

عالم الأحجار
نترجل أنا وصغيري على أطراف المدينة، ولا أدري أن كنت أحسنت تربيته أم لا..؟!، فقط كل ما كرهته من والدي لمْ أكنْ أفعله معه، الصغير جريء في الحوار والاستفهام، يقص لى عن الزواج وأنا أرد، وقد نهرني والدي أن أخوض في ذلك عندما سألته، ثم يحدثني عن الفتاة التي يحبها وعن موصفات زوجته، أجدني أجمع شتات خواطري كي أرد عليه:
ـ اسمع .. هل تستطيع أن تعدَ حتى عدد عشرة دون أن تقول واحد إثنين ثلاثة..؟
ـ لا.. أتدرج.
ـ هكذا .. تحب وتتزوج وأنت في هذا السن وكأنك تَعد إلى عشرة دون أن تبدأ برقم واحد إثنين ثلاثة، أنت اسقطت تلك الأعداد وقلت تسعة، عشرة، والأعداد التي اسقطها تمثل مراحل الكفاح.
أقص له المعلومة في شكل قصة، يرهقني بالاستفهام عن أدق التفاصيل، أحياناً يفاجئني بالمعلومة، أسئله: من أين عرفت؟
يقول: أنت من قلت لي.!
نقترب من المتحف يصر الصغير على أن ندخله، لكني أشعر بالندم أني عرفته أن هذا متحف، لمْ أكن قادرً على الترجل لكني تحاملت على نفسي، المتحف زواياه رائعة حيث التفاف الحجارة في الزاوية يجعلك تسأل كيف لانَ الحجر، أتأمل حجر وكأن الصغير يقرأ خاطري فيقول:
ـ أيعجبك هذا الحجر أتعرف أنه ليس أحمر اللون إنه صدأ أو قل حديد جاسم على صدرهِ، أتذكر وقت أن قلت لي أن الأجحار تعتلّ مثل الأنسان، أوأكد لك أن الحجر يتالم من ذلك الحديد ويتمنى أن يزول منه دون أن يتفتت أو أن يتطور ويصبح لونه أصفر مع أتحاد الصدأ بمكونات أًخري، أليس غريب أن يعاني الإنسان من نقص الحديد ويعاني الحجر من فًرطه.؟!
لم أوأكد له المعلومة ولمْ ألج طعنناً.
أُردف: أتعلم ماذا سيحدث لو أن جسم الإنسان يحتوي على ذهب مثل الحجارة..؟!.
يشرح الصغير رده وهو يلوح بيدهِ في الهواء وهو يصدر أصوات التأوه..؟!
نخرج بعد نوبة مزاح الصغير لأزل يلج: أنظر كيف نتهرب من الشمس وفي نفس الوقت نحتاج للشمس، أتعتقد أن الحجر بحاجة للشمس؟
أجاريه : بدون الشمس سوف تعتلّ الأحجار ويتغير حالها من البرد والتَجمّد.
نخرج من المتحف على نوبة ارتباك بالمتحف وتردد بعض الكلمات "جرد .. تفيش"
صغيري يتحاشى الخروج من البوابة الآلية مستغل فرجة.
على بعد من المتحف، يُخرج الصغير لفافة، أتفرس الصغير وهو يخرج من اللفافة حجر رائع الألوان.
أسال الصغير: ما هذا.
ـ أعتقد أنه حجر الأحلام.
كنت سمعت عن ذلك من قبل، سألت:
ـ وكيف عرفت؟
ـ جدتي.. حدثتني عنه وقالت لي" أنه يقص أنباء الماضي والمستقبل" فقط تضعه بجوارك ليلاً.
الحجر رائع الجمال وكأن به قلوب متداخلة، يميل للون الأزرق وتقل درجة اللون إلى أن تصل لأصغر نقطة بداخله، وعليه كتابات غريبة ليست محفورة كل زاوية تنظر منها تجد تلك الكتابة وتشعر أن الكتابة تتدرج في الصغر إلى أن تصل إلى أصغر نقطة بداخله، لون الحجر يتغير بدرجة ما وأنت تنظر إليه من زوايا مختلفة مع تدرج الضوء عليه يميل للأرجواني.
تهدأ نوبة ذهولي بصوت عالي : من أين أتيت به.؟!
ـ وأنا في الحمام ألمح لفافة أسفل المقعد، أشعر بالإشمئزاز، لكنْ ما شدني أن هذا المكان غير مناسب أن يوضع عليه شياً، وعلى الأخص أنها موضوعة بشكل لا يُظهر منها إلا طرف بسيط ولا يمكن أن تراها إلا بأن تميل، أتناول اللفافة و طارق يطرق الباب طرق المتريب، وجدتني أسرع في دسها، أخرج بها وعامل الحمام والحارس يحدقان في وعليهم نوبة ارتباك.
يدرك الصغير حجم الورطة، بعد نوبة شرود مني، أتأبط عنق الصغير و أنزوي به بين الأزقة، ندخل المنزل يجري الصغير لوالدتي، تعانقه وتربت على ظهره، أتوجع لكفها المفقود، دأئما ما تنادي صغيري بأسم شقيقي وتقول أنه يشبههُ تماماً.
أدخل غرفتي وأتأمل الحجر، كدت ألوّح به من الشرفة.
أضع الحجر على طبق يشبه الكرستال، يدخل صغيرى إلي غرفتي ويصر أن ينام بها معي.
أخفف من الإضاءة وبدا الحجر كأنه مضيء، أنا والصغير منبهران من إضاءة الحجر، وعند إطفاء النور كأنّ الحجر تزداد إضاءته و ظِل الطبق على الحائط شديد الروعة كأنّ نقوش على الحائط.
نقاوم أنا والصغير النعاس ولا أدري أن كنت في نوبة استيقاظ أم نعاس وكأنّ الحجر حوّل الظلام حولى لللون الارجواني أو القرمذي، أسمع الدوي يتردد صداه وسط الظلام الحالك، وميض اللهب يتواثب بين الأركان، ركام من فوق ركام أسفله أشلاء.
يفرد الملاك الرخامي جناحي الخلود، بعد أن رصد موجات آنين، يحوّم فوق تلال الركام، يحفر بين الركام، يزيح الملاك التراب برفق، يُخرج حجر عليه أثر دماء ملتصق به خرقة.
قطعة الحجر فى نوبة فزع يربت عليها الملاك، ويزيح عنها التراب، يجهش الحجر ويردف: سقطت كل الحجارة، ودفنت بين الركام، أما أنا فقد طرت لمسافة كبيرة، أطير وأنا مشطور، شطر سقط على رأس أرداه، أما أنا فدخلت من شرفة منزل مٌهشماً الزجاج الوحيد المتبقي فيه، سقطتُ على مقعد ثم على الأرضية، أسفل المقعد إمرأة تحضن صبي ورضيع الصبي يبكي مرعوب والرضيع مفزوع، وبعد هدوء الدوي حملت المرأة الصغار وتوجهت بهم إلى نافذة الجانب الآخر، لكنها عادت وأمسكت بي وتوجهت للنافذة لتزيل باقي الزجاج المهشم، وقد هيئت ممر، تحمل الصبي في جنب والرضيع في الجنب الآخر وهي تقبض علىّ.
مكنتهم الشجرة من النزول وقد أصبها خدوش.
عاد الدوي كأنّ الأرض بساط مطاط مشدود حول طوق يتقافز عليه أطفال.
تطلب المرأة من الصبي الركض وتنقل الرضيع للجنب الذي كان به الصبي، وعلى الرغم من أني أطير مع الكف في الهواء، أشعر بقبضة المرأة تكاد تعصرني، وجدتنى أنا وكف المرأة مخضبان بالدماء، يجسم علىّ جنزير ضخم بقيت أنا الشلْو الأكبر، وباقي الأشلاء عادت إلى رمل وجير وألومنيوم تُرى هل سيتم جمعها بالماء مرة أخرى..؟!
يربت الملاك على الجحر ويمسح عليه؛ فيعود إلى حجر كبير، يعاود الملاك المسح على الحجر، فيتشكل الحجر على شكل ملاك يحتضن صبي ورضيع وقد أهداهم الملاك جناحي الخلود.
وعلى صوت جلبة نباح كلاب، ووقع إيقاع أقدام ثقيلة أفيق مفزوعاً والصغير يردد: الكف يطير ..!