الأحد ١٧ شباط (فبراير) ٢٠١٩
بقلم جورج سلوم

سوريالية

الشمس خائفة من الإشراق حتى لا تنثقب صفحتها برصاصة صديقة، فتحجّبت بإزار الليل وأطالت فترة الغسق.. والليل كستارة المسرح الكهربائية أسدِلت وانقطعت عنها الكهرباء فأرخى سدوله.. والثقوب الكثيرة في الستارة كشفت بعض ما يجري في الكواليس.. والممثلون يجب أن يظهروا ملثّمين لضروراتٍ أمنية!

وصاح الديك ثلاث مرات وتلفّت حوله ودُهش إذ لم يخرج أحد من بيته.. وأعاد الصياح حتى بُحّ صوته..ولم يكن ليعلم أنّ هنالك حظراً للتجول...

كانت رحى الموت ماتزال تعمل منذ ليل البارحة... وكلّ من حظيَ بقبرٍ يفترشه كان حظّه سعيداً...
أما الأحياء فقد نزلوا على قائمة الانتظار..

المقابر أصبحت جماعية.. فتلاصق الأجساد يخفّف من برودة القبر ووحشته.. والأمل دفن رأسه في الرّمال منتظراً أن يفترسه الذئب من الخلف.. فلا عينٌ ترى ولا قلبٌ يئنّ.

القذائف ما زالت معلّقة في سماء وطني كحبّات البرَد، وقد تهوي في أية لحظة..وقد ينالك منها نصيب.. وقد تطالك في البيت أو في الشارع أو في المرحاض حتى.. فأين المفرّ؟؟؟

وفي البحر كان المركب يغصّ بالمهاجرين وطالبي اللجوء وقد ينقلب في أية لحظة حيث الموت في لجّة اليمّ أسهل وأسرع... فيزول البؤس وينكشف الهمّ..

أما الرضيع فكان يبكي معترضاً على ولادته في الزمن الصّعب...

انتبه وحاذر أن يضيع جواز سفرك... فهو أهمّ ما تملك...

الصبر عجزعن الصبر..والضيق يئس من الفرج...والخيط عجز عن الدخول في سمّ الإبرة لذا فآلة الخياطة لن تعمل..والثوب المهترئ لن يتم ترقيعه.

وانبلج الفجر كقنبلةٍ صوتية أو كألعاب نارية أضاءت لثوانٍ وما لبثت أن اضمحلّت وتبخّرت في الظلام.. لذلك رفع النور رايته البيضاء الخجولة مستسلماً لسيطرة الظلام.. فالظلام في لوحتنا هو الطاغية وهو خلفية اللوحة السوريالية.

في اللوحة السوريالية يخرج الفنان عن القواعد.. ويرسم بوقت واحد عدة مشاهد متداخلة.. لا يجمع بينها إلا ريشته وعنوان اللوحة الذي قد يغيّره الفنان وفق ما تسوقه الريشة المرتجفة.

والبعد الثالث غير مطلوب فهناك أبعادٌ كثيرة للوحة حتى غدت مفترشاً للألوان المتداخلة وإن كان الأسودُ سيّدَها.. والأحمر يضعه كنقاطٍ ساخنة لكنها تسيل كالدموع

وهو أبداً واقفٌ إزاءها ويضيف خربشاتٍ قد تعني له شيئاً.. لوحته لم تتمّ بعد ويبدو أنها لن تنتهي ولن ينتهي منها.. تريد أن تحكي ولكنها ظلت خرساء بلا صوت..وحفيف الريشة يبقى كالهمس فلا يعبّر عن أصوات الطلقات والمدافع في لوحته.. فما الحلّ؟.. وكيف يضيف أصواتاً لتلك اللوحة كموسيقى تصويرية؟

وضع لوحته في الشارع منتصبة كشاهدة القبر.. وتركها تنام ليلتها في الشارع السوريالي، ومن سيأخذها؟.. وحظر التجول مفروض حتى الصباح؟.. واللوحة مهما عظمت قيمتها في الحرب فهي ليست أكثر من قطعة قماش ملونة..

وكم كان سعيداً عندما أعادها إلى مرسمه مثقوبة بالرصاص العشوائي.. ذلك هو الصوت الذي كان ينشده ليضيفه ويضفيه على سوريالية لوحته

تلك هي سوريا السوريالية... مظللة بالدم ويكتنفها السواد... وقماش اللوحة قد يأكله الدود وينخره السوس ويتحلل قبل أن يتم عرضه في المتاحف التاريخية... أما الإطار فقد غدا صدئاً ولم تبقَ حدودٌ معروفة أو متّفق عليها... الخرائط الجغرافية أصبحت كذلك سوريالية وتجريدية وتكعيبية والحدود متداخلة غير واضحة المعالم.. هنالك تقسيمات جديدة للوحة..

والفنانون صاروا كثُر يضمرون شيئاً ويرسمون شيئاً.. حتى عجز النقاد والمراقبون عن فهم مكنونات اللوحة..والرسم ما يزال مستمراً والألوان لا لن تجفّ على ما يبدو..أيرسمون غداً مستقبلنا بالزيت أم بالشمع..بالفحم أم بأقلام الرصاص.. أم بالدم؟؟.. والبعض يستعمل الريشة والبعض يرسم بالسكين.

والاحتمالات أكثر من أن تنحصر بإطار.

سوريا اليوم..سوريالية

ويفكرون بتفتيتها مزقاً صغيرة..ويعيدون تركيبها..فتصبح فسيفسائية..تعالوا نعيد ترتيبها لولا التنافر بين أجزائها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى