فی آثار نازك الملائکة وفروغ فرخزاد
الملخص
اعتنی الشعراء الكثیرون بدراسة الموضوعات الاجتماعیة فی آثارهم ویعالجون فیه آلام شعبهم والامراض بینهم. والشاعر الیوم، شاعر الجماهیر والمجتمع، ویجب علیه ان ینزل الی المستوی الشعب والمجتمع. نشرت نازك الملائكة قصائدها بعنوان (الكولیرا) وتصورت فیها ماساة الشعب المصری وایضا تهدینا صورة واضحة للقصر والكوخ والفقر والجور. وفی آثار فروغ فرخزاد ایضا نری الاهتمام بالمجتمع وآلامه وقد ابلغ فروغ هذه المشاهد فی ابلغ صور، اذ توجهت فروغ الی تبریز واخرجت فیلما باسم «البیت اسودا» و«البیت الظلام» تدور ثیمته حول الناس المصابین بداء الجزام فی مصحة تجمعهم فی تبریز، وقد فاز هذا الفیلم بجوائز كثیرة.
الكلمات الدلیلیة: نازك الملائكة، فروغ فرخزاد، الكولیرا، الجزام.
نازك الملائكة، ولادتها، نشاتها وسیرتها:
نازك صادق الملائكة شاعرة من العراق، ولدت في بغداد آب -23 أغسطس 1923بحی «عاقولیة» في بيئة ثقافية كبیرة تدعی «آل ملائكة» امها «ام نزار» وكان ابونازك «الاستاذ صادق الملائكة» من اساتذة اللغة العربیة فی عصره ویعتبر من ادباء الكبار فی العراق «فقد اشتهرت عاءلتها باهتمامها بالآداب، وعرف عن والدها وامها واخیها واختها نظم الشعر» [1]
یعنی نشأت الشاعرة¬العراقية «نازك الملائكة» في بيئة أدبية وترعرت في عائلة أدبية معروفة كان لها تأثيرها في نزوعها نحـو الشعر، والتعلّق بالأدب واللغـة والتراث، تقول:«ابی فكان مدرس النحو في الثانویات العراقیة وكانت له دراسة واسعة فی النحو واللغة والادب وقد ترك مولفات كثیرة اهمها موسوعة فی عشرین مجلدا عنوانها «دائرة المعارف الناس» اشتغل فیها طیلة حیاطه واعتمد فی تالیفاتها علی مئات المصادر والمراجع ومع الوجود الذی لم یكن ای شاعرا لكنه ینظم الشعر وله قصائد كثیرة و ارجوزة من ثلاثة آلاف بیت وصف فیها رحلة قام بها الی ایران عام 1955م»
وكانت امها فتاة یافعة لم تبلغ بعد السن الصالحة للامومة ولكنها مغرمة بقراءة القصص وسیر الابطال و الشعر العذری» [2]
تقول ایضا حول امها (كانت والدتی فی السنوات الشعریة مبكرة تنظیم الشعر وتنشده فی المجلات و الصحف العراقیة، باسم السیدة «ام نزار» وهو اسمها الادبی الذی عرفت به ولها دیوان بعنوان «انشودة المجد»)
وتخرجت من دار المعلمين العالية عام 1944. تعتبر نازك الملائكة شاعرة عراقية سامقة من جيل الحداثة¬العربية¬الرائعة الذي ولدت بعد الحرب العالمية¬الثانية.
دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت من قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكنسن في أمريكا وطالعت هناك كتبا عدیدة بالفرنسا –انكلترا-المانیا ثم رجعت الی العراق وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت. تجید من اللغات الإنجلیزیة والفرنسیة والألمانیة واللاتینیة، بالإضافة إلى اللغة العربیة، بدات التدریس فی كلیة التربیة فی بغداد فی عام الف وتسعمائة وسبعة وكانت تدرس النقد الادبی " و"العروض" وفی عام 1960م تعرفت علی الدكتور "عبد الهادی محبوبة" الذی كان احد زملاءها فی كلیة الآداب العربیة وتزوجها الدكتور فی عام الف وتسعمائة وواحد وستین وسافرت مع زوجها الی البصرة فی عام 1964م لتاسیس جامعة هناك. واشتغلت بتدریس اللغة العربیة. ثم انتخبت رئیسة للكلیة نفسها و بعد ذلك سافرت الی الكویت و القاهرة. وقعت ثورة اربعة عشر تموز فی عام 1985م فی العراق واضطرت نازك الی ترك العراق بسبب الظلم والجور علی الناس والتغییر فی الاصول الشعبیة للثورة وسكنت بیروت ونشرت اشعارها الشعبیة فی مجلة "الآداب ". عاشت في القاهرة منذ 1990 في عزلة اختيارية وتوفيت بها في 20 يونيو 2007 عن عمر يناهز 85 عاما. بسبب إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية ودفنت في مقبرة خاصة للعائلة غرب القاهرة..
يعتقد الكثيرون أن نازك الملائكة هي أول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي. وقد بدات الملائكة في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل طاقه وعبد الوهاب البياتي، وهؤلاء الأربعة سجلوا في اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث في العراق.
حصلت نازك على جائزة البابطين عام 1996. كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 مايو/أيار 1999 احتفالا لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي و«أما مجاميعها الشعرية فهي علي التوالي الزمني¬: عاشقة الليل 1947، شظايا ورماد.. 1949، قرار الموجة 1957، شجرة¬القمر1968، مأساة الحياة وأغنية الإنسان "ملحمة شعرية"1970 يغير ألوانه البحر1977، وللصلاة والثورة 1978.»
حیاة الشاعرة فروغ فرخزاد
فروغ فرخ زاد شاعرة إيرانيّة مجدّدة، مخرجة سينمائية وكاتبة سيناريو وفنانة تشكيلية، تعتبر فروغ فرخزاد نجمة ساطعة وحيدة في سماء الادب¬الايراني النسوي وهي في الحقيقة كوكب يتلألأ على الشعر¬الفارسي.« ولدت في الخامس من كانون الثاني من عام 1313ه.ش.في عائلة عسكرية في طهران ابوها عقید فریدون فرخزاد وامها توران وزیری تبار» [3]
وهي الثالثة بين سبعة أولاد. «عليه لونا من القسوة والاستبداد أما والدتها فكانت كما تقول عنها فروغ طيبة القلب، تعيش زمنيا مع الماضي، ماض عامر بالأشياء الطيبة الجميلة والتقاليد المقدسة.»
علی حیدر، خلیل، فروغ فرخزاد، مختارات من دیوان«الاسیر»ص58.]]
أستكملت دراستها حتى الصف التاسع وحين أتمت عامها السادس عشر تزوجت من برويز شابور. أكملت فروغ دراستها عبر دروس الرسم والخياطة ثم انتقلت مع زوجها إلى الأهواز وبعد عام رزقت بولدها الوحيد وحسب سيرتها الاجتماعية فإنها لم توفق في حياتها الاجتماعية فقد كان والدها ضابطاً عسكرياً تغلب واقعه المهني على أي نوازع ثقافية قد تنميها في نفسه مكتبته العامرة بكتب الأدب والتي قرأتها فروغ وخاصة دواوين الشعر، وتزوجت مبكراً للتحرر من جو المنزل وسلطة الأب فكان زواجاً فاشلاً خرجت منه مع ولدها (كاميار) بالطلاق وحصل الزوج على حضانة الابن مما دفع فروخ لإكمال مسيرتها الأدبية.
«بعد ثلاث سنواتٍ من الزواج، قررت فرخزاد أن تترك زوجها رغم الصعوبات الاجتماعية والنفسية والمادية العديدة المترتبة على ذلك. وبكثيرٍ من الألم والحزن خسرت الحضانة الدائمة لطفلها الوحيد حتى إنها حُرِمَت من حقوق الزيارة. وفي أيلول من عام 1334ه.ش عانت من انهيارٍ عصبي وأُخِذَت إلى عيادةٍ نفسية حيث بقيت تتعالج لمدة شهر. وبعد عام من ذلك، أي في عام 1335ه.ش. نُشِرَت مجموعتها الشعرية الثانية "ديفار" Divar أو The Wall وتعني "الجدار" وهي مهداةٌ إلى زوجها سابقاً.»
وعادت إلى طهران لكتابة الشعر وأصدرت أول ديوان لها في عام 1334ه.ش. بعنوان الأسير.
وكان من الطبيعي أن تكثر الشائعات حول حياة فروغ الخاصة بسبب الصراحة التي تضمنتها قصائدها إلى جانب شخصيتها المتمرد.
.جذبت فروخ الانتباه والرفض من مجتمعها كمطلقة تحمل أفكار نسوية جدلية.في عام 1337ه.ش. قضت تسعة شهور في أوروبا قابلت فيهم المنتج والكاتب الإيراني إبراهيم جولستان.
« إلى جانب كتابتها الشعر وإبداعها فيه اتجهت الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد إلى السينما وصناعة الأفلام فقد قامت بمونتاج فيلم تسجيلي بعنوان "الحريق" عام 1337ه.ش. الذي يروي قصة الحريق الذي اندلع في آبار نفط في مدينة الأهواز، وسافرت عام 1338ه.ش. إلى إنكلترا لدراسة صناعة الأفلام وبالأخص الوثائقية منها وقد مثلت دوراً في فيلم يدور حول طقوس الخطوبة في إيران وكان لها دور أساسي في إعداده ومثلت عام 1340ه.ش.دوراً مهماً في الجزء الثالث من فيلم "الماء والبحر" من إخراج إبراهيم كلستان، كما شاركت في فيلم "الموج والمرجان والحجر" من إخراج كلستان أيضاً.
وبعد عودتها من انكلترا أخرجت فيلما طوله دقيقة واحدة عن صحيفة "كيهان" الإيرانية المعروفة وهو فيلم ترويجي مهم»
لكنه نشرت ديوانين آخرين بعنوان الجدار والثورة وذلك قبل ذهابها إلى تبريز سنة 1341ه.ش. لتصوير فيلماً عن الإيرانيين المصابين بالجذام بعنون "البيت أسود". وتعد سنة 1341ه.ش. نقطة تحول في صنعة فرخزاد السينمائية إذ توجهت إلى مدينة تبريز في شمال إيران مع طاقم لها "البيت أسود" أو "بيت الظلام" تدور ثيمته حول الناس المصابين بداء الجذام في مصحة تجمعهم في تبريز، وقد أخرجت الفيلم بناء على طلب من "لجنة مساعدة المجذومين"وفاز بجوائز عالمية. «وقد فاز فيلم "بيت الظلام" بجائزة أفضل فيلم في مهرجان "أوبرهاوزن" بألمانيا الغربية سابقاً وقد سمى المهرجان في دورته الرابعة عشرة جائزته الكبرى للأفلام الوثائقية باسم "فروغ فرخزاد" كما اقتبست اللجنة المشرفة على المهرجان شعار الجائزة من حوارات الفيلم. [4]
ومن الجدير بالذكر أن فروغ فرخزاد تبنت طفلاً اسمه "حسين" كان يعيش في المصحة مع والديه المجذومين بعد أن نجحت في الحصول على موافقتهما فعاش الطفل معها.وفى العام التالي 1342ه.ش. نشرت ديوان "ميلاد جديد" والذي كان علامة في تاريخ الشعر الحديث بإيران.« قبل وفاتها، كتبت فرخزاد قصيدة لابنها كاميار الذي ربما علمت أنها لن تتمكّن من تربيته، بالإضافة إلى أنها حُرمت من حضانته بسبب طلاقها من قريبها الذي عشقته في السادسة عشرة من عمرها، وكانت نتيجة الغرام زواجاً «مضحكاً» كما عبّرت في رسالتها لصديقها الحميم (كلستاني(.» [5]
«كان لحياة فروغ مرحلتان كما يقول والدها: "فعندما باشرت بتأليف الشعر شجعتها ولكن عندما تسبب الشعر في إثارة الضجيج حولها وكان يهزأ أركان حياتها العائلية كنت منزعجا، لأنني كنت أعتقد أن هذه الخطوة والطريق التي اختارتها ستكون سببا في تحطيم حياتها العائلية".
لم تكتف الشاعرة فروغ بالأدب والشعر بل امتد نشاطها إلى الإنتاج السينمائي وكان ذلك بإنتاج فيلم وثائقي عن إحدى مصحات الجذام.
في إحدى مقالاتها كتبت "أخشى أن أموت أسرع مما أتوقع ولا أتمكن من إتمام أعمالي"، وجاء ذلك اليوم في 13 فبراير1967. اليوم الأخير في حياة الشاعرة فروغ فرخزاد.
كان الشعر بالنسبة لفروغ النافذة التي تصلها بالوجود ومن خلالها تمعن النظر داخل ذاتها لذلك كانت تعتبره -أي الشعر- قطعة من الحياة لا يستطيع الانفصال عنها أو أن يكون خارج منطقة نفوذ المؤثرات التي تشكل حياة الناس المعنوية والمادية، كذلك يمكن النظر إليها بـ رؤية شاعرية بحتة.بل إن الشعر الذي لا يحفل بمحيطه وظروف ظهوره وتطوره لن يكون شعر ذات يوم.
في العام 1334ه.ش. صدرت الطبعة الأولى من ديوانها الأول "الأسيرة" الذي أثار زوبعة من الانتقادات والردود حوله لأن الشاعرة جسدت من خلاله مشاعرها كامرأة في مجتمع مغلق.
في العام 1336ه.ش. صدر ديوانها الثاني "الجدار" الذي اعتبر امتداد لديوانها الأول ولكن هذه المرة بنضوج أكبر في طرح فكرتها الشعرية.
في ديوان "عصيان" الذي صدر العام 1338ه.ش. بحثت الشاعرة فروغ فرخزاد عن فضائها الشعري الخاص لذلك قالت عن هذا الديوان وديوان "الجدار": "هما محاولة يائسة وسط مرحلتين من مراحل الحياة، آخر محاولات التنفس قبل أحد أشكال التحرر. الإنسان يصل إلى مرحلة التفكير في سنوات الشباب.للمشاعر جذور ضعيفة وإن كانت لها قوة اجتذاب واضحة إذا لم يتول الفكر هذه الأحاسيس بالتوجيه أو أنها لم تكن هي نفسها وليدة تفكير فإنها تجف وتنتهي".
في العام 1343ه.ش. صدر ديوانها الرابع "ميلاد آخر" وبعد وفاتها صدر ديوانها الخامس "لنؤمن ببداية فصل قارس"، » [6]
«فارقت فرخزاد الحياة وهي في قمة إبداعها ولم تكن قد تجاوزت الثانية والثلاثين من عمرها إثر إصاباتٍ في الرأس في حادث سير في الرابع عشر من شباط عام 1346ه.ش. فبينما كانت تحاول أن تتجنب عربةً قادمةً، اصطدمت بجدارٍ وانطرحت خارج سيارتها. ومن سخرية القدر هو أنّ هذه المرأة التي تجنبت الجدران وفرت منها طيلة عمرها قتلها في نهاية المطاف جدار.» [7]
ونشر لها بعد وفاتها قصيدة بعنوان "لنؤمن ببداية موسم البرد" وتعد أقوى القصائد في الشعر الفارسي الحديث.
المجتمع فی آثار نازك الملائكة و فروغ فرخزاد
اعتنى الشعراء الكثيرون بدراسة الموضوعات الاجتماعية،
الشعرو الآثار الاجتماعي الذي يعالج فيه الشاعرآلام شعبه والأمراض الاجتماعية كالجهل والفقر والأمية ويكشف مضارّ بعض المفاسد الاجتماعية و يتحدث كثيرا عن المسائل الوطنية و العناية والحنان على المظلومين والبؤساء والفقراء و في هذا المجال يريد الشاعر ترقية شعبه، إصلاح المفاسد وزينة الإنسان نفسه بالخصال الحميدة و فضائل أخرى؛ لأن نتيجتها تآلف المجتمع والسعادة في الحياة و التآخي بين الناس.و يحاول رفع مستوى الناس الاجتماعي .» [8]
«بعض الأحيان يشغل الشاعر بالبيئة التي يعيش فيها و آلامه نابعة من أجلها و الأوضاع السياسية و الاجتماعية السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه تؤثر في حدة تشاؤمه وأشعاره تتحدث عن تلك الأوضاع الفاسدة و يحكي شعره عن عصبيته والتزامه بما يجري حوله. » [9]
المجتمع فی اشعار نازك الملائكة
وشعرها مملوء«بتفكراتها الاجتماعیة و تنعكس فیه مشاكل المجتمع الذی كانت تعیش فیها وایضا كان ولعها بآثار الشعراء الرومنسیین الانجلیزیین كما یبدو بوضوح فی اشعارها» [10]
«الشاعر اليوم شاعر الجماهير والمجتمع، إذن يجب عليه أن ينزل إلى مستوى الشعب والمجتمع ويخاطبهم بالمستوى السهل وبلغة يفهمونها ومهما يكن الموضوع خطيرا معقدا فاللغة التي يستعملها الشاعر سهلة ولو كانت في أشد الموضوعات تعقيدا.
فتحت السيدة نازك الملائكة عيونها إلى الآفاق الوسيعة الإنسانية وكانت شديدة الحساسية إزاء تموجات العالم الفكرية بصورة عامة والمجتمع العراقي بصورة خاصة وهذا التألم و الحزن كان الباعث على تشاؤم الشاعرة، إذن ألمها ليس ألما شخصيا بل:
سأحمل قيثارتي في غد
و أبكي على شجن العالم [11]
وكل ما تريد، هو أن تجد سبيلا للإصلاح، هي تعلم جيدا بأن الشعر مرتبط بالعواطف والشعور وينادي القلوب والأفئدة؛ لهذا السبب تأثير الشعر أكثر وأعمق فتتمسك بهذه الوسيلة ربما تصلح المجتمع.» [12]
«فسدت أحوال الأمة خاصة في الحرب العالمية الثانية وبعدها وامتد هذا الفساد إلى كل بيت وكوخ؛ حتى إلى كل قلب وفكر من متاعب وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وما إليها. وتحس نازك الملائكة بآلام إنسانية مرزئة متصلة بعواطفها وأحلامها الخاصة وقد تعرضت لكثير من التجارب المريرة في حياتها نتيجة لأسفارها وتقلبها من الشرق والغرب وتستغرق في آلامها وتذوب في بيئتها حتى تصير جزءا منها وترى الشعب في نفسها وفي نفسها الشعب، حيث تعتقد بأن الإنسان إضافة عن وجوده الفردي مسؤول عن جميع الناس وكل البشرو تسعى لتلمس جذور الإنسان الممتدة في الواقع.
إن الظروف التي كان يعانيها المجتمع العراقي آنذاك والأزمات والظلمات التي تراكمت حولها واسودت الدنيا في عينها وتعقدت الدنيا شديدا قد انتهت إلى المحنة في نفسها وكانت منشأ هذا الحزن والألم في قلبها وتبدو علاماتها فيها.» [13]
تقول حول الحرب العالمیة الثانیة:
«لم یكد یستفیق من حربة الاولی و ینها حتی رمته الرزایارحمة یا حیاة حسبك ما سال علی الارض من دماء الضحایاانظری الان هل ترین سوی آثار دنیا بالامس كانت جنانالیس من سحرها سوی سود احجار تثیر الدموع والاشجانا» [14]
«كم تغنی بالسلم والحب و الرحمة من شاعر ومن فیلسوفاسفا ضاعت الاغانی ولم تبق سوی ضجة القتال العنیف» [15]«این نعماك یا بقایا القصور البیض این الازهار والاطیار؟هجرتك الطیور غیر غرابوجفاك الاریج والاخضراراین اهلوك یا قصور ا تحت الثلج ام مزقتهم القاذفاتاسفا ضاقت المیادین بالقت
لی وما عاد یدفن الاموات» [16]
«یا ملاك السلام اقبل من الاجواء واهبط علی الوجود الكئیبابك للراقدین فی وجمة الموت واشرق علی الظلام الرهیب» [17]«ما دری حین اضرم الحرب الاحلم النصر والفخار العظیمیا لقلب المسكین ما ینفع المجد لقلب ملوع مصدومعالم مظلم یضج به المرضی ویشكو من الطوی ابناه» [18]«یا قلوب الاطفال لا تخفقی الآن لن یرجع الآباءهكذا شاءت السنین فرفقابعیون قد عض فیها البكاء» [19]«هكذا شاءت المقادیر للعالم اثم و شقوة وحروبوهی النفس تحمل الشر و البغض فماذا یفیدها التهذیب» [20]«ایها السادرون فی ظلمة الارض كفاكم شقاوة وذهولااحملوا نادمین اشلاء موتاكم ونوحوا علی القبور طویلا» [21]«فیم هذا الصراع یا ایها الاحیاء؟ فیم القتال؟فیم الدماء؟فیم راح الشبان فی زهرة العمر ضحایا وفیم هذا العداء» [22]
تصور الشاعرة طفلة نائمة في الشارع ليلا من أجل فقرها وأن البرد كيف ينهشها فترتعش من الرعد و تعبر عن ألمها، جوعها وفقرها في قصيدة " النائمة في الشارع" وتقول:
«في الكرّادة، في ليلة أمطار ورياحْوالظلمة سقف مُدّ وستر ليس يزاحفي منعطف الشارع، في ركن مقرورحرست ظلمة شرفة بيت مهجوركان البرق يمر ويكشف جسم صبيّهْرقدت يلسعها سوط الريح الشتويهْرقدت فوق رخام الأرصفة الثلجيهْتُعول حول كراها ريح تشرينيهْ ».
«تصف مشكلة إمرأة في زقاق بغداد في قصيدة " مرثية إمرأة لا قيمة لها" أو عندما تبحث عن السعادة في قصور الأغنياء وتصف عيشهم في البذخ والترف ومشاكلهم الروحية وتقارن حياتهم وحياة الفقراء في قصيدة " القصر والكوخ". وتصف مشاكل الريفيين بأن سكانه فقراء محرومون ويعيشون عيشة البؤس و العذاب ثم تصور راعيا صغيرا يأكله الذئب وتصف الثلوج التي تهبط طوال الشتاء وتحرم الفلاحين من استنبات الأرض ونتيجته انتشار الجوع والحزن بينهم وموت مواشيهم» [23]
وتقول:
«حدّثوني ما لي أراكم حزانى؟كل راع في وحشة واكتآبكل راع جهم الملامح لايشدو ولايزدهيه سحر الغابفهو عند الينبوع ينظر في الظلإلى الأفق شاحبا مصدوماممعنا في الجمود والصمت كالموتىيناجي الفضاء يرعى الغيومالم تزل قربه على العشب الناديعظام لكائن مقتولهو ذاك الراعي الصغير الذيراح طعاما للذئب بين الحقول » [24]«ا عن النصر یبحثون؟ وهل نصر لمن تستذله الاهواءهل فخار وحولنا عالم یملاه الجائعون والاشقیاء » [25]
«ویسالنا الافق این نسافر؟این نسیر؟
ومن ای شیء هربنا؟ وفیم؟ لای مصیر؟ » [26]
«وكذلك نازك الملائكة حسبها فخرا بانّها تختصّ اوّل منشودتها الثائرة علي الشعر الحرّ(الكوليرا) بمجتمعه الانساني وآلامه فانظر الي الكوليرا( 1947) فهي اول انشودةفي الشعر الحرّ عند العرب. عندما كتبت ونشرت أولي قصائدها في مجلة (العروبة) اللبنانية بعنوان (الكوليرا) وتصورت فيها مأساة الشعب المصري وقد طحنته آفة مرض الكوليرا، وحاولت نازك فيها التعبير عن وقع ارجل الخيل التي تجرّ عربات الموتي من ضحايا الوباء في ريف مصر وقد ساقته ضرورة التعبير الي اكتشاف الشعر الحرّ..
وتنشد في احد مقاطع القصيدة:
سكن الليلُاصغ إلي وقع صدي الانّاتفي عمق الظلمة، تحت الصمت، علي الامواتصرخات تعلو، تضطربحزن يتدفق، يلتهبيتعثّر فيه صدي الآهاتفي كل فواد غليانفي الكوخ الساكن احزانفي كل مكان يبكي صوتهذا ما قد مزّقه الموتالموت الموت الموتيا حزن النيل الصارخ مما فعل الموتطلع الفجراصغ إلي وقع خطي الماشينفي صمت الفجر، أصخ، انظر ركب الباكينعشرة اموات، عشرونالا تُحص، اصخ للباكينااسمع صوت الطفل المسكينموتَي، موتَي، ضاع العددموتَي، موتَي، لم يبق غدفي كل مكان جسد يندبه محزونلا لحظة اخلاد لا صمتهذا ما فعلت كفّ الموتالموت الموت الموتتشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموتالكوليرا..
وفي تصوير"الكوليرا" للموت و روعه، جمال وايقاع و روعة ودهشة لم تبلغه "الكاميرا" بالتقاطها التصاوير! انظر الي هذا التكرار المُدهش والايقاع المُروّع للفظة:الموت الموت الموت وتامل في هذه الاستعارات المخيفة: حزن النيل، فعل الموت، كفّ الموت...»
فكذلك نازك هي التي تهدينا صورة واضحة للقصروالكوخ ويعلّمنا كيف يجمع الفلاح، كنوز الغني، تقول فی القصر والكوخ:
«كل فجر اري الرعاة يمرّون فابكي علي حياة الرعاةفي ثلوج الجبال او لهب الشمس يريقون مبهجات الحياةويمرّ القطيع بي فاري الاغنام بين الذباح والسكينيا حياة الانسان لا فرحة فيك اذا لم تُصحب بدمع غبينفكنوز الغنيّ يجمعها الفلاّح في عمره الشقي الكسيرذلك الكادح المعذّب في القرية بين المحراث و الناعوركلّ صيف يسقي البساتين تحت الشمس والقصر هاجع و سنانفهو يلقي البذور والمترف الهانيء يجني وتشهد الاحزانيا ليالي الحصاد ماذا وراء الحقل والحاصدين من مأساةشهد الكوخ انّه يحمل الحزن لتحظي القصور بالخيراتكيف يجني الازهار والقمح والاثمار من لم يجرح يديه القدوم؟ويموت الفلاح جوعا ليفترّلعينَي ربّ القصور النعيم؟كيف هذايا ربّ ؟ رفقا بنا رفقا فقد غصّت الكووس دموعاوطغت في الفضاء آهاتنا الحياري تغني رجائنا المصروعا.» [27]وأول مرة تبحث عن السعادة في قصور الأغنياء ولكنها لم تجد، لأن:«لم أجد في القصور إلا قلوباحائرات وعالما محزوناليس إلا قوم يضيقون بالأيتامضيق الجياع والبائسيناليس ينجيهم الغنى من يد الأشجانليست تنجيهم الكبرياءليس يعفو الممات عنهم، منهمحزن وصمت وحيرة و بكاءإن يكونوا نجوا من الجوع و الفقرولم يفتر سهم الحرمانفلقد طالما أحسوا بجوع الروحواستعبدتهم الأحزانإن يكونوا يقضون أيامهمبين الحرير الملون الجذابفغدا تعبر الدهور وهم موتىعلى الشوك والحصى والترابلم أجد ومضة السعادة فيهالم أجد غير ظل يأس وحزن » [28]
«وإن القضایا الإنسانیة والوطنیة والقومیة لم تهزها وهی تشهد مآسی الحروب وانطلاقة الأقطار العربیة وثورتها على الظلم والإستعمار، وقیل وقیل، وكانت الشاعرة تسمع مایقال وتمضی غیر آبهة بما یثار حولها، لأنها تؤمن بأنها تعیش فی حیاة فرضتها ظروف عهد شبابها، ولولا عزیمة قویة وإیمان راسخ مااستطاعت أن تشق الحجب وأن تكون رائدة الشعر الحر فی الوطن العربی.
التهمة قدیمة وكانت تقلقها فانفجرت فی عام 1947 معبرة فی قصیدة ((تهم)) عما كان یدور حولها وصرخت قائلة:
أعبر عما تحس حیاتــــــــیوأرسم إحساس روحی الغریـبفأبكی إذا صدمتنی السنـــــینبخنجرها الأبدی الرهیــــبوأضحك مما قضاه الزمــــــانعلى الهیكل الآدمی العجیــبوأغضب حین یداس الشعــــو رویسخر من فوران اللهیـــب» [29]
ونازك الملائكة شاعرة تحس بآلام الإنسان وتشعر بما حولها من ظلم وجور، وكان هذا منذ میعة الصبا والشباب ففی عام 1945، قالت:
قد وصفت الشقاء فی شعـری
الباكی وصورت أنفس الأشقیاء
وقالت:
أنا أبكی لكل قلب حزینبعثرت أغنیاته الأقـــداروأروی بأدمعی كل غصنظامئ جف زهره المعطار
وآلت عن نفسها أن تبكی على شجن العالم، ولیس أمامها غیر البكاء، وهی الشاعرة الرقیقة التی لاتملك من وسائل تغییر المجتمع إلا الكلمة:
سأحمل قیثارتـــی فی غدوأبكی على شجن العالموأرثی لطالعه الأنكـــــدعلى مسمع الزمن الظالم» [30]
«لقد تجلت النزعة الإنسانیة فی شعرها منذ عهد مبكر، ودواوینها الأولى تظهر هذه النزعة التی تعمقت فأصبحت فی دواوینها الأخیرة وطنیة قومیة، ولكنها تنطلق من روح الإنسان الذی یحب لغیره ما یحب لنفسه، فالشاعرة فی حبها للوطن ودعوتها إلى الوحدة العربیة والثورة على الإستعمار والصهیونیة التیب اغتصبت فلسطین، ظلت إنسانیة النزعة، لأن الوطنیة الحقة والقومیة الصادقة لاتنكران ماللأوطان أو الأمم الأخرى من حق فی الحیاة الحرة الكریمة. وإذا كان الإنسان فی سلوكه وقیمه ومشاعره ینطلق من الخاص إلى العام، فإن الشاعرة انتقلت من العام إلى الخاص. ولعل لحیاتها الخاصة وظروفها العامة أثراً فی هذا، فقد عاشت فی بیت مؤمن بالله والإنسان، وفی جو مشحون بالموت والدمار فی أثناء الحرب العالمیة الثانیة، وقد آلمتها مأساة الحرب وما جرت على العالم من ویلات. وكانت الحرب أول مظهر من مظاهر نزعتها الإنسانیة، تلك الحرب التی ذهب ضحیتها ملایین البشر لالشیء إلا لتسلم عروش، ویتسلط طغیان، وتروى نفوس ظمأى للدماء. لقد استنكرت الشاعرة الحرب وصورت دوافعها،
فقالت:
فیم هذا الصراع فیم الدماءالحمر تجری على الثرى العطشانوالشباب البریء فی زهرة العمرلماذا یلقى إلى النیرانفی سبیل الثراء هذا ألیسالضوء والحب والورود ثراءولیالی السلام والأمن هل فیالعمر أغلى منها وأحلى ضیاء.
ومطولتها الشعریة ((مأساة الحیاة وأغنیة للإنسان))، صورة صادقة لإنسانیة الشاعرة فی فجر شبابها، فقد شهدت فی تفتح حیاتها الحرب العالمیة الثانیة، وعاشت فی أحداثها الرهیبة وكانت تسمع أخبارها وترى ذیولها فی القوات البریطانیة التی كانت تمر بالعراق وهی فی طریقها إلى إحدى جبهات القتال، وكان هذا یؤذیها ویثیر مشاعرها وهی الشاعرة المرهفة الحساسة، فتنطلق معبرة عن تلك المشاعر مصورة آلام البشریة وانهیار الإنسانیة فی عالم تصطرع دوله من أجل السلطة والإحتلال، أو من أجل التحرر والإنعتاق، وكانت صورة أول جریمة على الأرض، وهی مصرع هابیل على ید أخیه قابیل، مدخلاً إلى الحرب العالمیة الثانیة ومآسیها، وقد عبرت عن مشاعر آدم وهو یرى ابنه القتیل تعبیراً یثیر الحزن والأسى ویبعث فی النفس آلام الجریمة النكراء، وهی تتكرر على الأرض وستبقى مادامت بعض النفوس ضمأى للدماء والدمار:
یالأحزان آدم حین أبصــربإبنیه قاتلاً وقتیلاأیها المستطار لن تردع الأقدارحتى إذا بكیت طویلااسترح أنت دع العالم المحزونیحیا فی ظلمة الأرجاسدعه فی غیه فما كان هابیـلالقتیل الوحید بین الناسإنها لعنة السماء على العالـممسدولة الرؤى مكفهرةكلما ذاق قطرة من نعیـمأعقبتها من الأسى ألف قطرة
لم یكد العالم یستفیق من حربه الأولى ویهنأ بالسلام حتى رمته الرزایا بالحرب الثانیة، فكیف كانت النهایة ؟ لقد خرج العالم یلعق دمائه ویضمد جراحه، ویندب البیوت المهدمة، والمزارع الخربة، والأشلاء المتناثرة، والجوع القاتل، والشقاء المقیم، والآلات الحربیة المهانة:
هذه الأنفس الممزقة العمیــاءهذی المدافن الجوفاءهدمتها مخاب الحرب وامتصتشذاها الدماء والأشلاءوتبقت فیها مقابر للشــروللیأس جهمة الآفاقعكست بعض جدبها وأساهـاصرخات الفراغ ملء المآقیوتلح الشاعرة على تصویر مآسی الحرب وما جرّت من دمار:جف زهر التلال والورق النظـروآوت إلى الجفاف الحقولأسفاً لم تدع لنا الحرب شیــئاًوتلاشى الحلم الطروب الجمیلمن ترى یحرث الحقول الجدیباتوأین اختفت أغانی الحصادأین لهو الأطفال عند البحیراتالنشاوى فی بهجة الأعیاد.» [31]
«لقد كانت نتائج الحرب رهیبة، عم الخراب والدمار، وشردت الأسر، وقسم العالم تقسیما جدیدا نشبت فیه أظافر الإستعمار وحرابه، وظل یئن سنوات طوال تحت إرهاب التجزئة، والفقر المدقع، والأجسام المعوقة، والنفوس المحطمة، وكان العائدون من الحرب سالمین أو معوقین من أكثر الناس شعوراً بمأساة الحرب، إذ قاتلوا سنوات فی أرض غیر أرضهم، ولأهداف لاتحقق مطامحهم، ولاتصور آمالهم الوطنیة والقومیة، وهالهم مارأوا بعد عودتهم إلى بیوتهم، فقد وجدوا بعضها مهدماً، ووجدوا أهلیهم أو بعظهم أودت بهم الحرب فعاشوا بقیة عمرهم وهم فی یأس شدید وألم دفین وذكریات مفزعة:
جف عرق الحیاة فیها وعــادتذكریات مطموسة الألحانفی زوایا الأنقاض تسردهـــاالأعمدة البالیات للجدرانوتلول الأنقاض تروی الأقاصیصلسمع الظلام والأشباحعن فلول الذین عادوا من الحربحطاما وحفنة من جراح» [32]
«وتنظم قصیده أُخرى فی فیضان عام 1954 وتسمیها(( المدینه التی غرقت)) وهی مرثیة لبغداد الجدیدة. وهذه القصیدة تصور الخراب بأجلى صوره , وترسم آثار الفیضان بلون قاتم یثیر الشجن:
وجـاءَ الخرابُ ومدد رجلیـه فی ارضـِهاوأبصـر كـیفَ تنوح البیوت على بعضهاوحدق فیها واصغى الى الصرخاتِ الاخیرةِلسقف هوى وتداعى وَشرفة حُبٍ صغیرةوارسَلَ عینیـه فی نشـوة یرمق الابنیـهوقد ركعت فـی هوانِ ذلیل بلا مرثیةوجـاء الخرابُ وسـار بهیكله الاسودذراعـاه تطوی وتمسح حتى وعود الغدوَأسنانه الصفر تقضم بابا وتمضغ شرفةوأقدامه تطأ الورد والعشب من دون رأفهوسار یرشُّ الردى والتآكل ملء المدیـنهیخرب حیثُ یحلُ وینشرُ فیها العفونـه
لقد جسدت الشاعرة النهر، وأضفت علیه صفة الحیوان المفترس الجائع الذی مضى یثیر الرعب ویفترس كل شیء، فما افجع هذه الصورة التی رسمتها، وما أصدقها فی وصف ما أحدث النهر من خراب شهده الناس، فلم یكن فی نفوسهم من الالم والخوف مثل ما فی القصیده التی جاءت معبرة عن الواقع الرهیب فی ذلك العام، وجاءت خاتمة القصیدة التی جاءت معبرة عن الواقع الرهیب فی ذلك العام، وجاءت خاتمة القصیدة مأساة فاجعه لأن المدینه فقدت كل شیء:
وتصحو المدینة ظمأى وتبحث عن امسها
وماذا تبقى سوى الموت والملح فی كأسها» [33]
«وتنحو الشاعرة هذا المنحى فی (( مرثیة أمرأة لا قیمة لها ))، وتأسى على من ماتت ولم یشیعها احد، وتهزها ما آلت إلیه الراقصة، فتنظم قصیدة (( الراقصة المذبوحة ))، لتعبر عن ظلم البشر وقسوة الحیاة وتأتی قصیدة (( غسلاً للعار))، مصورة ما إستقر فی المجتمع من عادات ترفضها الانسانیة وهی القتل غسلاً للعار من غیر رجوع الى احكام الشریعة أو القانون، وكانت هذه الحالة تثیر الرعب فی النفوس وتلقی ظلالاً كئیبة على المجتمع النسوی خشیة الانزلاق المودی الى القتل. والقصیده تعبیر صادق عما یختلج فی نفس القاتل وهو یرفع المدیة ملطخة بالدماء بعد ان قتل المسكینة:
ویعود الجلاد الوحشی ویلقى الناسالعار ؟ ویمسح مدیته: مزقنا العارورجعنا فضلا بیض السمعة احرار» [34]
المجتمع فی آثار فروغ فرخزاد
نعم! الاهتمام بالمجتمع و آلامه يموج في شعر فروغ فرخزاد و قدصورت فروغ هذه المشاهد في ابلغ صور.
إلى جانب كتابتها الشعر وإبداعها فيه اتجهت الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد .إلى السينما وصناعة الأفلام فقد قامت بمونتاج فيلم تسجيلي بعنوان "الحريق" عام 1958 الذي يروي قصة الحريق الذي اندلع في آبار نفط في مدينة الأهواز، وسافرت عام 1959 إلى إنكلترا لدراسة صناعة الأفلام وبالأخص الوثائقية منها وقد مثلت دوراً في فيلم يدور حول طقوس الخطوبة في إيران وكان لها دور أساسي في إعداده ومثلت عام 1961
دوراً مهماً في الجزء الثالث من فيلم "الماء والبحر" من إخراج إبراهيم كلستان، كما شاركت في فيلم "الموج والمرجان والحجر" من إخراج كلستان أيضاً.
وبعد عودتها من انكلترا أخرجت فيلما طوله دقيقة واحدة عن صحيفة "كيهان" الإيرانية المعروفة وهو فيلم ترويجي لكنه مهم.
تقول فرخزاد عن السينما: "السينما بالنسبة لي إحدى وسائل التعبير، فبمجرد مرور كل هذه السنوات من حياتي في مجال الشعر لا يعني أن الشعر هو الوسيلة الوحيدة للتعبير.. أنا أحب السينما وأعمل في أي مجال آخر أستطيع العمل به".
وتعد سنة 1962 نقطة تحول في صنعة فرخزاد السينمائية إذ توجهت إلى مدينة تبريز في شمال إيران مع طاقم لها يبلغ تعداده 12 شخصاً وأخرجت فيلماً باسم "البيت أسود" أو "بيت الظلام" تدور ثيمته حول الناس المصابين بداء الجذام في مصحة تجمعهم في تبريز، وقد أخرجت الفيلم بناء على طلب من "لجنة مساعدة المجذومين".
تقول فرخزاد عن تجربتها مع فيلم "بيت الظلام"«: "عندما رأيت المجذومين في اليوم الأول تدهور حالي كثيراً، كان شيئاً مرعباً، ففي المصحة تعيش مجموعة تتمتع بكل خصائص ومشاعر الإنسان إلا أن محرومة من ملامحه، رأيت امرأة ليس في وجهها سوى ثقب واحد وكانت تتحدث من خلال ذلك الثقب، إنه شيء مرعب ولكنني كنت مضطرة إلى أن اكتسب ثقتهم إذ أنه لم يحسنوا التعامل معهم، كل من زارهم اكتفى بالنظر إلى عاهاتهم أما أنا فكنت والله أجلس معهم على سفرة الطعام وأضع يدي على جروحهم وأتلمس أرجلهم التي أكلها الجذام، وهكذا اكتسبت ثقة المجذومين، حين أودعهم كانوا يدعون لي وإلى الآن أتلقى الرسائل منهم حين يطالبونني بإيصال شكاواهم الى وزير الصحة وأن أقول له أن المسؤولين يسرقون من أرز المصحة وأنهم محرومون من الطعام ومن الحمامات، رأيت هناك رجلاً مجذوماً مشلول الجسد تقريباً والشفاه.
وكان يرفع شفته العليا بيده ليتمكن من الحديث، كما كان فاقد البصر، وعلى الرغم من أنه ما أن يلقاني حتى يقول: كم عريضة ينبغي عليّ التقدم بها ليرسلوا لي زوجتي. إنني مصاب بالجذام ولكن زوجتي سليمة وتريد العيش معي» [35]
«النساء المجذومات مدهشات فعلاً، لقد فقدن كل محاسنهن وما زلن يتكحلن كل يوم، أصابعهن التي نهشها الجذام تغطيها الخواتم، غرفهن مليئة بالمرايا والتعويذات التي تبعد الحسد فهم بشر على أية حال".» [36]
ومن الجدير بالذكر أن فروغ فرخزاد تبنت طفلاً اسمه "حسين" كان يعيش في المصحة مع والديه المجذومين بعد أن نجحت في الحصول على موافقتهما فعاش الطفل معها.
«وقد فاز فيلم "بيت الظلام" بجائزة أفضل فيلم في مهرجان "أوبرهاوزن" بألمانيا الغربية سابقاً وقد سمى المهرجان في دورته الرابعة عشرة جائزته الكبرى للأفلام الوثائقية باسم "فروغ فرخزاد" كما اقتبست اللجنة المشرفة على المهرجان شعار الجائزة من حوارات الفيلم» [37]
وفي كتاب بعنوان "كلوز آب: السينما الإيرانية" لحميد دباشي صادر عام 2001 يصف المؤلف فيلم "البيت أسود" كونه بداية العقد المغامر في صناعة الفيلم الإيراني والذي بلغ أوجه بفيلم "البقرة" لدرايوش مهرجوي"، يجب أن يعد فيلم "البيت أسود" من أهم الأفلام في فترة الستينيات، فيلم بمعالجته الشعرية للجذام يستبق كثيراً ما لحق في السينما الإيرانية في الثمانينيات والتسعينيات، "ووصفه محسن مخملباف" من أفضل الأفلام الإيرانية التي أثرت بالسينما الإيرانية المعاصرة.
إن فيلم "بيت الظلام" هو فيلم وثائقي مروع مقزز مصنوع ببراعة، موضوعه الجذام وهي تنظر بصورة مباشرة بلا تردد إلى التدمير الذي يلحقه المرض بجسم الإنسان، إنها لا تشيح نظرها عن أبشع التشويهات التي يخلقها هذا المرض، وقصدها كان الكشف عن الطريقة القاسية المهملة التي كان يجري بها معالجة المجذومين في إيران وسوقهم إلى مستعمرات معزولة مسببة لهم التفسخ البطيء المؤلم، كان قصد فيلم فرخزاد هو التنبيه على هذه الظروف والتأكيد على أن هذا الموقف ضروري.
إن سرد الذكر يدرج بشكل بهدوء حقائق عن الجذام بينما تنتقل فرخزاد بسرعة وبشكل مفاجئ بين بعض أشد الصور ترويعاً عن تأثير المرض: الأطراف التي تبدو أنها قد بترت وكأنها بواسطة التآكل؛ الأنوف المثقوبة تاركة فجوات تشبه البركان في وجوه المرضى؛ الجلد الذي يتقشر بعد أن تكشطه أداة الطبيب.
ومع ذلك تناغم فرخزاد بالأخص معنى الكلمات، إنها شاعرة رغم كل شيء ولهذا فهي في غاية الحساسية للكلمات والعلاقة المفككة بين اللغة والواقع، لكنها كصانعة أفلام بالكاد تكون مهاراتها مجرد لفظية، فحسها البصري مباشر نسبياً في الظاهر ومع ذلك تخلق تأثيرات مركبة إلى حد ما بالمونتاج والعلاقات بين المسار الصوتي والصورة.
إن فيلم "بيت الظلام" هو تماماً نتاج حسها الفريد.. مونتاجها سلس ومدروس وهي تعود بصورة متكررة إلى الصور التي ظهرت سابقاً وتضعها في مونتاجات ذات خطى سريعة إذ يتغير معناها أو تتكثف عن طريق الصور التي حولها أو محتوى الصوت الخارجي.
احد المقاطع المؤثرة في الفيلم هما المشهدان اللذان تركز فيهما فرخزاد على الطرق التي تعكس فيها الحياة في مستعمرة الجذام الحياة في العالم الخارجي.
«الأول مونتاج لنساء يعدنّ أنفسهن ويمشطن شعرهن أو يضعن الكحل حول جفونهن كي يجعلن من أنفسهن "جميلات"، إنه مشهد مؤثر ومؤشر على كيفية محاولة هؤلاء الناس المعزولين عن بقية العالم، كي يحتفظوا بشيء من العلاقة مع حياتهم السابقة – ومع مفاهيم "الجمال" و"القبح" كما يحددها المجتمع. [38]
المشهد الآخر يظهر مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة وكلهم يضحكون ويمرحون ويناورن للحصول على مكان في اللعبة التي يلعبون، يتمتعون غافلين عن القروح والتشوهات والنتوءات التي تملأ أجسادهم. وهم في ابتساماتهم ولغة جسدهم يشبهون أي أطفال آخرين، مرحين وسعداء كما يفترض أن يكون الأطفال، لكنهم أوجههم المشوهة من الصعب التغافل عنها وسرعان ما تنتقل فرخزاد من هذا المشهد إلى صور المجذومين البالغين المعاقين والمشوهين جداً وكأنها توحي بأن هؤلاء الأطفال السعداء سوف يتربون في التعاسة إذا لم تعالج حالتهم.
إن فيلم "بيت الظلام" مؤثر ولا يمكن نسيانه، وهو الفيلم الوثائقي التي تلقي نظرته الثاقبة والواضحة على الحياة في مستعمرة الجذام الضوء على معاناة الناس الذين يعيشون في الظلام بعيداً عن اهتمام المجتمع، لا تسمح فرخزاد للمجتمع بنسيان المجذومين ولا لجمهورها أن يغض النظر عنهم أو أن يتعاطف معهم دون أن يتخذ الفعل من أجلهم.» [39]
النتیجة
یوجد آلام المجتمع فی آثار الشاعرتین، و تنعكس فی اشعارنازك الملائكة، الفقر و الجور و تتحدث عن المسائل الوطنیة والاوضاع الاجتماعیة، عندما انتشر (وباء)فی مصر و قد هلك اشخاصا كثیرین و مات عدد كثیر من الكبار و الصغار فتاثرت نازك الملائكة من هذه الحادثة كثیرا و اخذت تنظیم قصیدة لبیان هذه الكارثة و بدات تنظیم قصیدتها المعروفة (الكولیرا)و استطاعت ان تصف مدی المها و حزنها عن طریق الشعر الحرو تصورة فیها ماساة الشعب المصری.و الشاعرة فروغ فرخزاد ایضا فی ربیع سنة1341ه.ش. ذهبت الی تبریز و اخرجت فیلما باسم (البت اسود)، و هو فیلم وثائقي مروع مقزز مصنوع ببراعة، موضوعه الجذام وهي تنظر بصورة مباشرة بلا تردد إلى التدمير الذي يلحقه المرض بجسم الإنسان، إنها لا تشيح نظرها عن أبشع التشويهات التي يخلقها هذا المرض، وقصدها كان الكشف عن الطريقة القاسية المهملة التي كان يجري بها معالجة المجذومين في إيران وسوقهم إلى مستعمرات معزولة مسببة لهم التفسخ البطيء المؤلم، كان قصد فيلم فرخزاد هو التنبيه على هذه الظروف والتأكيد على أن هذا الموقف ضروري. .
المصادر و المراجع العربیة
1- حاج ابراهیمی، محمد كاظم، تاریخ الادب العربی الحدیث، الطبعة الثانیة، جامعة اصفهان، سنة1385ه.ش.
2- الكفراوي، محمد عبد العزيز، تاريخ الشعر العربي، ج4.
3- مختارات من دیوان«الاسیر»، تالیف:فروغ فرخزاد، ترجمة و تقدیم:خلیل علی حیدر، الطبعة الاولی"ابریل2009"
4- الملائكة، نازك، دیوان، المجلد الاول، دار العودة، بیروت1997.
5- الملائكة، نازك، دیوان، المجلد الثانی، دار العودة، بیروت1997.
المصادر و المراجع الفارسیة
1- حیدری، غلام، فروغ فرخزاد و سینما، انتشارات نشر علم، تهران، 1377ه.ش
2- شفیعی كدكنی، محمد رضا، شعرای معاصر عرب، تهران، توس1359ه.ش
3-مشرف آزاد تهرانی، محمود، پریشا دخت شعر فروغ فرخزاد(زندگی و شعر)، نشر ثالث، تهران، 1376ه.ش.
المجلات و الجرائد
1-الجمیل، یسار، نازك الملاءكة راءدة الشعر العربی الحر، جریدة "الزمان"، العدد1926
2- الجمیلی، نجاح، المدی، جریدة سیاسیة یومیة، تاریخ:23-06-2011
3-دیوسالار، فرهاد، التشاؤم الاجتماعي عند نازك الملائكة، 22مجلة دیوان العرب، 22 كانون الثاني (يناير) 2007م.
مشاركة منتدى
2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 12:29, بقلم ابتهال
الظلمة لا تدري والحمى لا تشعر و تظل الطفلة راعشة حتى الفجر حتى يخبو الاعصار ولا احد يدري