الخميس ٢٥ شباط (فبراير) ٢٠٢١
بقلم عصام شرتح

لعبة الشعرية في قصيدة «بلا صور»

تهدف الدراسة إلى الكشف عن الفواعل والعتبات النصية الجزئية التي تثير الشعرية في قصيدة (بلا صور) للشاعر اللبناني الملهم الدكتور وهيب عجمي، وهي دراسة تسعى جاهدة أن تكشف المثيرات الجمالية البؤرية التي ترتكز عليها القصيدة في مفاصلها النصية الحساسة ، من ناحية البؤر النصية التي تحكمها إبداعياً أو فنياً، لتكون الدراسة هذه أشبه بالحفر البنيوي عن الركائز النصية التي تحرك شعرية الرؤية، وتبثها للقارئ بجمال غير معهود على مستوى البناء النصي التقفوي الجمالي.

ومن هذا المنطلق، تعمد الدراسة إلى تركيز رؤيتها النصية على كل ما يثير الشعرية، ويخلق المتعة الجمالية في النسق الشعري، وهذا يعني أن الدراسة تسعى في الكثير من مساعيها الجمالية إلى الكشف الجمالي عن كل ما يحرك الشعرية في القصيدة من بنى، ودلالات، ومحركات نصية تؤكد أن مصدر الجمالية في أي نص شعري يكمن في مثيره الجمالي وطاقته الإبداعية الخلاقة التي تغتني بالدلالات والرؤى الشعرية الجديدة التي تحرك الشعرية من العمق.

أولاً- نص قصيدة (بلا صور):

لا تقبلِ الموتَ عند الله مغبونا
في قبضتي مُتْ وخُذْ خمسين مليونا
فكمْ توفّى إلهُ الكون من بشرٍ
كلٌّ قضى عند عزرائيل مديونا
لكنَّني بينما أقضي عليكَ انا
أعطيكَ حيّا كما اعطيكَ مدفونا
ولا عذابَ سعيدُ الحظِّ يدركُهُ
ذراعنا قدَّ حدَّ السّف مسنونا
بطلقةٍ آخرُ الانفاسِ تلفظها
وتعبرنَّ طريقَ الموتِ ممنونا
شارون يلهو بمطاطّ ممازحةً
وما حسدتُ على المطاطِ شارونا
فلا المزاحُ بهذا الشأن يعجبني
يبقى الرَّصاص كما الدولار مضمونا
إن الرَّصاص إذا لم يغتسلْ بدِما
شعبي الحبيب غدا للخصمِ مرهونا
حُبَّاً بشعبي ذبحتُ الشعبَ في وطني
ورحتُ أبكي على الاجساد محزونا
أنا بحبِّك يا بيروتُ مكتئبٌ
أنا بحبك صرت اليومَ مجنونا
هاتي ذراعك بالأموال أشبكُهُ
لئن قبلتِ لصار الكهلُ مفتونا
وإن سألتِ عن الاموال سيِّدتي
في مصرفي مالكم مازال مخزونا
وقدُّك الجسرُ يا هيفاء اسكنُهُ
طيَّ الفؤادِ مساميرا وباطونا
لذا فقلبي حديدٌ لا تحرِّكُهُ
آهات ثكلى فتاها ماتَ مطعونا
هوى الإطارات مهووساً فأشعلها
أما رآنا غرسنا فيك زيتونا
كان الحريُّ به إنْ لمْ يجدْ عملاً
أن يصدح الشعر تلو الشعر موزونا
انتمْ طيورٌ بنو الإنسان في قفصي
والطير للصيد إمّا بات مسجونا
جوعوا فما ضرَّكم لو جعتُمُ سنةً
جوعوا فلا تأكلوا لحماً كلوا طونا
جوعوا كلوا كلَّ ما تستمتعون به
كلوا رصاصاً وأوجاعاً وكمونا
فللتظاهر في لبنان مقبرةٌ
جوعوا كلوا مثلنا عشباً وطيونا
لا تسمنوا انتبهوا واستبعدوا خطراً
فمن تنبه لن يحتاج بالونا
كلاّ طرابلس لن تنسى مودَّتنا
وما تناستْ رؤى بغداد هارونا
أهواك،نيرونُ لا يهوى مدينتَهُ
بنار حبِّك صار القلب مشحونا
إسخي عليَّ ليبقى العهد جامعنا
ومن تخلَّف منّا كان ملعونا
فرعون مات وما قامت قيامته
أمّا أنا سأظلُّ الدَّهر فرعونا
إن كان نيرون سبّاقا بمهنتنا
لسوف اغلب يا بيروت نيرونا
بيروتُ قالت: وسيف الظلم يذبحها
أرسلتُ للموت ابنائي قرابينا"(1).

ثانياً- التحليل النصي:

تعد الشعرية قيمة جمالية متحولة أو زئبقية متغيرة من قصيدة لقصيدة، حسب الفكر الجمالي والوعي الجمالي التشكيلي في تركيبها،لأن اللعبة الشعرية تتمثل في قدرة الألفاظ الشعرية على تحقيق قيمتها الإسنادية ودهشتها المراوغة في تحريك النسق الجمالي، وبما أن الشعرية هي في أرقى تمظهراتها الفنية تشكيلات لغوية إسنادية تبرز للنسق الشعري تحولاتها النسقية المؤثرة، ومن هذا المنطلق فالوعي الجمالي التشكيلي يمثل قيمة جمالية في تفعيل الأنساق الشعري بمحتواها ورؤاها الخلاقة، ومن أجل هذا، لاتظهر شعرية الشاعر إلا من خلال طاقتها الخلاقة ومؤشرها النصي البليغ الذي يضمن شعرية القصيدة،وشعرية متحولها الجمالي الخلاق بالرؤى والدلالات الجمالية، فكم من النصوص الشعرية المؤثرة ماحازت على قيمها الجمالية إلا بالمهارة التشكيلية الخلاقة التي تبرز حيوية الأنساق الشعرية في أرقى تمظهراتها الفنية.
وبتقديرنا: إن اللعبة الجمالية في قصائد العجمي متنوعة، تبعاً لمثيرها الجمالي الخلاق وطاقتها الإبداعية التي ترتكز على حرفنة النسق الشعري الجمالي بكل متغيرات الرؤية الجمالية ومحركاتها النصية. ومن هذا المنطلق، فالقيمة جمالياً للنص المبد ع في شكله ورؤيته الخلاقة ومرجعه النصي البؤري الخلاق. فالطاقة الإبداعية التي تثيرها قصائد العجمي متنوعة، فكل قصيدة تفتح بوابتها الشعرية بإيقاعات جمالية غاية في التكثيف والاستثارة و الفاعلية النصية، مما يؤكد أن بذور الحرفنة الجمالية في قصائده ممتدة في آفاقها ورؤاها الجمالية، ومنظوراتها الوجودية العميقة سواء أكانت قصائده غزلية تثير العاطفية أو سياسية انتقادية تطال الواقع السلبي بكل مثبطاته الوجودية المؤلمة، وهذا دليل أن الفكر الجمالي المبدع وراء التوثبات الإبداعية الخلاقة في قصائده من ناحية التشكيلات اللغوية الخلاقة والصور الدرامية المحمومة والمنازع الرؤيوية التشكيلية التي تجعل القارئ دائماً متوثباً لكل إبداع نصي جديد يطال الرؤيا والمخيلة الشعرية.

ومن هذا المنطلق، فإن قصائد العجمي تثبت موجوديتها وبراعتها الجمالية من ناحية الرؤيا والوعي الجمالي الإبداعي في تشكيلها النصي من ناحية الشكل اللغوي والوعي والاستثارة والتأثير.

1-جمالية الفاتحة الاستهلالية:

إن الشاعر الحقيقي المبدع هو الذي يستثير القارئ منذ الدفقة الاستهلالية الأولى، ولا يمكن للشاعر أن يرتقي درجات من الاستثارة والجمالية دون المباغتة الأسلوبية المثيرة في فاتحتها النصية، إذ إن الدخول رحم الدلالات الشعرية المؤثرة تتحقق في القصيدة في جل تحولاتها الإسنادية الخلاقة في أول دفقة في القصيدة، إذ إن تصيد الدلالات الشعرية الخلاقة تظهر للقارئ من خلال متحولها الجمالي الخلاق الموحي.

ومن يطلع على قصيدة( بلاصور) للعجمي يدرك أن لعبتها التشكيلية تؤكد مغامرتها الفنية منذ الدفقة الاستهلالية الأولى في القصيدة كما في الفاتحة النصية التالية:

لا تقبلِ الموتَ عند الله مغبونا
في قبضتي مُتْ وخُذْ خمسين مليونا
فكمْ توفّى إلهُ الكون من بشرٍ
كلٌّ قضى عند عزرائيل مديونا
لكنَّني بينما أقضي عليكَ انا
أعطيكَ حيّا كما اعطيكَ مدفونا
ولا عذابَ سعيدُ الحظِّ يدركُهُ
ذراعنا قدَّ حدَّ السّف مسنونا

إن القارئ هنا يدرك أن اللعبة التشكيلية ميدان استثارة القصيدة التي تخلق إيقاعها الجمالي من خلال حنكة الشاعر التشكيلية والانتقال من صورة إلى صورة، فاللعبة الانزياحية لعبة تركيبية تظهر في اكتمال البيت في تحقيق دورته الجمالية، كما في قوله:

فكمْ توفّى إلهُ الكون من بشرٍ
كلٌّ قضى عند عزرائيل مديونا

هنا تظهر بلاغة الشاعر في خلق الرؤية التكاملية من خلال الدورة التكاملية للشطرين معاً في إبراز ما يبتغيه الشاعر ويرسمه بإحساس جمالي، وهذا يدلنا على أن الشعرية قيمة تفاعلية في اكتناز الرؤى وخلق مؤشرها الجمالي.

والمثير في شعرية هذه القصيدة اكتنازها بالدلالات والرؤى الشعرية الخلاقة، التي تبث إيقاعها الثائر، كما القصائد السياسية الثائرة لبدوي الجبل التي يندد بها بالاستعمار الفرنسي آنذاك، كما في قول العجمي:

بطلقةٍ آخرُ الانفاسِ تلفظها
وتعبرنَّ طريقَ الموتِ ممنونا
شارون يلهو بمطاطّ ممازحةً
وما حسدتُ على المطاطِ شارونا
فلا المزاحُ بهذا الشأن يعجبني
يبقى الرَّصاص كما الدولار مضمونا
إن الرَّصاص إذا لم يغتسلْ بدِما
شعبي الحبيب غدا للخصمِ مرهونا

إن القارئ -هنا- يدرك البعد الجمالي الرؤيوي الثائر لهذه الصور التي تعكس إيقاعها التحفيزي الثائر، ليكون الموت في النضال هو طريق الحياة، ولا حياة ولاسبيل إلى تحصيل حياة كريمة دون مناضلة، ومجاهدة في النفس والروح؛ وهذا يدعونا إلى القول:إن شعرية الكلمة في هذه القصيدة تبرز في سياقها الثائر المتحول في الرؤى والدلالات الجديدة، كما في قوله:

إن الرَّصاص إذا لم يغتسلْ بدِما
شعبي الحبيب غدا للخصمِ مرهونا

إن شعرية الكلمة تحقق قيمتها الجمالية من خلال انسجام الدلالات والرؤى الشعرية، فكل صورة شعرية تحقق مثيرها النصي، من خلال تآلف الكلمات التي تبعث اللذة في تلقيها واستشرافها الجمالي.

2- الحياكة الجمالية:

الشعر فاعلية تشكيلية تحقق استثارتها من خلال حنكة الشاعر والانتقال من سياق أسلوبي إلى آخر، فلا قيمة للشعرية إن فقدت مثيرها النصي العميق وحياكتها الجمالية التي تظهر من خلال بلاغة الأنساق الشعرية ومحفزها النصي العميق. يقول العجمي:" الشاعر مهندس كلمات وتراكيب وصانع أخيالة جديدة، والشاعر المبدع هو شاعر واعٍ بأدواته وطرائقه الأسلوبية الجديدة، ولايرتقي الشاعر إلا بهندسته التركيبية لقصائده على المستوى الجمالي أو الفني"(2).

والشاعر الأصيل هو شاعر منمق بالرؤى والدلالات الجديدة، وحياكة الأنساق الجمالية المراوغة التي تخفي درجة من الفاعلية والتأثير، ولو تأملنا بلاغة الأنساق الشعرية في قصيدة (بلا صور) لتوقفنا على خصائص جمالية مؤثرة، كما في الأبيات التالية:

حُبَّاً بشعبي ذبحتُ الشعبَ في وطني
ورحتُ أبكي على الاجساد محزونا
أنا بحبِّك يا بيروتُ مكتئبٌ
أنا بحبك صرت اليومَ مجنونا
هاتي ذراعك بالأموال أشبكُهُ
لئن قبلتِ لصار الكهلُ مفتونا
وإن سألتِ عن الاموال سيِّدتي
في مصرفي مالكم مازال مخزونا
وقدُّك الجسرُ يا هيفاء اسكنُهُ
طيَّ الفؤادِ مساميرا وباطونا
لذا فقلبي حديدٌ لا تحرِّكُهُ
آهات ثكلى فتاها ماتَ مطعونا

لابد من الإشارة بداية إلى أن الحياكة الجمالية – في هذه الأبيات – تظهر من خلال تناغم الكلمات الشعرية وائتلافها مع بعضها البعض لتشكل قيمة علائقية فاعلة في التحفيز، والتفعيل الجمالي، وهاهنا نلحظ ترسيم الشاعر العميق لأبياته الشعرية المؤسسة للدلالات والمعاني الجمالية، على شاكلة قوله:

أنا بحبِّك يا بيروتُ مكتئبٌ
أنا بحبك صرت اليومَ مجنونا

أن القارئ يلحظ ترسيم الدلالات والمعاني الشعرية المؤثرة في حب تراب بيروت والتغني بحبها، وهذه النظرة التقديسية لبيروت بشتى الصور المؤثرة تدلل على الوعي الجمالي التشكيلي، وهذا يدلنا على أن الترسيم الجمالي للأبيات الشعرية في قصائد العجمي ترسيم مؤثر يؤكد بلاغة الدهشة التشكيلية التي تصيبها أبياته في الكثير من تحولاتها الشعرية النسقية.

بمعنى أدق:إن اللعبة التشكيلية التي تصيبه الكثير من قصائد العجمي ترتكز على الحنكة الجمالية في ترسيم الصور التشكيلية البالغة الاستثارة والتحفيز الجمالي، وهذا يعني ظأن المرتكز الجمالي التأسيسي الذي تنبني عليه قصائد العجمي مرتكز ترابطي نصي، إذ إن الجملة تربط بالجملة وتقتضيها فنياً من حيث قيمة الروابط والفواعل النصية الآسرة، تبعاً لمتغيرها الجمالي ومثيرها النصي التأويلي، وهذا يدعونا إلى القول: إن قصائده منسجمة ومترابطة في تصوير الحالة الشعورية من أول كلمة في تكوينها إلى آخر كلمة في تشكيلها، وهذا دليل التلاحم والترابط والوحدة الفنية المتماسكة بين الأنساق، وهذه مصدر لذة تشكيلية في تكوينها الفني.
ولو تأملنا في فاعلية الصور الشعرية في هذه القصيدة من حيث حياكتها الجمالية وبلاغتها لوجدنا الدهشة الجمالية في رسم الأبيات الشعرية رسماً كما في هذه القفلة النصية المثيرة:

أهواك،نيرونُ لا يهوى مدينتَهُ
بنار حبِّك صار القلب مشحونا
إسخي عليَّ ليبقى العهد جامعنا
ومن تخلَّف منّا كان ملعونا
فرعون مات وما قامت قيامته
أمّا أنا سأظلُّ الدَّهر فرعونا
إن كان نيرون سبّاقا بمهنتنا
لسوف اغلب يا بيروت نيرونا
بيروتُ قالت: وسيف الظلم يذبحها
أرسلتُ للموت ابنائي قرابينا"

إن القارئ يتلذذ بهذه الصور الثائرة المرسومة بجمالية وإيحاء فني غاية في التآلف والانسجام واللذة التشكيلية، وكأن كل صورة تقود الصورة الأخرى، وتشكل معها قيمة علائقية تحفيزية تستثير اللذة الجمالية في النسق الشعري، ولهذا فالقارئ يلحظ هذا التآلف والانسجام والحبكة الجمالية في ترسيم الصور وتحقيق متغيرها الجمالي، كما في الصور الشعرية:

إن كان نيرون سبّاقا بمهنتنا
لسوف اغلب يا بيروت نيرونا
بيروتُ قالت: وسيف الظلم يذبحها
أرسلتُ للموت ابنائي قرابينا"

هنا، يطالعنا الشاعر في ترسيم الصور الشعرية المثيرة التي تبعث اللذة الجمالية في التشكيل من خلال الانسجام والتشكيل الجمالي( نيرونا- قرابينا)، وهذا دليل أن الانسجام النصي الجمالي يحقق في القصيدة متغيرها الجمالي الآسر في التحفيز النصي؛ ومن هنا، فإن فاعلية الرؤيا الجمالية في قصائد العجمي تنبني على مغرياتها النصية التي تحقق أقصى درجات الفاعلية والتأثير في استثارة الرؤيا الجمالية في القصيدة.

وهذا يقودنا إلى القول:إن درجة شعرية قصائد العجمي على المستوى الفني تتحقق من خلال الانسجام والتناغم الجمالي بين الأنساق الشعرية لتحقق شعريتها وتفاعلها النصي، ومن هنا يمكن القول: إن الوعي الجمالي التشكيلي في الصور الشعرية يبعث اللذة الجمالية في تشكيلها، وهكذا اتقن العجمي في رؤيته الثورية من خلال صوره الساخرة ورؤيته المعرية للواقع السلبي بكل مافيه من بشاعة ونفاق ورياء، لتأتي قصيدته صرخة في عالم السخرية الإبداعي النشط في إلهاب التوتر وإنتاج دراما الشعور الملتهب الثاثر.

الحواشي:

عجمي،وهيب،2021-قصيدة بلا صور، منشورة على صفحة الشاعر
شرتح، عصام،2021- حوار مع وهيب عجمي، الفيس بوك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى