ساعات ...
... بالضبط شارع أحمد نسيم ، ولكن أين تقع المحكمة التأديبية ؟ .ارتفع صوتك محدثًا. أول من لمحته . استفسرت . أشار بيـده إلى بقايا سور معلق عليه لوحة معدنية " المحكمة التأديبية ". فتحـت حقيبتك ، وتأكدت من توكيل الموكل ، والدمغة . مسحت حبات العرق ، وصعدت السلم . لفح أنفك دخان السجائر . سحبــه الكثيفة تحجب إضاءة المصباح المدلى من السقف . تحسســـت خطوك بين الواقفين والجالسين ، لآخذ جدول المحكمـــة من الحاجب الذي لم يعر اهتمامًا لسؤالك :
– "هل انعقدت المحكمة أم لا ..؟ "
جذبت الجدول من يده ، وبحثت عن الدعوى ، لم تجدها . جاءك صوته :
– " صباحي أم مسائي .. "
استقرت عيناك على اسم الموكل في الملف المسائي ، وتساءلت :
– " متى تبدأ الجلسة المسائية ؟ "
– " إن شاء الله الساعة الواحدة ظهراً."
الساعة - الآن - الحادية عشر ، مازالت أمامك ساعتان .
احتواك الطريق ، ها هي مدرستك الابتدائية - مدرسة أسماء فهمي القومية - وبوابتها الخضراء، الفناء الذي طغت عليه المبـــاني الخرسانية ، النخلة السامقة ، عم مصطفى بواب المدرسة وبسمته الودود.
دخلت إلى حديقة " الأورمان " تأملت الأشجار ، الزهــور . جلست على الخضرة ، متصفحًا ملف الدعوى . وعندما تململت من القراءة ؛ عدت إلى المحكمة الساعة الواحدة ظهرًا . اختنــق المكان بالموكلين والمحامين .. رحت تدور حول نفسك .... رفعت الجلسة . أغلق الحاجب غرفة المداولة . تعالت أصوات القضاة : ضحكًا وعصبية . دق جرس متقطع . فز الحاجـب من كرسيه ودخل .. خرج مندفعًا إلى " بوفيه " المحكمة ، أحضر أكواب الشاي والسحلب . لم تمر ثوان ودق الجرس مرة أخرى . جرى إلى الأمام ، ولحق به قاض . فتح باب الحمام ، أضـــاء المصباح وأغلقه . بعد قضاء حاجته ، تبعه إلى غرفة المداولة .
تكرر دق الجرس ، وملاحقة الحاجب لقاض ، تلو قــاض ، النعاس غلبك ، مضغت بضع حبات من النعناع .
– " متى تبدأ الجلسة المسائية ؟ "
– " بعد أن يبرد السحلب "
– " بعد القهوة ! "
– " من المحتمل أن يدخل قاض إلى الحمام لقضاء حاجته ..مرة أخرى . "
في الساعة الخامسة راح الحاجب ، ينادى : محكمة .
جحظت عيناك ، صداع كسر رأسك . تصفحت ملف الدعوى بسأم . نادى الحاجب . قضية أربعة تحركت تسحب سـاقاك ..
دخلت ... القضاة ؛ استطالت وجوهم ، أفواههم اتسعت، أعينهم تصغر وتصغر...ملف الدعوى ؛ تضخم ، لم تعد تستطيع حمله... وغسلتك الأمطار... في الطريق .