الاثنين ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢١
بقلم الحسان عشاق

متناضل في المزاد الانتخابي

عشرونا عاما اختفى عن الأنظار، عشرون عاما غاب في الاحاديث الصباحية والمسائية، في الجلسات، في اللقاءات والمسيرات و الوقفات الاحتجاجية، هاجر المدينة والناس ابتلع اللسان وتخلص من مفاهيم الثورة والثوار، الشعارات الكونية لا تسمن ولا تغني من جوع، غاص في عالم النسيان العريض والطويل، تغير الشكل وتهدل كثيرا واكتسب وزنا، فقد فروة الراس واكتسح البياض ما تبقى من النواصي، بطن كبيرة وعيون نائمة في المحاجر بدون بريق، غريب في مدينة غاصة بالغرباء، وجوه خارجة من العدم تبحلق في اللاشيء، الرياضة المفضلة لاغلب الساكنة البحلقة والتفرس في الوجوه وتحنيطها في الادمغة، والثرثرة في الازقة والدروب المسيجة بالازبال والذباب، مشى كثيرا بلا اتجاه لم يسمع بتاتا كلمة (السلام عليكم... وأهلا وسهلا كيف الحال)، التقط الانفاس على مقربة من مقهى شعبي، طلب كوب ماء وظل ساهما يشيع المارة، يلاحق خزان الماء المنتصب في الهواء، الشاطو قلب المدينة النابض، نمل بشري يتدفق من جميع الاتجاهات، محلات تجارية تغلق الطريق بالسلع، عطور الفتيات يباغث المارة، اعناق تتلوى وكلمات غزل تمطر الجميلات،كل شيئ تغير وغريب عنه، المكان والزمان والاسماء، كانه نهض من نوم متاخر في يوم قائظ، لم يعد وجها مألوفا ولا صوتا مسموعا كما في السابق، يلقي الخطابات النارية لاستدراج المغفلين واللاهثين على منصب شغل، يهدد،يتوعد بالثورة وإسقاط الأصنام وعبدة الأصنام، يتلمس في العتمة والزحام انقلابا على المفاهيم والقيم المستهلكة، الجامعات في الوطن كانت معقلا للفكر والمناضلين الحقيقيين، اسماء كثيرة لمعت في سماء النضال دفاعا عن الحق في العيش الكريم، طابور طويل دخل السجون والمعتقلات ايمانا بالقضايا العادلة والمشروعة، عشرات ماتوا واخرون اختفوا من اجل فكرة تناصر قضايا الشعوب المضطهدة في الاوطان من طرف انظمة شمولية، هناك من صمد وواجه التعذيب والقمع الوحشي في الاقبية السرية وهناك من باع واشترى وتنكر للرفاق و عانق سفاح الشعب ومصصاو دمائه، صعب جدا ان تهدهد الشمس في كف الجائعين وتبني ممالك الاحلام وروؤسا تغازل رائحة الطعام، صعب جدا ان تحفر بالازميل لوحة من الصمود في الدروب الشاسعة و الطويلة من الفقر والحاجة، النضال المبدئي صار تقليعة متجاوزة في عصر يحكمه الجهلة.

حركة المعطلين امتداد لسلسلة من الحركات النضالية الوطنية، لكنها حركة فئوية مطلبية، الشغل المحرك الاساسي، تفغر الأفواه الخائفة ترتعد الفرائص، الكلام كبير وخطير، همس احد المعطلين، اجبته بان الكلام لا يجدي نفعا في وطن يمسك خيوط اللعبة ويثقن فنون المراوغات ودس الفوضى بين الصفوف،ترفع شارة النصر في القاعة الكبيرة المحشوة ببضعة رؤوس تحلم بالشغل، تنفخ في عقارب الساعة و تستعجل قطاف الشمس، تهتف في الشارع وسط المظاهرات ان يسقط الظلم

وتندثر الزبونية والمحسوبية في مؤسسات الشعب، الشمس تمد كفها وتدلك بعنف جماجم المحتجين والمتحلقين، عيون تصلي على قارعة الفرجة، الخوف يبتلع ما تبقى من الصمود، يضمحل الثوري الخلاسي في زمن التفرقة والنفور، لا شيئ نملكه سوى الكرامة وشهادة جامعية وبؤرة أحلام سمان في وطن التيئيس والتبئيس، أعيد يدي إلى جيوبي الفارغة على الدوام الا من بضعة اوراق تحمل خربشات بدون قيمة، اعد أسماؤهم واحدا واحدا، لا أحد يجيد الرفض والمناقشة، لا احد يصطاد الهنات من أفواه المتحكمين في الحركة،كلهم مستلبون أبدان بدون أصوات، عراة من لغة الممانعة خوفا من إقامة صلوات الجنازة بتكبيرات التخوين، منصب الشغل نائم في كنف اللفيف، اسمع دقات القلوب حين اطل رجل امن بزي رسمي، المسؤول الكبير يريد فتح حوار وإيجاد حل للقضية، تلوح الابتسامة على اكثر من محيا هجره الدم،حائرة هي الكلمات والسحنات والنظرات، حائرة هي الخطوات والتنهدات، لا ثقة في المخزن الطفل النجيب للدولة العميقة، المخزن هو المفكر المبجل والآمر الناهي، وراعي البشر والشجر، يظهر في جميع الصور ويتقمص جميع الصفات، يظهر بالجبة والطربوش وفي يديه مسبحة، يقرا في الكتب المقدسة، يفتي ويشرع، يؤسس الاحزاب والنقابات ويعين في المراكز الحساسة، يكتب التاريخ ويحكي عن السلالة والأمجاد والبطولات، عن المحارب القديم الذي كان جدنا الأول والثاني والثالث والرابع والخامس.... والعاشر، كيف زرع وحصد وشيد وحارب الإفرنج وفتت دولا وامبراطوريات قائمة باسم التوسع ونشر الاسلام، وكيف جاء من بعده الابن وورث تركة الأب منهارة ومنهكة و أعاد الإعمار، نفس اللغو والسحق والنفي يتكرر في كتب التاريخ، لكنه ليس تاريخ الشعوب بل تاريخ مزور كتبه رجالات البلاط والسلاطين، الشعوب المقهورة بدون تاريخ، توزع الثروات على المقربين ويرمي الفتات للكادحين، تعلق الأوسمة والنياشين والمناصب السامية على خدام الدولة الاوفياء، يسمع وقع الأحذية العريضة على الإسفلت، العصا ترفرف فوق الجباه، عصا سوداء بقبضة مزينة بمطبات أشبه بدوائر البراغ.

ها هما كيسخنو اليوم غيكون شي حمام الدم-

كيف ديما-

الله يستر وصافي شحال من واحد هرسوه و من واحد خلاو فيه عاهة مستدامة-
النضال على الحقوق هذه احتمالاته ونتائجه

كثيرون لم يفتحوا شبابيك العيون على السحل، الركل، الضرب المبرح، وجرح العسكر الذين يستحمون برذاذ اللون الأحمر القاني، يفرحون لسفك الدماء على الإسفلت، يكرهون ابتسامة أصحاب الشواهد الجامعية المعطلين، يغنون نشيد الحرية والمستقبل حين ترقص المدينة على نغمات الضياع والنهب، لم نسمع عن دول تقدمت بالراقصات والعاهرات والجهلة، الدول تتقدم بالكفاءات والأدمغة وتشجيع المبادرة، الحركة تسير برتابة القمع، الشرطي ينثر الحمم من عينيه، ينتظر الاشارة ليمطر الظهور والاجساد بالضرب القاسي وينفخ في السماء صراخا وانينا، ليقطف تنويها من رئيس قابع في السيارة الموشومة، يدخن السجائر الشقراء، يسحب الدخان مزهوا بانخاب الانتصارات على العزل، القمع لن يجرف ابدا الاصرار والتحدي في الحوباء، عبر الزمان لم تفلح كل الهة القمع والتعذيب على وقف زعف الربيع، عجوز تهمس في صدريتها وتدعو على الظالمين، والخائن المندس بين الصفوف يطلق صفارة الانذار زفيرا من مؤخرته، لايريد ان ينمو الحلم تحت قبة الخيال الواسعة، صاحبا البدلة الكاكي والخضراء ينبحان من فوق اكتاف المعطلين، اعناق تشرئب تنتظر الجلد والسحل، الكل حاقد على الزمن العجيف، لكن الحقد مدفون بين دفتي الافئدة، شعب تستهويه الفرجة ومدمن على ابتلاع صوته، تخمد الشعارات امام مناجل الحصاد، والعصا لا تزال تغازل الاشلاء، الخوف افقد بعض المحتجين لسانهم، لا احد قادر على مواجهة زوبعة الموت، لم ترفع الرؤوس بعد من السقطة الممتدة على لمح البصر، اسمع فرقعة الاحذية العريضة على الاسفلت، ترتفع الهمهمات والزفرات، ولا كلمات تنتشل المعطلين من سوط الجلادين، يرتفع الانذار من مكبر الصوت ويغطي على جميع الاصوات، اهيم بخواطري بعيدا بعيدا في المدن الفاضلة، اسمع صوت زميلي المخنوق يردد عبارات متذبذبة وغير مقنعة.

يريدون نسف الشكل الاحتجاجي-

تقاطرت على المقر ألوان الطيف الأمني مند الصباح، تتعثر الشعارات والخطب الحماسية لاحتضان الصمود، أشعار أشبه بالتعاويذ والصلوات، اللسان كسيح يمضمض لغة القمع، والاضطهاد، جميعنا يتخيل ثورة قادمة في الأحلام الضبابية، والرجل الفولاذي يزمجر ينتظر الإشارة لسحق العظام، الهزيمة تلوح في الأفق، شعار( الشغل حق مشروع.... والمخزن مالك مخلوع) اكبر منا جميعا، شعار اجوف وفارغ، المخزن لا يخاف من الهزيمة، بضعة أنفار يصرخون، يهددون،يتوعدون، فرقعات بدون قيمة أمام عشرات الوجوه الفولاذية المدججة بالغاز المسيل للدموع والهراوات والواقيات الزجاجية، آلات السحل والطعن على أتم الاستعداد لتجربة قوتها ونجاعتها، ادمغه فارغة مبرمجة خضعت للغسيل محشوة بالترهات، تنفذ الأوامر بدون أسئلة، اقنعوهم أن المعطل ضد النظام وضد الدولة، شباب طائش ومتهور يحلم بالثورة ونشر الفوضى وتخريب الممتلكات، لا احد يستطيع أقناع مغسول الدماغ بان المحتجين شباب عاطل عن العمل يحملون الشواهد الجامعية، لم يعد أمامهم من حل سوى مناوشة أجهزة الدولة٠

سننظم مسيرة جماهيرية بمشاركة العائلات-

حقنا سيعود..سيعود بالنضال والصمود-

تتعالى التصفيقات والهتافات، الأحذية العريضة تزلزل الإسفلت، يخرج من وسط جموع الحفاة في يديه مكبر الصوت، يطلق العنان لكلمات التحديث، ينكسر حرف الراء وينسمن في الحنجرة،، يخرج لابسا رنة الغين، ترفع شارات النصر، لكنها مجرد شارات للتعبير عن التضامن، قد يكون تضامنا نابعا من العمق وقد يكون تضامنا مزيفا لرفع الحرج، فنحن في زمن مزيف ولعين ومنافق، والبلاد غرقت في الطريق الموحل والمطحلب وضاعت الأمنيات في الخطوات التائهة بين الطرقات، أصعب شيئ في الوجود أن تكتشف بعد سنوات من التيهان انك تمضي في الحياة بدون وجهة ولا بوصلة، مجرد عابر سبيل.

المتناضلون يطلقون بوق الشفيع وفراشات التمني، النضال المبدئي يروى بمختصر المفردات في ساحة النزال، وصرخات الحقيقة اندثرت وتلاشى البوح، في المخيلات وفي الصدور كل شيئ تعفن حد التقيؤ، يرفع الرأس إلى السماء وحدها لم تتغير، وحدها اقتعدت لها مكانا في الكون وظلت هناك، تائه بين الذكريات البعيدة والعناقات الحارة، من هذه الساحة انطلقت الحناجر تطلق الزغاريد والشعارات، في هذه الأزقة والشوارع المحفرة والمغبرة والملئية بالأزبال طاردتنا دوريات الأمن، يخفف الوطأ على مشارف مؤسسة تعليمية، هنا تعلم أول الحروف ونطق أولى الكلمات بالعربية الفصحى، كان كتاب المطالعة (اقرأ) فيه أمر بالقراءة، أما كتب اليوم فلم تعد ذات أهمية اللهم تحويل تلميذ إلى حمال واثقال كاهل الآباء بعشرات المقررات الفارغة، لاحق بالعيون الساحات الشاحبة والحدائق الميتة، يرقص الحزن على صبابة مهشمة، ويرسم من الحنجرة تجاعيد البؤس، متكا على رزمة من الذكريات، فكر أن سنوات الغياب مجرد مسافة بصرية، تدق ناقوس الانتماء على أشرعة التفكير وتسكب الروح على خارطة الطموح الجامح والعريض، لم يبق سوى خيط رفيع على وشك التفتت، أصبح غريبا كانه نهض من الحلم في يوم متأخر، كل شيئ اصبح غريبا عنه الأسماء والعلاقات والزمان والمكان، قطعة من روح شاردة، تائهة تبحث عن الخلاص والدفئ والحنين القديم، تحسس البطن، استكرش بما فيه الكفاية، راحت الرشاقة والخفة والجسد الرياضي، تنصل من المبادئ والأفكار الثورية، لبس ثوبا يليق بالمنصب المهم في أجهزة الدولة، اكترى منزلا في العاصمة، اشترى سيارة فارهة، لم يعد يزور المدينة الا لماما، تكحل، تعطر، ولبس الثياب الفاخرة، جاور تجار الذمم ولصوص المال العام، أكل الطعام الفاخر وازددت وزنا، بدل أن يرسخ فيهم المبادئ المتقدمة وقيم توزيع الثروة وتكافؤ الفرص، رسخوا فيه الجشع والطمع والنهب،، أصبح واحدا منهم، يحمل فيروسات الثراء والبحث عن الغنيمة.

الأفكار الثورية ما كتوكل الخبز يا بن عمي-
صحيح ولكن كتحفظ الكرامة-
واش من كرامة الا معندك الدرهم -
الكرامة هي كل شيئ-
وفلوس اديرو لك الكرامة وشريو لك الشهادة -

نهل من النبع المخزني، ارتوى، شبع، مش العظام هرش الرأس الأصلع ونام يحلم بالثروة والجاه، تقدم للانتخابات طمعا في منصب ليستمر العليق، المال الحرام مثل الماء المالح كلما شربت ازددت عطشا، يتربع الطموح على الصدر الجشع، ولكي يموه على المجتمع المدني ترشح بلائحة مستقلة، المستقلون تجار الذمم بالفطرة، يتحالفون مع جميع الوان الطيف السياسي، المترشح المستقل حر من اي ارتباط سياسي، يمكن ان يلبس جميع التوجهات ويتحالف مع الفساد بمبرر الاصلاح من الداخل، تضيع الشهامة والافكار الحضارية في رمشة سقوط انتهازي، لم تكن هناك حواجز التفتيش في الضفة الاخرى، يجلس وراء الميكرو، يتمرغ في التعابير الفجة بين ادغال الحروف، لا احد يوقفه عن القاء الكلام على العواهن، ينتشله من سقطة العمر، من الشهقة الاخيرة على منابر الخطابة والتهليل، ينخلع من النظرة الاولى صفات التبجيل والاحترام، وكتب في اخر السطر نعيه على حبال النضال، يعرف انه مشى في حقول الالغام، لكنه مصر على ركوب المغامرة، روؤس كثيرة تصفق وتزكي المنعرج الصعب، رؤوس تحتشد على صحون العزاء وتحمل في اللسان راية الوطن، تنتظر السقطة لتوقظ عنقاء القصاص من رحم التجريح، على جانب القاعة ثمة كراسي اصابها الفراغ والفزع،مرت في السماء سحابة حبلى لكنها لم تمطر سوى ضجيج ابواق المنافسين، صور المترشح ترتاح على الصدريات، رمز الكرسي هبة من السلطات، على الكرسي تدور الحكاية والخرافات، الكرسي حول فقراء الى اغنياء، القانون في وطني مكبل بسلاسل التعليمات، احتسى رشفة كبيرة من الوجع، وخمن ان قطاف الشمس لايزال بعيدا، والقبض على صولجان الحكم والتسيير امر شاق، اعيته الكلمات واسباب النزول، المشهد لم يكتمل والاغنية تاه لحنها في الازقة والشوارع والاحياء، الناس تساوم المترشح في قيمة الصوت، ترقص الايادي على استعطاء مبتور، ما اقبح الصور وما اصعب الاقناع، ترتسم الهزيمة في تجاعيد الوجه، يوزع الوعود يمينا وشمالا، الضمير لم يعد يحرس لوحة الشرف، بالمساومة تعزف الوطنية.

كلشي باغي لفلوس-
راهم مولفين ما بقات ثقة-
شعب مشري..... الشفارة غسلو لهم الادمغة
سير صوت واجي خذ الثمن-
قاليك الشفافية والديمقراطية والنزاهة-
اللعبة مصاوبة-
واللعابة طاحو في الفخ-

انتهت الحملات الانتخابية، انتهت الوعود العرقوبية،اسدل الستار عن فصل من العربدة والمشاهد البخسة والرديئة المعلقة على مشجب الديمقراطية، لم يبق سوى اوراق وصور المترشحين تلهو بها الرياح، اطفال صغار يجمعون الرموز في ازقة هتفت فيها الكلمات والشعارات، تهم الفساد والاغتناء اللامشروع وشراء الذمم شفنت المسامع طيلة اسبوع،عمال النظافة يسبون ويلعنون المترشحين واتباعهم، ملايين صرفت على مطبوعات كفيلة ببناء معامل ومصانع وتزفيت طرقات، العملية الانتخابية في الوطن يحكمها التزوير من الالف الى الياء، المناضل الحقيقي من استنكر واصدر بيانات الشجب والادانة، بالاستحقاق الدستوري تقاس جروح الوطن، وطننا كسيح يحتاج الى تدخلات جراحية ليقف شامخا صامدا في وجه الاعداء، في الليل عم الهدوء والسكينة كل المترشحين يستعدون ليوم الجحيم، لا جديد في نشرات الاخبار سوى عن نسب المشاركة المحتملة، بدات مسرحية الصناديق الزجاجية، مكاتب الاقتراع فارغة الا من بعض رجالات الامن والقوات المساعدة، رؤساء المكاتب ينشون الذباب، وجوه قديمة تصطف عليها التجاعيد، الصناديق تبحث عن ضيف، وممثلو المترشحين يتلهون بعد الكراسي المهشمة وعدد الحفرات في السبورة الملصقة على الحائط المشقق، ثمة طاولات نقشت عليها اسماء تلاميذ وتلميذات وقلوب تشقها سهام، زجاج النوافذ مهشم مطرز بالغبار، اغلب اقسام المدرسة مكسرة، اموال الاصلاح تذهب الى جيوب الفسدة.

القوة الناخبة تنشد العزوف، اهل الحل والعقد ينشوون فوق نار هادئة، نسبة المشاركة عليها ان ترتفع باية وسيلة، الثالثة بعد الظهر اطلقت صفارات التمييع، مهرجانات البيع والشراء انفتحت، جماهير غفيرة اخرجها نفير البيع من الانزواء، بعض انصار المترشحين يجمعون البطائق، الامن والسلطات وقفوا متفرجين على المشهد الكئيب والحزين، الديمقراطيىة تذبح في واضحة النهار، الكل يمشي فوق الجنازة، ضبط سماسرة يتاجرون في الاصوات وبحوزتهم مبالغ مالية، اعتقلوا واطلق سراحهم، انفضحت لجن المراقبة وذهبت المذكرات ادراج الرياح، لاشيئ يعلو فوق صوت تزوير الارادة الناخبة، لاشيئ جميل ينبث في عيون الوطن، سقطت رزمة الاحلام في قارعة الطريق، الفوضى تعم مكاتب التصويت، هوت المشنقة على كرنفال التغيير، والارض تلتهم مستقبل الطفولة، غير بعيد حشاشون وسكارى ينشدون نشيد العربدة والمجون، سيارات تنقل المصوتين الى المكاتب، الساعة، الاخيرة من العرس القبيح اقتربت، وجوه معفرة بالغبار والعرق تلهث وراء الاصوات، تحصد من التعب شرارة الهزيمة، انزوى المتناضل الحالم في المقهى يغمس اخر مفرداته في كاس قهوة سوداء، ينفخ الدخان من سيجارة شقراء، عشرات الاحياء والاسماء تمر فوق الجبهة المتفصدة عرقا، عبر شاشة التلفزة يسترق السمع الى انتصارات الوطن، المذيع يعدد شهادات الدول المراقبة للاستحقاق الدستوري، الدول الاجنبية تمنح الوطن شهادة حسن السيرة والسلوك، المذيع يمسح مخاض الفرحة بمناديل الكلمات العميقة، يستحضر مسيرة التغيير الافقي والعمودي.

ا- انتصر الشعب في مسيرته الديمقراطية واشادة عالمية بالانتقال العظيم والانجاوات الكبيرة المحققه في مسلسل البناء والتشييد والحريات العامةاقفلت مكاتب التصويت، المقاهي بدات تفرغ من المنجمين والعرافين والكهنة وقراء الودع، الحجر الصحي اطفا نشوة الانتظار مع الاصدقاء والمترشحين، اشتغلت الهواتف، يمر الوقت ثقيلا محملا بالسام والقنوط، يجثم القلق فوق صدر المتناضل اخبار تجلجل وتشق سراديب الصدر، الانتخابات الحقيقية بدات في المكاتب المغلقة، لم يعد التزوير فجا ووقحا كما في السابق، التزوير تطور بتطور اليات المراقبة المهلهلة، يكفي ان تدفع بسخاء لرئيس المكتب ويزور الارادة الناخبة بجرة قلم، حصانه رشوة باقي المراقبين والتهديد والوعيد، سلاح الالغاء الاكثر فتكا ونجاحا، لا قيمة للاحتجاج حين تقيم المحاضر المطبوخة صلاة الغدر، العاشرة ليلا لا تزال قوات الامن مرابطة امام ابواب المكاتب، بعض النتائج معروفة سلفا، مترشحون لقبة البرلمان يتنفسون الصعداء، الخاسرون يفتشون عن حروف اسمائهم في محاضر عرفت كشطا وتشطيبا، المخزن طور اساليب التزوير، اللعبة كلها في المحاضر المزدوجة، رجالات السلطة لديهم نظائر فارغة عندما تصلهم النتائج الانتخابية يبداون في ملا المحاضر وفق الخطة المرسومة سلفا، الطعون في المحاكم مجرد شكليات لا قيمة لها، الساعة الثالثة صباحا اخبار متضاربة هنا وهناك، جلس المتناضل ساهما يبحلق في شاشة التلفاز، الهاتف لا يكف عن الرنين
باقي
سيدي عمليات الفرز -
باين لخواض خدام -

علاه المخزن تاب.... المخزن كل مرة كيقطر للشعب شوية نتاع المعقول-نام بضعة دقائق، ايقظوه مكبلا بمئات الاسئلة الحارقة والعميقة، طافت في الدماغ عشرات الشعارات البراقة، اكثرها استجابة شعار (علاش حنا فقرا....حينت هما شفارا) تبتسم بعض الجماجم واخرى تصفق ونساء يزغردن، تشجع ورمى قنابل انشطارية على الرؤوس المتحلقة في زقاق شعبي، اتهم المنافسين بتوزيع المال الحرام واغراق المدينة في الفساد وسرقة احلام شعب بكامله، نحن عبيد مافيا العقار، نحن خدام اقطاعيات ظهرت من العدم لتحكم بالنار والحديد طموحات اجيال بكاملها، الكلمات القاسية لم تحفر في الاشلاء سوى همهمات وتنهدات، الخوف لازال يسكن الافئدة، مخبرون يدونون كل كبيرة وصغيرة، شيخ الحي يتابع الموكب ويحصي الوجوه والحركات والسكنات، ثمة حملة اخرى لمترشح فاسد عمر طويلا في الكرسي، افسحوا للتابعين الطريق، مئات السيارات والدراجات النارية، شباب وشيوخ يتقدمون المسيرة الضخمة، بيارق واعلام وابواق السيارات تجلد النوافذ تتقب السماء، وجوه من القار والزقت تم شراء ولائها، نفس الوجوه تشاهد في طوابير طويلة امام المستشفى والادارات تشتكي غياب الخدمات، تستجدي دواء وسريرا للتداوي، كرسيا في المدرسة وعملا محترما، صاح حشاش الحي منتشيا مشيرا الى الحشود.

كولو وشربو غدا بداو تشكيو وتقلبو علا لي اعاونكم..... الله امسخكم يا لكلاب-
ظهرت اولى النتائج في شبكات التواصل الاجتماعي، وثيقة لا تحمل اي ختم لا احد يعرف المصدر والمراد من نشرها، لربما تريد اعلى سلطة قياس ردات الفعل، لدى بعض المترشحين المستهدفين من قبل قوى الفساد، في الساعة السادسة صباحا استفاقت المدينة على الفائزين والفائزات، هندسة سياسية غريبة وعجيبة، احزاب انفقت الملايين ولم تكسب سوى ثلاثة مقاعد، المتناضل حجز مقعدين، نشطت الهرولات في كل الاتجاهات، دار على قدم واحدة ورمى السنارة ليصطاد من البركة الاسنة سكرة الوجود، المبادئ تموت من صعقة الخيانة، عانف في لحظة انتشاء رموز الفساد، طرق عليهم الباب وعرض الخدمات، الجرح القديم التف حول السكين، بانت الحقيقة والنية المبيتة، هذه البلاد حلت عليها مند الاف السنين نكبة سوداء، الشعب المنكوب ينتظر انفراجا، لكن شيعه الحفاة العراة في غفلة لكل زنديق وفاسد، الاغراءات جرفت المنبطحين والجشعين والمتناضلين، وحفنة الاتباع استظلت بظلال الكربون، في الفتدق الفخم تمدد المتناضل وركل زجاجة خمرة الامس، غسل الوجه ومضى في طابور الاستعطاء، والقى بكبريائه الى المجهول.

المتناضل بيع في سوق النخاسة -

القضية فيها الملايين ما بقا فيها نضال ولا افكار ولا مبادئ-

رفعا للحرج اجتمع بضعة انفار في مقر جمعية، بدل ان يصمتوا ويداروا الخيبة والسقطة المدوية فتحوا ابواب النار عليهم، انتقادات وسب وشتم واهانات في شبكات التواصل، من تحالف مع الفساد هو بالضرورة فاسد، فلا فرق بعد اليوم بين المتناضل والفاسد سوى في قوافل الكلمات والاجتماعات الممسوخة، افضل شيئ حصل في الانتخابات تعرية مؤخرات متناضلي اخر زمن، الحقراءكانوا يخططون لابتلاع دفاتر الاحلام، اجهضت الصفقة وبات الحقيقة عارية، صاح حشاش الحي بصوت خشن وجهوري

اولاد عبد الواحد كلهم واحد


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى