الخميس ١٤ شباط (فبراير) ٢٠١٩
عراقيون من هذا الزمان
بقلم رواء الجصاني

فيصـل لعيبــي

مثقفو العراق في الشعر والفنون والاداب وغيرها من مجالات الابداع يصعب حصرهم، ولكن ثمة مبدعون كفء متفردون، تتحدث عطاءاتهم وسماتهم الشخصية عن ذواتها دون قيود وحدود، ومنهم ما أدعي - مع اجماع شامل او يكاد - ان فيصل لعيبي احد أولئك الذين يتباهى بهم العراقيون برغم اختلاف مشاربهم ومواقفهم ورؤاهم..

ولكم هي حالة افتخار ان تكون للمرء صلة وعلاقة بمثل ذلكم الفنان التشكيلي المتميز: بصري المولد، عراقي البلاد، انساني النزعة والمواقف، وها انا منهم متباهيا بـالعلاقة مع"فيصل"منذ عقــود، برغم تباعد الجغرافيا، وأختلاف الظروف، وها هنا بضعة محطات وحسب ذات خصوص بالعلاقة مع فيصل، وعنه:

في بغداد السبعينات التقيت فيصلاً في مناسبات هنا واخرى هناك، ثقافية- سياسية وعداها، وكان اسمه، ومطالع ابدعاته تسبقه، دعوا عنكم سجيته الشخصية. وكم هناك اصدقاء ومعارف مشتركون لهم الفضل في انطلاقة ذلك التعارف التي سيتوطد تاليا خارج البلاد، التي رحل عنها الرجل الى فرنسا ليستمر في مواقفه، وفي نهل المزيد من الجمال الذي عشقه، وأبدع فيه. وهكذا تأتي الفرصة الاولى في باريس عام 1980 حين قدمتها من براغ مستقري الجديد منذ عام 1979 وذلك لحضور مؤتمر رابطة الطلبة العراقيين هناك، والذي تميّز بأنه اطلق سراح نشاطاتها، مجددا بعد توقف لبضعة سنوات، بسبب الظروف السياسية الداخلية والتي انعكست تداعياتها على الخارج، وحيثما يقيم العراقيون الوطنيون والديمقراطيون بشكل رئيس..

دعيتُ للمؤتمر ممثلاً للجنة المسؤولة عن متابعة فروع الخارج لأتحاد الطلبة العراقي العام، ورابطة الطلبة العراقيين في فرنسا واحد مهمٌ منها. ونلتقي عشية المؤتمر، وخلاله وبعده، مع احباب واصدقاء وزملاء ورفاق، وفيصل لعيبي لاعباً اول بينهم: طالبا وفنانا وسياسيا، فضلا عن شخصيته الجامعة، الواثقة والمتواضعة في آن واحد، بشهادة كل من يعرفه عن قرب، وكثب، ولا جديد في القول بأن تلك هي سمة القادرين..

وتستمر العلاقة في باريس ودمشق وبراغ، مباشرة حينا وعبر الاصدقاء المشتركين حينا آخر، كما من خلال ما يبدعه وينشره ويكتبه فيصل، في الثقافة والسياسة والحياة، ومشاركاته في الفعاليات والنشاطات الثقافية والوطنية، وكتاباته ومنشوراته الفريدة في مختلف المجالات... ومما استذكره هنا من جهوده الاضافية بهذا المجال: نشر، أو أعاد نشر، كتابات المناضل الشهيد عبد الجبار وهبي- ابي سعيد، والمناضل الفقيد شمران الياسري- ابو كاطع، دعوا عنكم جريدته"المجرشة"اللندنية التي راحت بفضل جهود وكتابات ورسوم فيصل لعيبي، تنطبق عليها مقولة: صوت من لا صوت له، في التسعينات الماضية.

ويحلّ العام 1988 وينعقد في براغ اجتماع مركزي لممثلين عن رابطة المثقفين العراقيين في الخارج (ركص فدع) ويكون فيصل واحدا منهم، وكنت بينهم ممثلا عن فرع الرابطة ببراغ، مكلفاً برئاسة هيئتها الادارية.. وعلى مدى ايام الاجتماع الثلاثة نتعرف أكثر فأكثر، وتتوطد العلاقة، خاصة وثمة مشتركات جامعة عديدة توشج ذلك. وتتوفر خلال الاجتماع فرصة القاء مع الجواهري - وكان يتناصف الاقامة حينها بين دمشق وبراغ- وعنده في البييت، وبدون رسميات او مجاملات، وهناك ينجز فيصل اكثر من تخطيط للشاعر الكبير، نشرت لاحقا في اكثر من مناسبة، وكانت معبرة، نيّرة في الايحاء والمباشًرة، كما هي العادة في اعمال الفنان المبدع..

ثم تستمر المناسبات الجامعة هنا وهناك.. وكادت ان تحين فرصة اخري للتباهي بالعلاقة مع فيصل، وهي ما سعينا له بجهد حثيث، وعبر مؤسسة بابيلون للثقافة والاعلام، لإقامة معرض شخصي لفناننا، وذلك في براغ اواخر التسعينات، ولكن ظروفاً مختلفة لم توفر تحقيق مثل تلكم الفرصة، وكم احبطنا بسبب ذلـك، برغم المساعي التي بُذلت على تلك السبيل، وساعدنا فيها الرائد محمود صبري، من خلال علاقاته مع المعنيين بهذا الشأن..

وفي عام 2008 تأتي فرصة جديدة للقاء مع فيصل لعيبي الذي حلّ في براغ مع المخرج والسينمائي المتميز قتيبة الجنابي، الذي انجز فيلما عن محمود صبري شمل فضلا عن الحوارات، توثيق مباشر، حيّ، لبعض يومياته، في البيت والشارع واماكن اخرى يتردد اليها الرائد الكبير، وقد كنت معهم في بعض قليل منها. وقد عرض الفلم (وربما قسم أول، او موجز حتى الان) في مناسباتت عديدة.(1)

أما آخـر ما يمكن أن أشير اليه في هذا الايجاز العجول عن فيصل لعيبي - الذي ربما لا يحتاج اليه! – أقول: ان مناسبة استذكار رحيل الجواهري العشرين التي صادفت عام 2017 كانت فرصة جديدة للتواصل مع الفنان الباهر، وهو لم يستجب للكتابة عن المناسبة وحسب، بل فاجأنا في مركز الجواهري بأن بادر بتصميم غلاف الاصدار الذي جمع نحو اربعين مساهمة من مبدعين ومثقفين وسياسيين عديدين، وقد طلبنا منه تغييرا صغيرا في العنوان الذي حمله الاصدار، وذلك من"الجواهري، ربّ الشعر"الذي اختاره فيصل، ليكون"استذكار الجواهري، تبــاهٍ بالوطن والشعر والتنوير"وذلك ما أقره فناننا، ثم ليُنشر بذلك العنوان.(2)

أخيرا يبقى التساؤل قائما: هل كان هذا التوثيق ناجحاُ في بعض التأرخة لفيصل لعيبي، وعن العلاقات معه؟.. الاجابة تبقى لدى القراء والمتابعين..

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد... وجميعها كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل..

1/ عنوان الفيلم (انعكاس ضوء) من انتاج المدى، وعرض ببغداد لاول مرة في احتفالية متميزة عام 2011.

2/ كان من المفروض ان يكون الاصدار بشكل أكثر أناقة، ولكن اسباباً مالية حالت دون ذلك الطموح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى