الخميس ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم
قِـمـاط نـخـلـة
حَـبِـلَ الـهـوى ـ وهـو الـعَــقـيـمُ ـ فـأنْـجَـبــا | طــفــلــيــن: نـهــرُ أنـوثـةٍ ورُبـا صِــبـا |
رضَــعــا الــمَــروءةَ والــمـودَّةَ والــنــدى | وبــدمـع ِ زهــر الــيـاســمــيـنِ تـطـــيّــبــا |
طِـفـلانِ مـعــصـومـانِ مـن دَنَـس ٍ ومــن | حِــقـــدٍ وإنْ جـارَ الــحَـــقــودُ وأذْنـــبـــا |
طِــفــلانِ مـجـنــونـانِ... كــلٌّ مــنـهــمـــا | يـأبـى بـغــيــر دُمـى الـمُــنــى أنْ يـلـعَــبــا |
طِــفـلان ِ.. يـلـتـجـئُ الـلـبــيـبُ إلــيـهــمــا | إنْ أعْــجَــزَتـهُ صَــبـابـة ٌ واسْـــتـصْــعَــبــا |
يُـسْــتـفْــتــيـانِ.. ألــيـسَ عُـجْـبـا أنْ يُــرى | طِـفـلٌ يُــنـاصِـحُ فـي الــهُــيــام ِ مُـجَــرِّبـا؟ |
طِــفــلانِ.. يَــبْــتـكِـران ِ كــلَّ عَــشِـــيَّــةٍ | بَـحــرا ًجـديـداً ـ فـي الـعِــنـاقِ ـ وكـوكـبـا |
تُـمْــسـي فــيُــصْـبِـحُ غــيـرُ أنَّ رؤاهــمــا | طِــبْــقٌ وإنْ بَــعُــدَ الــمَــزارُ وعَــذَّبـا (1) |
طــفــلانِ.. دُمْــيَــتُـهُ فــراشــةُ ثــغــرِهــا | نـصَــبَ الـفِـخـاخَ لـهــا فـمـا ً مُــتــوَثِّـبــا |
والـعـشــبُ فـي عـيـنـيـهِ دُمْــيَـة ُ لَـهْـوِهــا | ويَــدٌ تُــمَــسِّـــدُ نــاهِــدَيْــن ِ ومَــنــكــبــا |
أغْـوَتـهُ جَــنَّــتُــهـــا... وأغــواهـــا بــهِ | عـطــشٌ أبـى ـ إلآ شــذاهــا ـ مَــشـــرَبــا |
سَـــنــة ٌ وأخـرى واثـنــتـانِ: كـلاهــمــا | يـخـشـى مُـصـارحـةَ الـحـبـيـب ِ تـرَهُّــبــا |
طحَـنـتْ رُحى الأشـواقِ صـبْـرَهـمـا ومـا | عـرفـا لِــبَـوْح ٍ ـ مـنْ حَـيـاء ٍ ـ مَــسْــرَبــا |
شــربـا لـظـى قـلـبــيـهِــمــا واسْــتـعْـطـفـا | صَـبْـرَالـرِّمـالِ عـلى الـهـجــيــرِ تـلـهَّــبــا |
كـتـمـا الـهـوى دهْــرا ... فـلـمّــا أفْـصَـحـا | سَــقـطـا عـلى صَـخْـر الـذّهــولِ تـعَـجُّـبــا |
جَـمَــعَـــتْـهُــمــا الأيـامُ خـارجَ أفــقِــهـــا | فـي الـلامـكـان ِ فـأفْـصَـحـا واسْــتـعْــتـبـا |
فـتـنـاغــيـا طــيــريـنِ فـي عــشِّ الـهــوى | وتــســاقــيــا كـأسَ الـعِــتـابِ وأطــنــبــا |
شــدَّتْ يـداهُ خِـمـارَهــا .. فـاسْــتـغْـرَبَـتْ | وتــسَــتَّـرَتْ بـقـمــيـصِـهــا فـاسْــتـغْــرَبـا: |
شـعّـتْ مـرايـا خـصْــرِهــا وتـكـشّــفــتْ | عــن زهْــر ِ فُـلٍّ بـالــضّــيـاءِ تـخَــضَّــبـا |
فــزَّتْ يــداهُ ومُــقــلــتــاهُ وحَـمْـحَــمَــتْ | شــفــتـاهُ.. والـجَـمْـرُ الـطــفـيءُ تـلـهَّــبــا |
حَـطّــتْ عــلـى يـاقـوتِ سُـــرَّتِـهـــا يَــدٌ | بـلـغ الـحـنـيـنُ بـهــا لِــوردتِـهــــا الـزُّبـى |
واسْـــتـنْـفــرَتْ ثـغـري زنـابــقُ زنْـدِهـــا | فـانـهــالَ لـــثــمـا ً بـالــتّــأوُّهِ مُــصْـحَــبــا |
صــامــا دهــورا ً... ثــمّ لــمّــا أفْــطــرا | هَــزّا جِــدارَ الــمُــسْــتـحــيــلِ فـأرْطــبــا (2) |
كــفــرا بِــلــوم ِ الــلائــمـــيـــن َ وآمَــنــا | بـالــعِـشـقِ دِيــنــا ً والـمـحـبَّـةِ مــذْهــبــا |
رَغِـــبـــا عــن الــلـــذات ِ ... إلآ لــذَّة | أنْ يُـصْـبِـحـا لـجـنـونِ عِـشْـق ٍ مَـضْـرِبـا |
مـا عُـدْتُ أدْريـنـي: أكـنـتُ أنـا ابـنـهــا | أم قـد غـدوتُ ـ مـن الـحـنـانِ ـ لـهـا أبـا؟! |
قـمَّـطْـتُـهـا بـأضـالـعـي.. وحَـضَـنْـتُـهـا | تِـحْـضـانَ مُــفْــتـأد ٍ يــرومُ تــطــبُّــبــا (3) |
يــومٌ عــدلــتُ بــهِ حَــيــاتـي كــلّــهـــا: | طـفلا ً فـتىً غـضّـا ً وكـهـلا ً أشْــيَــبـا |
تـعِــبَ الـنـهــارُ فــنـامَ قــبـلَ غــروبــهِ | وهُــمـا عـلـى حـالــيْـهِــمـا لـم يــتـعَــبـا |
يـغـفـو الـسَّــريــرُ فـيـوقِـظـان ِ أنـيـنـهُ | بـلهــيـبِ مُــتّـقِـدَيْـنِ شَـــبَّ فـأحْـطَــبـا |
يــتــســـاقــيــانِ مــن الــرَّحــيــقِ ألــذَّهُ | ومـن الــقـطـوفِ الـدّانـيـاتِ الأطــيَــبــا |
عَــرفـا يــنـابــيـعَ الــمـجـونِ فـأوْصَــدا | عــنـهــا كـؤوسَــهــمــا فـلـم يــتــقــرَّبــا |
عَـجَـنـا بـدمـعِـهــمـا طـحــيـن صَـبـابـةٍ | خَـبَـزاهُ لــثـمـا ً بـالــرِّضـابِ مُـطــيَّـبــا |
يـظـمـا فـتـرضعُـهُ الرّضابَ وتـشْـتـكي | ضَـجَـرا ً فـيُـنـشِئُ من قـصـيـدٍ مـلـعـبـا |
عـقـدَتْ تُـوَيْـجَـتُهــا قِــرانَ عــبـيـرِهــا | بـنـمـيـرِ مَـيْـسَــمِـهِ فـطـابَ الـمُـجْـتـبـى |
خَـبَـرَتْـهُ صـحـراءً فـقـادتْ غــيــمَـهــا | لِـتـزخَّ تِـسْــكـابـا ً عــلـيــهِ فـأعْــشــبــا (4) |
يـرفـو بـشـوكِ الـصّـمـتِ بُـرْدَةَ جُـرحِـهِ | ويــقـولُ: أهــلا ً بـالـهـمـوم ِ ومـرحَـبـا |
كـبَـتِ الـدُّروبُ وما كـبَـتْ خطـواتُـهــا | وخـبَـتْ قـنـاديـلُ الــسّــمــاءِ ومـا خَـبـا |
ورثـا بـثـيــنـة َوالـمُــلـوَّحَ فـي الــهــوى | والأخْـيَــلــيَّــة وابــن وردَ وزيْــنــبــا (5) |
عـاش الحـيـاةَ مُـصَـدِّقــا ً غـدرَ الـهـوى | وأتـتْـهُ بـالـعــشــقِ الــيـقــيـن ِفــكـذّبــا (6) |
عَـهَــدَ الـهـوى لـهـمــا بـحِـفـظِ كــتـابــهِ | فــتـخـلّــقــا بــعَــفــافِــهِ وتــمَــذْهَـــبــا |
أسْـرى بـحـقـلِـهــمـا الـرّبـيـعُ وشـمـسُــهُ | فـإذا الـهـجـيـرُ أرقُّ مـن عـذبِ الـصَّــبـا |
عـصَـمَـتْ خطايَ مـن الجـنوحِ ودجّـنـتْ | طـيـشـي وجَـزّتْ لـلـخـطـيـئـةِ مـخـلــبـا |
قـد كـنـتُ من قـبـل ارتـشـافِ نـمـيـرهــا | حَـطـبـا ً مـن الـشّـوكِ الـهـشـيـمِ فأعْـنـبـا (7) |
فــ "بــأيِّ آلاء ٍ" أكــذِّبُ حُـــبَّـــهــــا؟ | وبـ " بـأيِّ آلاء ٍ " أصَــدِّقُ مُــحْــرِبــا؟ (8) |
وبـ " أيِّ آلاء ٍ " أنــادِمُ غــيــرَهـــا ..؟ | وبـ " أيِّ " آلاء ٍ تُـســامِــرُ مُـعْـجَــبــا؟ |
وتـوادَعـا عـنـد الـمـسـاءِ .. فــشــرَّقـتْ | تـشـريـقَ أفـواجِ الـحـجـيـجِ .. وغــرَّبـا (9) |
حَـجَـبَـتْ عـن الأحـداقِ لـون زهـورِهـا | إلآ لِـمُــقْـلــتِــهِ فــتـكـشــفُ عــن رُبـى |
فـيـشــمُّ رَيْـحـانـا ً ويـقـطــفُ زنــبــقــا ً | ويـمـصُّ تُـوتـا ً كـالـطِـلا مُـسْــتـعـذبـا |
هــو مــثـلـهــا: مُــتـحَـجِّــبٌ.. لـكــنــهُ | جـعَــلَ الــفـؤادَ بـحــبِّـهــا مُــتـحَـجِّــبـا |
هـيَ نـخـلـة ُ الـلّـهِ اصـطـفـانـي سـادِنــا ً | مُــتـهَـجِّـدا ً فــي عـشــقِـهــا ً مُـتـرَهِّــبـا |
مَـعـصومَـة َالأعـذاقِ والـسَّـعْـفِ اشهدي | يـومَ الـحِــســابِ إذا يــســاريَ ألّــبــا : |
أنــا مـا عــبـدتُــكِ رغــبَـة ً بـضَـلالــة ٍ | فـلــقــدْ عَــبَــدْتُــكِ: لــلإلــه ِ تــقــرُّبــا |
- المقصود أنها حين يكون الوقت مساءً عندها ، فإنه يكون وقت الصبح عنده / إشارة لبعد المسافة بين مكانيهما .
- أرطب: أثمر وأعطى الرُّطب.
- المفتأد: المصاب بعلة في قلبه من حب وصبابة.
- التسكاب: نزول المطر انسكابا برويّة ـ وعكسه: السّح
- أشهر العشاق في التاريخ العربي: بثينة معشوقة جميل بن معمر العامري .. والملوح قيس عاشق ليلى .. وابن ورد هو عروة بن الورد عاشق عفراء.. وزينب هي زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن من أشهر العاشقات العفيفات العربيات وكانت معشوقة الشاعر العذري ابن رهيمة.
- معمول الفعل «كذّب» هو «غدرُ الهوى»..
- أعنبَ: أثمر وأعطى عنبا.
- المُحرِب: العدو، الحاقد، والمراد به هنا النمام..
- التشريق: من أيام الحج وهي ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر حيث يعود من بعدها الحجيج إلى بيوتهم..