

لم أفز أنا
نعم أنا ذاك الطفل الذي تراه يجري أمامك مفعم بالحيوية والنشاط وهذا أخي والروح المتممة لروحي فأنا متعلقٌ به للغاية وزاد تعلقي به بعد أن استشهد والداي منذ عام علي يد العدو الصهيوني ومنذ ذلك الوقت انتقلنا للعيش مع جدتي لأبي وأصبح أخي وجدتي كل عالمي بعد أن فقدت العالم كله باستشهاد أبي وأمي فأنا أعيش وغصة في قلبي تلازمني بسبب فقدانهم فقد اشتقت لهم كثيراً ودائما ذكرياتهم في مخيلتي ودائما الدموع تختبئ وراء عيني ولكن حالي كحال كل طفل فلسطيني يتقبل الشهادة بشئ من الصمود وكأن الله تعالى ميزنا بهذا القلب الصمود لأننا خلقنا لأن نكون أبطال حتى ونحن أطفال أعلم أنك لا تستطيع أن تبعد نظرك عني وأنت تراني أجري هنا وهناك حيث كنت مغرم بلعب كرة القدم أنا وأخي وشكلنا فريقان من أطفال شارعنا وكنا نسعد سوياً بهذه الأوقات التي نلعب
مع أصدقائنا الآن أنا أجتهد لكي أحرز هدف الفوز أصبحت الآن الكره معي وأخيراً تمكنت من إحراز الهدف ونظرت ورائي بفرحة عارمة وأنا أهلل لقد فزت يا أخي وفي نفس اللحظة قُصف منزل قريب من مكان لعبنا ووقع بعضٌ
من سور المنزل على أخي صمتت دقات قلبي ولم تحملني قدمي وأنا أجري تجاه أخي كي أتفقد حاله فوجدت أخي ممدد على الأرض يغطي وجهه الدماء وارتفع صوتي بالصراخ وأنا أنادي عليه ولكن لم يجب أخي
– 2-
لم يجب أخي كنت أعتقد أنني فزت في المباراة لا والله لم أفز أنا بل فاز أخي فاز الفوز العظيم الذي لا يعقبه خسارة
فاز ونال الشهادة وارتفع صراخي الذي كان يدوي في أرجاء شارعنا وأنا أردد لقد فاز أخي لقد فاز أخي لم أفز أنا ولم يكن هذا كل الصراخ الذي بداخلي فإن أخرجت ما بداخلي ستُقتلع جذور الأشجار من هول صوتي فأنا بداخلي طوفان وذرفت دموعاً كثيرة ولكنها لم تطفئ نار قلبي أنا مازلت عالق في هذه اللحظة ولم أستطيع أن أتخطاها ولو لثانية واحدة فدائماً أتذكر هذا الموقف وكأنه يعاد تشغيله في ذاكرتي دون إرادة مني فهو يشغل تلقائياً وكأن الذاكرة محت كل شئ ولم تحتفظ إلا بهذه الصور التي التقطتها لأخي وهي تعرض علي هذه الصور دائماً لقد كبرت وأنا أحمل بداخلي آلاماً كانت تكبر معي حتى قدرت علي حمل السلاح كنت أقوم بتدريباتي حتى أتمكن من القصاص العادل لأحبابي ولبلدي بأكملها فنحن ارتوينا بحب بلادنا
فحبي لفلسطين يجري في عروقي أنا لست إرهابي قالوا عني هذا لأنني أحمل سلاح إذاً فما الذي أحمله في وسط كل هذا الموت أأحمل العصا ؟! أنا مدافع عن وطني وأهلي وأحبابي بداخلي نار تكفي لحرق العالم كله ولكنها نار الحق لا تحرق إلا معتدي فهي دفئ للأصدقاء ولا يستطيع أن يحني معصمنا عدو فإن متنا فهي الشهادة في سبيل الله التي فُطمنا عليها وأتعجب من هؤلاء القوم فعندما أردنا أن نرد جزء من حريتنا
– 3-
المسلوبة ونوقف استنزافهم لنا وانتهاكهم لحقوقنا قاموا بوصفنا إرهابيون وهم من يقتلون أحبابنا وجعلوا الجوع ينهش في أجسادنا ليسوا إرهابيون نحن لا نخشى الموت بل نحارب من أجله فالشهادة مطلبنا لا نقاتل من أجل أن تُعَظم أسمائنا في الأرض بل لاستعادة الأرض نقاتل من أجل عقيدة ونصرة دين الله في كل موطن ومن ينصر الله لا يحني الله له رأس أبداً لقد كان عمري عندما قبضت روحي في جسد أخي عشر سنوات ومنذ ذلك الوقت وأنا أتنفس من أجل اليوم الذي أتمكن فيه من أخذ ثأر أخي وأبي وأمي وبلدي ولن أتنازل عن إحدى الاثنتين العيش بكرامة أو الشهادة في سبيل الله لن أتنازل أبداً حتى لأخر قطرة دم في جسدي لست وحدي بل نحن كثيرٌ وكلنا قد جمعتنا الفجيعة في أعز ما نملك وجمعنا حب الوطن وأكرر كلامي الشعب الفلسطيني ليس إرهابي بل هذا ما يدَّعيه العدو نحن فقط مدافعون عن الحق ضد باطلهم الحق الذي لا يعرفون طريقه فسجونهم مليئة بالمظلومين حتى أنهم لا يعاملوهم المعاملة الآدمية بل يذيقوهم كل أنواع البطش لذا قررنا أن نعد لهم ما استطعنا ونواجههم ونوقف هذا الظلم نوقف الظلم ولو فقدنا أرواحنا جميعاً فالله معنا والشهادة غايتنا ومن يكن الله معه لا يكترث وإن خذله العالم كله