السبت ٢ نيسان (أبريل) ٢٠٢٢
بقلم سناء أبو شرار

لماذا الرواية؟

لأنها مرآة النفوس وصدى الأرواح ثم إلتقاء العقول، لأنها عالم صغير يتجول في عالمنا الكبير، ونحن بحاجة لرؤية من يتجول بيننا بصمت دون أن يشي بأسرارنا أو يحاكم تصرفاتنا. فقط الرواية تمنحنا هذا التجوال الحر الصامت وغير المرئي، لأنها عالم موازٍ لحياتنا، وهناك رغبة دفينة في الذات البشرية للتحرر من ذاتيتها والرحيل إلى مكان آخر، الجلوس مع أشخاص آخرين، رؤية وجوة أخرى ولغات غريبة، لأننا وبصراحة بسيطة نضجر بأحيان كثيرة من ذواتنا وليس من الآخر فقط؛ نحن ببساطة نحب أن نرى مسرح داخلي باعماقنا لا نكون به الممثلين ولا المخرجين ولا المنتجين، نكون به ذلك المتفرج الصامت السلبي والذي يهرب من الواقع أو يريد ان ينساه ولو لبضعة ساعات، يحتاج أن يكسر ذلك الطوق الذي يفرضه عليه الواقع، فتحرره الرواية من ذلك الواقع، تكسر قيده ولو لفترة قصيرة وذلك بغض النظر عن إن كان سعيداً في حياته أو حزيناً، إنها حاجة نفسية روحية وعقلية وإلا فلماذا أحب البشر ومنذ القدم وإلى الأزل القصص والروايات والأفلام؟ لأنها كسر مؤقت للقيد، لأنها تجعلنا نعيش بعوالم أخرى دون أن نتحمل مسؤولية تلك العوالم، دون أن نكون أبطالها ولا جبنائها، أن نكون هناك ولكننا لسنا شركاء.

ولكن ليس كل رواية كاسرة للقيد، وليس كل قصة آسرة للروح، وهنا تكمن براعة الكاتب الحقيقي، أو بالأحرى هي ليس براعة بل قدرة عفوية وموهبة تلقائية بأن يكون ذلك الكاتب جاذب للقاريء مثلما يكون ذلك الفيلم جاذب للمشاهد أو يترك بصمات الملل على نفسه.

وكلما كان الكاتب على علاقة وطيدة مع ذاته، ويمتلك فهم عميق للذات بذلك القدر فقط تكون روايته جذابة لأنه ينزع القشور الواحدة تلو الأخرى، يحلل النفوس دون مواربة ودون ضعف في الوصف أو ركاكة في التعبير، تتماوج الأحداث بين الأسطر كأنها سمفونية خالدة الكاتب فقط يُتقن إدارتها ويدرك متي يتغير ذلك اللحن ومتي ينخفض أو يزداد صداه أو حتى متى يصمت.

في كل الفنون هناك نافذة صغيرة تقول للإنسان: هيا أخرج معي من ذاتك، هيا، هناك عالم آخر لتنظر إليه من خلالي، هيا لنذهب بجولة إلى مكان لا شيء به سوى متعة النظر والفكر والتأمل والابتعاد عن النفس والذات والآخر، ومن ضمنها وبإمتياز الرواية.

لذلك لا يجوز أن تكون الرواية سطحية أو تافهة لأنها تستخف بعقل القاريء قبل أن تُشير إلى ضعف الكاتب، إنها المصنف الأول في الأدب الذي يجب أن يكون عميقاً تحليلياً، بثقافة راقية، بشعور إنساني، بفهم ناضج للذات البشرية؛ وربما تكون الرواية بسيطة ولكنها شفافة تمس الفكر والروح، وفي هذا وذاك نتجول جميعاً في عوالم الرواية التي تتجول بدورها في عالمنا، تُصور، تُحلل، تُخاطب، تُهاجم، تُعلم الحب وربما تزرع الكره، إنها مرآة حياتنا، وصدى أصواتنا، وهي واحة الكاتب وجزيرة القاريء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى