«كبوشي مش وحيد»!
صديقي الكاتب والإعلامي نايف خوري، أرسل لي كعادته على الوتسآب، مقاله "كبوشي مش وحيد"، ضمن سلسلته الساخرة، "إبر ودبابيس"، والذي نشره في صفحته على الفيسبوك أيضا. يُعجبني أسلوبه الساخر ومواضيعه الممتوحة من واقعنا، ولكنّه هذه المرّة في نظري، أخفق أيّما إخفاق. ولذلك ارتأيت أن أكتب له هذا الردّ كإبرة ودبوس على "إبره ودبابيسه"، ليس دفاعا عن المطران كبوشي، فهو أجلّ من أن يحتاج إلى دفاعي عنه، بل دفاعا عن المطارنة الآخرين المذكورين في المقال، وعن الكاتب نفسه، لأنّني أعلم علم اليقين، أنّها زلّة بحقّه وحقّ المطارنة الأفاضل وحقّ المطران كبوشي، صدرت عن نيّة طيبة.
عزيزي أبا إلياس، أدامك الله وهداك لما فيه خير المسيحية والإنسانية كلّها ...
رغم كلّ النوايا الطيّبة التي أعهدها فيك، "أجيت تتكحّلها عميتها"، لأنّ النبرة فيما كتبته، تعدّت تلك السخرية التي أحببناها في أسلوبك، في إبرك ودبابيسك، فقد وظّفتها هذه المرّة، في مقالك التعيس المذكور أعلاه، ضدّ علم من أعلام حركتنا الوطنية أولا، وعلم من أعلام المسيحيّة الحقّة ثانيا، وأشدّد: الحقّة، لأنّك مثلي، تعرف جيّدا أنّ هناك مسيحيّة حقّة ومسيحيّة مشوّهة، وكذلك الأمر بالنسبة للإسلام وكلّ الأديان. ومن شوّه الأولى شوّه الثاني لغاية في نفسه، لذلك كان حرّيّا بك أن تستمرّ في توظيف سخريتك، كما عودتنا، ضدّ السلطة التي أقلقها وجود قامات دينية ووطنية شامخة كقامة المطران المبجّل، إيلاريون كبوشي.
لا أعتقد أنّ المسلسل، "حارس القدس"، جاء ليقول لنا إنّ المطران كبوتشي كان وحيد عصره، وبلا شكّ، لم يجئ لينتقص من الدور الذي حاولت إبرازه على حساب شخصيته، أقصد الدور الذي لعبه كثر من المطارنة الوطنيين الشرفاء في تاريخ أمّتنا وقضيتنا، شاء من شاء وأبى من أبى، ولكنّ المسلسل ومطرانه المبجّل، كانا متميّزين حقّا: المسلسل بقصّته وإخراجه وتمثيله، والأهمّ بلفتته الكريمة والشجاعة، والمطران إيلاريون كبوشي بكلّ سيرته الدينية والوطنية الحافلة والتي هي مدعاة للفخر والاعتزاز. وليس ذنب هذا المطران الجليل أنّ حياته وأعماله وجدت أقلاما ومبدعين يُخلّدونها.
عزيزي أبا إلياس، خطأك في هذا المقال، أنك انطلقت فيه من أنّك رأيت في ذكر تميّز المطران كبوشي انتقاصا من دور رجال دين وطنيين محترمين آخرين. فما الذي منعك حتى الآن، عوضا عن هذا المقال، أن تُخلّد بقلمك كلّ مَن تراه يستحقّ التخليد منهم، دون أن تتّخذ من مسلسل المطران كبوشي مطيّة، فاحت منها رائحة الانتقاص الساخر من حضرته حين تساءلت: "لكن مين هذا المطران، اللي حكوا عنه مسلسل طويل عريض؟ المطران إيلاريون كبوشي"؟ هذا التساؤل يا عزيزي رغم أنّك لا تُنكر مكانة حارس القدس، كان ساخرا بشكل معيب ومرفوض. ولعلمك، فقد رفض لاوعيك ما قال به وعيك، لأنّك بكلامك عنه، أنت نفسك، سواء بقصد أو بغير قصد، قد ميّزته عنهم جميعا.
وعلاوة على ذلك، أظنّك أيضا، لم تفهم جيدا ما جاء في الحلقة الأخيرة على لسان الأب (أظنّه الأب إلياس زحلاوي – المستشار التاريخي للمسلسل) الذي أرسل إليه المطران كبوشي أمانة مع جوليا، قال: "أعرف أنّ الكثيرين لم يُؤيّدوا موقفك (يقصد موقف المطران كبوشي)، الكنائس في العالم تتّخذ موقفا حياديا غالبا، إزاء القضايا الوطنية والقومية، وخصوصا في الشرق، ما يميّز المطران كبوشي أنّه قفز فوق هذه العقلية، وعاد إلى الإنجيل، ووقف مع الإنجيل مدافعا عن الإنسان، ومدافعا عن الإنسان في أرض فلسطين حيث عاش وصلب وقام السيّد المسيح". هذا ما يُميّز المطران كبوشي (بشاهدة الأب زحلاوي وليس بشهادتي)، يُميّزه أنّه ماهى بين آلام السيد المسيح الفلسطيني، وآلام الإنسان الفلسطيني المعاصر الذي يرزح تحت نير الاحتلال كما رزح السيّد المسيح تحت صليبه، وقد دفعته عقيدته، المسيحيّة الحقّة التي لا تقبل الظلم، إلى المشاركة في المقاومة لرفع الظلم عن أبنائه، أبناء شعبه الفلسطيني وأمّته العربية. شاهد الحلقة الأخيرة مرّة أخرى واسمع إجابته عن سؤال ريما (أمل عرفة): كيف وفّق بين عقيدته ومشاركته في المقاومة؟
وما دمت يا عزيزي تحبّ الإبر والدبابيس وتوظّفها بهذه الجرأة، فبدون زعل، إليك هذا الدبّوس:
مقالك المذكور، يُنصف بعض المسيحيين لأنّهم مسيحيّون بالأساس، لا لأنّهم وطنيون شرفاء، وأنا كما تعرفني، لا يهمّني أيّ دين يتبع الإنسان، بقدر ما تهمّني إنسانيّته ومواقفه الإنسانية، ولذلك رأيت فيما كتبته عنهم، إهانة لهم وليس إنصافا، وإن كنت واثقا من أنّك لا تقصد الإهانة. لقد أهنتهم لأنّك أقحمت ما قالته خالتك نبيهة، مع احترامي لك ولها، في غير موضعه، فليس الدواعش وأمثالهم لحاهم الله، هم من يُقرّرون لنا: من هو الإنسان الوطني الشريف، مسيحيّا كان أم مسلما أم بوذيّا؟ أعماله ومواقفه هي التي تُقرّر، والناس يا عزيزي يعرفون الحقيقة، ولكنّ المؤسف حقّا في هذا الزمن السيّء، زمن التكفير والتكفيريين، أنّ الذين يعرفون الحقيقة هم أكثر مَن يحيدون عنها. ولذلك لم يكن من الحكمة أن تجمع في مقالك بين مآثر المطران كبوشي، وموبقات الدواعش التي لا تظلم المسحيين فقط، بل تظلم المسلمين والإنسانية كلّها. ليتك أنهيته، من باب المعرفة والتنوير، بذكر من تراه من المطارنة الأفاضل، يتميّز بأعماله عن المطران كبوشي الذي ندرك تميّزه، وندرك بلا أدنى شكّ، أنّه ليس وحيدا!
محبتي