

أنشودة القضبان
يَغْفُو السّجِينُ فَيَحْتَوِيـــــهِ أمَــــانُ
ويَظلّ يَحْرُسُ وَهْمَـــهُ السَّجَّـــانُ
يَرْمِي حُمُولتَهُ عَلى خَيْلِ الدُّعَـــا
تَفْنَى الطّرِيــــقُ ولاَ يَمَلُّ حِصَانُ
لمْ يوَلَدُوا وَهْنًـــا ولا كُرْهًــا بَلَى
فالأمَّهَــاتُ حَمَلْنَهُمْ لِيُصَــــانُـــوا
حَنّـــوا لِخُبْزِ الأمّهَــــــاتِ مُتبَّلًا
بِدُعَـــائِهنّ فيَجْهَشُ الفِنْجَــــــــانُ
لِلتّيـــنِ للزّيتُـــونِ يَسْقيــــــهِ أبٌ
في مُقْلتَيْــــهِ تَعَانَقتْ أحْــــــزَانُ
أمٌّ علَى الشّرُفَاتِ تُرْسِلُ زفْــــرةً
فعَسَى تُطَبَّبُ بالدُّعَـــــا الأبْــدَانُ
طَالتْ جَدَائِلُها بِطُولِ غِيَــــابِــهِ
أسفًا يُمشطُ يَأسَهَــــــا النّسْيَـــــانُ
لمَّا تَزَلْ في اللّيــــلِ ترْقُبُ ظِلَّهُ
ولِشــــوْقِ صُورَتِــهِ بكتْ جُدْرانُ
والوَقْتُ يَخْلَعُ فِي السّجُونِ صِفَاتِـهِ
يَغْدُو كَسِيحًــــا لا يَرَاهُ زَمَـــــــانُ
وَعَلَى ضِفَافِ الصَّبْرِ مَدَّ شِرَاعَهُ
فلعَلّ تَلْقَفُ حُلْمَــــــهُ الشُّطْــــــآنُ
اليَــــأسُ يَقْضِمُ غُصْنَ حُلْمٍ ذابلٍ
والجِذْرُ تحْت الأرْضِ لَيْسَ يُهَـانُ
ومَوَاسِمُ اللّيْمُونِ تَرْقُبُ خَطْوَهُمْ
تُسْقَـــــى بشَوْقٍ والمَدَى أحْضَــانُ
والجِلِّنَــــارُ عَلى خُدُودِ بَنَــــاتِهِمْ
يَقْفُـــــو مَوَاسِمَ عِطْرِهِمْ نِيسَــــان
طَالتْ عِجَافٌ في غَيَاهِيبِ الدُّجَى
وَغَدًا ستُزهِــرُ فـي الحُقولِ سِمانُ
يَتَيَمَّمُــــونَ بِطُهْرِهِمْ لِمُنَـــى غَدٍ
وَعَلَى جَبِيـــــنِ خُشُوعِهِــــمْ آذَانُ
سَقْفُ يئِـــنّ مُطبِّبـًــا آهَـــــاتِهِمْ
نَحَتَتْ صَدَى أحْلامِهمْ حِيطَــــــانُ
الطّيْــــرُ تأكُلُ مِن سِلالِ سِنيّهِمْ
والقَحْطُ يُنْبِتُ غَيْمَـــــــهُ الإيـــمَانُ
فكَأنّ صَمْتَ السّجْنِ أعْيَــاهُ غدٌ
والأرْضُ أتْعَبَ قلبَهَــــــا الدّوَرَانُ
والشمسُ تُشرِقُ مِنْ أكفّهُمُ وليـــــــــــلٌ
طرّزَتْ تسْبِيحَـهُ الأجْفَـــــــانُ
الجِذْعُ يُـوغلُ كيْ يَمُدَّ بَقَــــاءَهُ
فوْقَ الثّــرَى ،فلتُحْرَقِ الأغصَانُ
مَاءُ الوُضُوءِ يُضِــيءُ في أيْدِيهِمُ
زيْتًا بِمِشكَـــــــاةٍ ولا دُخــــانُ
كَمْ تصْمُدُ الأجْسَادُ تحْتَ سِيَاطِهِمْ
مهْمَا بَغَـوْا ،هَلْ تنطقُ الأوثانُ؟
في السِّجْنِ قدْ زَرَعُوا لينبُتَ نسْلُهُمْ
فِي دَفْقَةِ الأرْحَامِ ضُخّ رِهَـــانُ
ستدُلّـــــــهُ نَجْوَى أبٍ لـــمْ يلْقَــهُ
إلاّ بِنَبْضٍ مدّهُ الشّرْيَــــــــــانُ
قدْ آنسُوا الأبْوابَ حَتّى أصْبحَتْ
وَطنًــــا لَهُمْ فَسَمَــــا بِهم إيمَانُ
القَابِضُونَ علَــــى لَهيبِ تصبُّــرٍ
بَاعُــوا الحياةَ فطُفِّفَ الميزانُ
وعِصَابةُ العَينينِ شَمسُ خَريطـــةٍ
بَزَغتْ بِــــهِ كي يُولَد الإنســــــــانُ
ما عَادَت القُضبانُ تُرْهِبُ عُمْرَهُ
فالعينُ تحْرُسُ ضوءَها الأجْفانُ
والسِّجنُ توّجَ يُـوسُفًا عنْ طُهْرِه
ببراءةٍ فصَبَتْ لـهُ تِيجَــــــانُ