السبت ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠١٨
بقلم ميساء البشيتي

صمت القوافي

صديقي الذي يحب الوطن والمطر، علق القوافي على أشجار اللوز، وتاب عن العشق، ورحل.
خاض كل المعارك، هُزم في كل الحروب، عاش اليتم على جميع أرصفة المنافي ولم يتوقف يومًا عن رسم الأمل والفرح على صفحات القلوب... لكنه ثمل من الانكسارات المتلاحقة فسقط مترنحًا من يده القلم ولم يعد قادرًا على رسم الضحكة الجريحة على وجوه مهشمة بعد الآن.

كم طال صمته؟ كم حاول أن يبتلع من الهزائم والانكسارات، وأن يتجرع هذا الزمن العائب، وأن يحمل بين طيات قلبه أملًا بالغد، وحلمًا طاهرًا نقيًا لم تفسده عوائل الدهر؟

حدثني أكثر من مرة عن وطنه الذي تصدع إلى عدة أوطان مبعثرة لم تعد تتذكر تفاصيل وجهه، وحده فقط من يتذكر ملامحها جيدًا، يبكيها ليلًا حتى تأتيه بالأحلام، يرسمها قصيدة يصفق لها الجميع، ثم ينام وحيدًا في منفاه، بعد أن يهلل الجميع بدعاء النصر!

صديقي كان لا يعرف التذمر أو الشكوى، كان دائمًا يتغنى بالحب وقصص العشق السرمدية، دائمًا في جعبته الكثير من الحكايا عن الفاتنات في شتى المنافي؛ فلم يكن قلبه ليتوقف عن الحب لو لثانية من الوقت.

صديقي اكتشف أخيرًا خِدَع الحب، قصص العشق المغشوشة، الغربة التي لا يمكن أن تنتهي، الوجع الذي يتمدد في السرير حتى يأكل أحلام المساء، الوطن الذي أصبح شهيدًا بلا قبر، القصيدة التي قررت أن تنتهي؛ فعلق القوافي على أشجار اللوز، وترك قصص العشق مهجورة على الأطلال، ورحل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى