الأحد ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم محمد محقق

قراءة نقدية في ديوان مساؤك بارد كالخيانة

المتأمل في ديوان الشاعر عبد الله المتقي ’«مساؤك بارد كالخيانة»’ المتشكل من 35 نصا المتفاوتة فيما بينها من حيث القصر والطول، يتراءى له أن العنوان يعبر عن قلق وجودي وانعدام التواصل الحميمي المحاصر بأسئلة عميقة وبدلالتها التي تبحث عن ذاتها التي تعانق الإقصاء والتهميش المبحران في ملكوت الروح والجسد المليئين بالأسى والحزن والقصائد قابلة لتعدد القراءات واختلاف التأويل، إذ تتحرك في اتجاهات داخلية وأخرى خارجية تقتنص شتى اللقطات الواقعية والمتخيلة من خلال لغة شاعرية ذات لوحات تتميز بالجمالية والروعة لإيقاظ الأحاسيس المتعطشة للذبذبات الوجدانية بأسلوب سلس يتسم بجرس موسيقي عذب.. وهو ما أسعى إلى إبرازه من خلال قراءتي المتواضعة لهذا الديوان الرائع الذي أحث المتلقي لقراءته والاستمتاع بقصائده والذي نأخذ منه بعضها وهي كالتالي:

مساؤك بارد كالخيانة

ترى ما الذي يحدث؟هو استفهام على وجه الحقيقة يوجه للآخر غير المهتم والأكثر من ذلك فهو لا يحدد موقفه,مساءا ته متسع للأضداد ,أي المتناقضات ,قد تكون انشغالات اهتمامات لكنها تتعارض مع همسات السائل (وهل كان من الضروري ؟)هناك تهميش ضمني من هذا المتعالي وقد كانت مراياه عمياء لاترى حرقة وهياما ،لاترى قلبا يخفق وباستمرار قلب تائه ودود يتطلع للقياه وبفارغ الصبر ويعود السؤال ماالذي يحدث؟فبعد أن تهيأ كل شيء يكون الغياب التام ,هنا التهيؤ ليس ماديا طبعا, فالغرفة مسرح الأحداث كانت هي القلب (ولا أحد في غرفة القلب) الحبيب المرتقب غائب, يظل القلب وحيدا ينتظر يستعد مرات ومرات لاستقبال الوافد وتخيب المحاولة,ولكن نجد أن فعل النص أتى في الزمن الحاضر (يحدث- يكون أهيئ) الذي يدل على الاستمرارية بمعنى أن باب الأمل لازال مفتوحا،وبشكل ملح ويبدو أن غرفة هذا القلب الملحاح ستستقبل هذا الزائر العنيد المرتقب ,وأظنه سيأتي هذه المرة ومعه ورد مختلف الألوان كاعتذار عن لامبالاته المتكررة لغة النص انزاحت عن المعتاد (المرايا العمياء-غرفة القلب -مساء الأضداد) وتلك سمات الحداثة...وفي قصيدة ’’عشق’’التفاحة تكون سعيدة حين يقضمها العشاق لأنها تعانق الجمال ولأن شفاههم ملتهبة تتأملهادائما، ولأن أناملهم رقيقة وديعة فإنها تمررها عبر العين ترقبها قبل أن توصلها للفم لتستمتع بشكلها، بلونها.
التفاحة تكون سعيدة حين يقضمها العشاق لأنها لن تلتهم بافتراس وتكون أسعد بسماعها
آهاتهم وكلامهم الساحر، ولأن أضراسهم لاتنهال عليها بشراسة ولا تنتقم منها، وهذا
المعنى نستحضره في الوقت الذي نتحدث فيه عن استثمار شيء في وقته المناسب وفي
المكان المناسب لا يضرنا إن أشرقت الشمس في أرض حرة مثلا ، لايضرنا إن سكب
ماء ليروي الأرض العطشى المعطاء ، لايضرنا أن نخسر الجميل من أجل العطاء كذلك
لايضرنا أن تقضم التفاحة من طرف العشاق فتصبح رمزا لكل بهاء وسحر.. ونجد في قصيدة بروميتوس أنها تمتص دماء الشعراء لأنهم في حقيقة الأمر ينزفون، دواخلهم تنسكب ، ينحتون من قلوبهم وتكون النتيجة أن يرتاح العالم أي الطرف الآخر,فالشاعر تمتصه القصيدة حين يكون ثائرا، صاحب قضية يدافع عنها باستماتة فتراه صاحب رسالة يتلقاها الآخر يضمد بها جراحا يروي بها عطشا يواسي بها نفسه في خضم الديجور، والقصيدة تمتص دم الشاعر حين يكون عاشقا

ولهانا تدفقه يسعد الآخرين، وأيضا حين يعبر عن لحظة الظلم والقهر وهذا المعنى سيق في فترة

من تاريخ الإنسانية في فترة ما بين الحربين وبالضبط مع المدرسة الرومانسية التي كانت تهرب بالشاعر إلى عالم وهمي متخيل, تأخذ من وقته الكثير تبعثره في الأحلام والبحث عن عالم المثل وتترك العالم وقد ارتاح من أصواتهم التي اهتمت بالبكاء والخلوة والبعد عن الواقع ولعل هذا هو السبب الذي جعل الرومانسية لا تعمر طويلا بالشكل الذي بدأت به على الأقل في العالم العربي،فكان هروبهم إلى عالم الغاب أراح العالم منهم... ثم يعرج بنا الشاعر إلى قصيدته المعنونة ب’’بقايا حروب’’ حيث نتساءل فعلا هل هي بقايا حروب أم بقايا شروخ ؟ظلت عالقة بالوجدان الذبيح وجدان المتقاعد الذي يجتر ذكريات حروب ولت وما تركت غير الصدى والصخب يتدخل الحمام الزاجل برقته وعذوبة سجعه عله يكسر عملية الاجترار المؤلمة، الحروب الغيرية التي كانت تجعل صدره ذرعا لغيره يتدخل الشعر بدوره في باقة قصائد عله يزيل تشنجا ويبعد عويلا تجسده نصائح جنرال بائد... بعدها يبحربنا هذا الشاعر المتنوعة قصائده مفصحا عما يحسه من سلبيات المشاعر الإنسانية من خلال قصيدته "شفافية ’’أيها الخريف وقد تعرت أشجارك، تناثرت أوراقك تباعا، شوشت على بساط الأرض، عانق اصفرارها التراب، باتت الأشجار في علوها عارية تشتكي برد الصقيع، إنها سنة الحياة ... مسترسلا ومعانق الأحلام التي تنبلج مع الشروق في قصيدة ’’دوما’’ حيثتنمو الأحلام على صفحات الماء المنسكب ,معه تعرف الأرض اخضرارا وينتعش الخيال التواق إلى التموجات والروابي ، كذلك تتفتق الأزهار في غفلة منا ونلتفت مبهورين بالجمال، الذي يأسرنا فجأة وقد أطل في صمت... كما في قصيدة نوارس التي يطلعنا الشاعر فيها عن رحلتها حيث تجدد نبضها جهة الماء الدقيق ,لكن توقفت بعدها الحركة وعم الانتظار ,وعم النسيان الذي انتشر عبر الأرصفة ,حتما ستعود النوارس لأنها في رحلة وإن طال الأمد سيبقى الأمل سيد الموقف لا بد من فسحة الأمل لتستمر الحياة.. وأختم قراءتي المتواضعة بقصيدة ’’غروب’’ حين يصور لنا جمالية الشمس وهي تغادرمكانهابعد أن من تعبها على الجبال لتودع وليموت النهار بعدها ، مع بقاء إشراقة النور الذي ينتظر ، وتلك سنة الحياة ...

مايميز اللغة في الديوان أنها انزياحية تكلم الجامد ومن هناك أخذت قيمتها الجمالية..كما أن صورها التعبيرية تدل على أن الشاعر عبد الله المتقي عميق النظرة إلى الأشياء ، شديد التأمل لما يحيط به..

وقد تركت القصائد الأخرى للمتلقي يغترف منها ما يشاء ويستمتع بطعمها.

مساؤك بارد كالخيانة ص 19

عشق ص 52

بروميتوس ص 53

بقايا حروب ص 41

شفافية ص 25

دوما ص40

نوارس ص 43

غروب ص 34


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى