
ما أسعدنا بك يا سعد الله!
.. وإلى أي حد يمكن اختصار واختزال العصور والمراحل الثقافية الجزائرية المتعاقبة في عمل عظيم، مثل: تاريخ الجزائر الثقافي. لعميد الأدباء والمؤرخين الدكتور أبو القاسم سعد الله؟.. تساؤل وجيه نزيه واجهني وصافحني بعد متابعتي هذه الأيام عن طريق منبر أصوات الشمال حفل تكريم أستاذنا الجليل الدكتور أبو القاسم سعد الله، وتلك مبادرة طيبة من أهل مدينة تندوف الحكيمة الأصيلة.
ويعود بي شريط الذكريات، لأستعرض اللقاءات الحميمة التي جمعـتني بأستاذنا المحترم، والحوارات الأدبية والفكرية التي أجريتها معه، وكان أولها بركن عالم الثقافة بمجلة الجيش، في عددها 96 لشهر مارس 1972 حول موضوع: الأديب العربي في معركة المصير.. من حضارة الشعر إلى حضارة العلم.. وأيضا حديثي معه حول إشكالية اللغة في أدبنا الجزائري، وقد نشر كاملا بملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية بتاريخ 9 جوان 1986.
وأتذكر كذلك مبادرة تكريم أستاذنا سعد الله في شهر جوان 1988 من طرف نخبة من الكتاب والصحافيين والمثقفين بوهران، حيث قال يومئذ: اسمحوا لي أن أصافحكم بالقلب، وأهنئكم باللسان وبالجنان، على هذه المبادرة الكريمة، واني أحس أنكم بعملكم هذا، قد زدتم في شعوري بالمسؤولية نحو الثقافة والجيل الحاضر، وأن مساهمتي مهما عظمت، ما تزال في نظري، أقل مساهمة من أولئك الذين دفعوا أرواحهم فداء للوطن ..
وأتذكر أيضا آخر رسالة وصلتني منه منذ مدة، وهو يثني على كتاب: حرقة الكتابة.. حيث يقول: لقد تجولت في كتابك، فوجدته قد اختار ونقى من المؤلفات ما حلا طعمه وسما هدفه، فكنت صياد الحب والجمال، وعاشق الخير ونضال الكلمة. لذلك يفرض كتابك نفسه على القراء لأنه يعطيهم مادة الحب والخير، وينصف الساكتين أو المسكوت عنهم، ومن قدموا للثقافة تجربة حياتهم دون انتظار جزاء أو شكور ..
وأعتز بكلمة التصدير التي خصها لكتابي عن الأدب والثورة، حيث يقول في مستهلها: يناقش هذا الكتاب موقف الأدب من الحركة الوطنية ومن الثورة ومن قضايا الإستقلال، وقد وجدت بعض التساؤلات فيه جوابها، وظل الباقي يبحث عن الباقي، ولكن في توثر وتبرم. وقد كان الموضوع الرئيسي فيه هو علاقة الشعر بالثورة وهي جنين، وهي فتاة، ثم هي تاريخ..
ولازلت أتذكر المحاضرة القيمة التي ألقاها عميد الأدباء والمؤرخين أثناء ملتقى مفدي زكريا شاعر الوحدة الذي عقد منتصف شهر مارس 2006 بالجزائر العاصمة، وهو يتحدث بنبرته الرزينة الرصينة المعهودة عن تفاعل الشاعر مفدي مع تيارات الحركة الوطنية، فيمتلك الحضور شعور عميق بالإعتزاز والتقدير .
وتعود إلى مكتبتك الخاصة، وتراجع قائمة مؤلفات الدكتور أبو القاسم سعد الله في عالم الأدب والبحث والتاريخ، عبر مسيرة أزيد من نصف قرن، فتعجب حقا بقدرته الفائقة على الإستمرارية والتحدي، فهو بالفعل قدوة نموذجية للجيل الصاعد والأجيال القادمة..
فهل تكفي الآن أبلغ عبارات التقدير والاحترام لجهود وأعمال أستاذنا الجليل الذي يستحق بالفعل أرفع أوسمة المجد والتكريم ؟..