الأحد ١٩ أيار (مايو) ٢٠٢٤
بقلم حسن لمين

شفاء وأمل

كان يومًا حارًا من أيام الصيف، عندما كنت أتجول في شوارع المدينة القديمة. لفت انتباهي رجلٌ جالسٌ على قارعة الطريق، يتكلم مع نفسه ويقوم ببعض الحركات الغريبة. اقتربت منه بحذر، وتفرست في ملامحه المتسخة وأسماله المهلهلة. شعرت بالشفقة نحوه، فقررت مساعدته.

سألته بلطف: "ما بكَ يا رجل؟ هل أنت بخير؟".

رفع رأسه ببطء ونظر إليّ بعينين زائغتين، ثم ابتسم ابتسامة عريضة كشفت عن أسنانٍ صفراء متسوسة. قال بصوتٍ أجش: "أنا بخير، أنا بخير. أنا سلطان عظيم، أحكم أرضا واسعةً مليئةً بالكنوز والجواهر."

ضحكتُ في البداية، معتقدًا أنه يمزح. لكن عندما لاحظت جدية نظراته، أدركت أنه يعاني من خللٍ عقلي. شعرتُ بحزنٍ عميقٍ تجاهه، وتمنيت لو أستطيع فعل شيءٍ لمساعدته.

جلستُ بجانبه على الأرض، وبدأتُ أتحدث معه بلطفٍ وصبر. سألته عن اسمه وعن قصته، فحكى لي أنه كان ثريًا ذا مكانةٍ مرموقةٍ في المجتمع، لكنه فقد كل شيءٍ بسبب مرضٍ خطيرٍ أصابه. كما فقد زوجته وأولاده، فشعر بالوحدة واليأس، وأصابه الاكتئاب الذي أدى إلى تدهور حالته العقلية.

استمعتُ إليه باهتمامٍ شديد، وأنا أشعر بالألم لمعاناته. حاولتُ أن أُشجّعه وأُشعره بالأمل، وقلت له أنّه ليس وحيدًا، وأنّ هناك من يهتم لأمره. وعدته بأنّني سأساعده في الحصول على العلاج اللازم.

في اليوم التالي، اصطحبته إلى عيادةٍ للأمراض النفسية. قابلنا الطبيب الذي فحصه واستمع إلى قصته، ثمّ وصف لهُ بعض الأدوية وقرّر أن يُدخلهُ إلى المستشفى لتلقي العلاج.

في البداية، رفضَ الرجلُ دخولَ المستشفى، لكنني تمكّنتُ من إقناعهِ بأنّ هذا هو الحلّ الوحيد لحالته. ودّعته بحزنٍ، وتمنيتُ لهُ الشفاء العاجل.

مرّتْ شهورٌ عديدة، ولم أسمعْ عن الرجلِ أيّ شيءٍ. في أحد الأيام، بينما كنتُ أتجولُ في نفس الشارع، رأيتُ رجلاً يلوّحُ لي من بعيد. اقتربتُ منهُ، فإذا بهِ نفسُ الرجلِ الذي قابلتهُ سابقًا.

كانَ قد تغيرّ كثيرًا. فقد أصبحَ وجههُ نظيفًا، وملابسهُ مرتبةً، ونظراتهُ تدلّ على ذكاءٍ ووعي. تقدّم منّي وصافحني بحرارةٍ، وقال: "شكرًا لكَ يا صديقي، لقد أنقذتَ حياتي."

تأثّرتُ كثيرًا بكلماتهِ، وسعادتي كانت لا توصفُ برؤيتهِ بصحةٍ جيّدة. أخبرني أنّه تعافى تمامًا من مرضهِ النفسي، وأنّه عادَ إلى ممارسة حياتهِ الطبيعية. كما أخبرني أنّه وجدَ وظيفةً جديدةً، وأنّه يعيشُ الآن حياةً سعيدةً مستقرةً.

شعرتُ بفخرٍ كبيرٍ لنفسي لأنّني ساهمتُ في مساعدةِ هذا الرجلِ على تخطّي محنتهِ وتحسين حياتهِ. أدركتُ حينها أنّ أصغر أعمالِ الخيرِ قد تُحدثُ فرقًا كبيرًا في حياةِ الآخرين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى