الخميس ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٥
بقلم أشرف شهاب

شهر زاد: الفوضى بنت القهر، والقهر ربيب الملك الظالم"

الشاعر والكاتب المسرحى الأستاذ علاء عبد العزيز سليمان مدرس مساعد الدراما والنقد بالمعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة واحد من الكتاب الشباب الذين يحاولون من خلال إبداعاتهم تقديم رؤى غير تقليدية، تثور على الواقع بهدف تحسينه، وتنقده بغرض تطويره... وتعتبر مسرحيته الأخيرة "حكايا لم تروها شهر زاد" التى يتم عرضها على مسرح الجمهورية بالقاهرة نموذجا لذلك.. مراسلنا فى القاهرة أشرف شهاب التقى علاء عبد العزيز ودار بينهما الحوار التالى:

علاء عبد العزيز

ديوان العرب: "تتخذ مسرحية حكايا لم تروها شهر زاد" من الأصل التراثى الشهير نقطة إنطلاق.. وهى تختلف عن الأصل الذى نعرفه فى حكايات ألف ليلة وليلة جوهريا.. وكما هو واضح من اسم المسرحية.. يبدو أنكم حاولتم أن تقدموا الحكاية بطريقة مختلفة..

علاء عبد العزيز: تختلف "حكايا لم تروها شهر زاد" مع الأصل التراثى جوهريا، سواء على مستوى القصة الإطار أو على مستوى القصص الداخلية التى ترويها شهرزاد. إن شخصية "شهرزاد" فى المسرحية ليست مجرد إبنة وزير تلجأ إلى الحيلة من أجل إنقاذ حياتها من خلال تشويق الملك بسلسلة لانهائية من الحكايات الخرافية التى تنبع طرافتها فى ابتعادها عن الواقع وجنوحها إلى عالم الفانتازيا، وهو ما نجده فى قصص (ألف ليلة و ليلة). على العكس من ذلك فإن "شهرزاد" فى المسرحية تبدو كشخصية إنتحارية غير عابئة بالموت. لا يهمها سوى أن تحافظ على عذريتها إخلاصاً لعهد قطعته على نفسها مع حبيبها الفقير، الذى تحكى عنه فى إحدى قصصها.

ديوان العرب: تبدو قصة شهر زاد المعاصرة فى عملك المسرحى وكأنها نموذج شعبى.. مستمد من حياة أفراد الشعب العاديين.. ولذا نراها تنطق بآلامهم ومعاناتهم..

علاء عبد العزيز: نعم.. فقصة حب "شهرزاد" فى المسرحية تكشف فى الحقيقة جانباً مما يعانيه شعب المملكة، حيث يحول فقر حبيبها دون زواجها منه فى مملكةٍ ترسِّخ لقيمة الفوارق الطبقية والإجتماعية، فضلاً عن الجنون الذى أصاب هذا الحبيب بسبب عجزه عن حماية شقيقته من الشنق بتهمة ظالمة لأنها حاولت الدفاع عن شرفها أمام وقاحة أحد رجال الشرطة.

ديوان العرب: على العكس من شهر زد الحقيقية نجد أن شهر زاد المسرحية تروى للمك قصصا واقعية ولا علاقة لها بالخيال الذى تميزت به قصص شهر زاد ألف ليلة وليلة..

علاء عبد العزيز: رغم أن حكايا شهر زاد متنوعة إلا أنها فى واقع الأمر ليست مجرد قصص خيالية خرافية تنبع طرافتها من إغراقها فى الخيال، وإنما هى قصص واقعية حدثت لأبناء المملكة. وتنبع طرافتها من جهل "شهريار" بها. هذه القصص فى مجملها تمثل تنويعات مختلفة على مدى ما يعانيه أبناء هذه المملكة من قهر رجال الملك لتكشف عن عزلة الملك الغارق فى الخمر والساكن فى أعلى قمة برجٍ يتوسط قصره الذى تفصله الأسوار العالية.
هذه العزلة المزدوجة –مادياً و معنوياً- لا تتيح للملك أن يعرف شيئاً عن الحالة التى وصل إليها أبناء شعبه حيث تقلص عالم الملك فى فعل قتل العذارى التكرارى إنتقاماً من خيانة زوجته الأولى. ولا يتيح له هذا الإنشغال بالهم الذاتى أن يدرك الخطر الكامن فى مرابطة جنود جيش مغول الغرب على حافة حدود المملكة.

إن ما يميز تناول هذه المسرحية للأصل التراثى هو قدرتها على فضح المفارقة غير المنطقية الكامنة فى حكايات (ألف ليلة و ليلة)، إذ كيف يستقيم أن تنعم مثل هذه المملكة بالاستقرار و الرخاء بينما الموت و القهر هو واقعٌ يومى يعيشه العامة؟!!

ديوان العرب: لاحظنا أن شهر زاد الأصلية كانت تخاف من الموت وكانت تحكى للملك قصصها بغرض تأجيل قرار قتلها.. على العكس من شهر زاد المسرحية.. كما أنها كانت قاسية فى تحذيراتها مع الملك؟

علاء عبد العزيز: لا يمكن أن نقول ن شهر زاد كانت فقط تحاول تحذير الملك.. فالمسرحية فالحكايات التى تقصها على الملك على مدى الليالى السبع التى تتكون منها المسرحية تحتوى على الكثير من المقولات التى يمكن أن ندرجها تحت عنوانين رئيسيين الأول يمكن تسميته بكشف الحقائق الغائبة عن الملك فيما يتعلق بالواقع، أما الثانى فإنه يرتبط بتحذيرات تتعلق بقدرتها - لكونها معادلاً للمثقف الحقيقى- على استشراف المستقبل.

ومن بين الأمثلة على النوع الأول نجدها تقول للملك: "رجل الشرطة فى مملكتك ملكٌ بين الناس" و "من يجرؤ أن يتورط فى شهادةٍ أمام قاضيك، صهر رئيس الشرطة؟" و "رجالك يحمى كلٌ منهم ظهر الآخر" و "كيف تصدق رجلاً يسرق فى شهرٍ واحد معظم ما تنتجه أرض المملكة فى شهرين؟" و "شعبك صار مجرد أرقامٍ فى دفتر جواسيس الشرطة" وهذه المقولات السابقة جميعها تكشف عن مدى الفساد الذى يستشرى فى المملكة ومدى القهر الذى يعانيه الشعب من سطوة وقهر رجال الملك وهو ما يؤكد فى مجمل الأمر مدى عزلة الملك وانفصاله عن شعبه.

أما فيما يتعلق باستشراف المستقبل فإن أهم ما تقوله "شهرزاد" يمكن أن يتلخص فى نبؤتين إحداهما ترتبط بفكرة ولاء رجال الملك له وهو الولاء الذى سرعان ما يتهاوى بمجرد أن يفقد الملك سطوته ولذلك يأتى هروب "مسرور" فى نهاية المسرحية إستكمالاً لقصة (بوق السلطان) التى تقصها على الملك فى الليلة الثالثة من المسرحية.

ديوان العرب: لماذا تكرر شهر زاد تحذيراتها للملك من العنف؟

علاء عبد العزيز: لأن شهرزاد فى المسرحية هى أقرب ما تكون إلى المثقف الحقيقى الذى يرفض فكرة العنف.. ولهذا نجدها تكرر تحذيراتها من الفوضى التى قد تنشأ بسبب تسلط الحاكم من ناحية وغوغائية العامة من ناحية أخرى، ولهذا نجدها فى النهاية تموت بيد الملك الذى فقد عقله دون أن يمنحها "حسان" الثائر الغوغائى تعاطفه، على عكس ما يبديه "منصور" الثائر الحقيقى الذى يتحسر على موتها قائلاً: "أخشى أن تتحقق كل نبوءاتك يا شهرزاد". وتموت "شهرزاد" وهى تلفظ نبؤتها التى كررتها أكثر من مرة فى المسرحية: "الفوضى بنت القهر، والقهر ربيب الملك الظالم"

ديوان العرب: لماذا تحول الملك إلى مجنون فى نهاية المسرحية؟

علاء عبد العزيز: يجىء تحول الملك إلى الجنون فى الليلة السابعة والأخيرة من المسرحية كأمر حتمى تمهد له عدة إرهاصات طوال الليالى الست الأولى.. فالمسرحية أولا تبدأ بينما الملك غارق فى كابوسٍ تتداخل فيه صور ضحاياه من العذارى مع صور خيانة زوجته الأولى "ريحانة" ونعرف من حديثه مع "مسرور" أن هذا الحلم الكابوسي يتكرر يومياً. وثانيا يتشكك الملك فى كل من حوله، ولايستثنى من هذا الشك حتى "مسرور" أخلص خلصائه.

ديوان العرب: لماذا لم يقرر الملك قتل شهرزاد رغم أنها لم تستسلم لرغباته.. بل وكانت قاسية معه إلى حد أوصله للجنون؟

علاء عبد العزيز: إن نزعة شهرزاد الإنتحارية غير العابئة بالموت من ناحية وحرصها على عذريتها إخلاصاً لوعدٍ قطعته لحبيبها الفقير من ناحية أخرى كانا يقدمانها للملك كنموذج مغاير تماماً لما استقرت عليه صورة المرأة فى ذهنه باعتبارها مجرد جسد شهوانى ونفس جبانة تستخدم الحيلة للهروب من خطر الموت فى ليلة عرسه. ويصل مأزق الملك إلى حده الأقصى عندما يضع يده على الموقف المستحيل الذى وجد نفسه به لأن ما أعجبه فى شهرزاد وهو قيمة "الوفاء" سيكون هو ذاته دليل خيانتها إن استجابت لرغبته.

ديوان العرب: نشكرك على هذا الحوار السريع ونريد أن نشير إلى بعض الكلمات التى قالتها شهر زاد فى ليلتها السابعة والأخيرة من المسرحية..

علاء عبد العزيز: قبل أن أشير إلى بعض ما قالته شهر زاد أود أن أوضح أن الملك الذى شغلته قضية انتقامه الشخصى من زوجته الخائنة فى صورة العذارى كان يرى مملكته تنهار أمام عينيه بدخول الثوار إلى قصره، وانضمام جنوده إلى الثوار. وتتحقق ذروة المهانة فى إضطراره إلى أن يتخفى فى زى امرأة لينقذ نفسه من الموت بل ويتعرض لتحرش من أحد الغوغائيين وهو ما يعيد لنا كلمات شهرزاد المحذرة من الفوضى.

ورغم أن شهرزاد تدرك كما ندرك نحن أن تحول شخصية كشخصية الملك إلى الشقاء هو أمرٌ يستدعى تعاطفنا إلا أنها تحمى نفسها بأن تستدعى من ذاكرتها أفعال الملك ورجاله مما يقف حائلاً بينها وبين التعاطف معه. ولهذا نجدها تقول:

شهرزاد: "أعلم أن الملوك عندما يسقطون ينخلع لمرآهم قلب الصخر لكنى أملك فى ذاكرتى ما يجعل قلبى يقسو عليه"

شهرزاد: "أذكر يوماً مرت خيل الموكب فيه فوق الزرع ودهست ولدىْ حامد، سبت أم الولدين الملك بنوبة حزن، فى الليل، كانت تبكى بلسانٍ مقطوع."

شهرزاد: "أذكر يوماً كانت شمس الصبح تفح لهيباً هجمت فيه جيوش ضرائب ديوان المال الملكى على منزل سالم بياع التمر. كانت زوجة سالم خلف الباب ترضع إبنتها، تلبس ما لا يستر جسدا بضاً رغم الفقر، ظناً منها، الحمقاء، أن المرء يمكنه أن يأمن فى داره، ساومها الأكبر سناً أن تكشف صدراً غطته يداها المرتعشة و سقط الطفل (...) ولأن مصائب مملكتك لا تأتى فرادى، فى نفس اليوم عاد الزوج إلى منزله كسيراً إذ طارده رجال الشرطة لأن صوت ندائه على تمره أيقظ زوج عشيقة أحد البصاصين من أحلى نوم، باتت جثة سالم ليلتها فى قاع النهر، ولازالت زوجته لتلك اللحظة تعمل قسراً خادمة فى بيت كبير جباة ضرائب ديوان المال الملكى."

شهرزاد: "أذكر يوماً سرق بعضُ جنود مغول الغرب بقرة عدنان، ذهب ليشكو عله يحصل على حقٍ مسلوب، لكن الشرطى الساخر لم ينصفه، ذهب لقائد شرطة قريته يشكو له، ألجمه سؤال: ولماذا تبيع اللبن لجيش مغول الغرب؟ و كيف عبرت حدود المملكة إليهم؟ إذن أنت جاسوس".

(وأمام القاضى لم يجروء عدنان أن يذكر أن مئات من جند مغول الغرب كانوا قد عبروا حدود المملكة منذ شهور. وأخيراً قالوا أن القاضى كان رحيماً إذ قصر عقاب المسكين على بضعة جلدات لم يتحملها على أية حال).

شهرزاد: "أذكر يوماً كنت أحب لكن حماقة ظلمك جعلت من حبى هذياناً أطفأ نور القلب."

وهذه الجملة الأخيرة تعيدنا إلى حبيب شهرزاد الذى فقد عقله – حسب رواية شهرزاد- لأنه لم يستطع حماية شقيقته "سلمى" من الشنق ظلماً لأنها دافعت عن نفسها أمام وقاحة و تحرش أحد رجال الشرطة.


مشاركة منتدى

  • جميل ما تقوله شهرزاد ..لكن كم هو بشع أن تقوم رغدة بهذا الدور ..وهذا ليس انتقاصا من ادائها ( العادي) انما انتقاصا من انسانيتها .فأين كانت رغدة حين تمرغت بأموال العراقيين التي حصدتها نتيجة تأييدها المتواصل لصدام حسين ..بحجة اطفال العراق طبعا
    كلمة اوجهها للمخرج ولكاتب هذا المقال..هذه الانسانة كثرت حولها الاقاويل ..وتأكدت حولها الكثير من الشائعات التي أهمها ملكيتها لفيلا ضخمة في بغداد ..ببركات ( الرئيس المخلوع ) الطاغية صدام حسين طبعا
    فيا ترى هل تستحق واحدة مدعية تتشدق بمأساة الاطفال المنكوبين والجوعى ..في حين تستمتع هي بطعامهم وطمأنينتهم المسلوبة...هل تستحق أن تطالب الحاكم بالعدل؟ .ام انها ادعاءات فقط تطلقها دمية على خشبة المسرح..؟؟؟؟
    تحياتي
    شهد

  • اليوم شاهدت المسرحية
    واعجز عن النوم
    افكر في شهريار الضحية .. بعد ان كان في نظري " الجاني "
    وشهرزاد القاسية .. الوافية ،، وعذاب نفسها . الكرة والحب في جسد واحد ،،

    وافكر في عبقريه الكاتب .. وروعة اداء اللممثليين

    رائعة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى