الأحد ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٢١
شعرية الذات أو مرآة الذات
بقلم عصام شرتح

قراءة في ديوان «مخمل الأشواق»

تهدف الدراسة الكشف عن المثيرات النصية التشكيلية التي تحكم حيوية النسق الشعري، من حيث بلاغة الإسنادات، وما تبثه من دلالات على المستوى التشكيلي الرومانسي، لاسيما إذا أدركنا أن الشعرية مجموعة قيم جمالية متغيرة ترتقي من نسق جمالي تشكيلي إلى آخر،وفقاً لمتغيرات جمالية مثيرة تحرك الشعرية من العمق.

وبتصورنا الواعي، إن الفكر الإبداعي لا يظهر إلا من خلال حيوية النسق الشعري، ومثيرات الدلالة الشعرية، لأن اللذة الجمالية لا تتحقق إلا من خلال النسق الشعري المؤثر الذي يرتقي في سلم الشعرية، ومن هنا، فالتفعيل الجمالي النصي يحرك الشعرية من العمق.
وبتصورنا:

الشعرية الحداثوية تتعدد مؤشراتها النصية، تبعاً لمحفزات جمالية تحرك الشعرية من العمق، فالقارئ الجمالي هو القارئ الذي يخلق المتعة الجمالية في النص الشعري، من حيث بكارة الإسنادات الجمالية التي تحقق قيمتها النصية من حيث لا نحتسب، والشاعر المهم هو الذي يقتنص اللحظات الشعرية المؤثرة، ويرفع قيمتها الجمالية، وهذا يعني أن الشعرية كتلة متغيرات جمالية في الإسنادات النصية المفاجئة التي تحقق غايتها الإبداعية، تبعاً لمتغيرات نصية محمومة ترقى درجات من الاستثارة والتحفيز الجمالي.

والواقع أن الشعرية اليوم كتلة متغيرات جمالية محركة للاستثارة النصية التي تجعل النص قيمة تحفيزية استثارية تحرك النص جمالياً عبر إسنادات جمالية تحرك النص، وتبعث اللذة الجمالية في تلقيه الجمالي الآسر، والشاعر المهم هو القادر على مراوغة القارئ أسلوبياً بالشكل الجمالي الذي يضمن لذة الاستثارة والتأثير.

والشعرية هنا، تتنوع في قصائد المؤلف، تبعاً لفاعلية الرؤية النصية التي تحققها على المستوى الفني، لاسيما اللقطات الحاسمة التي تبثها على مستوى الصور، كما في قوله:

كالقطة تموئين على ثياب هجراني
وتتنسمين بخور حنيني
وتهربين
أهرب من جحيمي لعينيك
لأرتعش بمخمل عينيك المندى بالأشواق"(1).

هنا، تثيرنا الصور الشعرية السابقة بما تبثه من دلالات رومانسية تؤكد حسن التقاط التشكيلات الفنية المراوغة التي تجعل الدفقة الشعرية قمة في السلاسة والرشاقة والخفة والفاعلية، وهي[ ثياب هجراني- بخور حنيني- مخمل عينيك المندى للأشواق]، فهذه التشكيلات تؤكد شعريتها الرومانسية الهادفة بكل ما تتضمنه حيوية الصورة وبلاغة المشهد الشعري، وهذا يقودنا إلى القول:إن الشعرية عند المؤلف- شعرية التقاط جمالي للمحفزات النصية الرومانسية التي تخلق إيقاعها الجمالي من خلال دهشة الإسنادات الحافلة بالمتغيرات الجمالية، ووفق هذا التصور، يحقق المؤلف أعلى درجات الفاعلية والاستثارة الجمالية في التشكيل.

والمثير أن الشعرية في لعبتها الإسنادية تقتضي المتحولات الجمالية الخلاقة بمتطلباتها ورؤاها النصية، كما في النسق الشعري التالي:

"آه من ياسمين الشوق
كم يؤنسني ضجيج المرافئ العابرة
كغريب لامس حوريته في الظلماء
واستفاق على عريها الحريري
يطري شيب حرمانه الغافي على ضفة الحنين"(2).

إن القارئ هنا يتلذذ بالصور الرومانسية التي تحرك اللهفة الجمالية في تلقيها الإبداعي، ليكون النص الشعري- عند المؤلف- نص مراوغ باستثارة التشكيلات الرومانسية التي تخلق اللذة في التلقي الجمالي الفاعل، كما في التشكيلات التالية:[ ياسمين الشوق- ضجيج المرافئ العابرة- عريها الحريري- شيب حرمانه الغافي على ضفة الحنين]، فهذه التشكيلات الرومانسية تدلل على رهافة إسنادية واغتراب عاطفي يبين حرارة اللفة والحنين إلى الالتصاق.

وثمة اغتراب عاطفي عند المؤلف تثيرها الصور الشعرية العاطفية المغتربة التي تثبت إيقاعها الاغترابي الحزين والشعور بالوحدة والخواء والانعزال الجمالي، كما في قوله

"لاشيء في أحضاني إلا سراب يدي
وبقايا أحلام عارية أحضنها وأنام
وشهقات الجدران ونشيجها الصاخب
يعري المكان
ولاشيء يسمع صيحات حنيني
إلا عيناك ومرافئ الأحزان"(3)

إن القارئ يتحثث درجات الاغتراب العاطفي المريرة، فلاشيء في أحضانه إلا سراب الأمنيات الخادعة، والأحلام العارية البيضاء التي يلفها وينام دون أنيس روحي يؤنس إحساسه أو أنثى جمالية يفجر في ينابيعها سني حرمانه الضائعة، لاشيء يؤنس وحشته سوى الجدران ونشيجها الصاخب الأليم، ومرافئ الأحزان التي تجعله في حرقة واغتراب دامع.

وهذه النظرة الاغترابية العاطفية نجده عند المؤلف في نتاجه ككل، لتشكل علامة أيقونية من علامات اغترابه المرير، وصيحاته المترامية على خط الأسى والحرمان. كما في قوله:

"آه، يا حبيبتي
تعذبت دهراً أبحث عنك
عن صورتك الشهية بالمرآة
عن ياسمين حنينك لما يجوب بآفاقي
عن مطر اللهفة
كيف يراقص أحداقي؟
ما وجدتك...
ما وجدت كحل عينيك المشتهى
لما يصطاف بأعماقي"(4).

إن القارئ يتحثث النظرة الجمالية في اغترابه من خلال رسم الموحيات التشكيلية المغتربة، وكأن الشاعر ينقل اغترابه الدامع بعين لاقطة تتحثث الحزن والأسى، والاغتراب الشعوري التي تكسوه سنوات العمر المريرة، كما في قوله:[ ياسمين حنينك- كحل عينيك المشتهى]،واللافت أن الشعور الاغترابي العاطفي يتنامى تدريجياً في شعر المؤلف كلما مضى العمر وانكسرت على أنامله لحظات الخيبة المريرة التي نلحظها في قوله:[ما وجدتك.. ما وجدت كحل عينيك المشتهى لما يصطاف أعماقي]، وهذا دليل أن بحث المؤلف عن أنثاه بحث عقيم، اغتراب يجر اغتراباً، ويباباً يجر يباباً، لاسيما إن معاناته وجودية تشمل الواقع الأليم الذي عاشه في طفولته ليرافقه في شبابه وكهولته الدامعة، فتجد إحساس الللاجدوى ترافق لحظاته الأليمة في كل مراحل عمره،إذ يقول:

حبيبتي،
أي البلاد أنا
وبلادي كلها عيناك
أي المدن البعيدة
شواطئ أحلامنا الحرونة
أتلقف طيف عبورك الحنون
يدق نوافذ كبريائي الخجولة
لا حليب عفتك الشهي
يراودني
ولا كحل عينيك الندي
يراقص دمعاتي عند المساء
أعلق معطفي الشتوي على النافذة
وانظر من الشرفة إلى المدى البعيد
علَّ طيفك يعانقني،وأتوضأ بشهقات عينيك الناعمة(5).

إن القارئ هنا أمام نص عفوي يبث اغترابه بكل حرقة اللحظة المريرة والشعور اليائس المكلل بالمعاناة، وكأن كل شيء من حوله يؤذن بالمكابدة والمعاناة حتى معطفه الشتوى ملقى على النافذة حزيناً وحيداً كحال المؤلف اليائس بعد طول عناء البحث عن أنثاه الرقيقة التي يحلم بها دون أن يحصلها، والأيام الروتينية التي تهجره وترميه في عناء الوحدة المريرة، فلا شيء يؤنس وحدته ويستظله في ظله الروحي، وكأن الإناث قد فقدت أحداقها ما عادت تنظر من حولها إلى جمال الروح، وراحت تنساب وراء البهرجة بهرجة الشباب، وما عادت تنظر إلى خمور الكهولة الناضجة في وعيها وإحساسها الجمالي، وحتى يأس المؤلف نفسه قد غلف صوره الشعرية:[عل طيفك يعانقني/ وأتوضأ بشهقات عينيك الناعمة]،إن إصرار المؤلف على الصور الجنسية الشبقية ليؤكد الحياة من خلال الجنس والجنس من خلال الحياة، فاللفظة الجنسية غير مقترنة بشكلها اللفظي بقدر اقترانها بشكلها الروحي، وهذا انحراف في منظور الشاعر للجنس والحياة من خلال الأنثى، فما عادت الأنثى تغريه كأنثى بأعضائها التناسلية وشبقيتها الجنسية المحمومة، إنه يتطلع إلى الملامسة الروحية والاغتراب والتفرد في جماله المؤسس لأنوثة العالم في تحقيق اللذة الجمالية.

والاغتراب عند المؤلف يكاد يكون علامة أيقونية في قصائده يتطلع من خلالها للخلاص من واقع روتيني مؤلم إلى عالم خصيب بالرؤى والدلالات النصية، وهذا دليل أن الشعرية الاغترابية في قصائده ماثلة في متحولاتها الجمالية واستعاراتها الفياضة، كما في قوله:

"جئت يا أمي
من كسل الأشواق الحائرة
جئت أعطِّرُ قبلاتي
بالقبلات
وألقي على شنبرك الأسود
حرقة الطرقات
ما عدت قادراً يا أمي
أن أروِّضَ أحصنةَ حنيني
وأمسحُ عن عيني هذي الكآبات"(6).

إن اغتراب الشاعر هنا اغتراب روحي، فمن خلال أمه يريد أن ينقل لنا صورة حياته اليائسة الحقيقة ويتمه الطفولي وغربته منذ صيحة الولادة، وما مجيء الشاعر إلى حضن أمه إلا ليعيش الحنان الذي افتقده في الوجوه البشرية كلها ليعطر وجهه بحنان أمه، وهنا يصل الشاعر إلى قمة اليأس والضعف الوجودي ليمسح عن وجهه غبار الحزن والألم بحنان أمه وعبق ذكرياتها الجميلة.

وهكذا ينقلنا الشاعر من صورة إلى صورة، ومن رؤية إلى رؤية ليحرك اللذة الجمالية والاغترابية في قصائده، كما في قوله:

جئت يا أمي محملاً بأكف الرجاء
أتشهى حبق عينيكِ الطيبة
وأنتظرُ حبلَ الغسيلِ على الشرفة
جئت يا أمي لرغيف شقائنا الأسمر
أحضن ليمونة الدار
وألوحُ على الشرفة"(7).

هنا يريد أن يتنفس الوجود الجمالي من خلال رسم المكان والزمان واستعادة الذكريات الجميلة، ولا ذكريات...فلا يوجد في مخيلة الشاعر ومضة جمالية يتنفس لذتها ليمضي في يومه سوى أمه وشبح الأيام الطفولية اليائسة التي عاشها، وما اغتراب الشاعر هنا إ الا اغتراب حافل بالمؤثرات الشعورية المخنوقة، وهكذا ينقلنا الشاعر نقلة نوعية من قيمة اغترابية مؤلمة إلى قيمة اغترابية أشد إيلاماً وحسرة، وهكذا، تأتي المشاهد الشعرية في متحولاتها النصية مؤثرة في التعبير عما يعاني بكل وعي وإدراك وترسيم تشكيلي للصور والتشكيلات اللغوية المؤثرة شعرياً في نسقها.

وصفوة القول: إن الشعرية في هذه اللمحات الشعرية شعرية نفسية شعورية أشبه ما تكون باليوميات المسجلة شعورياً وشعرياً بريشة فنية تتطلع إلى الجمال في الشكل اللغوي والعاطفي، وهذا ما يحسب للشاعر في هذه القصائد ومساحتها المشغولة بعناية ورقة جمالية مثيرة. وهذا ما يبثه في ثنايا القصيدة ككل:

أقول: حبيبتي،
هذي يداي
سراب من غبش الحنين
وأنامل اللهفة الغضة
أراود ضحكاتك الخجولة
ومسافات خطواتك النائية
لعل طريقي إلى عينيك يرتوي
وابتساماتك البريئة تعيدني إلى ما كان
آه،نكبر ويكبر الزمان في عروقنا
ويتخطفنا الحلم الذي رسمناه برعشة شفتينا كلانا
وما عدنا ننساه
آه تتيه خطواتنا
على طريق الحنين
يضيع كل شيء من يدينا
ويبقى ذاك البريق
ولهفة عينينا
وجوع شفتينا للعناق"(8).

إن الدهشة الجمالية التي يثيرها التشكيل العاطفي تحقق قيمتها من خلال التشكيلات اللغوية الرومانسية المثيرة، وكأن كل مثير لغوي يحقق قيمته الاستثارية لترتقي القصيدة بفيوضاتها الوجدية الرومانسية الحالمة، كما في التشكيلات اللغوية التالية:[غبش الحنين- أنامل اللهفة الغضة- مسافات خطواتك النائية- جوع شفتينا للعناق]، فالحس الجمالي التشكيلي وراء هذه التوثبات اللغوية التي تحقق إيقاعها الجمالي في القصيدة.
ومن يطلع على المناورات الأسلوبية في بنية القصيدة عند المؤلف يلحظ أن جمالية الصورة تتأسس على بلاغة العاطفة الرومانسية في تشكيلها، كما في قوله:

آه، من شهقاتك المغنجة برعشات الأنوثة لما تفيض
وصهيل ذكورتي الشبقي المندى بالأشواق والأحلام الغضة
ووشم أظافرك على صدري
كيف يلامس كبرياءك الأنثوي
وعريك الشهي الزئبقي الجموح
آه يا حبيبتي
كل الدروب إلى عينيك سراب
وأنا أقتفي ظلال نهديك في غبش الأيام
لا الأيام ترويني
ولا الليالي البيض
تعانقني بأمان
ما ينفعني هذي الحزن
وأنا أجرجر
حنيني بماء الحرمان"(9).

إن اغتراب الشاعر العاطفي، وتنقلاته من صورة إلى صورة دليل تراكم المشاعر الاغترابية التي تضج بالحنين واللهفة الدامعة، وهذا دليل أن الشعرية عند الشاعر شعرية اقتناص تشكيلات لغوية صادمة تحقق قيمها النصية من استثارتها النصية الصادمة التي تؤكد اغتراب الشاعر بالحب، أو اغترابه الوجودي بالعشق المحروم أو الحب الذي تغلفه لحظات الحرمان لا الوصال، كما في قوله:[ وأنا أجرجر حنيني بماء الأشواق]، وهكذا تتأسس لغة الشاعر الاغترابية على دينامية الصور العاطفية المغتربة التي تظهر الشوق والوله والتهيام التام بالأنثى، وهكذا تثيرنا القصيدة الشعرية بفيوضاتها العاطفية للدلالة على إحساسه الاغترابي المأزوم.

وهذه النظرة العاطفية المغتربة نجدها في الكثير من مشاهده الشعرية العاطفية المأزومة، كما في قوله:

أعيديني حبيبتي إلى الطفل الذي كان
الطفل المشاكس الذي يرسم عريك الشهي على الجدران
إلى بسمتك الصباحية الغنوج
إلى ضحكة عينيك الشهية الجموح
إلى شهقات غنجك وصهيلها المندى بالأحلام
أعيديني إلى سكر عينيك
ونكهة الصباح المعتق بخمر ذكرياتنا العتيقة
ونظراتنا البريئة
آه، ضميني
ستجدين خمور الحب
والأحزان
ستجدين كل الذي رسمناه على خارطة الأحلام
ستجدين خبز عفتنا الطري
ومائدة اشتياقنا المترعة بخمور القبل"(10).

إن الشعرية ماثلة في التشكيلات اللغوية الرومانسية التي تحقق إيقاعها الجمالي من خلال لغة جمالية تفيض بالصور والتشكيلات اللغوية الصادمة:[ بسمتك الصباحية الغنوج- شهقات غنجك- خمر ذكرياتنا العتيقة- خمور الحب- خبز عفتنا الطري- مائدة اشتياقنا المترعة بخمور القبل]، وهذا الأسلوب الجمالي في اصطياد التشكيلات الرومانسية الأسرة هو مايجعل شعريته تطرح أدواتها بإحساس جمالي ولاشيء سوى الجمال؛لأن الشعرية في أعلى قيممها الجمالية استثارة تشكيلات نصية مراوغة تحقق قيمها واستثارتها النصية.

وكلما استغرقنا في مداليل رؤاه العاطفية المغتربة شعرنا بحاجة أكثر إلى انتظار اللهفة والحنين في مساحة كلماته المأزومة التي تعكس غربة عاطفية مأزومة تشعر حيالها بالنشوة واللذة في تلقي كلماته العاشقة المسكونة بجراحاتها وآلامها، كما في قوله:

أحبك، والكلام لما يخرج من الشفاه يجف ويحترق
كوني في فؤادي لغة
تخضر في عروقي
غضة الابتسامات
أحبك، وأنتظر كالمهاجر المبعد
خطواتك في الحلم لتطأ صحراء روحي الجريحة
أيقظيني من ثباتي
يامليحة
وغردي على ضفاف جموح ابتساماتي الخجولة
أيقظي ما صدأ من سنوات
عطري أنسام حبي بسلال النجمات
وتأملي لذة خيباتنا الحائرات
ولهفة عينينا المخمورة بالأشواق"(11).

إن القارئ هنا أمام صور عاطفية مغتربة تشي بعاطفتها المحترقة التي تخفي لوعة وجراحاً عاطفية تغص بالدموع والأسى والاغتراب، فكل لقطة تصويرية تعكس لهفة عاشقة وخيبة مريرة:[ وتأملي لذة خيباتنا الحائرات]، ليعيش العمر الخائب، ولحظة الحسرات الدامعة.وكأن الحب يعانده، وكأن كل شيء يؤول في عالمه إلى صحراء يباب خالية من دفق الحياة ونشوة الوجود. وهكذا جاء الاغتراب في قصائد المؤلف كاشفاً عن حرقته ودمعته ولهفته الحائرة دون أن تحصل إلا السراب واليباب.

والملاحظ أن الشعرية في قصائد المؤلف تظهر من خلال الأنساق الجمالية التي تثيرها على المستوى الإبداعي التشكيلي،كما في قوله:

أحبك،
وأحببت جمال الله وعينيك،
وأحببت نسائم ودك في أعماقي
وأحببت كل ما تبثه أشواقك من نفحات
أصلي لحضورك وغيابك
لعل عينيك ترمم هذا الخراب
لعل ضحكة عينيك
تقرع جرس الباب
وتنفض عن روحي غبار الأحزان
لعل ضحكة عينيك تعيد ما كان
تعيد واحة ذكرانا
تسكرنا بخمور الأحلام"(12).

هنا، نلحظ اعتماد الشاعر التحولات الإسنادية التي تثير المتلقي من حيث لايحتسب، كما في التشكيلات العاطفية المغتربة التي تترك القارئ يسبح في فضائها النصي، كما في قوله:[خمور الأحلام- واحة ذكرانا-غبار الأحزان-نسائم ودك]، فكل نسق من الأنساق الشعرية الرومانسية يحقق الاستثارة والفاعلية النصية التي تباغت المتلقي بإيقاعها الجمالي الخلاق. وهكذا، يؤسس المؤلف إيقاع قصائده على ما يثير اللذة الجمالية في قصائده لتسمو درجات من الاستثارة والفاعلية الشعرية، وهكذا لايسمو الشاعر إلا بالإسنادات الجدلية الصادمة التي تترك إيقاعها في النص الشعري من حيث لايحتسب.

ومن مثيرات الشعرية في قصائد المؤلف احتواء التشكيلات اللغوية على مثيرات اللحظة الشعورية العاطفية المحمومة، ولهذا تعد شعرية اللحظة من المحفزات الشعرية التي تنقل المتلقي من قيمة جمالية إلى أخرى، ومانقصدة ب (شعرية اللحظة) تبئير الرؤيا الشعرية صوب اللحظات العاطفية المؤثرة في إبراز الدلالات وتفعيلها للقارئ، كما في قوله:

أقول أحبك
وسلام عينيك زنابق عطر
تعطر المكان،
كل الأماكن في عينيك مروج خضراء
هضاب وسهول ووديان
ارشفي كأس الأماني بشفاه أحلامك وريفة الظلال
أريقي ماء غنجك على زنابق عفتي الملساء
عل ابتساماتك الربيعية تعانق شهد أحلامي
وتتسع المسافات النائية لأحضانك"(13).

إن القارئ هنا يدرك الرؤية النصية الفاعلة في بث قلق الذات في لحظتها الشعرية المتوترة، كما في قوله في الأنساق اللغوية الشعرية الصادمة:[ ابتساماتك الربيعية – شهد أحلامي- ماء غنجك- شفاه أحلامك- وريفة الظلال]، فالقارئ هنا يتلذذ في التشكيلات الشعرية التي تحفز الموقف العاطفي الرومانسي، وتجعل الصور قمة في المراوغة وبلاغة التأثير؛ وهكذا، تتأسس الشعرية في الأنساق السابقة على دينامية الموقف الجمالي الذي يثير الشعرية من العمق.
والملاحظ أن تجليات الشعرية في قصائد المؤلف تعتمد على بكارة الأنساق الشعرية لتجعلها قيمة انزياحية خلاقة بالدلالات والمعاني الشعرية، وهذا يعني أن الشعرية كتلة متحولات جمولية، تثيرها الصور الشعرية في نسقها الشعري، لتخلق شعريتها الانسيابية عبر فاعلية الصور وإيقاعها الجمالي، كما في قوله:

حبيبتي
للحب أريجٌ يفوح في الوجدان
له نكهة النايات البعيدة
والعصافير العاشقة على الأغصان
له زفرة طرية
وأنة صافية
وترنيمة مسترخية على ضفائر الزمان
أحبيني برفق
لأتعطر بأنسام عريك الندي
وشهقات غنجك الحليبية الأعماق
أغرقيني لأصحو
لأتنفس ياسمين حنانك الطري
آه،
من زئبق حنيني وارتحال عينيك
وأنا أرتب أوراقي
على غبش فراقك الحافي
آضيئي حروف عبورك لأعماقي
أنا الكسيح
وأنت المدى النائي..."(14).

إن الاغتراب العاطفي يجعل الشاعر يعيش في غربة، هذه الغربة تتنامى من خلال تراكم الصور الاغترابية التي تبث ألقها العاطفي المتراكم عبر فاعلية الأنساق الشعرية، لتحقق إيقاعها الجمالي، وهذا دليل أن الشعرية قيمة بؤرية تحفيزية استثارية الرؤى والتشكيلات النصية التي تباغت القارئ من خلال حراكها الإسنادي (غبش فراقك الحافي- زئبق حنيني، ارتحال عينيك-أنسام عريك الندي)، وهكذا يشكل الشاعر دينامية الصور الشعرية عبر بكارة الأنساق الشعرية ومتحولاتها النسقية. لاسيما في القفلة النصية(أنا الكسيح وأنت المدى النائي)، وعلى هذا النحو التشكيلي الصادم يأتي الاغتراب العاطفي قمة في البلاغة والفاعلية والاستثارة والتأثير.
والمثير حقاً أن العلامة الأيقونية التي تشكلها قصائد المؤلف تتمثل في البعد الاغترابي العاطفي المأزوم، وكأن اللهفة والحنين وصفير الأحلام العارية يغلف نظرته الوجودية للحياة بكل صداها واحتدامها وأساها الشعوري العميق، على شاكلة قوله:

"حبيبتي،
أحبيني برفق لأسكر من شهد ابتساماتك الندية
وألملم ما تراكم على عناقيد روحي من غبار الأحزان
غلفيني بنهديك، لأشدو كالبلبل الشاكي بأصفى الألحان
يا فاكهة حنيني
اقرعي نواقيس الوصال
ما عادت أناملي الغضة
تقوى على ما تراكم على ينابيع روحي من صدأ الحرمان
آه، يا حبيبتي،
أتساءل عن عينيك فتبكيني حروف النسيان
لهفتي الغضة لعينيك تعيدني إلى زمن تناسيناه
وابتسامات فقدناها على رصيف الهجران
آه،
ما تنفعني الدروب
والمساءات المهاجرة
وقد تاه الدليل
والعنوان
وانكسرت فوانيس الأماني
خلف أنين الجدران
................
آه من عيني
التي ألفت الدموع
كما ألفت عروقي أشواك الزمان المر والعناكب
وهجرة الأماكن
وصفير الأحلام"(15).

هنا، تشكل التشكيلات اللغوية من محفزات الشعرية التي تثير اللذة الجمالية من خلال التحفيز النصي الذي يباغت القارئ من حيث لايحتسب، من خلال التشكيلات النصية المراوغة التي ترفع السوية النصية لقصائده على المستوى الجمالي، كما في التشكيلات النصية الصادمة:

[أشواك الزمان المر- صفير الأحلام- فوانيس الأحلام- رصيف الهجران- حروف النسيان- صدأ الحرمان- ينابيع روحي-نواقيس الوصال-عناقيد روحي- غبار الأحزان) ؛إن كل هذه التشكيلات اللغوية تؤكد العلامة الفارقة في قصائده من خلال الدلالة على الاغتراب العاطفي والغربة واللهفة إلى الأنثى المحبوبة التي ماذاق منها إلا الصد والهجران وصفير الأحلام، دلالة على حالة الخواء النفسي والوجودي التي يعيشها في عالمه البيئي المحبط بكل ما تحمله هذه الكلمة من أسى وغربة واحتراق.

وهكذا، تشكل مؤولة الاغتراب العاطفي علامة أيقونية مشتركة في قصائده كلها، من خلال مؤولاتها الدالة على الاغتراب والخواء النفسي والعاطفي، وهذا دليل غربة واحتراق وشعور بالمكابدة والمعاناة.وهذا أقسى ما نجده في قوله:

"حبيبتي
أضيئي حر جحيمي،
وياسمين هجرانك الصاخب
ما عدت أقوى على العتاب
ماعادت سهام عينيك ترضى أن تعاتب
آه، يا حسرة على العمر لما تتهشه العناكب
أزف الزمان، وانكسر صهيل المراكب
وصرت كالمغترب الطريد
يبحر في زمن العجائب
كل ما تبقى من الحياة
وجهي المشرذم الناضب
وخدي المسفوح على ناصية الحنين
يبكي زمنه الخائب.."(16).

إن القارئ يتلذذ بالصور الاغترابية التي تخفي شعوراً اغترابياً جحيمياً يكاد يكون جارحاً وحارقاً في كل صوره الاغترابية التي تفوح بالحنين والتشكيلات المثيرة التي تدل على قمة الاغتراب والحزن واليأس في عشقه الحزين، عبر التشكيلات اللغوية الآسرة، كما في التشكيلات التالية:[حر جحيمي- ياسمين هجرانك الصاخب- صهيل المراكب- وجهي المشرذم الناضب- ناصية الحنين] فهذه التشكيلات الشاعرية تحقق إيقاعها الجمالي عبر التشكيلات الشعرية والأنساق المراوغة، وهكذا يحقق الشاعر إيقاع قصائده على مثيرات تشكيلية تجعل النص الشعري مسرحاً اغترابياً من بانوراما العشق المتمرد بالاغتراب وكسر حاجز الزمن الرومانسي الجميل، ليبني إيقاعها الاغترابي في العشق على حالة اللاجدوى/ والعبث والتصدع الوجودي.
وهكذا تتأسس اللغة الشعرية على مثيرات الاغتراب العاطفي بإحساس وجودي يثير الرؤية النصية، ويحقق قيمتها الجمالية الخلاقة بالمعاني والرؤى الدالة، وهكذا ترقى المؤثرات الشعرية بالقصيدة عبر الأنساق التشكيلية المراوغة التي تحقق قيمتها واستعلائها النصي الجمالي.

ومن مثيرات الشعرية – في قصائد المؤلف- حياكتها النصية المراوغة ونظرتها الرومانسية المؤثرة، كما في قوله:
حبيبتي،
اعيدي خارطة كياني
شهد ابتساماتك الندية
غناء شفاهك الناعسة
زغردة لهفتك الحانية
شكليني، كأنسام طهرك العبيرية
آه، أعيديني إلى كياني
رعشة نهديك الغضة
وصخب عينيك الجائعة
و خدودك الصباحية الغنوج
ولهفة عينيك المتخمة بالأشواق
لأتذوق كأس كبريائي الجموح
وأنا أتسلق جدار عشقك
وأسقط مغشياً على الأرض
ممسوساً بلهيب عشقك
ورعدة نهديك المغنجة"(17).

هنا، تأتي الأنساق والصور الرومانسية قمة في البث التعبيري عن رومانسية اللحظة الغرامية لما تشكلها الأحداق الفائرة بالدهشة وحليب الأشواق، وهكذا تحتفي هذه التجليات الشعرية بإيقاعية جمالية تؤكد أحقيتها في خلق الاستثارة والتأثير، وهذا دليل أن الشعرية قيمة جمالية مؤسسة على استثارة الدلالات وخلق متغيرها الجمالي المثير، وهكذا تؤدي الأنساق الشعرية إيقاعها الجمالي عبر التشكيلات النصية المراوغة، لتحقق قيمتها واستعلائها جمالياً.

وصفوة القول:إن الشعرية عند المؤلف هي شكل لغوي انزياحي مثير من خلال التلاعب بالتشكيلات الرومانسية الآسرة في السياقات العاطفية الملتهبة التي تشي بالاغتراب العاطفي واللذة في تحريك الأشياء وخلق مؤشرها الجمالي البليغ، وهكذا ينقلنا الشاعر نقلة إبداعية مثيرة في تحريك الإحساس الجمالي في الأشياء المؤثرة لتسمو وترتقي إبداعياً.

نتائج أخيرة:

1-إن شعرية القصيدة – عند المؤلف- تتأسس على مثيرات تشكيلية انزياحية تؤكد تفاعل الأنساق الشعرية لتحقق قيمة جمالية عالية، ومن هنا، تعد الشعرية كتلة نصية تفاعلية استثارية، مما يؤدي إلى تفعيل الأنساق الشعرية ليحقق قيمة جمالية تحفيزية تحرك الشعرية من العمق.
2- تعد الشعرية – في هذه القصائد– شعرية اغترابية تؤسس مثيرها الجمالي على بلاغة الإسنادات المجازية، ومتغيرها الجمالي وهذا يعني أن المتحول الجمالي في قصائد المؤلف متحول انزياحي اغترابي على المستوى العاطفي، ووفق هذا التصور، فإن ما يغني الشعرية في قصائد المؤلف قيمها الجمالية الرومانسية المتغايرة التي ترتقي درجات من الاستثارة واللذة والتحول الجمالي.
3- إن المتحول الجمالي- في قصائد المؤلف- حنكتها التوليفية ورشاقة انتقالاتها النصية من مثير تشكيلي إلى آخر، وهذا ما يجعل المنطلقات النصية مباغتة في نسقها تستثير الشعرية من العمق.
4-إن الواقع المأزوم الذي يرسمه الشاعر في قصائده واقع يومي معيش وليس واقعاً متخيلاً أو واقعاً مفترضاً بعيد عن واقعه، ومن هنا، فالشعرية تفاعل قيم جمالية مؤثرة تحرك الشعرية من العمق.
5-إن دهشة الإسنادات العاطفية الخلاقة في قصائد المؤلف هي في المحصلة دهشة إسنادية مراوغة تحقق الشعرية في متحولاتها النصية التي تباغت القارئ من خلال حراك الرؤى والدلالات النصية.
6-إن الرؤيا الجمالية – في قصائد الشاعر- ليست مردها الإسنادات النصية المفاجئة التي تحقق إيقاعها النصي، من خلال المتحول الجمالي الذي تثيره، وهذا يعني أن الشعرية في قصائده كتلة متغيرات جمالية مؤسسة للدلالات النصية المفاجئة.
7-إن الاغتراب في قصائده مسكوناً بحالة من الحزن تشي بها سلسلة الصور العاطفية المغتربة تشكيلاً وإحساساً ورؤية، وهذا ما يجعل تلقيه مؤثراً لاسيما الصور الرومانسية التي يكثر فيها من ذكر الرحيل والدموع والحسرة والندامة.
8-إن البعد الدلالي لقصائده كلها يدخل في خانة الاغتراب النفسي العاطفي عن الأنثى، وكأنه في صراع معها على المستوى العاطفي، وكلما احتاجها زادته هجراناً واغتراباً وحرقة وغصة دامعة بصدودها عنه في لحظات التعطش للوصال والنيل من مغرياتها الجمالية، وتكاد تكون هذه المعادلة الوجودية نقطة نظرته الارتكاسية الاغترابية المأزومة التي ترافقه في معظم قصائده المكتوبة وتلك التي مازالت قابعة في وجدانه.
9-إن لحظات الحنين المتخمة للعناق في قصائده تكاد لاتخلو قصيدة من مفردات العناق والحنين والدموع والأحزان لتشكل علامة أيقونية في تحفيز الدلالات واستثارة الرؤى النصية المراوغة، وهذا يعني أن الشعرية في جل قصائده انزياحية تعبيرية تعبر عن أساها وعالمها الشعوري المتوتر.
10-إن المثير الجمالي الذي يغلف قصائد المؤلف يطال التشكيلات اللغوية الصادمة في التعبير عن توق الحالة ومعاناتها وأساها الشعوري الصادم، وهكذا تتأتى الشعرية في قصائد المؤلف من تشكيلاتها النصية والبعد الرومانسي الذي تصيبه في مسعاها النصي الأخير

شرتح، عصام،2020- ديوان مخمل الأشواق، مخطوط،ص4.
المصدر نفسه، مخطوط، ص7.
المصدر نفسه، ص8.
المصدر نفسه، ص9.
شرتح، عصام،2020-جمرة الروح، ص6.
المصدر نفسه ص7
المصدر نفسه،ص7.
المصدر نفسه،ص30.
المصدر نفسه، ص31.
المصدر نفسه،ص40.
المصدر نفسه،ص45.
المصدر نفسه،ص55.
المصدر نفسه،ص56.
المصدر نفسه، ص43.
المصدر نفسه،ص46.
المصدر نفسه60.
المصدر نفسه63.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى