زغاريد الحرّية
في الأوّل من شعبان، بعد الصّراع الطّويل والمرير، والّذي استمرّ أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام، نطق القاضي "المبجّل" أخيرًا بالحكم، واعلن عن براءته، وعن اسقاط التّهمة بالخنق وكتم الأنفاس عامدًا متعمّدًا، وبقتل الرّوح مع سبق الإصرار.. وكانت قد ضاقت به ذرعًا وضاق بها ذرعًا وقالا: "هذا يوم عصيب".. وبحنكة مُوَكَّلِهِ وفطنته، "والّذي يُشار إليه بالبنان"، وبعد أن اختلطت الأوراق واختلط الحابل بالنّابل، استطاع إقناع ذلك القاضي "المنتشي" أنّه لا يملك بيتًا، ولا أيّ شيء من أملاك الدّنيا، وأنّ البيت الّذي كان يسكنه، مُستأجر من والده، والوثائق تثبت ذلك.. فأحسّت أنّ حالتها قد أصبحت حرجةً، وكأنّ شيئًا قد توقّف في مجرى التنفس كاد يخنقها. أفكار كثيرة، وتهيّئات، دارت في رأسها، ثمّ شعرت كأنّه يريد أن يتفجّر. مع كلّ ذلك فقد تحرّرت هي من سجنه وخيانته ومن عبوديّته، وتحرّر هو من سجنها ومن نكدها ومن عبوديّتها، فعانق الاثنان تمثال الحرّية.. ساعتئذ انطلق كلّ واحد إلى عالمه وانطلقت الزّغاريد والاحتفالات في بيتيهما ووزّعت الكنافة والبقلاوة والحلوى احتفاءً بالانتصار. وأُنشد النّشيد الوطنيّ.