الثلاثاء ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤
بقلم ماجد عاطف

مثلث الوشم

كان موشوما على يد الشغّيل في السابعة والعشرين، الجلدة في زاوية الابهام والشاهد، مثلث أخضر من نقاط: لا أرى، لا اسمع، لا أتكلّم.

كان يدير صالة ألعاب الكترونية وبليارد حيث لا يخلو من سجائر ماريجوانا وزجاجات بيرة.

من ناحيته، المراهق، فقد كان يساير الأسافل من الناس لضجر وفضول. فيهم خطر لكن لا يخلون من تسلية. غالبا يلتصق بآلات اللعب يتفرج على مهارات اللاعبين المتحمّسين المنسجمين بالكامل في الشاشة.

وفي أوقات اللا لعب، يكون الشغيل ضجراً ربما ثملا بعض الشيء، يتكلّم.

قال مرّة، متمزمزا المرارة في زجاجة البيرة الباردة، إنه تلقّى عرضاً بالزواج من والد فتاة عربية تعيش في أمريكا، وأخطأت مع أحدهم، مقابل مبلغ كبير من المال.

حسبها هو بطريقته التي تلوّثت بالكثير من الموبقات ويستطيع أن يفهم فعلة الفتاة على أكثر من نحو، ثم رد على والدها أن تعيش معه هنا.

اذا كانت تريد تبرير الثغرة، فليقل والدها ذلك، وسيحقق له رغبته بثمن أقل بكثير، ودون أن يمسّ الفتاة. أمّا اذا كانت تريد زوجا، بعد درسها المفزع، فهذا حساباته مختلفة.

قال:

أما أن اصلح خطأها وتعود إلى نيي.....، فهذا بعيد عن زنب...

ابتلع المتبقي من الزجاجة وأخذ المراهق يفكّر في موقفه. وسخ، على قدره، نعم، لكن لا يقبل مسؤولية وساخة أكبر، بأن يتحوّل لسافل يقبل بأي شيء اذا ترافق معه المال. من ناحية ثانية، فالفتاة التي تعيش في امريكا لا بد أن لها مميزات تجعله يطمع فيها لن يجد مثلها في بيئته، حتى لو قد أخطأت مع أحدهم. كان يريد علاقة حقيقية مع امرأة أو زوجة.

لم ينشغل المراهق بتفاصيله التي يثرثر بها الآن محاولا البوح أو الحصول على اهتمام. لم يصرّح له عن اهتمامه أو ما يريده منه. انه شاب اختبر الكثير في العالم السفلي واللصوصية، ولا بد أن يقترب من تلقاء نفسه إلى الموضوع. له صلاته بالسجناء والمجرمين والمهرّبين ولصوص السيّارات والعصابات. تركه ومضى.

هكذا، بقي المراهق يذهب إلى صالة البليارد بعد أن ينتهي بسرعة من واجباته المدرسية، ويلتصق باللاعبين وحماسهم.
ناداه مرّة أن يأتي ليلاعب زبونا لم يجد منافساً في البليارد. قال له إنه لا يتقن التصويب ولا يريد أن يخسر المال.
لعبك على حسابي.

بطريقة ما، خبط لزق، تمكّن من هزيمة الزبون في اللعبة التي لا يتقن تصويبها. خرج الزبون لا يصدق هزيمته.
ثم منحه صامونتين ليعلب على الآلات. اختار اللعبة ذات الطائرات الحربية التي تشبه الذباب. بعد أن انتهى، جلس إلى جانبه في الرصيف على مقعد يطل على السوق والحافلات والركاب. إلى جوارهما، كان هنالك مَن يقلي الفلافل.
التفت اليه وقال:

تعود من المدرسة وتجلس جانبي. الذي تأخذه من تنزيل شاحنات الخضرة تصرفه هنا، ماذا يقول أهلك؟

بالفعل، أحيانا يقوم بتنزيل صناديق الشاحنات.

لا شيء. والدي ميّت وأنا وحيد مع أمي.

طلب اليه أن يحدثه عن حبساته. التمعت عيناه بتوجس واندهاش. اجرى الحسبة في عقله وأخذ يروي له كيف دخلوا بيتا فارغا –هو ورفيقاه- بعد أن خلعوا نافذة الباب الصغيرة ووصلوا إلى المسندين في الأعلى والأسفل، فانفتحت الدفتان بدفعة قوية. لم يجدوا ما يسرقوه إلا عدة صحون وملاعق. الثلاجة الكبيرة كانت ثقيلة وقديمة، والتلفاز بالأبيض والأسود لا أحد يشتريه.

قرصه المراهق في جلدة يده وهتف:

ها قد تكلمت!

فهم الشغيل ما يعنيه ونظر الى مثلث الوشم:

منحوس!
حدثه عن سرقة أخرى دخلوا فيها بيتا قديما من النافذة.
لكن كيف تجاوزتم الحماية العربية؟

بسيطة: تضع رافعة سيارات وتضغط. لا تتحمل القضبان ويتفكك لحامها أو تنثني.

ماذا لو هاجمكم أحد؟
نمسك به ونكتّفه.
هل سبق لك أن ...
القتل؟ أعوذ بالله.

كان يقترب من الموضوع بتدرج. أدار وجهه جانبا وقال بهدوء لافت:

متى ستحضر آلة اللعب ذات البندقية الكهربائية أو المسدس؟

إنها غالية كثيرة و..
لم يتركه يواصل حديثه. نظر الى عينيه مباشرة نظرة طويلة ثم ازاحها. عربات الخضار صارمة متوزّعة وهناك القليل من الزبائن لأن اليوم هو الثلاثاء.

أحسّ به. أدار وجهه إليه وتمعّن فيه. لم يستطع المراهق أن يخفي "ذنبه" فتبسّم له رغما عنه بمكرٍ طفولي، فانكشف.
ظل أن يواصل.

سأدخل لألعب الباكمان بالصامونة المتبقية وان شاء الله تحضر الآلة قريبا.

الشغيل، اللص حرّيف الحرمنة واللصوصية وتدخين الماريجوانا، يحدّق إليه لا يصدّق.

دخل. لعبة ثلاثة ارباع الشوط ووصل مستويات اربعة. ربح حياتين وصمد لفترة قاربت على الساعة.

لما خرج وجده يجلس محتاراً على المقعد يفكّر.

بعد يومين اوقفه على مدخل صالة البليارد. سأله:

ألست صغيراً على الأشياء هذه؟

لفلف نفسه ليخفي سرّه. فهم الشغيل وقال:

على أحد أن يعلّمك اللعب على الآلة عندما أحضرها وكيف تستخدمها. صوامينها غالية!

فزع المراهق. دوره هو الايصال والتوصيل فقط. هكذا اتفق مع .... فردّ:

يجوز أن أحضر معي من يفهم فيها.

بجنون، واللص لا يصدق، صار المراهق له نداً في صنعته! أخذ يضحك وانتزع دون حيطة أو مبالاة صندوق الماريجوانا من جيبه الداخلي بالقرب من قلبه. لفّ سيجارة علنية على الرصيف واشعلها ففاحت الرائحة المميزة.

هكذا افضل!

ومن أين تنصحني لأحصل على وشم مثلك؟

كان يداعبه ويطالبه بالصمت.

أبعدك الله عن هذه الأمر. لا يلزمك الوشم ولا تحتاجه..

فطافت في مخيلة المراهق فضول واسئلة عمّا اذا كانت من طقوس العصابات والتعهدات العجيبة.

مضت الأمور على ما يرام واتصل الواصل بالموصول وخرج هو، وبقي يتردد على البليارد للعب الباكمان المضجر.

بعد شهور تزوّج الشغيل من شابة ما، ولا يعلم أهي التي كانت في أمريكا وعرض عليه والدها دفع خمسين ألف دولار أم واحدة غيرها.

لم يجرؤ على سؤاله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى