السبت ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم مصطفى ساهي مناتي كلش

عروسِ الموت

الأمّهاتُ عيُونُ اللهِ والحَدَقُ
يا مَنْ خُلقنَ بطينٍ غيرِ مَنْ خُلِقوا
فاختارَهُنَّ قسيماتٍ لجنَّتِهِ
الأنبياءُ على أبوابِها طَرَقوا
الأمُّ آيةُ خلقِ المُعجزاتِ.. بها
كلُّ الخَليقةِ والأضدادِ تتَّفِقُ
نبقى الأُطيفالَ في أحضانِ جنَّتها
يلهو بنا الحبُّ والأهواءُ والنَزَقُ
حتى إذا رحلتْ يغزو المشيبُ حمىً
مِنْ مَنبتِ القلبِ للهاماتِ يندَفِقُ
لا تخدعنَّكَ أنفاسٌ تَعيشُ بها
كلُّ الذينَ أمامَ الموتِ قدْ شَهَقوا
حَفلُ الولادةِ حَفلٌ للمماتِ بهِ
إنَّ المماتَ مِنَ الميلادِ ينبَثِقُ!
هو الطريقُ، وَدُنيا المرءِ منحدرٌ
لا بُدَّ يوماً بهِ الأقدامُ تنزَلِقُ
ما كانَ موتُ أُناسٍ في مَنِيّتهمْ
وإنما الموتُ في ذُلٍّ بهِ انسحقوا
كَإنَّما العيشُ سجنٌ نُستَرقُّ بهِ
والموتُ منجىً بهِ الإنسانُ ينعَتِقُ
حُبلى الهمومُ وتغفو بينَ خافِقِنا
والأمُّ إنْ رحلتْ يأتي لنا الطَلَقُ
يا حاديَ الموتِ هلْ في الوقتِ مُتَّسعٌ
أثقلتَ فيهِ الخُطى كُرمى لِمَنْ عَشِقوا؟
لأستَعيدكِ ساعاتٍ إليكِ بها
أشكو الفراقَ وقلبيْ فيكِ يمَّحِقُ
وتنبَري بينَ جسْمَينا المسامُ إلى
حدِّ الضلوعِ سَتُطوى حين نعتَنِقُ
حملتُ نَعشَكِ يا مَنْ عَينُها حَمَلتْ
عُمري وهَمّيْ فما أُعْيوا ولا رُهِقوا
لا أدّعي الصَبرَ فالأحزانُ تمضَغُني
أنتِ اخبريني، تُرى للحُزنِ مُنَعتقُ؟
فثوبُ صبريَ أضحى كلّهُ رُتَقًا
وكمْ تُشوّهُ ثوبَ العِزَّةِ الرُتَقُ
أكْبرتُ فيكِ عَزاءَ الناسِ يا مَلَكًا
فإنَّ مِثلكِ لا يأتي بها العَلَقُ
وكم تمنَّيتُ لَو أني أموتُ لها
لو صَحَّ هذا فداكِ القلبُ والرَمَقُ
** ** **
أمّي وحانَ مَسيري نَحوَ مَقبرةٍ
وقدْ نَذرتُ احتمالي وانطوى القلقُ
وَجَدتُني ماشياً فيها بتأتأةٍ
مِنْ فَرطِ ما اشتبكتْ في ساقيَ الطُرُقُ
أخطو وبذرةُ مَوتي عُمرُها أجلٌ
تنمو بِقُربي إلى قبرٍ وتَنفَلِقُ
حتى وقفتُ على مثواكِ أسألُهُ
لو نسمةٌ منكِ فوقَ التُربِ تَندَفِقُ
لو نظرةٌ كانتا عيناكِ تَذرَعُني
فيها.. وقولٌ مِن اسمِ اللهِ يَنطلِقُ
لو ذلكَ الطولُ والزَهوُ الذي اكتَحَلتْ
بهِ عيوني على الأحداقِ يَنرَتِقُ
ناجيتُ قَبْركِ مأخوذاً بِهَيبَتهِ
وقلتُ قولاً مَعاذَ اللهِ يُختَلَقُ
تاللهِ فُزتِ وكلُّ الخاسرينَ أنا
يا رَكْبَ (نوحٍ) ومَنْ عافوهُ قد غرقوا
أمّاهُ في كَبِدي رملٌ يُمزِّقُهُ
وأنَّ في رئتي الأخشابُ تَصْطَفِقُ
والجفنُ تعلو بهِ أشفارُ باترةٍ
تُدمي العيونَ إذا ما الجفنُ ينطَبِقُ
إني لأحسِدُ مَنْ تبكيكِ أعيُنُهُ
أصارَ رزقًا؟ فليتَ النَّاسَ ما رُزِقوا
عاصانيَ الدّمعُ في جنّاتِ حُرقَتهِ
وليتَ دمعيَ إنَّ الروحَ تحترقُ
كأنَّ هيبةَ عينيكِ قد انعقدتْ
على عيوني وبالدمعاتِ قد شَرِقُوا
كأنَّ كِبْركِ يرنو والشموخُ بهِ
لكبريائي عتابًا كيف ينسَحِقُ
يا فجرَ روحي الذي ما مسَّهُ أرَقُ
يا ضوءَ عَيني الذي يكبو بهِ الأُفُقُ
يا عذبةَ الرُّوحِ يا أسمى الصِلاةِ إلى
ربي.. وبابَ سماءٍ ليس ينغَلقُ
عفوَ ابتسامكِ مِنْ تُربٍ يُعفِّرهُ
يا صبحةَ الوجهِ إنَّ القبرَ مُختَنَقُ
لو يعلمُ القبرُ مَنْ يغفو بِتُربتهِ
لكانَ زهواً على الأجداثِ يأتلِقُ
ما كان جسمًا أو انثى اليومَ مَنْ دُفِنتْ
فاليومَ قد دُفِنَ الوجدانُ والخُلُقُ
هل الحقيقةُ أنّي لن أنادِيَها
بقولِ (أمّي) فترنو ملؤها الأنَقُ؟
هلِ الحقيقةُ أنَّ الشمسَ قد رحلتْ
والدارُ فارقها الإصباحُ والفَلَقُ؟
أمّاهُ عووودي.. و(عودي) حين أنطقُها
كالسيفِ يجرحُ غمداً حين يُمتَشَقُ
أمّاهُ عودي فما أُخفيهِ مِنْ وَجَعٍ
سرّي عنِ النّاسِ أنّي ميِّتٌ، رَنِقُ
أمّاهُ عودي فما للروحِ مُفترقٌ
إلّا لموتٍ، وما للموتِ مُفترقُ
لا أكتُمنَّكِ عبراتي أغصُّ بها
فكلّما قُلتُ: يا أمّاهُ أختَنِقُ
** ** **
أمّي وأسألُ وجهَ اللهِ مَغفِرةً
إذا دَنَوتُ لسرٍّ ليس يُستَرقُ
أعلو بوصفكِ أعلو عُلوَ مِئذنةٍ
لكنْ أراني على الغبراءِ ألتَصقُ
تسرَّبَ الشعرُ مِنْ كفّي فما كتَبَتْ
يدايَ غيرَ حروفٍ فيهما عَلِقوا
أمّاهُ عُذرًا إذا ما قد كبا ألقي
لمْ أوفِ حقَّكِ فليَغفرْ لِيَ الألقُ
أقولُ: أمّاً و(أمّاً) وحَدها سَتَفي
بيتَ القصيدِ، وأعلو كلَّ مَنْ نَطقوا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى