الأحد ١٢ آذار (مارس) ٢٠٢٣
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

فاطمة رشدي مسيرة فنية خالدة

توالت الأيام والسنوات ووجدت أجيالا لاتعلم ماقدمته الفنانة القديرة فاطمة رشدي التي تعد من رواد المسرح والسينما ونقول أن فاطمة رشدي جاءت إلى الحياة الدنيا يوم 15 نوفمبر عام 1908 وكان مولدها في محافظة الإسكندرية هذا العام الذي شهد تولي الزعيم محمد فريد رئاسة الحزب الوطني يوم 14 فبراير خلفا للزعيم مصطفى كامل وجعل كل ثروته للقضية المصرية وأعلن أن مطالب مصر هي الجلاء والدستور وأنشأ أول نقابة للعمال عام 1909 وأيضا شهد عام 1908 افتتاح الجامعة المصرية ففي يوم 21 ديسمبر افتتحها الخديوي عباس حلمي الثاني وتعد أول جامعة أهلية في مصر وتعرف الآن بجامعة القاهرة وفي مطلع القرن العشرين ارتبط الكفاح الوطني ضد الاحتلال البريطاني بمعارضة سياساته التعليمية والمطالبة بتعليم وطني يشمل كل المصريين.

فاطمة رشدي عشقت الفن منذ نعومة أظافرها وكان لها أختين فنانتين هما رتيبة وإنصاف رشدي وعندما فاطمة في العاشرة من عمرها زارت فرقة أمين عطا الله حيث كانت تغنّي أختها فأسند إليها أمين دورًا في إحدى مسرحياته كما كانت تؤدي أدوار غنائية ثانوية في بدايتها وظهرت على المسرح مع فرقة عبد الرحمن رشدي.

قالت فاطمة رشدي عن نفسها: (أنا فاطمة رشدي خليل أغا قدري من مواليد الإسكندرية توفي أبي وأنا صغيرة دون دخل ثابت فعملت أمى وشقيقتاي رتيبة وإنصاف رشدي بفرقة أمين عطا الله المسرحية وذات ليلة تشاجرت مطربة الفرقة مع صاحبها وتركت له المسرح فإذا بصاحب الفرقة يدعوني بأن أحل محلها ولإنقاذ سمعة الفرقة لبيت نداءه وغنيت طلعت يامحلا نورها ولحظتها كتبت ساعة ميلادي).

انضمت فاطمة رشدي بعد ذلك إلى فرقة الجزايرلي ثم تقابلت مع عزيز عيد فلقنها دروسا في القراءة والكتابة وأصول التمثيل وانتقلت بين مسارح روض الفرج حيث كانت تشهد تلك المنطقة الشعبية نهضة فنية واسعة واخرجت الكثير من رواد الفن التمثيلي في مصر فعملت في مسرح روز اليوسف ثم في فرقة رمسيس وصارت بطلة للفرقة وفي عام 1921 شاهد موسيقار الشعب الفنان سيد درويش الفنانة الصاعدة فاطمة رشدي فأعجب بموهبتها ودعاها للعمل بفرقته التي كونها بالقاهرة وبدأت في فريق الكورس والإنشاد مع الفنانين سيد درويش ونجيب الريحاني.

ذات يوم من أيام عام 1923 كان اللقاء بين رائد فن المسرح عزيز عيد وفاطمة رشدي وللوهلة الأولى توسّم فيها الموهبة والقدرات الفنية الكامنة فضمها إلى فرقة يوسف وهبي بمسرح رمسيس وتعهّدها بالمران والتدريب وعلمها التمثيل كما أوكل مهمة تلقينها قواعد اللغة العربية إلى مدرس لغة عربية ثم تزوجها بعد ذلك لتصبح نجمة فرقة رمسيس المسرحية وفي عام 1924 كان الدعم الكبير للفنانة فاطمة رشدي لذا قامت بأدوار البطولة في عدة مسرحيات من بينها الذئاب والصحراء والقناع الأزرق والشرف وليلة الدخلة والحرية والنزوات ثم كانت النقلة الفنية في مسيرة الفنانة فاطمة رشدي حيث قام عزيز عيد والسيد قدري بتعريب مسرحية النسر الصغير التي كتبها أدمون روستان وتم تقديمها وقام بدور البطولة فاطمة رشدي وعزيز عيد وهى المسرحية التي قدمتها الفنانة العالمية سارة برنار لأول مرة ومن هنا حصلت فاطمة رشدي على لقبها (سارة برنار مصر ).

انطلقت الفنانة فاطمة رشدي بفنها إلى الدول العربية الشقيقة ففي عام 1926 زارت فرقة فاطمة رشدي وعزيز عيد العراق شأنها في ذلك شأن العديد من الفرق المعروفة في هذا الوقت ومنها فرقة جورج أبيض التي زارت بغداد وكذلك فرقة يوسف وهبي ووفي عام 1929 زارت فرقة فاطمة رشدي وعزيز عيد العراق أيضا وأُعدَّ مسرح في شارع أبو الأسود الدؤلي بالبصرة لتقديم العروض الفنية ومنها مسرحية مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقي وأسرت فاطمة رشدي قلوب العراقيين بدورها في المسرحية.

كانت لتلك الزيارات الأثر العظيم على المسرح العراقي والتحق حقي الشبلي عميد المسرح العراقي بفرقة فاطمة رشدي وسافر معها إلى مصر ليتدرب ويستفيد من التجربة المصرية حيث كانت الفرقة بحاجة لممثلين عراقيين وقد اقتنع كل من عزيز عيد وفاطمة رشدي بموهبته الفنية فاتفقا على انضمام الشبلي رسميا للفرقة بعد أن سعت فاطمة رشدي وتوسّطت عند الملك فيصل الأول شخصيا بالموافقة للسفر معها إلى القاهرة لزيادة خبرته وصقل موهبته وعلى حسابها الخاص وبالفعل غادر حقي الشبلي بغداد وحضر للقاهرة ومكث سنة كاملة وكان هناك محط اهتمام ورعاية الفنانة فاطمة رشدي وفي عام 1929 ذهبت فاطمة رشدي بفنها إلى بيروت لبنان وقدمت على مسرح صالة الأمبير عدة مسرحيات منها النسر الصغير وغادة الكاميليا وجان دارك ولسلطان عبد الحميد ويوليوس قيصر وقدمت في الهواء الطلق على سطح الباريزيانا المسرحية الشهيرة مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقي كما قدمت مسرحية العواصف تأليف أنطوان يزبك وحظيت لقيت بإقبال كبير ولقّبت بصديقة الطلبة وأقام لها الطلبة حفلة تكريميّة في أحد الفنادق الكبرى.

انفصلت الفنانة فاطمة رشدي عن زوجها عزيز عيد بسبب غيرته الشديدة وبانفصالها عنه انفصلت عن مسرح رمسيس وكونت بعدها فرقتها المسرحية الخاصة الشهيرة التي حملت اسمها وقدمت 15 مسرحية في سبعة أشهر وقدمت نجوماً إلى عالم الفن مثل محمود المليجي ومحمد فوزي الذي كان يلحن المونولوجات التي تقدم بين فصول المسرحيات وقدّمت فرقة فاطمة رشدي العديد من النصوص المترجمة والمقتبسة بالإضافة إلى بعض المؤلفات المحلية.

تعرضت الفنانة فاطمة رشدي لمواقف صعبة ففي عام 1928 خاضت أول تجربة سينمائية مع بدر لاما في فيلم فاجعة فوق الهرم ولكنه لم ينجح وحظى بالنقد الفني في تلك الفترة ثم أقنع المخرج وداد عرفي الفنانة فاطمة رشدي بأن يخرج لها فيلم تحت سماء مصر وهو من إنتاجها وبطولتها لكنه لم يحقق النجاح أيضا وفي هذا الصدد قالت فاطمة رشدي: (تحملت الخسائر راضية ولم أعبأ بالمئات التي أنفقتها في فيلم تحت سماء مصر ذلك أننى أنشد الإجادة ولا يهمني المال).

انصرفت الفنانة فاطمة رشدي إلى المسرح لعدة مواسم ثم عادت إلى السينما مؤلفة ومخرجة وممثلة وكان فيلم الزواج وتم عرضه عام 1933 ومثل أمامها محمود المليجي في أول أدواره السينمائية ثم كان فيلم الهارب مع بدر لاما ثم فيلم ثمن السعادة ثم فيلمها العزيمة مع كمال سليم الذي حاز على نجاح كبير حيث تزوجت فاطمة رشدي من المخرج كمال سليم الذي أسند إليها دورها في هذا الفيلم الهام ويجب أن نتوقف مع فيلم العزيمة حيث تم تصنيفه من المراكز الأولى ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية وهذا الفيلم قصة وسيناريو وإخراج كمال سليم وحوار بديع خيري وبطولة فاطمة رشدي (فاطمة) وحسين صدقي: (محمد) وأنور وجدي (عدلي) وزكي رستم (نزيه باشا) وعباس فارس (الباشا المدير) وعبد العزيز خليل (معلم عتر) وماري منيب (والدة فاطمة) وحسن كامل (والد فاطمة) وثريا فخري (والدة محمد) وعبد السلام النابلسي (صديق عدلي) وحكمت فهمي (فردوس) وعلي طبنجات (معلم شبك) ومختار عثمان (حاج روحي) وعمر وصفي (الأسطى حنفي) وآمال حسين ومختار حسين وأحمد شكري وإنتاج وتوزيع ستوديو مصر وتصوير فيري فاركاش ومناظر ولي الدين سامح وموسيقى عبد الحميد عبد الرحمن ومونتاج كمال سليم وأخذت المناظر وتم الطبع والتحميض في ستوديو مصر.

بعد ذلك شاركت فاطمة رشدي في فيلم العامل وفيلم الطريق المستقيم مع يوسف وهبي وتتالت أفلامها بعد ذلك وهى بنات الريف ومدينة الغجر وغرام الشيوخ والريف الحزين وعواصف والطائشة ودعوني أعيش والجسد وبعد انفصال فاطمة رشدي عن المخرج كمال سليم تزوجت المخرج محمد عبد الجواد وعاشت بعيدًا عن الأضواء لسنوات طويلة ثم تزوجت رجل أعمال من الصعيد ثم تزوجت عام 1951 من ضابط بوليس ثم كانت مرحلة فنية أخرى في حياة الفنانة فاطمة رشدي حيث انضمت إلى المسرح العسكري وأدت العديد من البطولات المسرحية وأخرجت مسرحية غادة الكاميليا ثم انضمت للمسرح الحر عام 1960 وقدمت من أعمال الأديب العالمي نجيب محفوظ بين القصرين ثم ميرامار عام 1969

في أواخر الستينيات اعتزلت الفنانة فاطمة رشدي وانحسرت الأضواء عنها وكانت تعيش في أواخر أيامها في حجرة بأحد الفنادق الشعبية في القاهرة وكتب الصحافة المصرية عن حياتها البائسة التي تعيشها فتدخل الفنان فريد شوقي لدى المسئولين لعلاجها على نفقة الدولة وتوفير المسكن الملائم لها وتم ذلك بالفعل وحصلت على شقة إلا أن القدر لم يمهلها لتتمتع بما قدمته لها الدولة حيث فاضت روحها إلى بارئها يوم 23 يناير عام 1996 الموافق 3 رمضان 1416 هجريا تاركة للحياة والتاريخ ثروة فنية عملاقة تزيد عن 200 مسرحية و16 فيلمًا سينمائيًا واعترافا وتخليدا لفنها أطلقت محافظة الجيزة اسم فاطمة رشدي على أحد شوارع منطقة الهرم فرحمة الله على روحها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى