
زاكورة تحتفي بفراشات محمد العناز
خطوط الفراشات ليست انزياحات شعرية، ولا خروجا عن المألوف، وليست صوراً شعرية فقط، ولا رغبة في ترسيخ ظواهر بلاغية، إنها تجربة في الكتابة والحياة، وحلم لتحقيق تواصل مع التاريخ الإبداعي، والانتماء إلى المنجز الشعري المغربي، وهي مزية لا يمكن تحقيقها بدون التواصل المثمر مع قراء متعددين، في أماكن متعددة وعبر وسائط مختلفة، ويشكل هذا اللقاء الثقافي بفضاء قاعة متعددة التخصصات بثانوية الرازي التأهيلية التابعة لنيابة زاكورة أحد أوجه هذا التواصل الإبداعي والإنساني المثمر.
بهذه الكلمات افتتح الأستاذ إسماعيل المحمدي الجلسة الشعرية الثقافية بالثانوية التأهيلية الرازي التابعة لنيابة زاكورة احتفاء باليوم العالمي للشعر، وباليوم العالمي للكتاب، وقد تميز هذا اللقاء بحضور نخبة من المثقفين والأطر الإدارية والتربوية، وفئات المتعلمين والمتعلمات المؤمنين بجدوى الشعر وقدرته على ترسيخ القيم الجمالية والإنسانية، وأكد إسماعيل المحمدي على أهمية هذا الاحتفاء الذي يتوخى بَثّ الروح في أوصال الحياة الثقافية بالمؤسسة. مذكرا في السياق ذاته بالمحطات الكبرى التي عرفها مسار محمد العناز على مستوى التحصيل الجامعي، وعلى مستوى تجربته الإبداعية، واهتمامه بالإعلام الثقافي الذي شهد في الآونة الأخيرة طفرة كبرى بفضل استثمار الأدباء الجدد أشكال التواصل الرقمي، وكذا مساهمتهم في التعريف بجديد الأدب المغربي في مختلف الحقول الفكرية والأدبية، وهو أمر مكّن الأدباء وجمهور القراء من الاضطلاع على مستجدات الساحة الإبداعية بدقة متناهية. واعتبر أن قصائد محمد العناز سواء المنشورة في منابر عربية أو مغربية أو إلكترونية تعبر عن ولع هذا الشاعر بهذا النوع التعبيري الذي يمتد عميقا في تربة التعبير الأدبي العربي. فالعرب أمة شاعرة وهذا العصر وإن كان يشهد هيمنة السرد خاصة منه الروائي إلا أن الشعر مازال يشكل مركز اهتمام خاصة من لدن الشباب أمثال الشاعر محمد العناز الذي يمثل نموذجا للأصوات الشابة الحريصة على التمسك بجمرة الشعر رغم كل إغراءات الأجناس الأدبية الأخرى. في حين تطرقت مداخلة السينمائي عمر لعزيز إلى الإستراتيجية التربوية التي يقوم عليها اللقاء، والمتمثلة في جعل الثقافة لبنة أساسية داخل المنظومة التربوية المعنية بالمساهمة في ترسيخ وتأصيل قيم المواطنة والواجب والمسؤولية، عن طريق تشجيع الأندية التربوية بفتح محترفات للقراءة والكتابة للارتقاء بمجتمع العلم والمعرفة. متوقفا عند فراشات محمد العناز التي شكلت عوالمها - حسب الدراسات التي أنجزها عدد من الباحثين حول تجربته والمنشورة في منابر ورقية مختلفة وفي مواقع الكترونية متعددة- وفق رؤية خاصة لدى الشاعر تروم الابتعاد عن الغموض والتركيز على قوة الصورة الشعرية ومخاطبة رموز شعرية متعددة ومختلفة بعضها مرتبط ببيئة الشاعر وبجذوره، أمثال الشاعر الرائد محمد الخمار الكنوني، وبعضها يشكل مرجعا جماليا كونيا لم يتوانى العناز في جعله فضاء وموضوعا لكتاباته الشعرية أمثال الراحل محمود درويش.
وفي كلمته بالمناسبة اعتبر صاحب خطوط الفراشات أن نشوة الشعر تبدد كل الصعاب وهو اختيار لا مرد عنها، فالشعر بالنسبة إليه حاجة وجدانية ووسيلة تعبيرية لا ترتبط فقط بالذات الشاعرة على شاكلة الرومانسيين، ولا تتوقف عند الذات الجماعية على شاكلة شعراء السبعينيات، بل هي تجربة تحاول أن تستفيد من التحولات الكبرى التي عرفتها مختلف العلوم ومنها العلوم الإنسانية، وتحاول في الوقت نفسه الاستفادة من التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفها العالم مند سقوط جدار برلين.
وهذا التحول هو سنة الحياة وسنة الشعر منذ الإلياذة والأوديسة ومعلقات العصر الجاهلي، وقصائد العصر الإسلامي التي اتسمت بسمات أخلاقية، واجتماعية نتيجة تحول المجتمع العربي من نمط القبيلة إلى نمط الأمة الإسلامية، وبعدها تحوله إلى نمط الدولة مع الأموية، وما عرفه العصر الموالي من تجديد على مستوى البناء واللغة التعبيرية، ذلك أن العصر العباسي( الأول والثاني)، بحكم طبيعته السياسية والثقافية يمثل منعطفا في تاريخ الشعرية العربية ليس على مستوى المنجز الشعري فقط، بل حتى على المستوى النقدي الذي تجسد في عدد من المصنفات والمصادر القيمة، وهي جزء من المقررات الدراسية التي تحتاج من قبل المتعلمين والمتعلمات رؤية فاحصة ودقيقة لاستشراف آثارها الفنية والجمالية، واستثمار كفاياتها التحليلية والثقافية في تنمية المهارات الفردية، وبالتالي فإن التطور الذي عرفته القصيدة المغربية ليس معطى منفصل عن هذه التحولات، و منعطفات أخرى تحتاج إلى وقفات تحليلية أخرى للاقتراب من ملامحها العامة. وبلا شك فإن تجربتي- يضيف محمد العناز- تشكلت بفضل انفتاحها على تجارب متعددة منها ما هو مغربي، ومنها ما هو عربي أو غربي، وفي هذا الصدد فقد ساهمت الأيادي البيضاء لعدد من الأساتذة الأجلاء سواء في مرحلة التعليم الثانوي بثانوية أحمد الراشدي بالقصر الكبير أو في مرحلة التعليم الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، في السلك الأول والثاني والثالث، في نمو هذه التجربة وإحاطتها بالعناية التي تستحقها.
وانطلاقا من تجربته الخاصة يؤكد محمد العناز على أهمية المدرسة العمومية ودورها في النهوض بالمجتمع التعليمي، واستشراف آفاق أفضل، والرهان على المدرسة العمومية والنضال من أجلها مهمة ليست صعبة، لأنها جديرة بكل الحب والتضحية، لأنه حب للوطن وللإنسان المغربي. ومن أجل ذلك ينبغي على المهتمين بالمدرسة العمومية سواء الوزارة الوصية أو الشركاء التربويين والثقافيين جعل الثقافة لبنة أساسية في العملية التعليمية التعلمية، وضرورة انخراط الأطر الإدارية والتربوية في معركة حقيقة من أجل الكتاب المعرفي، فلا يمكن تصور مجتمع متقدم من دون كتاب، ومن دون قراءة. داعيا إلى جعل مختلف مناطق المغرب بخاصة جنوبه الغني بثقافته وخصوصياته الأنتربولوجية، على قدم المساواة مع مركزه فيما يتعلق بتوزيع الكتاب، وتزويد المكتبات المدرسية بمختلف المصادر والمراجع التي من شأنها خلق متعلمين مبدعين بخاصة وأن الوسط التعليمي يعاني من طرائق اشتغال ليست صحية ولا تربوية من قبل متعلمين اعتادوا الاعتماد على الإنترنيت في إنجاز بحوثهم المنزلية، مما ساهم في إلغاء طاقة التفكير، ومن ثمة الاعتماد على المواد الجاهزة دون معرفتهم بنجاعتها العلمية.
إن الأمر - يضيف صاحب خطوط الفراشات- يدعوا إلى شحذ الهمم من أجل المدرسة العمومية، ومن أجل تشجيع المتعلمين على الإبداع بخاصة في جنس الشعر الذي كان ولا يزال ديوان العرب بامتياز.