الخميس ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨
بقلم كريم مرزة الأسدي

شعراء الواحدة:توبة بن الحمير خطفاً

نأتْكَ بليلى دارُها لا تَزورها
وشــــطّت نواها واســتمَّر مريرُها
وقال رجال لا يَضيرُكَ نأيُها
بلى كـــلَّ ما شفَّ النفوسَ يضيرها
أليس يضير العينَ أنْ تكثرَ البُكا
ويمنعَ منها نومُها وسُرورُها
لكـلَّ لــقاءٍ نلتقيهِ بشاشــــةٌ
وإنْ كــــانَ حولا كلُّ يومٍ أزورُهـــا
وكنت إذا ما زُرتُ ليلى تبرقعتْ
فقد رابني منها الغَداةَ سُـفورها

توبة بن الحمير بن حزم بن خفاجة العقيلي العامري- (قتل 85 هـ، حوالي عام 704م)، اشتهر بعشقه لابنة عمه الشاعرة ليلى الأخيلية فشهرته، وطلبها من والدها فرفض لاشتهار حبهما، فزوّجها لشخص من بني الادلع رغماً عنها، لكن رغم زواجها منه فإن توبة استمر في لقاء ليلى حتى اشتكى اهل الزوج إلى الخليفة فأهدر دمه. قتله شخص كان توبة قد قتل والده (قصيدته 49 بيتاً)، البحر الطوسل:

نأتْكَ بليلى دارُها لا تَزورها
وشــــطّت نواها واســتمَّر مريرُها
وخفت نواها من جَنوب عُنيزةٍ
كما خفّ من نيلِ المرامي جفيرُها
وقال رجال لا يَضيرُكَ نأيُها
بلى كـــلَّ ما شفَّ النفوسَ يضيرها
أليس يضير العينَ أنْ تكثرَ البُكا
ويمنعَ منها نومُها وسُرورُها
أرى اليومَ يأتي دونَ ليلى كأنما
أتـى دونَ ليلى حِجةٌ وشهورُهــا
لكـلَّ لــقاءٍ نلتقيهِ بشاشــــةٌ
وإنْ كــــانَ حولا كلُّ يومٍ أزورُهـــا
خليليَّ روحا راشدينَ فقد أتـتْ
ضَرّيةُ من دون الحبيبِ فِنيرُهــا
خليليَّ ما منْ ساعةٍ تَقفانِها
منِ الليلِ إلاّ مثلُ أخـرى نَســـيرُها
وقد تذهبُ الحاجاتُ يطلُبها الفتى
شَعاعا وتخشى النفسُ ما لا يَضيرُها
وكنت إذا ما زُرتُ ليلى تبرقعتْ
فقد رابني منها الغَداةَ سُـفورها
خليليَّ قـد عمَّ الأسى وتقاسمتْ
فنون البِلى عُشّاق ليلى ودورها
وَقَـدْ رابني منها صُدودٌ رأيتُهُ
وأعــراضُها عن حاجتي وبُســورُها
ولو أنَّ ليلى فـي ذُرى مُتَمنّع
بنجــــرانَ لالتفتْ علـــيَّ قصورُها
يَقَرَّ بعيني أنْ أرى العِيسَ تعتلي
بنا نَحو ليلى وهيَ تجري ضفورُها
وما لحِقتْ حتى تقلقلَ غُرْضُها
وسامحَ من بعــــدِ المَراح عَـسيرُها
وأُشرفُ بالأرضِ اليفـاعِ لعلَّني
أرى نارَ ليلى أو يرانــي بَصـــيرُها
فناديتُ ليـى والحُمــولُ كأنّهـــا
مواقيرُ نــــــخلٍ زعزعتها دَبـورُها
فقالتْ أرى أنْ لا تُفيدكَ صُحبــتي
لهيبـةِ أعــداءٍ تَلظّــــى صـدورُها
فمدتْ ليَ الأسبابَ حتى بلغتُــها
برِفقـــــي وقد كادَ ارتقـائي يَصورُها
فلما دخــلتُ الخَدرَ أطَتْ نسوعُـهُ
وأطــرافُ عِيــدانِ شـديدٍ أسُورُها
فأرختْ لنضّاخ القَفا ذي مِنصـةٍ
وذي سـيرةٍ قـــد كان قِدماً يسـيرُها
وإني ليُشفيني من الشَّوقِ أن أرى
على الشَرَفِ النائي المخوفِ أزورُها
وأنْ أتـــركَ العَنْسَ الحـــسيرَ بأرضِـها
يطيفُ بهــا عُقبانُها ونُسـورُها
إلاّ إنّ ليلى قــد أجدَّ بكــورهـــا
وزُمتْ غـداةَ السَّبـــت للبــين عِيـرُها
فمـــا أمُّ سَوداءِ المحــاجرِ مُطــفِلٌ
بأحسنَ منهــــا مقلتيـنِ تُديـــرُها
أرتنا حياضَ المـوتِ ليلــى وراقــنا
عُيــونٌ نقّيـاتُ الحواشي تُديـرُها
ألا يا صفيَّ النَّفــسِ كيفَ تنولـها
لــو أنَّ طريـداً خائــــفاً يستجيرُها
تُجــيرُ وإن شَطـتْ بهـا غُربةُ النَّوى
ستُنعِم يوماً أو يُفـادى أسـيرُهـا
وقالتْ أراكَ الــيومَ أسودَ شـاحباً
وأيُّ بيـاضِ الوجـهِ حـــرّتْ حُــرورها
وإن كـانَ يـومٌ ذو سَمـومٍ أســيرهُ
وتقصــرُ من دونِ السَـمومِ سُتورُهـا
وغيّرنـي إنْ كنـتِ لّمــــا تغّـــــيــري
هواجـــــرُ تكتنينّهــا وأسـيرُهــا
حمامةَ بطـنِ الواديينِ إلا انعـمي
سَقـاكَ مـن الغُـــر الغَــوادي مَطـــيرهُا
أبينـي لنا لا زالَ ريشُـك ناعــاً
ولا زلـتِ فـي خضـراءَ غَـــضٍّ نـــضيرُها
فإن سَجـعتْ ـــاجتْ لعينيكَ عبـرةً
وإنْ زفـرتْ هــاجَ الهــــوى قر قريرها
وقـد زعمـت ليـلى بأنيَّ فاجــــرٌ
لنفـــسي تُقاهــــا أو عليـــــها فجورُها
فــقل لعُقــيلٍ ما حـديــثُ عِصــــابةٍ
تكنّـــــفـــها الأعـــداءُ أنــي تَضـيرها
فالاً تنـاَهوا تُركبُ الخيل بيــــــننا
وركـــــضٌ برَجـــــلٍ أو جناحٌ يُطيرها
لعلّك يا تيســـــاً نـــزا في مريــــرةٍ
مُعاقبُ ليــــلى أنْ تراــــني أزورُهـــــا
علــــــيَّ دْماءُ الُبدن إن كــــانَ زوجُها
يــــرى لَي ذَنباً غيرَ أنّي أزورُها
وإنـي إذا ما زرتها قلتُ يا اسلمي
هل كانَ في قولي اسلمي ما يضيرُها
مـــن النّاعبـــــاتِ المشيّ نَعباً كأنّما
يُــــــناطُ بِجذعٍ من أوالٍ جريرِها
مــــن العَرَكانياتِ حــــرفٌ كأنّهاـــ
مريرةُ ليفٍ شُـــــــدَّ شَزْراً مريــــرُها
قطعـــــتُ بها أجـــــوازَ كلَّ تَنوفةٍ
مَخوفٍ رداهـــــا حيــــنَ يَستنَ مُورُها
تـــــرى ضُعفاءَ القومِ فيها كأنّهم
دعاميصُ مـــــاءٍ نشَّ عنـــــها غديرُها
وقســــورةَ الليـــــلِ الذي بينَ نصفـــهِ
وبيـــــن العِشاء قد دأبتُ أسـيرُها
أبـتْ كثـــــرةُ الأعــــداء أنْ يتجنّبوا
كلابـــــيَ حتــى يُستثـــــارَ عَقـورُها
ومـــــا يُشتكى جهــــــلي ولكـــنَّ غِـــــرّتي
تراها بأعــــدائي بطِيئاً طُروُها
أمتخرمي ريــــــبَ المنونِ ولـــــم أزرْ
عَذارايِ من هَمْدانَ بيضاً نُحورُها
ينـــؤنَ بأعجــازٍ ثِقـــــالٍ وأســـــوقٍ
خَـــــدالٍ وأقدامٍ لطـــافٍ خُــــصورُها

جاء في (أمالي المرزوقي):

ذكروا أن توبة الحميِّر العامري وهو أحد المشهورين من عشاق العرب، وكان شجاعاً مغواراً، وصاحبته ليلى الأخيلية الشاعرة، وفي توبة تقول:

أقسمتُ أبكي بعدَ توبةَ هالكـــاً
وأحفــــلُ من دارتْ عليهِ الدوائرُ
لعمركَ ما بالموتِ عارٌ على الفتى
ذا لم تصبهُ في الحياةِ المعايرُ

ودخلت على عبد الملك بعد إسنانها، فقال لها: ما رأى توبة فيك حين عشقك؟ فقالت: ما رآه الناس فيك حين ولوك، فضحك عبد الملك حتَّى بدت له سن سوداء كان يخفيها.

وورد عنه في كتاب (الشعر والشعراء لابن قتيبة الدينيوري:

هو من بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، خفاجي، وكان شاعراً لصا، وأحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته ليلى الأخيلية، وهي ليلى بنت عبد الله بن الرحالة بن كعب ابن معاوية، ومعاوية هو الأخيل بن عبادة، من بني عقيل بن كعب، وكان يقول الأشعار فيها، وكان لا يراها إلا متبرقعةً، فأتاها يوماً، وقد سفرت، فأنكر ذلك، وعلم أنها لم تسفر إلا لأمرٍ حدث، وكان إخوتها أمروها أن تعلمهم بمجيئه ليقتلوه، فسفرت لتنذره، ويقال: بل زوجوها، فألقت البرقع، ليعلم أنها قد برزت، ففي ذلك يقول:

وكُنْتُ إِذَا ما جِئُتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ
فقَدْ رَابنِى منها الغَدَاةُ سُفُورُهَا

وهو القائل:

ولو أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَـــــــــتْ
علىَّ ودُونِى تُرْبَةٌ وصَفائحُ
لَسَلَمْتُ تَسْليمَ البَشَاشَةِ أَو زَقَا
إليْها صَدًى من جانب القَبْرِ صائحُ
ولو أَنَّ لَيْلَى في السَّماءِ لأَصْعَدَتْ
بطَرْفِى إلى لَيْلَى العُيُونُ اللَّوَامحُ

وكان توبة كثير الغارة على بني الحرث بن كعب وهمدان وكانت بين أرض بني عقيلٍ وأرض مهرة مفازةٌ قذفٌ فكان إذا أراد الغارة عليهم حمل المزاد، وكان من أهدى الناس بالطريق، فخرج ذات يومٍ ومعه أخوه عبيد الله وابن عم له، فنذروا به، فانصرف مخفقاً، فمر بجيرانٍ لبني عوف بن عامر، فأغار عليهم فاطرد إبلهم وقتل رجلاً من بني عوف، وبلغ الخبر بني عوف، فطلبوه فقتلوه، وضربوا رجل أخيه فأعرجوه، واستنقذوا إبل صاحبهم وانصرفوا وتركوا عند عبيد الله سقاءً من ماءٍ، كيلا يقتله العطش، فتحامل حتى أتى بني خفاجة، فلاموه وقالوا: فررت عن أخيك؟ فقال يعتذر:

يَلُومُ على القِتَالِ بنو عُقَيْلِ
وكَيْفَ قتَالُ أَعْرَجَ لا يَقُومُ

ليلى الأخيلية:

هي ليلى بنت الأخيل، من عقيل بن كعب، وهي أشعر النساء، لا يقدم عليها غير خنساء، وكانت هاجت النابغة الجعدي، وكان مما هجاها به قوله:

أَلاَ حَيَّيَا لَيْلَى وقُولاَ لها هَلاَ
فقَدْ رَكبَتْ أَمْراً أَغَرَّ مُحَجَّلاَ

ومن جيد شعرها قولها في توبة:

أَقْسَمْتُ أَرْثِى بَعْدَ تَوْبَةَ هَالِكــــاً
وأَحْفِلُ منْ دارَتْ علـيه الدَّوائِرُ
لَعَمْرُكَ ما بالمَوْت عارٌ على الفَتَى
إِذَا لم تُصِبْهُ في الحَيَاة المَعَايِرُ
وما أَحَـــــدٌ حَيًّا وإِنْ كان سالـــماً
بأَخْلَدَ مِــــمَّنْ غَيَّبَتْــــهُ المَقَـابرُ
ومنْ كان ممّا يُحْدثُ الدَّهْرُ جازِعاً
فلا بُدَّ يوماً أَنْ يُرَى وهْوَ صابِرُ

المراجع والمصادر:

(1) الأمالي: المرزوقي
مصدر الكتاب: موقع الوراق - (1/67)
http://www.alwarraq.com
(1/93)

((2) الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري (1/92
مصدر الكتاب: موقع الوراق - الموسوعة الشاملة.
http://www.alwarraq.com

(3)الأغاني أبو الفرج الأصفهاني - تحقيق: سمير جابر
(11/211) (11/213)
دار الفكر - بيروت. - الطبعة الثانية
(1/49)

(4) الجليس الصالح والأنيس الناصح: المعافى بن زكريا
مصدر الكتاب: موقع الوراق - الموسوعة الشاملة.
http://www.alwarraq.com

(5) ديوان توبة بن الحمير الخفاجي صاحب ليلى الاخيلية - تحقيق وتعليق وتقديم: خليل ابراهيم العطية - مطبعة الارشاد - الطبعة: الاولى 1968م - عدد الصفحات: 147

(6) الأعلام للزركلي - مجلد 2 - صفحة 89.

(7) موسوعة الشعراء الصعاليك - حسن جعفر نور الدين - الجزء الثاني - صفحة 148 - إصدار رشاد برس 2007 بيروت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى