج والاسورة ترقص بحركات لولبية، ينكمش الجدع ويتمدد، الاعين السكرى ترعى في المؤخرة، كل مساء يسحب بوتشمعيث رزم الاوراق الزرقاء والبنية، يمطر السائقين بالمبالغ المستحقة، للسيارة نصيب مثل السائق، تكلفة البنزين والغداء حاضرة في الحساب، موزعو اوراق اللون السياسي ينالون الاتعاب الواحد تلو الاخر، اسبوعان من الكر والفر والتمشيط في الدائرة الممتدة على مسافة كبيرة، السماء طاحونة تفرم المترشح المنزلق على الاكاذيب، والناس هائمة في الوعود المنثورة على قوافل الارواح والانفاس البريئة مسجيه فوق مشيئة الله، كل شيئ يحصل بإرادة الجالس على الكرسي الكبير في ملكوت الكون، جباة الاصوات يطوفون القروى والمداشر بلا سجادات الصلاة، المترشح مرفوع فوق الاكتاف كمصابيح خافتة مربوطة في الاعمدة، الفوز يختبا في الولائم الممدودة في الاحياء والدواوير.

بوتشمعيث يفوز بالولاية الثانية بفضل عطف السلطة، لا عيب في تزوير الارادة لتثبيت بيدق في حماية شفيع، رضي الله عنه ورضوا عنه في السر والعلن، القوانين في البلاد مكدسة بالفراغ، والجالس على دكة القواعد يعاقر خمر التلاعب باشتهاء، الفوز يقرفص في الكرم والسخاء، يسقط الموظف البنكي من على الكرسي، خذله المقربون في لحظة سهو، هربوا نحو الخضرة و الربيع و شقائق النعمان المكسوة بالندى المقتنصة لاسراب النحل، التقاط البركات بعد سنوات عجاف تستهوي الفائزين، ينصب الوزير السابق رئيسا للجماعة بإرادة شحموشاط الذي ارتقى الى رئيس اكبر مؤسسة دستورية في الاقليم، لم يتغير اي شيئ نفس الوجوه المكتظة بالفوضى ستسكن اوعية الادارة، تمزق اوصال صناديق الشعب، المعارضة السابقة حلت محل الاغلبية السابقة وهذه الاخيرة عادت الى المعارضة...؟ الكادح يدور في حلقات مفرغة.

يمشي منتشيا مزهوا، نائب الرئيس وسام فوق الصدر، مهمة تثلج الحوباء لم يكن يحلم اطلاقا بالأبهة و الرواء، تعويض شهري وسيارة الشعب تحت الامرة، هاتف نقال مجاني، يقص على الهواء المنصب العظيم، يرمي ساقيه في استفزاز على اهبة التحليق، دائم التحديق في النتوءات في مفاصل الانثى، لا يكف عل لي العنق اثناء الكلام، يمسك الورقة بالمقلوب، مبارك يفتر عن ضحكة ماكرة، يعرف انه لا يفرق بين الليف والزرواطة، نائب الرئيس لا يجيد القراءة والكتابة، جاهل كالنصل في عنق الذبيح، يتحلب الفم ويخلط العامية بالامازيغية.و

 حنا السيد الرعيس ولعظا خصنا نديرو شي حاجة للواشون

 هداك شي علاش حنا هنا

يجيئ الغباء من أقصى الأسى، متلألأ بخطى الضياع والاستهتار، يتكدس الوقت الثقيل في القاعة مستبيحا المعرفة وجميع نظريات الفهم والتطور، التغيير امنية مصلوبة على الجباه، تنطلق القهقهات ساخرة من عويل التفاهة المنفلتة من أصنام الهبل ونفايات الارض , ضحالة تفترس مخيلة المتعلم في وضح النهار. الساكنة فشلت في انتقاء النماذج جيدة الصنع، طلبوا من الرب رزمة اصلاحات للعيش الكريم، وهبهم مخلوقات قزمة منقوعة بالقيح والسخام تفوح منها رائحة المكر والنتانة، الموظف البنكي صار قليل الكلام، يبارك جميع الفرقعات، النبش في الملفات السابقة سيرسله على جناح السلامة الى غيابات السجون، مبارك يتلهى بالأوراق فوق المائدة المستديرة ينتظر من يوقظ صحوة فكرية في الافئدة تعيد التصالح مع القرية والذات، نساء الريع السياسي احترفن الانصياع والبحلقة في الفراغ، اعتقال المستشارة السابقة بتهمة اصدار شيك بدون رصيد شهادة على الخسة والدناءة، هؤلاء عصابة لا علاقة لهم بتمثيل الشعب،لا احد يريد ان يمشي في طريق المعارضة الصعب والموحش، الخضوع التام يتمايل في عرس السكون، يزرع الدفء في الجيوب الفارغة والبطون الجائعة، افضاله عليهم كثيرة، نفحهم الملايين مقابل التصويت على اعضاء البرلمان والجهة والاقليم المتفق معهم مسبقا، اخد حصة ضئيلة عن كل صوت، الناخبون الكبار يدفعون بسخاء مقابل الكرسي، بوتشمعيث يقود مظاهرة سرية ضد النزاهة والشفافية، يوزع رسائل مشفرة متعقبا اعضاء مقتولين بوباء الفاقة والطمع، يحيي عظاما هاربة من مشرحة الزمن العجيف.

 غادي نصوتو على ديالنا في البرلمان والجهة والاقليم كل واحد نجيب لو رزقو حتى لعندو..انا الضامن

 موافقين...؟

اقسموا فوق الكتاب المقدس على الولاء التام، اضطجعوا على ظهر الانتظار، في الفنادق المكيفة وطرزت الخطة، الجميع متفق على ممارسة شريعة ذبح شاة الديمقراطية بالسكاكين الحافية، فلتغرق القوانين والكرامة في البرك الاسنة، الفرق بين الاشياء والاضداد مجرد وهم، الكل يمشي على اربعة ويثقن النهيق في سبيل الجاه، لم يبق على القلوب مزالج من حديد ولا متسربلين بالعفة، ولا بذرة مبدئية تتخصب في رحم تربة المواقف المهزوزة، طمعا في فجر جديد، استودعوا السر للريح لتضاجع الحقول والبساتين، ينتظرون الاشجار ان تورق في غير المواسم، لتقام احتفالات باذخة على ضفاف الحوباء، بايعوا الجهل ونزعوا العقل من المفكرات هربا من غدر الازمنة لنسيان حياكة خرائط الصبر وحدود الامكنة، بوتشمعيث سلس كقدح حليب يحمل رائحة الضرع، يعيد ترتيب رقعة الشطرنج على شواطئ المستحيل للكاملين نذالة وخنوعا وجحودا.

يحصل على تزكية شحموشاط ويقربه اكثر.

اشترى سيارة رباعية الدفع، اكترى منزلا سكنيا في حي راقي بالمدينة، اليد ممدودة الى المال العام، الرشوة هي الملكة الجالسة على عرش الادمغة، هي المفتاح للنهل من الثروات، السماء غائمة بالخسارات والفضائح، مستشفيات بلا صحة، اراضي فلاحية سبخات، حقول حصدها الجفاف غابت خفقات المناجل وسط سموق السنابل،آبار وانهار نضبت وجفت ضروع البقر والخرفان، ملفات مصيرها مجهول، الزوار بالعشرات يستفتون في المشاريع والطلبيات، تتساقط الفراشة الانثى تحت قدم بوتشمعيث، استعاد حكمة طوطو الصديق السابق، الطمع يسقط النساء، حين تصبح ذو مال ومركز مهم ستركض النساء خلفك بدل ان تجري ورائهن مثل الاحمق، الطمع يضرب الأشجار وتسقط الثمار، يضع شفتيه على الجراح المنفطرة فتنطلق الانات المكتومة، الزمن يبتسم ملئ الاشداق فأقام له كرنفالا من النصب والتدليس وضمخه برغوة الهة الارض، الانتهازي الماثل في حضرة الدهشة يتكا على الاسفنج، يترنح شاكيا على الابواب، يغفو على الأسئلة ويعرض تقاسيم المسكنة، تطرز الوجوه العتمة وتسافر على جناح الربح والخسارة، بوتشمعيث نبي متخصص في الاوجاع، ينفخ في الابدان ما تبقى من سخاء وعطف الذئب، الرشوة الدسمة ترتب يقظة منسوجة في أحشاء القرار، الاتاوات من اساسات طقوس السياسة والقابض على جمرة المسؤولية، فوق السرير تتمدد الشابة مبعثرة على مشارف الانوثة، تترنح الاوردة الملتهبة في خاصرة النبض، الهاتف لا يكف عن الرنين، في صورة الاهمية يصطخب الامتثال وتغفو الطريدة على اكاليل الزمرد والياقوت، تنثني السنة الأسئلة تحت وسادات الليل، تستنجد بالذاكرة المثقوبة وتؤجج الشهوة الذابلة وتنسحب المطالب المحظورة، ينقض على جسد بفستان عابق بالوسن محنط بالوهم، يولي العنق اكثر من مرة، يرتوي وتصهل في الشرايين الحشرجات، ينكسر جناح حلم يقبع في عري الكذب قبالة رغبات تتساقط على منصب شغل.

 فين الخدمة لي قلتي ليا...واش كتفلا عليا...؟

 غير صبري راه الميزانية قريبة

 هاد الهدرة سمعتها منك شحال من مرة

 واش كذبت عليك سولي الادارة مفتوحة...؟

الرشوة الجنسية للنساء والرشوة المادية للرجال، قانون بوتشمعيث الذي سنه علانية، بين البائع والمشتري: الرزاق الله،التفاوض في المنزل نهارا او ليلا، لا خوف من قناصة ولدوا في محبرة الحقد، ولا من كتبة يرطنون في صفحات التواصل الاجتماعي وفي الجرائد الصفراء، لكل شيئ ثمن، والكل مصاب بداء الاستعطاء في زمن الابتذال، والفراغ المتوحش يقرص الضلوع، لكي تتنفس الهواء النقي وتطفو على الحياة تحتاج الى شفيع، تخاطب وتستجدي الرقيع والاجلاف وقطاع الطرق، انحناءة واحدة لاحتضان الافق القريب، لا حاجة للاتكاء على طرف التردد، ما قيمة الانسان بدون عمل قار وراتب شهري، ما قيمة الجمال والعفة بدون مستقبل، العمر يمضي والجمال يدوي، الانثى تنسى حين تلتهم الاخاديد الملامح، ما تدور عليه الحياة هو الاختيار الصائب و الوقت المناسب، والذي ليس له اختيار فلا حياة له اصلا، الشابة الجميلة وراء المكتب تمسح الوجه بمنديل الخلاعة، تستدرج الفتيات الباحثات عن الغد المشرق في سراب الحضور، تسجل ارقام الهواتف على قطع ورقية صغيرة، اتصال واحد يغير مجرى الحياة، نوارس الاحلام تحمل الاجساد الى بوابات السماء، بعض الشابات يحتضرن في سراديب التمنع، يلكن في صمت عورة الشرف المداس والمخدوش بالاستمالة الغبية، ينثر هباء الذل فوق بصاق كلام يستحم في الرذيلة، تقهقه بصوت مرتفع على اتفه الامور، يرتج الصدر وتظهر من فتحة القميص اجزاء من بطيختين معتقلة في حمالات حمراء، ينجرف النقاش الى ما تحت الحزام، تستحضر مشاهد من شريط اباحي، رائحة التلميح النشاز تستفز شرارة التخصيب في المدائن، تخترق قضبان الفؤاد فيخفق في الاشلاء ربيع الحياة المكفهر، تغسل الايدي من لعنة الحب وجراحات بحجم المساحات، يجفف من الحلق الرومانسية الناعمة. الكاتبة الجميلة تعقد الصفقات الماجنة لولي الامر.

 باش نفعك الحب بلا خدمة ولا ردمة...؟

 بصح يا اختي عيشة...

 ها نمرة التليفون عندك... اتصلي ما يكون غير الخير

عيشة الموظفة دخلت بكرا الى الادارة، فضوا بكارتها في ليلة داعرة باسم الترقية والامتيازات، خرجت تحمل جرثومة السهر والليالي الملاح، تعاقر الخمر وتفتح الحوض للكبير والصغير، يقولون عنها عاهرة وقوادة، تنصت لصوت النميمة في المكاتب الدبقة لكنها لا تكترث، اغلب العاهرات اللواتي عرفتهن متزوجات اسسوا عائلات، يوما ما سيدق الحظ بابها، صغيرة في عقدها الثاني، لا عيب في شد الرحال الى مخادع الرجال، اطفاء الحرائق في الشرايين، صندوق اسود لسيد الامكنة والقرارات، بوتشمعيث مثل محارب مهزوم، ندوب المعارك الطويلة على الجسد، الرغبات طلقات مكتومة تصهل من مدفع محمول في سفينة عابرة للوقت، ترميه كل مرة على ساحل عقيم، في المرآة يرى الوجه المتصدع، المكانة السياسية تجلب الانثى الطامعة الى الفراش، يستجبن للنزوات لأنه يمسك بعضا من عصا السلطة، حال تنكسر سيهربن الى الوجهة الجديدة.

الموظف الاملط الاعمش(لمعمش) يستدرج رؤساء الشركات والمقاولات، قيمة الرشاوى متناثرة على خراب الاشغال، بدون الدهان لا يستطيع المقاول الطيران، المرور من خرم ابرة تقليد متوارث رئيسا بعد رئيس، السباحة بين ضفتي الجرح لتوفير الخبز الحلال، الموظف الاملط ابن اخو بوتشمعيث زئبقي ذميم الخلق، كالحرباء لا يفهم سوى لغة الدفع المسبق، يتطاول على الاطر والكوادر الادارية، يفتقد للحياء والقيم، همه الاكبر زرع الفتنة والنفاق واهدافه غير المعلنة الشقاق، بارع في الغدر لئيم في الحديث والمعاملة، سوداوي الفكر والتفكير، كيف لا وقد تخرج من مدارس الشحاذة والرقص في الاعراس، اقتات على الفتات لسنوات طوال، لعق الاحذية ليقدم خدمات في المناسبات السعيدة، حمل كاميرا وراح يحنط لحظات من افراح الناس، وظف بفضل التدخلات والمقايضات السياسية، بصرخة ماكرة ترتعش طوابير الاطر. ابغض شيء في السياسة ان يتحكم جاهل جاء بالانتخابات المزورة الى تدبير الشأن العام في الكفاءات من اطباء ومهندسين، الشعب المستباح أهلكه التسلط في انتظار اجرب لفارس عاجز.

 باغي تستافد من المال العام خصك تدفع نسبة 30في المائة من الارباح عن كل مشروع

 ما شي بزاف....؟

 هاد الثمن راه قليل... كلشي حال فمو باغي حقو

 على هاد لحساب خصني نغش في الاشغال...؟

 شغلك هداك الا حصلتي تمشي للحبس...الناس راها كتسرق بالقانون انا غير وسيط...

طلبات الاستفادة من اموال الشعب ترتاح في صندوق السيارة، جمعيات توسدت مكنسة الخونة وقطاع الطرق، تولد المنح والمساعدات ما بين شفاه نسوة وشفاه كؤوس الخمر، شابات عاطلات يجبن الادارات ويقدمن التنازلات، الاحباط والفقر يسقط المحصنات في تخوم الخطيئة، لم يبق في الارصفة سوى بقايا فتات المبادئ تتوسل كلبا مسعورا، تدمن باشتهاء لهيب السقوط الى الحضيض، في المقهى يتوسط مسؤولي المدينة، لا يكف عن الثرثرة والقاء الخزعبلات، شهقات مثخنة بعتاب التقريع وغمز يجر حروف العتب، الجهلة يفهمون بعضهم البعض، متشرد يدلف من الباب، يجمع اعقاب السجائر من المرمدات، يتقدم نحو المائدة المفروشة بالعصائر والفطائر يمد يدا متسخة يطلب صدقة، تضرب منه رائحة كريهة، يطرده نواطير المقهى، يصرخ في الهواء ملوحا باليد متوعدا.

- عطاتك ليام يا بوتشمعيث ولتي كتحكم

انفجرت الاسارير بالضحك، فلفول كبير المفسدين والنوخو يرسلان بريدها من خلال القهقهات، بولحية ولد رقية التزم الصمت، عدوى الضحك الهستيري تضرب زبائن المقهى، تعصر في كؤوس الشاي والسائل الاسود اثواب القفاشات، ترمي ألغاز الألفاظ المشفرة في بركة الضوء، الذكريات القديمة تنفخ في كير الاهانة، الوجهان مدعوكة بمساحيق الاحتقار تقود التلميحات بالسوط، لذة الصمود في الهروب افضل من المواجهة الرخيصة مع الارخص، لا شيء تحت شمس المدينة العاهرة، سوى اسمال وفقر ونفايات في الشوارع والازقة، تمططت السعلات والزفرات في الاحياء والدروب، تكبر الغصة ويحس بالصفعة على الخد، تتعرى دهاليز الروح المضطربة، كم يكره ذينك الشاذين الذين جيئا الى مؤسسات الشعب بالتزوير وشراء الذمم، كبير المفسدين والنوخو يتبرجان مثل الكواعب، يضحكان بغنج ودلال زائد، شحموشاط من نصب حراس مملكة سدوم على المدينة، الشعب متذمر من الجالسين على الكراسي، والجلوس فوق رقاب الكادحين تخنق الانفاس، الشعب في يده المنشار والمسامير والمطرقة، كل المخاضات الفاشلة نتيجة التلقيح الهجين، الغد حتما سيطيح بحفدة لوط وبالأصنام واللصوص من المسؤولية،بين حمل كاذب واخر ايجابي يولد الاختيار الصحيح. وجده لمعمش في الحي ممتقع السحنة يغلي من الداخل، انفتحت مزاريب الكدر، يفرغ في الجوق قناني الجعة، اعاد على مسامعه حشد من نواقيس الاهانة، يهدر محرك السيارة السوداء ذات الدفع الرباعي.

 ولد النصرانية الشاذ الجنسي كيمعني عليا

 لوح ورا الظهر

 والله كون ما حنا لا شد شي رئاسة ولا فرح بها... ولكن لي قرصو لحنش
كيخاف من لحبل.

بوتشمعيث فينيق في زمن الرماد، زهرة الشر فوق هامات السنابل الشامخات، يعب عظمة من جيوب التنهدات والانكسارات، يتوضأ كل مرة من طلقات التجريح القديمة، يدون خلود اللحظة بتوبيخ الابرياء، وفي التوبيخ تمارس الطقوس العفنة ويأتي الخوف والتقديس ويصبح ادمانا، تتوسع الهالة والشموخ، يتدفق في الجماعات والادارات محتفلا بالوجود يوشك على الفيضان، ناصع ومكتظ بالأوامر والنواهي، حين يتعثر في فهم مجرى الرطن بالفرنسية والانجليزية، ينبجس دافقا في لعلعة الحكي والتهريج الثقيل باللغة الامازيغية،يلوي العنق في حركات لولبية، يلعق الشفتين ويهرب منه اللعاب، ينفض الاجتماع الموسع، جميع الترتيبات سطرت على عجل، الاحتفالات الوطنية على الابواب، المهرجان الفني والثقافي، موسم الشيخ عمر في القرية المولد والمنشأ، مواسم اخرى في الجماعات الترابية بالإقليم، ملايير تهدر على الرقص الماجن، الاستثمار في بناء المستشفيات والمدارس والطرقات وكهربة المنازل والربط بالماء الشروب، يقبر الهجرة نحو المدن، عمليات تسخين الدفوف والطبول على حطب ونار، نصبت المنصة الكبيرة في ساحة المدينة، مكبرات الصوت في حجم سيارة صغيرة، الاضواء الملونة تزيد المنصة جمالا، العلم الوطني يرفرف في كل الجوانب، يكثر التملق والتزلف، بوتشمعيث يصول ويجول ترتعد فرائص الموظفين الكبار والصغار، نجاح المهرجان يحتاج اليقظة و التعبئة الشاملة، تعاقدات مع المغنيين والفرق الشعبية، حراس امن ولافتات معلقة في الشوارع، طبع الجوائز احتفاء بالناس المهمة، يصرخ في جمع من الموظفين الكسالى، يرتعدون ويهرعون الى المكاتب متساهلين في جريمة التأنيب.

 لي ما بغاش يخدم يخوي لبلاصة راه كاين الناس لي باغية تصور طرف الخبز

ينهش لحم الكرامة في محافل الجهل ويغتصب الشموخ والعزة، سوق نخاسة تقايض الشرف بالوعود، الترقيات والامتيازات بالانحناء المر، بوتشمعيث اسقط زعيم النقابة (بركيكة) وضمه الى القطيع، لم يكن بالأمر الصعب استقطاب موظف مرتشي فاسد يحمل جرثومة الانبطاح في الدم، بقنينة خمر يقدم التقارير للأجهزة السرية والعلنية، حصل على الوظيفة بالخيانة والوشاية والتآمر على الحركة الطلابية في سنوات الجمر، يحمل يافطة تفضح معدنه وهويته الحقيقية، دروب النضال المبدئي لم تعد تجدي، قربوه ليغتسل من السقوط ويتوب في لحظات اشتداد الخناق على الطبقة العاملة، نصبوه زعيما ليحاور الاجهزة الادارية حول الملف المطلبي، كممه رجل السلطة النزق بخروف العيد ومبلغ مالي، تعرى كلية تحت حوافر سلطوية وبانت الخديعة، تخثرت الانتكاسة بين الشفاه بعد فوات الاوان، يكبس الغضب المندلق على النفوس، تحارب هواجس الطعنة بالترحال، تترصد الهمسات وتغتال اللغو، الحيطان تسترق السمع، خوفا من الرشق بالنعال، تنحني العوام بحضرة الابهة الزائفة لتقبل الايدي والراس، تركع خاشعة امام حاكم الزمان، الموشح برداء الاندهاش والطاعة، السلطة صارت خاتما في يد الابله والجاهل، وتذكرة السفر الى صناديق المال والعليق وراحة الضمير يكمن في الانحناء للعاصفة،قل للكلب يا سيدي لتصد التفاهات وتبعد الاذى.

رنات الجرس و طرقات على الباب الحديدي، يقفز من على السرير لم تنجح القيلولة، فرك عيناه الشبيهة بعيني سمكة ميتة، عقارب الساعة تشير الى الرابعة بعد الزوال، اطل من كوة صغيرة بالنافذة، جسم يرتدي جلبابا احمرا، اسرع وفتح الباب، افرد ذراعيه كطائر وضمها الى الصدر وجدبها الى الداخل. لم يعد يتذكر متى ساومها في عرضها، لم يضرب لها موعدا، لا يعرف حتى اسمها، اندفع بسرعة في أودية الخيال، يبتسم الذئب يلوي عنقه بطريقة لولبية، تهطل المفردات بالترحيب، جلست فوق الكنبة بعدما تخلصت من الجلباب الاحمر، تداهمه عاصفة هوجاء من النزوات، ممتطيا صهوة الاشواق، طال الحديث لم يهتد لمن تكون وما تريد، قرات في العيون علامة الاستفهام والتعجب.

 ما عقلتيش عليا واقيلا...؟

 راني ما زال دايخ بالنعاس...فكرني

 انا رئيسة جمعية محاربة الامية وخدمت معاكم في الانتخابات

 مرحبا...راه دوزنا لك مبلغ مهم

 الله اجازيك بخير

ليس هناك شيئ بالمجان، زفير في الجدار وتحت السقف، حشرجات ترمي بأسمالها تحت السرير، الآهات تطوي السقطات القديمة، وشهقات تحبو من جبين الضباب، يسمع رقصات الطبيعة، نباتات الصبار تزهر وردا اصفرا، النحل يغطس في الزهرات يسرق الرحيق، طائر العقعق الاسود يلتقط الدود تحت الشجرات، ذئاب الرعشة تلحس الاعناق الندية، المنصة محاصرة بعشرات الرؤوس، المغني الشعبي ينهق مثل حمار مشدود الى رسن، تتمايل الاجساد مثل ازهار الليلك، الكلمات تمضمض في قبضة الشفاه، أيقظت الدخان والمواجع والحنين في رئة المسافات، الكادحون مصابون بالدوار مند سنوات، يصاب العاشق بالرجفة، من تلاطم النظرات مع الاجساد الانثوية المستسلمة للزحام، الكمان يمزق احرف الابتلاء والعلة، بنغمة تشبه زمجرة الرعد وطلقات البرق، يسكن الخيال الجامح حمم التأمل للملتاع بحمى فوران المشاعر، الرؤوس تنتشي، ترتجف، تزبد فوق عقارب اللحظة، يختزنون القصص وتجارب الغرام الفاشلة، يكبسون على جمرات العدوى في الشرايين، يتراقصون في بلاهة ذات اليمين وذات الشمال، يتكسر الليل على ترانيم استحضار الذكرى،ايادي مدربة تتسل الى الجيوب تفرغ ما بداخلها، منحرفون يلتصقون بالمؤخرات السيف البتار مسحوب من الغمد بحثا عن المخاض،تسجد الاجساد قهرا للاعين الظامئة خوفا من ردات الفعل، تصفق الجماهير منتشية، يصفق الربيع يورق الشجر وتغرد العصافير وتذوب السنوات العجاف، تكتب قصص الفتوحات والبطولات وتلقى امصال الرجولة في الهواء، بوتشمعيث يتوسط الشيخات والمغنيين خلف المنصة، يلتقط الصور منشرح الاسارير، يفاوض رئيس فرقة شعبية على النصيب. يرتفع اللغط وتطمسه الموسيقى الهادرة، لا خيار سوى الاستجابة.

 وليتي بحال المنشار طالع واكل نازل واكل

 حسدتيني... دخل الانتخابات وشري الاصوات وجي سمسر ودي حقك

 ما قلتي عيب...

لم يسلم صديق الامس حمادي من الفرم، ادى المكس راضيا، سلم بحرارة على عسو الكاسحة وباقي الفرقة، سال عن البنت سكينة وعرف انها طلقت، استيقظ الحلم القديم في العروق، صدى أنين الشوق المتكلس على العتبات المتربة ينبجس، يفور الوجع في الضلوع، وجه يحمل نهد الشهوة يجره نحو ظلال تساقطت فيه زهور الرمان، دارت في الراس الاف الخطط والاسئلة، تذكر ليلة العرس كيف تخلصوا منه بوقاحة في المزبلة، حان الوقت ليرد الصفعة، سحب مبلغا ماليا ونفحه لعسو الكاسحة، رمقه بنظرة فاحصة، ينتظر كلمة السر والمرور، قذف بمخزون مبعثر من الثرثرة اللزجة على المسامع عن السياسة والمال والاعمال، عسو الكاسحة لم يكن ابدا بطيء الفهم ولا جاحدا، كريم ومضياف رغم الفقر، يجمع بين القسمات أسرار الانسان المتسامح، تاتي الاشارة في الدعوة للعشاء، تضيء فرحة الامل، يضع البصمة الاولى على خريطة الطعن، الذبح قريب من وريد حبيبة الامس.

تفتح العيون الشرهة شهية الإغراء، يغرق الذاكرة بالمواعيد و الوعود في مواسم الصيد، يقيم الصلوات على الصدور المستباحة لنساء متبرجات يخفن ترهلا لعنة، هاربات للتو من عيون مقصلة الحب المهترئ، رمى خلفه الصراخ والضجيج، يشعر بالإعياء والارهاق،تعب من تزاحم الصور، شاهد سقوط بيارق العفة في دهاليز الخيانة، النساء متشابهات يتمنعن مع الاصرار في الطلب ويستجبن كلما طالت اللامبالاة. ارتمى فوق السرير زاحفا داخل كوة الراس، استعاد شريط السهرة الباذخة، شحموشاط يقدم الهدايا للفنانين القادمين من المدن البعيدة، يبتسم فيبتسم الاتباع، يصفق فيفعلون، يقف فيفعلون، فلفول كبير المفسدين والنوخو يبحثان بين الجماهير عن فحل لاستكمال الليلة، الاعمش ابن اخيه يصب جام الغضب على حراس المنصة والحواجز الحديدية، تسللت بعض الفتيات لالتقاط الصور مع المغنيات، اخطاء مثل هذه كفيلة بإثارة الفوضى، فالأعصاب تتورد بالحماسة والتهور، التأنيب يدون في دفتر الخصم من الاتعاب، القصاص سلوك يرمم بنود الصحوة والحذر.

 انتوما مخدامين حتى وزة... اش كتسناو يهجم علينا الجمهور...؟

 هدوك لبنات راه دخلوهم مستشار باش اتصورو

 اسيدي ممنوع...ممنوع يكونو حتى اولاد الباشا ولا القايد...

 سمح لينا

تسرق الفرحة من فم النار في المدينة الداعرة، الهاتف لا يكف عن الرنين، دعاه حمادي لكأس شاي في المقهى الشعبية، تناولا صحني بيصر مغمسة بالزي البلدي والمضمخة بالكمون، في الصباح تخلص من سيارة الشعب ذات الترقيم الاحمر في المراب لينجو من قميص المؤامرة، كما العادة في العطل الاسبوعية، يتعرى الوقت على رائحة التفاصيل، يتبادلان الاخبار يستحضران سنوات العشرة والبراءة، تنبجس من العمق كل تواريخ المحن والطعنات. حمادي بسحنته القمحية يدخن بشراهة السجائر السوداء، اثار القهر والشقاء بادية على السحنة، لم يخلع عنه الجلباب القديم، يتثاءب في اسرة الضنك من فرط الجيوب المثقوبة على مر الشهور، تستيقظ الجوارح حين يرمق رزم الاوراق الزرقاء، الفم الجائع يتوسل الصمت الكسيح، يدفع ثمن الفطور وعلبة السجائر الرخيصة، يركب بجانبه في السيارة السوداء ذات الدفع الرباعي، يقودهما الطواف في مصارين المدينة الى الحانة، حمادي يشتعل همة وحماسة، يحمل في الصندوق دزينة من قنينات الخمر الاحمر، تفرغ الكؤوس في الجوف على ضفاف النهر، تسترجع فصول الحكايات في سهول وتضاريس الذكرى، تهاجر في منحنيات الجمجمة، في هذا المكان الهادئ والرومانسي قبل سكينة وضمنها بعنف، اجلسها امامه لتمسك بالمقود وتضغط على الدواسة، تعلم السياقة يحتاج الى معلم محترف، لكن الدرس لم يكتمل جفلت ووقع الخصام، الان اصبحت ارضا صالحة للرعي بعدما طلقت، حمادي قنطرة للوصول الى المبتغى، الخمر يفك عقد العبوس، تحدث حمادي عن الشيخة هشومة التي اصبحت مقعدة لا تغادر البيت الا على كرسي متحرك، اغرورقت عيناه بالدموع، يخاف من نهاية مشابهة ولا مدخرات تعفيه من الشحاذة والتسول بمعية الابناء، بوتشمعيث لا تهمه اخبار الشيخات الكسيحات ولا المصابات بالبواسير وعسر الهضم، الله يتولى الجميع.

 فين شاداها سكينة...؟

 جالسة في الدار...يا الله طلقات شي شهرين هذي

 علاش طلقات...؟

 الرجل على ما تيقولو تيعصيها...وكاينة هدرة اخرى تتقول بلي حصلها مع الزلال والله اعلم...واش باقي موحشها...؟

 راك عارف الحب الاول

 ايوا اسيدي راه عارض علينا الاب ديالها نهار السبت

 عندك نمرة تيلفيون ديالها...

 نجيبو ليك... ساهلة

وجه الدعوة لحمادي للمشاركة في موسم الشيخ عمر ومواسم اخرى في فصل الصيف بالجماعات الترابية، الحقه بالعمال العرضيين بأكبر مؤسسة دستورية، كل ثلاثة اشهر يسحب مبلغا مهما دون عمل، بوتشمعيث ينز حنوا مبهما، لاشيئ بالمجان في الزمن العجيف، لا فراشات في المستنقع الآسن حيث يسبح لصوص الفرح، والذئاب ابدا لن ترعى مع الحملان، قطاع الطرق يزرعون التعاويذ بطعام مسموم، رغم الحذر يكبر في المخيلات الطغاة ويتلوث الدم ويصطف الواهم وراء وهم المعجزات، يضعون قشور الخيانة فوق الرؤوس ويقدمون المزيد من الولاء، في بيت عسو الكاسحة كان الاستقبال والترحيب كبيرا، الايدي تقبل وتطلب العفو على الليلة المشؤومة، طامو تحمر خجلا حين وضعت صينية الشاي المنعنع وبعض الحلويات المشتراة على عجل، الثلاثة الصغار يتقافزون على الصحن، نظرات حيرى على صهوة الاستفهام تتارجح، نداء من الغرفة الاخرى كالماء تسرب بين المسام وشعيرات الجلد، قناديل الشيطان تومض في الاوردة، تطل فراشة الضوء من فتحة الباب مكبلة بعنقاء الضجر، تتسكع الأفواه في كؤوس الشاي والحلوى، تامرها الام بالجلوس والسلام على الضيوف، تفرد لها مكانا متحصنة بالظهر منكصة، بانت خيوط الضياء، ازدادت جمالا واكتنزت، تحاورت العيون وانسحبت اشباح الضجر المفتعل، يلوي العنق في حركات لولبية، يضع رجلا على رجل، تتدلى ربطة العنق الذهبية المرقطة بالأزرق على القميص الاصفر، على الجسد المكتنز تتنمق أورام رحلة عشق ذبيحة، توقظ اوجاع صفعة الامس الموشومة بخبث الرفض، تدغدغ الحواس المجروحة، لم يأت الترحيب كالثلج بطيئا، جاء كحجر القي في البركة، توسعت منه الدوائر وكبرت واختفت،ايماءة مبللة بالندى تشعل رطوبة الشجن، معتقة بنبيذ النزوة، نثر تلميحات من سجن الكلمات الموبوءة بالاشتهاء، الأعين والألسن والأيدي مخدرة بالوعد المزروع في حقول الطمع، الطمع طاعون يقتل الكبرياء والانفة والعزة، الحرب دقت طبولها في مواكب الغرقى، كل شيئ واضح في لغة الجسد، حمادي يفرغ كؤوس الشاي المنعنع ويقضم قطع الحلوى، الوقت يمر ودقات الساعة تصرخ، والهاتف لا يكف عن الرنين، وقف وسط الحجرة ارتدى السترة، سلم على الزوجة طامو بحرارة رجته ان يمكث للعشاء، سكينة تمد كفها وترفع عينيها المتلألئة بالطمأنينة والقلق، امطرت اكاليل الفرح، دست في يده ورقة صغيرة، الاصابع قالت كل شيئ ونابت عن الافواه، ودعا عسو الكاسحة وطامو عند الباب.

 مع السلامة وجدي لينا شي عشاء

 مرحبا... شوف ليا شي خدمة فين تخشي البنت راه عيات بالجلوس

 راه عطيتك الكلمة.. جمعي غير لوراق

 كون هاني

في مواسم الجفاف تدشن النسوة زغاريد الظمأ، وفي موسم الشيخ عمر يدشن الرجال الميدان بطلقات البارود والكر والفر بالخيول للتباهي، تمر فرق الخيالة الواحدة تلو الاخرى تحيي المتفرجين، فوق المنصة يقف لمعمش ابن اخو بوتشمعيث ممسكا الميكرو يقدم تعريفا وشروحات عن الفرق المشاركة في المنافسة السنوية، الفرجة تخرج من فوهة بندقية وصهيل حصان، تحفر الاساطير على التراب الندي بحوافر جياد خارجة من اسطبلات التدجين، الكبوات تخفي الفارس في أدغال النكسة، ورقة مليئة بفهارس طويلة من أسماء فرق قادمة من قبائل امازيغية، في الجماجم شقشقت مفاتيح المتعة والانتصار، طفل مدبوغ الجلد يحمل صندوقا خشبيا يقضم خبزا حافيا، يبحث عن الربح في السجائر بالتقسيط والعلكة والمحارم الورقية، دخان النقانق واسياخ اللحم المفروم يرتفع في السماء، مئات الخيام المنصوبة على مساحة كبيرة، الشمس في كبد السماء، موج بشري يتدفق من كل الاتجاهات على الموسم، الاف السيارات تغلق جل المنافذ، سيارات الاسعاف والمطافئ والدرك رابضة، شاحنة برشاشات مائية تدرع الميدان جيئة وذهابا تنثر الماء لتنويم الغبار، مئات الاحصنة مشدودة بالأرسان الى الخيام، الخياشيم مدفونة في المخلاة، فتاة صغيرة تتبول في العراء،شابان يلاحقان فتاتين يرشقانهما بالكلام المعسول، المنافسة تولد من جديد وتتجدد، تسمو النخوة في فجوة التنافس المشدود الى الميدان، تدفيء أحلام الفارس بالتصفيقات الحارة، المسجلة تقيئ اغاني شعبية عبر مكبرات الصوت، بوتشمعيث يقف امام الخيمة الكبيرة في لباس تقليدي، يستقبل الضيوف ويوجههم الى الكراسي، تستريح على الكتف بندقية، طلقات البارود في السماء، حضر الضيوف الكبار القادمين من مدن العطور والنظافة، الوزير وصحبه، رجال السلطة والاعوان برلمانيون ورؤساء جماعات، مستشارون يلبسون الوان الطيف السياسي، شحموشاط يتقدم الالهة الخارجة من القمقم المغلق والمختوم بالأهمية، عالم يجسد قمة الطبقية والنخاس والنخاسة، الموسم يضيق بالأقزام والأبواق، تمتد مخالب ضوء النهار وتمسح عطش العيون المنهكة، وجوه تصرخ في باطن من التملق، يتقدم شحموشاط يفك قيد الحصان الادهم، بخفة يقفز فوق الصهوة قابضا على اللجام، يدس الارجل في الركابات الحديدية، تحت الابط تكبر سكرات الابهة محاولا خطف مفاتيح العظمة، يستوي الفرسان في خط مستقيم، الحصان يرسم علامات الرفض، ينادي رئيس السربة ليكونوا على اهبة الاستعداد، تنطلق الاحصنة تطوي المسافات. يشق السماء صوت الفرقعة القوية.

تنتشر رائحة البارود في الهواء. بوتشعميث يهش الفضوليين بالبندقية بملابسه التقليدية، في الجانب الايسر ينتصب خشخش المستشار اليساري مثل حراس الاثار التاريخية، استقدم ليلبس دور الناطور، فيه شيئ من جينات بوتشمعيث، الفرق ان خشخش متعلم والاخر جاهل. كلاهما ينفخان العظمة والتقديس في لصوص الشعب. من بين الحشود يخرج باعزوز مترنحا يسب ويلعن، يمشي خلفه عشرات الشباب الغاضبين.

 هذا ما بقاش موسم الولي الصالح الشيخ عمر... هذا ولا موسم الولي الناطح بوتشمعيث...؟ السعاي لي ولدك...داير فيها مهم والله ينعل لي ما يحشم...خصك شي شمعة اخرى.

باعزوز الوجه المعروف يلقي عبوة الدخان المر وسط الحشود، سبح في بركة التفاصيل المملة، نهش بقايا رجولة فارغة مملوءة بالهواء، الخطى تتثاقل تصطدم بحبال الخيمة، من جيب المعطف يسحب شمعة كبيرة، الانفاس تلهث وتنادي تستفسر عن بوتشمعيث الحاكم بأمر شحموشاط، علامات استفهام تعلو الجباه الجامدة فوق عيون الصمت المتعدد الاقنعة، يتسلل برهة في ثنايا البوح حين ينشر الجسد على الكرسي، يحكي تفاصيل غزوة شمعة زرهون، يرفع الشمعة عاليا كالمتوج بميدالية ذهبية في مسابقة شقية، تنتشر القهقهات والضحكات، مبارك المستشار الجماعي يقف وراءه مباشرة، يقترب دركي يحاول اخراج المشوش لراحة وقلق اسياد القوم بالقوة، تأتيه اشارة الرفض من صاحب العرس، خوفا من ركوب ابن الدوار الطاعن في الوفاء والانسانية وحسن الجوار عفاريت العويل، قد تفيض الفوضى في ينابيع التصرفات الخرقاء، من خيمة اخرى يراقب بوتشمعيث مغتصبه، اللعين افسد يومه، الخيمة الواسعة مسرح لا لقاء القفاشات والمستملحات، تكسرت اختام العبوس على قسمات اولي الامر، ذاب التحفظ والاحتراز وانفتحت التوابيت، نفخ الروح في الالهة المكشرة على الدوام، نشوة اللغط المشاغب تزيل تجاعيد الوهم الفارغ، حكى عن سكير دخل علبة ليلة في ساعات متأخرة بحثا عن وعاء للتفريغ، راها جالسة لوحدها، امامها بضعة قناني الجهة الفارغة، بدت اكثر جمالا وسط الاضواء المتلألئة والتبرج القوي، اخدها الى المنزل فرحا بالصيد الثمين، في الصباح اصيب بالدهشة والرعب، زالت المساحيق والسكر وبدت مثل جنية خارجة للتو من بركة الاوحال، اعتقد في اول الامر انه اخطأ السكن، فرك عينيه اكثر من مرة، حمل حذاءه اراد ان يهرب، سألها في تلثم شديد مع من جاءت، اجابت انها جاءت رفقته، فرد ان كان هو فليأتيه العمى. ينهض شحموشاط ويسحب باعزوز ليجلسه مع علية القوم، لكنه ليس على مقاس احد. الوزير المنفلت من مجالس الاناقة والرسميات في الكلام والجلوس المبطن بالنفاق، يتلهى في خلاسية المكان، يلتقط صورا مع الرجل الضاحك، يقدم له دعوة للحضور الى الوزارة...

 تفضل با عزوز...نهار كبير هذا

 الله احفظك اسي شحموشاط... نهار كبير بكم...وبالضيوف الكرام

بوتشمعيث يداعب بالعيون الجسد المسجى مثل كلب مدلل، يتعثر حنقا على حافة اللعنات المنثورة من ضربة الامس،انسحقت الاهمية وتفتت الكبرياء في موسم اللعب والتكريم والظهور، دار شريدا طريدا واهنا على حافة الهاوية بين الخيام يشق طريق الهرب ملثما، العيون الماكرة فرحة من غبش الاذلال الكئيب المشفوع بالذم والإشارة، اهل القرية يمضغون الواقعة مضغا، با عزوز بطل سدد الضربة القاصمة في الوقت المناسب والمكان المناسب، انتقم لعشرات السكان، بروج واضرحة الامنيات المشيد على مدار اعوام تخر كالسور المتهالك في دقيقة، مؤلمة وقاحة الصراحة المقدودة من الحقيقة، الستائر البيضاء المثبتة على النوافذ تقيئ ضوءا خافتا، الهاتف لا يكف عن الرنين، يضغط على الزر لا يسمع سوى مطالب وشكاوى، اصوات نسائية تستجدي المساعدة، الكادح يتعلق بالقشة بحثا عن قضاء المارب، الجسد الممدد على السرير حفلة شواء تفتقد الى بطاريات الشهية، حفل الشهب منحبس تحت الجلد، الخمرة لا تسكن الغضب النابت في الشرايين لا تفك من اغلال الخيبة، الاحساس بالعجز والهزيمة يتسلق مسام الجسد، يستحيل القبض على عصافير الدهن الشاردة، بداية ارتداد الزمن عليه، شحموشاط امره بالانصراف خوفا من الفوضى، با عزوز لديه اتباع كثر، لم يتلق ولا اتصالا هاتفيا واحدا يطلق غازات مسيلة للأسف، ظلال الْخرس في البيت تنشر ملكوت الطعنات، كؤوس الراح مسربلة بالحنظل، سكينة تتكئ على جدار الرغبة، ناشرة المفاتن على حبل الشهوات، تستعجل الإبحار ككل يوم على قوارب ملقاة في الامواج العاتية.

 اجي تنعس حدايا

 غير خليني ما عندي خاطر حتى لحاجة

 اشنو واقع فيك...؟

 والو غير شي مشاكل مع واحد لحمار

 ملي حمار علاش مقلق

 حيث حمار هداك شي علاش طالع لي الدم

طلقات البنادق تلهث فرحة من حنو الشمس، موج بشري يتدفق على موسم الشيخ عمر، فرق الخيالة تتبارى على الجوائز القيمة، تكبر الاسلاك الشائكة في المخيلة، الاسوار تتممد في النظرات المعاتبة، لا حاجة تثبط العزيمة، سيزيف يدفع الصخرة الثقيلة الى القمة مبلل بالعرق والكوابيس، يصارع طواحين الهواء، كواعب يطلقن قهقهات من صرخة نميمة تمتطي صهوة الغمز المستتر والاستهزاء الهجين، تمتمات وهمسات باللقب تحصي شهقات الخطوات، الألسن في الخيام تلوك الطعنة لشحن بطاريات الادمغة، تشفي عطش نداء الثرثرة، يبتسم قليلا طمعا في النهوض، يتلمس مخرجا في تجاعيد الحفل الكبير لكي لا يفقد الهمة، يقاوم الانحدار وهول وبشاعة الاحتقار، بالأمس كان يكذب مزاعم باعزوز، يصفه بالسكير والعربيد والكذاب، وحيدا يجدف بمجداف رخو، يشتهي جنونا اخر للوقوف ضد الريح، أطلق آهة للفراغ والجم اصوات الذم المختومة بالعجز، تقدم نحو الجواد الادهم لشحموشاط المربوط،ازال عن الخياشيم المخلاة، تبث اللجام والسرج والركابات، قام بحشو البندقية بالبارود، شحموشاط تكفل بتوفير البارود بكميات كثيرة تحت مراقبة اكيدة للسلطة، لكل فريق خيالة نصيب من البارود والاعلاف، الميدان ممتلئ بالانتظار يلبس ضجيج الجماهير، الرشاشات المائية تنوم الغبار، الخسارة تنهش اعين الفرسان الذين يغادرون عنوة المنافسة تحت شمس تجر اقدام الخسارات، رائحة الشواء تكبس على الموسم، عربات مجرورة تقيئ مزيدا من البشر، اخرى تعرض خضر وفواكه،حمص وفول وسجائر، بالونات للأطفال، حشود كثيرة تقف وراء الحواجز مصلوبة على جدار الفرجة، تهرب من دواوير تشكو الملل، تبحث عن ملامح الايام الخوالي في الاسواق والمواسم، خيول ترعى في حبات الشعير والتبن، حمار ينهق في المربط يجر الحبل يحاول الفكاك والتحرر، مسنة موشومة تمتطي ظهر اتان، متشرد يتلمس ثيابه المثقوبة بحثا عن عقب سيجارة، يدفعه في الفم ويمد يدا يطلب عود ثقاب، صور ترسم ملامح البراءة. مكبر الصوت يقيئ اسم الفرق المتبارية.

 لدينا اليوم 22 فرقة في السباق 4 الفرق لي غادية تتاهل للنهاية

يتقدم بوتشمعيث يأخذ له مكانا وسط السربة، يغطي مرارة التيه بتحدي بألف لون، يلتقط الزفرات الهائمة الطاعنة في الختل باحثا عن طاقية الاخفاء، ميدان التباري محراب للصلاة، لمعمش ابن اخيه يتمترس فوق المنصة، يجتهد في تشغيل اشرطة الاغاني الامازيغية، شحموشاط لم يظهر له اثر بعد، باعزوز غادر القرية في الصباح الباكر سعيا وراء الرزق، رئيس فرقة الخيالية يطلق صرخة الاستعداد، الجياد تبدا ملحمة الرقص الاسطوري، تنغرس الحوافر في الارض المبللة، الايادي المدربة تقبض على الارسان والبنادق، لأول مرة تبدو المسافة طويلة، مسافة ستطوى في لمح البصر، طافت في الدماغ فكرة الانسحاب، هناك الف حجة وحجة، لاحت صورة الخيال الذي سقط من على الصهوة، ظلت رجله اليسرى معلقة بالركاب، سحله الحصان لمئات الامتار، عشرات الايدي التقطته، خرج بدون خدش الارض الندية امتصت السقطة، الاشواك نابتة على ضفاف الفؤاد، والدنيا مفتوحة ابوابها على موانئ الجراحات، بوتشمعيث معلق على مقصلة الرجم، الناس في القرية تستظل بالتفاصيل العابرة والطعن في الخاصرة.

 السيد الرعيس المعارضة كتقلب غير لهمازي

 سحب الهدرة ديالك انت اكبر بياع وشراي

 اييه راني قاد على البيع وشرا ديري بحالي

 اسكت يا بوتشمعيث

المستشارة لدغته في اجتماع مجلس القرية باللغة الامازيغية، اللدغة كانت قاسية وحارة، احمرت منه الخدود حين تعالى الضحك، المصائب تاتي دفعة واحدة، لوى العنق اكثر من مرة، يطلق الحصان سيقانه للريح، يتلاشى وجع التجريح في المسامات، تمتد الاحلام نحو المستحيل واللاجدوى،الهواء الدافئ يلسع الوجه، يثبت اللجام في مقبض السرج، يرفع البندقية بكلتا يديه مصوبا نحو السماء، لم يعد يشعر باي شيئ من حوله، الهواجس مشلولة دون حراك، ريشة تحملها النسمات، اختلطت لعلعة البارود بالصرخات، الاف الرؤوس تشرئب حاملة مجسات الانصات والشماتة، تطلق الآهات من رداء الاندهاش، ذئاب الفجيعة تشهر كاميرات تحنط الجسد المسجى، امتزج الدم بالتراب، يحمل الهيكل المعفر بالتراب الى سيارة الاسعاف، شباب يطاردون الحصان الادهم الجامح الذي قفز فوق الحواجز، اسقط عربات وهدم خيام، نساء ورجال يهربون في كل اتجاه تجنبا للرفس والركل، قفز لمعمش من فوق المنصة ولاحق سيارة الاسعاف ركضا، الكبوة كانت عنيفة والتطويح اعنف، كل شيئ وقع في لمح البصر.
مسجي فوق السرير مند شهر، رجلاه معلقة في السماء، يداه اليسرى محنطة بالجبس، كسور متعددة، يحتاج الى اشهر للشفاء والمشي مجددا، لم يزره الا بضعة انفار، الهاتف لم يعد يرن كما في السابق، زمنه انتهى في رمشة عين، شحموشاط سيده الذي انتشله من العدم و علمه ابجديات الاستعباد والاذلال تنكر له، حتما سيبحث عن خادم مطيع قادر على انجاز الاعمال الوضيعة والحقيرة، وما اكثر الوضعاء في الوطن، كل من عايدوه في أفواههم كلمات رديئة، جفاء يملا القلب بالسخام والسخط. تتراقص هالات الغضب في الرئة، الطعن والغدر ينام في مخالب الزمن. يهيم على وجه الامس القريب، كان املا يستريح عليه الموظف المغبون والمقهور والفقير والمحتاج، دخل دورا سكنية لكوادر ادارية تبحث عن الشفيع، مسح الحزن عن وجوه العابسين والجالسين على كراسي الخذلان، بوتشمعيث ضامن للترقيات والامتيازات، يوزع مناصب الشغل على الذين يمتثلون للدفع المسبق. يفتح صرات الانوثة بمفتاح الاحلام، كله يجري في غفلة من مثيري الغبار، يئن السرير تحت الجسد الهزيل، ابتلع اللعاب بصعوبة، تابع صور السقطة من على الحصان في الهاتف، سمع من الاعمش كلمات الشماتة والتشفي، سباب وشتائم تحرك النقيق في النبضات، يرحل مثخنا بالطعنات راكبا قافلة الخيبات، يصطحبه دوار شديد الى مخدع الارتكاسة. طافت بالدماغ ملايين الصور، انتهى كل العناق والنفاق، فالجسر الذي استحسن فيه المسير بني بالقش واليباب، وتساءل ان كانت السقطة ستعيده الى نقطة الصفر ويصبح منبوذا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى