

فرقة المغامرين الخيريّة 2 من 4
المشتبه به رقم واحد
وصل طارق إلى بيت الدكتور أسعد مستعيناً بالعنوان الذي زوّده به مصعب ,عندما اتصل به من خلال الهاتف القريب من المركز الطبي..وهاهو الآن يقف أمام باب منزل الدكتور أسعد , وهو أحد الأطباء العاملين في المركز وعندما قرع الباب , فتحت له امرأة كبيرة السن ..تتكيء على عكاز, وسألته:
– نعم .هل من خدمة؟.
أجابها طارق بلباقة:
– بصراحة ياخالة أنا بحاجة للدكتور أسعد في مسألة مهمة ..فهل هو موجود؟.
قبل أن تجيب العجوز على سؤاله ,سمع طارق صوتاً من الداخل يسأل:
– مَن ياأمي؟.
أجابته العجوز:
– فتىً يطلب رؤيتك.
وإذا بالدكتور أسعد يخرج ليقف إلى جانب أمّه,وهو يضع المنشفة على كتفه,وكأنه خرج للتوّ من الحمّام.مما دعى طارق أن يستخدم لباقته في التعبير .إذ قال:
– متأسّف جدا ً,جئت من غبر موعد ..ويبدو أن الوقت غير مناسب ..
أجابه الدكتور أسعد, وهو شابّ يبدو أكبر من طارق بسنوات لاتتعدى العشرة:
– لاتبالي..المهمّ.. هل من شيء استدعى حضورك يا...
أجاب طارق:
– أنا اسمي طارق..
ردّ الدكتور أسعد:
– أهلاً وسهلاً ياطارق ..
ثم ابتسم الدكتور وأشار لطارق بالدخول ..وهو يقول:
– تفضل ..سنتكلّم في الداخل ..
جلس الدكتور أسعد في غرفة الضيوف ,وإلى جانبه جلس طارق,الذي بدا عليه الارتباك واضحاً ,إذ كيف سيفتح الموضوع مع الدكتور..وبأيّ صفة ..تنحنح قليلاً ,فأدرك الدكتور أسعد قلقه ,فسأله:
– تبدو قلقاً ..هل هناك شيء أستطيع أن أساعدك به؟ ثم من أين حصلت على عنواني؟.
تلعثم طارق وهو يقول:
– أعطاني إياه مصعب..ابن عمي.
سأل الدكتور أسعد:
– مصعب؟؟ومن هو مصعب ؟؟بصراحة أنا لاأفهم شيئا أبداً ..
قال طارق:
– لقد كنّا في زيارة لمركز الطبي, وأردنا مقابلتك ,لكنّ الموظفة أخبرتنا أنك غير موجود.
أجاب الدكتور أسعد:
– صحيح ..لقد تركت العمل .
سأله طارق:
– لي الكثير من الأقارب يزورونك .وكلّهم يشيدون بأخلاقك الطيّبة ,وحسن استقبالك لهم .ويقولون إنهم يفضلون اختيارك من بين جميع أطباء المركز , وعذراً يعني ..رغم قصر خبرتك ..وصغر سنّك ..لكن هذا ليس مقياسا ًللطبيب الناجح..
ابتسم الدكتور أسعد ..وهو يحكّ يده براحة يده الأخرى, خجلاً لماسمعه من إطراء ..وقال:
– شكراً ..ولكن بصراحة ..أنا لحد هذه اللحظة لم أفهم شيئاً.
ثم قال ضاحكاً:
– هل تريد أن تتعالج عندي مجاناً ..فأنا للأسف لا أملك عيادة ..حتى إنني لم ألتحق بوظيفة جديدة.
بادله طارق الضحك.قائلاً:
– لا ..ولو أردت أن أتعالج فلن أذهب إلى أحد غيرك ,هذا وعد مني ..لكنني جئت لسبب آخر ..
استعدل الدكتور أسعد في جلسته , ليفهم الجالس أمامه .أنه آن الأوان لسماع الأمر الذي جاء من أجله..فقال له:
– نعم ..تفضّل..
بدأ طارق حديثه:
– بصراحة يادكتور ..لقد أخبرتني للتوّ بأنك تركت العمل مع الدكتور لطفي ,في حين أننا سمعنا أنه ..واعذرني لهذه الكلمة ..أنه طردك من الوظيفة.
شبّ الدكتور أسعد من مكانه ..وأنزل رجله التي كان قد وضعها فوق الأخرى ..وهو يقول:
– ماذا؟؟!! طردني؟..ولماذا يطردني أصلا ؟؟. أنا الذي تركت العمل مع هذا الإنسان الجشع,الذي لايهمّه شيء من الدنيا, بقدر مايهمه كم كسب من المال..
سأل طارق باستغراب:
– معقول ؟!!
سحب الدكتور أسعد نفساً عميقاً ,بعد أن لاحظ أنه بالغ بانفعاله أمام طارق ..لكنّه حاول تدارك الأمر بقوله:
– ليس هذا موضوعنا ..وسواء أكون أنا من ترك العمل أو لا ..فهذ شيء فات أوانه ..المهم مالمطلوب مني ؟
لاحظ طارق تغيّر نبرة الدكتور أسعد ,الذي بدا منزعجاً مما سمعه فقال:
– أعتذر. لم أكن أقصد إثارة غضبك ,لكنّنا ..أقصد أنا وأولاد عمي وخالتي ..أحببنا أن نقدّم المساعدة بحسب مانتمكّن للمركز, بعد أن شاهدنا حجم الدمار الذي أصابه .
استغرب الدكتور من كلام طارق , فسأله:
– أيّ دمار ؟؟ومالذي أصاب المركز؟.
أجاب طارق:
– أقصد الحريق الذي أكل الأخضر واليابس؟.
زاد استغراب الدكتور أسعد فاستعدل في جلسته .وسأل :
– هل احترق المركز ؟ ومتى ؟ وكيف؟.
اندهش طارق وهو يرى استغراب الدكتور أسعد ,فسأل:
– ماهذا ؟تقصد أنك لم تكن تعرف بهذا؟.
أجاب الدكتور أسعد:
– وكيف لي أن أعرف وأنا قدتركت العمل فيه من أيام ..؟؟.
قال طارق:
– نعم صحيح .ولكنّني طننت أنّ أحداً ما ينقل لك الأخبار أولاً بأول..
هزّ الدكتور أسعد رأسه ..وهو يقول:
– لا ..لم أعُد على اتصال مع أحد أبداً ..ثم أرجوك .أنا لاأعرف سبب وجودك ..طبعاً ليس من المعقول أن تكون قد بحثت عن عنواني , وأجهدت نفسك بالحضور إلى هنا لتبلّغتي هذا الخبر..أليس كذلك ؟.
ضحك طارق وهو يقول :
– طبعا لا..ولكن ..لاأدري إن كنت ستستغرب إن أخبرتك أنّنا بصدد البحث عمّن يكون قد أشعل النار في المركز ,بعد أن سمعنا أن الحريق قد تمّ بفعل فاعل .فتوزّعنا أنا وأصدقائي بدافع محبّتنا للخير ,ومعرفة الحقيقة..لنبحث عن أيّ خيط يرشدنا لمعرفة الفاعل..
قال الدكتور أسعد بغضب:
– أتعرف ..لو لم تكن مهذّباً كلّ هذا التهذيب الذي تبدو فيه ..ولو لم يكن يظهر عليك حسن النيّة ,لكنت طردتك من بيتي ..أو على الأقل كنت سألتك عن الصفة التي تخوّلك الحديث معي بها الشأن؟..هذا إن لم أقم بالتبليغ عن تدخّلك بعمل الشرطة..
هزّ طارق رأسه مرتبكاً وهو يقول:
– والله أعرف ذلك .. بالمناسبة عمّي يعمل ضابطاً بالشرطة , وقد قال لي الشيء نفسه ..لكنّ روح المغامرة التي عندنا تنسينا كلّ شيء ..أرجوك أن تقدرّ ذلك. ومجيئي هنا ليس لأوجّه لك أي اتهام ,بقدر ماهو رجاء ,في أن تساعدنا للتوصّل إلى الحقيقة ,التي بالتأكيد تهمّك مثلما تهمّ الشرطة .أو تهمّ الدكتور لطفي نفسه.
قال الدكتور أسعد ,بعد أن خفّف من حدّة كلامه:
– هذا مؤكّد ..ولكن إن استدعتني الشرطة, فسأقول كلّ شيء أعرفه, من شأنه أن يخدم معرفة الجاني ..أو التوصّل للحقيقة ..
سأل طارق:
– وهل تعرف شيئاً حول هذا الموضوع ؟.
ردّ الدكتور أسعد:
– أرجوك هذا ليس من شأنك؟.
تلعثم طارق ,ثم تشجّع ليقول:
– عفواً ..ولكن مسألة تركك العمل تثير الشبهات حولك,هذه حقيقة أرجو أن لاتغضب منها .
أجاب الدكتور أسعد:
– ولمَ أغضب؟ ..إن سألتني الشرطة عن سبب تركي للعمل, فسأجيبهم أنني لاأستطيع العمل معه. إنّه رجل غريب الأطوار..حادّ المزاج ..مرّة تراه يضحك ويجامل ,وأخرى تراه إنساناً قاسياً لايرحم.
لا تستغرب إذا قلت لك إن سبب تركي العمل سبب تافه.. فقد اتهمني بعدم احترامي له, لأنني صدفة ومن غير أن أدري, دخلت مكتبه دون أن أستأذن منه.. وكان جالساً معه أحد الذين يتعامل معهم باستمرار..ويبدو أنهما كانا يتناقشان في موضوع مهم ,لم يُرد الدكتور لطفي أن أسمعه نهائياً..
فأقام الدنيا وأقعدها.. حتى إنّه أهانني. كم تمنّيت حينها أن تنشقّ الأرض وتبلعني..أو أن أتناول شيئاً لأضربه به, وأردّ له الصاع صاعين..
استغرب طارق ممّا سمعه,فسأل:
– عن أيّ شيء كانا يتحدثان:
أجاب الدكتور أسعد:
– لاأدري ..ليس هذا الشخص فقط ..بل إن هتاك أشخاصاً كثيرين غيره, كانت أشكالهم تثير الريبة والشكوك.كنت أتعمّد أن أحاول أن أسمع بعض العبارات التي كانوا يتناقشون بها ..بعد أن بدأت أشكّ بالدكتور وأفعاله. كانوا يتناقشون حول استيراد أجهزة ومعدّات طبية حديثة بمبالغ هائلة ..وعن قروض مصرفية بالملايين ..أو أدوية ومواد مخدّرة بصلاحيات منتهية ..والكثير من هذه الأمور التي جعلتني أتحيّن الفرصة, وأختلق الأعذار لأترك العمل معه ..بعد أن أحسست أن المركز الطبي صار ستاراً يحتمي به الدكتور لطفي , وخيمة يعقد بها صفقات مشبوهة.
سأل طارق:
– إذن تشكّ بنزاهته؟ ..
هزّ الدكتور أسعد رأسه قائلاً:
– طبعاً ..ولكن للأسف مع عدم وجود أيّ دليل.
ثم ابتسم ليقول:
– ولاأكتمك سرّاً لو أخبرتك عن مدى السعادة التي غمرتني عندما نقلت لي خبر الحريق ,ليس من باب الشماتة ..بل لأنني أحسست أنها جاءت لتضع حداً لجشعه ,ولتكون رادعا ًله ولأمثاله .
وبهذا الشيء يكون الدكتور أسعد قد أدلى بدلوه من غير قصد منه, أما طارق فقد حصل على مايريده تماماً.
خرج طارق من منزل الدكتور أسعد, وهو محمّل بشكوك كثيرة, بعضها يدين الدكتور أسعد بهذه الفعلة , وبعضها يبرّؤه.
* * *
توزيع المهامّ
قبل أن يصل طارق إلى منزل مصعب حيث يجتمع الجميع . كان زياد يُري الأصدقاء صالح وعبدالعزيز وزينب ومحبّة ومصعب,الصور التي التقطها, لآثار الأقدام المطبوعة في حديقة المركز الطبي, وأعطى نسخة لكلّ واحد منهم. قال مصعب ..وهو يتفحّص الصورة المكبّرة :
– ياه!!..رائع.. تبدو واضحةجدا!!.
أجاب عبدالعزيزالذي أمسك بنسخة من الصور:
– وخصوصاً نقشة الكعب ..إنها مميّزة ,ومن السهل التعرّف عليها ..
قالت زينب:
– وهذا الرقم 43 يدل على قياس الحذاء .إنه من الحجم الكبير.
أجابها زياد:
– هذا صحيح..
أما مصعب فقد كان يفكّر في شيء ما ,وهو يحتضن نسخة من الصورة المكبّرة التي أعطاها له زياد.وعندما انتبه عبدالعزيز لشرود ذهن صديقه سأله:
– مابالك يامصعب؟؟أراك شارد الذهن؟؟بم تفكر؟؟.
أجابه مصعب:
– أفكّر في شيء لفت انتباهي..ولاأدري إن كان سيفيدنا في شيء أم لا..ولكنّه شيء يثير الاستغراب..
تحلّق الأصدقاء حول مصعب لمعرفة مايجول في خاطره ..فأردف مصعب قائلاً:
– سيارة الدكتور لطفي التي شاهدناها اليوم .كان يقودها سائق وليس الدكتور نفسه ..وهذا يعني أنّ الدكتور قد عيّن له سائقاً خاصاً..أليس كذلك؟
أجاب صالح:
– وماذا في هذا ؟؟
استرسل مصعب:
– في حين أننا عندما كنّا موجودين ساعة اندلاع الحريق ,كان الدكتور لطفي يقود السيارة بنفسه حينما عائداً لتوّه من المطار ..
نظر الأصدقاء في وجوه بعضهم البعض ..بينما راح مصعب يكمل بقية تحليله :
– فكيف جاءت إليه السيارة إلى المطار؟؟هل يعقل أن يكون قد تركها في ساحة وقوف السيارات طوال فترة سفره؟؟أم يكون السائق قد أحضرها إليه قبل موعد وصوله ثم انصرف ؟؟أم ..ماذا؟؟.
أشار عبدالعزيز بسبابته نحو مصعب قائلاً:
– أنت عبقري يامصعب ,المسألة تستحقّ التفكير حقاً..
هزّ مصعب رأسه قائلاً:
– الخالة فوزية ربما تفيدنا في معرفة حلّ هذا اللغز.
ثم عاود النظر إلى الصورة التي يحتضنها ..وقال موزّعاً كلامه للجميع:
– الآن..وبعد أن احتفظ كلّ منّا بصورة مكبّرة لقدم المشتبه به, سيقوم زياد بالبحث عن البستاني..وتصحبه في هذه المهمة محبّة..
فركت محبة راحتي كفيها ببعضهما فرحة وهي تقول:
– وأخيراً جاء دوري..
ثم انبرى مصعب يوزّع المهامّ على أصحابه أعضاء الفريق,قائلاً بجدّية:
– أما أنا.. فسأقوم بزيارة لبيت الدكتور لطفي بحجّة زيارة الخالة فوزية , قد أحصل منها على معلومات مفيدة,أما صالح فستكون مهمّته متابعة الأستاذ عادل المحاسب, وتحيّن الفرصة لمحادثته , وعبدالعزيز سيكون متواجداً في المركز الطبي .وستبقى زينب هنا لتنسّق فيما بيننا عبر اتصالاتنا. ولتعرف ماتوصّل إليه طارق..
هزّت زينب رأسها مبتسمة وهي تقول:
– تقصد سأكون مشرفة على إدارة غرفة العمليات..
ضحك الجميع ..وانصرف كلّ إلى المهمة التي كلّف بها.
* * *
أي الطرق يؤدي للحقيقة؟
في المركز الطبي..كانت هناك مفاجأة بانتظار عبدالعزيز .
– (( ماذا تفعل هنا يا عبد العزيز ؟! )).
التفت عبدالعزيز ناحية مصدر الصوت ,وإذ بعمّه النقيب ياسر يهمّ بدخول المركز الطبي , ارتبك عبدالعزيز, الذي كان يستعدّ هو الآخر لدخول المركز..وأجاب عمّه:
– من ؟! عمّي ياسر ؟!!..بصراحة جئنت لأعرض عليهم مساعدتنا..
ابتسم النقيب ياسر ,وقال مع ضحكة ساخرة:
– مساعدتكم ؟؟.. ومن معك ؟؟ يا من تتدخّلون في كل شيء؟.
بلع عبدالعزيز ريقه ..وتبلعم وتلعثم..ثم أجاب:
– بصراحة يا عمّي...إنّ... إنّ ..بصراحة.. كنت أشاهد ماذا حلّ بالمركز الطبي.. بعد أن شبّت فيه النيران . فربما يكونون بحاجة للمساعدة.
هزّ النقيب رأسه ..وكأنه يدرك أن كلام ابن أخيه عارٍ عن الصحّة ..وقال وهو يربت على كتفه:
– لا أبداً..ليست هذه الحقيقة. وإنما أنت هنا من أجل مغامرة جديدة..بلّغ أصحابك أنكم تعرّضون أنفسكم لمشاكل أنتم في غنى عنها..
ثم تشجّع عبدالعزيز,واستعان بجرأته ..وقال لعمّه بثقة:
– نحن هنا يا عمّي من أجل أن نكشف الحقيقة.. وبهذا نقدّم لكم مساعدة قدر استطاعتنا..
انشغل النقيب ياسر بتوظيب بعض الأوراق التي كان يحملها..وراح يكلّم عبدالعزيز من غير أن ينظر إليه:
– هذا تدخّل في شؤون الشرطة..أنا مثلاً موجود هنا من أجل أن أتابع التحقيق في مسألة الحريق.. وسآخذ أقوال الدكتور لطفي حسب الأصول والقوانين..
وفي هذه اللحظات التحق اثنان من الشرطة ,لينضمّا إلى النقيب ياسر..فما كان من النقيب إلا أن
أن يضع يده على كتف عبدالعزيز ,ويبتسم له قائلاً:
– هيا يا عبدالعزيز... ارجع إلى بيتكم..وبلّغ تحياتي لأهلك..
ثم دخل من الباب الرئيس للمركز يتبعه الشرطيان ..فلم يكن أمام عبدالعزيز إلا مغادرة المكان .أو على الأقل الابتعاد عنه ,ريثما يغادره عمّه النقيب ,ومن معه من أفراد الشرطة.
* * *
وفي جانب آخر.. كان زياد ومحبّة يبحثان بين بيوت منطقة شعبية متواضعة .عن بيت البستاني الذي يعمل في المركز ..مستعينين بالعنوان الذي حصلا عليه من مصعب ,والذي حصل عليه بدوره من الموظفة التي تعمل في المركز الطبي,وبعد أن سألا أكثر من شخص ,تمكّنا أخيراً من العثور عليه ..وهاهما يقفان قبالته.. كان البيت متواضعاً جداً ..وسوره مكشوفاً للعيان .والباب مفتوحاً لكل من هبّ ودبّ ..وفي الحديقة المتواضعة راح الدجاج والبط يسرح ويمرح فيها..حتى إنهما لم يجدا صعوبة في دخول المنزل ..وعندما فعلا ذلك فوجئا بالبستاني يتمدّد في ظلّ شجرة تتوسّط الحديقة .وكأنه يأخذ حمّاماً شمسياً..وقد وضع يديه تحت رأسه ..ممداً رجلييه التي وضعها الواحدة فوق الأخرى ..
– ياه ما أحلى الحياة هنا!! ..وما أبسطها !!
هكذا قالت محبة وهي تستعرض المكان ..أجاب زياد:
– هس..ذاك هو نائم تحت الشجرة..
ثم راحا يتقدّمان نحوه بخطى حذرة..همست محبّة في أذن زياد:
– أولّ شيء نفعله هو أن ننتهز فرصة نومه, ونقترب منه لنرى حذاء رجله اليمنى..
هزّ زياد رأسه موافقاً ,ثمّ مدّ يده إلى الجيب الداخلي الكبير في سترته ..وأخرج منها الصورة التي التقطها لقدم المشتبه به ..وعندما صارا قريبين من البستاني النائم ..جلسا على ركبهما, وراحا يقارنان مابين الصورة وحذاء الرِجل اليمنى للبستاني ..قال زياد هامساً:
– ليس هو الحذاء المطلوب..فشكله يختلف..
ثم لاحظت محبة شيئاً ..فقالت حزينة:
– يا للمسكين!!..حذاؤه ممزّق..سآتي له بحذاء من أحذية أبي..
ولكن يبدو أنهما أحدثا صوتاً جعل البستاني ينتبه لوجودهما , فنهض من نومه مفزوعاً ,وإذا به أمام فتى وفتاة اقتحما مملكته المتواضعة .هبّ وجلس فجأة صارخاً في وجهيهما, وهو يمسك بملابسهما كي لايهربا من أمامه:
– ماهذا ؟؟ من أنتما ؟ وماذا كنتما تفعلان؟.
ارتعب الصديقان ..ولم يعرفا كيف يجيبان البستاني ..فقال زياد متأتأً:
– مرحباً.. أقصد.. كيف حالك ؟.. أقصد ..
فقالت محبة التي كانت تبدو أكثر شجاعة من زياد:
– نحن نعرفك يا عمّي.. وسنحكي لك كلّ شيء..
استعاد زياد شجاعته . بعد أن سبقته محبّة بالحديث ومهّدت له الطريق .وقال:
– نعم ..فأنت البستاني الذي يعمل في مركز جراحة الأسنان ..وجئنا نطلب مساعدتك.
أدرك البستاني صدق كلام الفتيين فحرّرهما ,ودعاهما للجلوس أمامه ليستمع منهما ..
* * *
أما صالح, المكلّف بمتابعة الأستاذ عادل المحاسب ,فإنه وصل لبيته توّاً,وطرق الباب ,بعد أن هيأ لنفسه أسئلة وحججاً كثيرة ,يستطيع بها الحصول على بعض المعلومات ,التي قد تنفعهم في التوصّل إلى معرفة الجاني الحقيقي..وهاهو يقف أمام فتى في الثانية عشرة من عمره, بعد أن فتح له الباب..سأله صالح:
– هل هذا منزل الأستاذ عادل ؟؟.
أجابه الفتى:
– نعم.. إنه أبي.. تفضّل..
قال صالح :
– أريد أن أقابل الأستاذ عادل لأمر مهم..
ابتسم الفتى ..ثم أجاب متأسّفاً:
– أناآسف..فأبي ليس هنا..إنه مسافر منذ يومين. ولن يعود إلاّ بعد يومين أيضاً..
لحظتها ..تبادرت إلى ذهن صالح شكوك سريعة ,فقال في نفسه:
– (( يعني أنه سافر في نفس اليوم الذي صارت فيه حادثة حريق المركز الطبي.أمر يثيرالشك!)).
ثم وعد صالح ابن الأستاذ عادل .أن يعاود الزيارة بعد يومين.
* * *
أما مصعب فقد كان ذكياً جداً, عندما خطرت بباله أن يستأذن أمّه في أن يأخذ صحناً من الحلوى, التي صنعتها لهم قبل يومين.لتكون سبباً أوحجّة يستطيع بها أن يدخل إلى بيت الدكتور لطفي ,وعندما وصل تأكّد أن الدكتور لطفي غير موجود في اليت .فشجّعه هذا على أن يرنّ الجرس ,لتخرج له الخالة فوزية مرحّبة:
– أهلاً وسهلاً يامصعب ..ماهذه الزيارة المفاجئة؟؟.
مدّ مصعب يده وقدّم صحن الحلوى للخالة فوزية .قائلاً:
– كيف حالك ياخالة؟؟.هذه الحلوى صنعتها أمي ..واشتهيناها لك..تفضّلي.
ابتسمت الخالة فوزية ,وتناولت الصحن من يده , ثم دعته للدخول,لتكافأه بكوب عصير.
لبّى مصعب دعوة الخالة فوزية ,ورافقها إلى المطبخ .حيث جلس على أحد الكراسي الموجودة فيه.
فصار مصعب يرتشف جرعات بسيطة من العصير,كي يكسب وقتاً أكبر ,وهو يحاول أن يتجاذب أطراف الحديث مع الخالة فوزية .إذ سألها:
– يبدو أن الدكتور لايعرف السياقة .وإلا ماداعي أن يعيّن له سائقا خاصاً؟.
ضحكت الخالة فوزية وقالت:
– لا.. هذا ليس شرطاً .فالدكتور يعرف السياقة بشكل جيد ,لكنه يحبّ أن يظهر للناس بالصورة التي يراها تناسب مكانته..
هزّ مصعب رأسه ,وكان عليه أن يسرع في اختلاق حجّة تؤهّله لأن يسأل سؤالاً آخر..فسأل:
– نعم ..فقد نسيت أنني رأيته مرّة يقود سيارته بنفسه ..وأعتقد أن هذا كان في اليوم الذي شبّ فيه الحريق.
فسألت فوزية:
– تقصد عندما عاد من السفر؟.
إجاب مصعب:
– نعم بالضبط.
ابتسمت فوزية وراحت توظّب أشياء في المطبخ ..وهي تقول:
– هذا صحيح .فالدكتور لم يُرد أن يكلّف أزهر السائق عناء الانتظار ,لذلك اتصل به من هناك ,وطلب منه أن يترك له السيارة في ساحة وقوف السيارات في المطار ..علماً أن الدكتور لديه نسخة من مفاتيح السيارة.
ابتسم مصعب مع نفسه .بعد أن أثبت لنفسه أن أحد توقّعاته كان صائباً..لكنه قررّ أن يسأل الخالة فوزية سؤاله الأخير, كي لاتشكّ فيه ..فسأل:
– من الواضح أنه يعزّه كثيراً..هل يعمل منذ زمن بعيد؟.
نظرت إليه الخالة فوزية ..وقالت:
– إنه أقدم مني ..يعمل معه منذ مايقرب من الأربع سنوات..
وبهذا يكون مثعب قد حصل على مايريده من المعلومات ,التي ربما تنفعهم في التوصّل للحقيقة..
* * *