محاكمات الإرهاب بالمغرب ـ الحلقة الخامسة
يهم هدا الملف مجموعة تضم خمسة أفراد من ضمنهم مدير جريدة "الشرق" الجهوية و رئيس تحريرها و مدير جريدة " الحياة اليومية" الجهوية. و الجريدتان تصدران بمدينة وجدة بشرق البلاد. و يعتبر زكرياء بوغرارة المتهم الرئيسي ضمنها. و هو من مواليد مدينة وجدة سنة 1970، عاطل لم يسبق له أن عمل إطلاقا، مستواه الدراسي لم يتجاوز الباكالوريا، قام بأولى زياراته للجزائر سنة 1990. إلا أنه نفى لقاءه هناك بزعيم الجهة الإسلامية للاتقاد الجزائرية عباس مدني.
و في بداية التسعينات (1993) بدأ زكرياء بوغرارة يتعاطى للكتابة الصحفية، كما قام بطبع كتاب وصايا عمر عبد الرحمان المعتقل بأمريكا و المتورط في تفجيرات 11 شتنبر 2001، علما أن تلك الوصايا تحمل إشارات واضحة للدعوة إلى الجهاد و حث الشباب عليه باستعمال كل أنواع العنف.
كما ربط وكرياء هذا علاقات مع بعض الأجانب بعد أن وعدهم بتلبية طلباتهم التي يتقدمون بها سواء تعلق الأمر بالزواج أو الفساد. و حسب اعترافاته أن ما كان يقوم به لم يكن سوى عملية نصب و احتيال و سرقة. و قد أكدت النيابة العامة أنه سلك هذا النهج لدفع التهم عنه أو أنه اعتمد أسلوب المراوغة و التقية، و هي من الأساليب و القواعد الأساسية للتنظيمات السرية المتطرفة. كما صرح زكرياء أمام المحكمة أنه كذاب يتلون مثل الحرباء و مجرد نصاب استغل الظروف و لا علاقة له بأي تنظيم سري.
و بخصوص جريدة الشرق و رئيس تحريرها و مدير جريدة الحياة اليومية، فإنهم توبعوا بنشر مقال لزكرياء بوغرارة و كان ذي طابع متطرف. و الغريب في الأمر أن مديري الجريدتين اتفقا على نفي علمهما بفحوى المقال المذكور و بمضمونه محملين مسؤولية كاملة لطاقم الجريدتين.
و اعتبر ممثل النيابة العامة أن زكرياء بوغرارة حصل على مبالغ مالية مهمة من جهات أجنبية لنشر أفكار تيار السلفية الجهادية، كما أنه استفاد من دعم الإعلام الجهوي بمدينة وجدة الذي نشر له مقالا بدون أي تعليل رغم ما تضمنه من إشارات إلى ارتكاب أفعال إجرامية.
و اعتبر الدفاع أن ما قام به زكرياء بوغرارة لم يكن سوى نصب و احتيال في حق مجموعة من الأشخاص كانوا سيوجهون أموالهم لتنظيمات جهادية في بلدان أخرى. و استطاع المتهم أن يأخذ منهم تلك الأموال بطرق ملتوية للاستفادة منها شخصيا.
و قد استغرقت مداولة هيئة المحكمة ساعتان، و حوالي الساعة الحادية عشر ليلا نودي على المتهمين إلى قفص الاتهام و تلا الرئيس نص الأحكام القاضية بادانة زكرياء بوغرارة ب 10 سنوات حبسا نافذا و شقيقه ب 5 سنوات حبسا نافذا و مدير جريدة الشرق ب 3 سنوات سجنا نافذا و توقيف صدورها لمدة 3 أشهر و رئيس تحريرها و مدير جريدة الحياة اليومية و رئيس تحريرها بسنة واحدة سجنا نافذا مع توقيفها لمدة ثلاثة أشهر. و ذلك بتهمة الإشادة بأعمال إرهابية و نشر خبر زائف و وقائع غير صحيحة من شأنها المساس بالسلامة الداخلية للدولة و بالإخلال بالنظام و الأمن العام.
و كانت هذه المحاكمة محاكمة اليوم الواحد، انطلقت في الساعة العاشرة و النصف صباحا و أسدل ستارها بعد منتصف الليل من نفس اليوم.
ملف روبير أنطوان
إن الاعترافات التي الإدلاء بها من طرف عناصر مجموعة روبير أنطوان – أمير العيون الزرق- أثارت انتباه الجميع. لقد أكد (أ-ع) أمام المحكمة أنه عاش مقتنعا بأن الجهاد ليس له ثمن، كما حملته أفكاره الأصولية إلى الاقتناع بأن الموت في أفغانستان أفضل من حياة رغيدة بأوروبا. و لم يتعد مستواه الدراسي القسم التاسع أساسي، بعد انقطاعه عن الدراسة سافر إلى الخارج، و بالضبط إلى ألمانيا سنة 1971 و مكث هناك سنتين و تمكن من التسجيل في مدرسة للتكوين المهني في تخصص تركيب الآلات. ثم توجه إلى السعودية لقضاء العمرة و عاد إلى ألمانيا و منه إلى طنجة. ثم سافر مرة أخرى إلى السعودية و مكث بها خمس سنوات في منطقة لا تبعد كثيرا عن الكويت، و من هناك توجه إلى أفغانستان بعد أن قضى فترة بباكستان. و هناك تعرف على مواطن مصري و طلب منه عملا. و بعد أن علم هذا الأخير أن (أ-ع) حاصل على تكوين في تركيب الآلات بألمانيا عرفه على أبو ساجدة الذي أخذه إلى معسكر فاروق بأفغانستان. و هناك تلقى تدريبا على أسلحة الكلا شينكوف و شاطاكا الروسيتين. و قد دام تدريبه شهرا واحدا. ثم انتقل (أ-ع) إلى بيشاور حيث حصل على عمل في ورشة لإصلاح الأسلحة مقابل أجر قدره 600 دولار شهريا. و هناك التقى بأبي حديفة الذي قاده للعمل في هيئة الإغاثة كمدرب بعد أن قدم شهادته في فنون الحرب.
و ذات يوم استدعى أبو معاذ المغاربة الأفغان و حصل نقاش حول ما إذا كان الجهاد لا يزال قائما في أفغانستان بعد وصول برهان رباني إلى العاصمة كابول أم لا؟
ساد رأيان، فكان هناك من يقول إن الجهاد انتهى، و من يقول أنه مازال قائما. إلا أن الأغلبية ارتأت أن الجهاد قد انتهى. و هناك من انسحب، و من جملتهم (أ-ع) و أبو حديفة، و منهم من التحق بحكمتيار. و نفى (أ-ع) أن يكون قد حصل أي نقاش حول مصير المغرب في هذا الاجتماع و أي اتفاق حول خلق خلايا ينخرط فيها الشباب المغربي للجهاد.
أما (ع-م) فقد أنكر معرفته لروبير أنطوان و انتمائه لأهل السنة و الجماعة. و أكد لهيئة المحكمة أنه تعرض للتعذيب و أنه وقع على المحضر دون أن يطلع على مضمونه.
و نفى (خ-ح) أية علاقة بالفرنسي و أنكر أن يكون هذا الأخير قد طلب منه التوجه صحبة أشخاص آخرين إلى جبال شفشاون بشمال المغرب للبحث عن مكان آمن لا تصل إليه قوات الأمن لإقامة معسكر.
كما أنكر (ع-هـ ) أنه كان يفكك السيارات المسروقة الآتية من مدينة سبتة، و التي كان يدخلها روبير أنطوان منذ سنة 2001 إلى غاية 2002.
أما (ح-ز) فقد سبق له أن صرح للشرطة أن السلفية الجهادية تعاني من الحصار لذا كان لامناص من فكه بالدفاع عن النفس بالسلاح، إلا أنه نفى هذا الكلام أمام هيئة المحكمة.
و فيما يخص (ي-خ) فانه اعترف [انه مجرد تاجر مخدرات و بائع للمشروبات الكحولية و السجائر و أقراص الهلوسة المهربة من مدينة سبتة المحتلة. و كل ما كان يريده من روبير أنطوان هو أن يساعده في الهجرة إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط بعد أن أصبحت الشرطة تضطهده نتيجة لاعتقالاته المتواصلة و العديدة.
كما أكد (م-ع) أن لا علاقة له بأي جماعة و هذه هي الحقيقة، أما ما ورد في المحضر فانه من نسيج المحققين إذ كتبوا ما أرادوا ثم أجبروه على التوقيع.
بعض الاعترافات ذات دلالة
نتطرق إلى بعض الاعترافات التي أدلى بها بعض المتهمين إما لدى الضابطة القضائية أو أمام هيئة المحكمة.
المختار باعود، و هو أحد الأشخاص الدين نشرت صورهم على نطاق واسع قبل القبض عليه. يبلغ من العمر 25 سنة انضم إلى جماعة الدعوة و التبليغ سنة 2002 و بعد دلك أثر عليه محمد العمري 5الانتحاري الناجي من تفجيرات فندق فرح- للانضمام إلى جماعة السلفية الجهادية. و بدأ يحضر معهم الاجتماعات و مشاهدة الأشرطة المتعلقة بالجهاد، و كانت تلقى فيها دروس تحث على قتل اليهود و النصارى الموجودين بالمغرب.
و قد اعترف المختار باعود أن محمد العمري أطلعه و رفاقه بمخطط تفجيرات الدار البيضاء قبل حدوثها، و دلك بيومين قبل التاريخ المحدد. و كان بدوره ينتظر الأوامر للتوجه إلى مدينة الصويرة رفقة أعضاء خليته للقيام بعمليات انتحارية هناك. كما أخبرهم محمد العمري بأن المتفجرات جاهزة و ستوضع رهن إشارتهم موضحا لهم كيفية استعمالها.
و في تصريحات أخرى أوضح المختار باعود أنه تم إشعاره في شهر مارس 2003 أنه سيتم قريبا تنفيذ عمليات انتحارية بالدار البيضاء كمرحلة أولى، اد أخبر محمد العمري الخلية أن انتحاريين سيعمدون إلى تفجير أنفسهم داخل بعض المقرات و المنشآت التي تعج بكثرة الأجانب، لتليها عمليات مماثلة في مدن أخرى و ذكر مدينتي مراكش و الصويرة.
كما أكدت اعترافات آخرين أن المختار باعود أبدى استعداده لتفجير نفسه بأماكن تحدد لاحقا بمدينة الصويرة.
كما جاء في محضر الشرطة أن المختار صرح أنه لو لم يتم اعتقاله لتوجه إلى مدينة الصويرة ليفجر نفسه.
أما خلد الحداد، الملقب بأبي الوليد و المزداد سنة 1975 و حرفته لحام, فقد صرح أنه بعد استقطابه إلى السلفية الجهادية انضم إلى خلية كانت تقوم باقتراف أعمال إجرامية ببعض أحياء مدينة فاس. كما تبين أن خليته كانت تعقد اجتماعات بحضور أنطوان بيير ريشارد للتدريب على صنع و استعمال المتفجرات و على حرب العصابات بالمدن و على كيفية استعمال السلاح الناري. كما اعترف أنه كان ينتقل رفقة أفراد خليته إلى أحد الكهوف لتطبيق ما كانوا يتلقونه. و اعترف أيضا أنه اقتنى بندقية صيد و قطع مأسورتها لتصبح سلاحا فتاكا بعد أن قام روبير أنطوان بأداء ثمنها.
أما عبد الإله الفزازي، فقد تابع دراسته إلى حدود الرابعة إعدادي ثم تعلم المعلوميات لمدة سنتين في مدرسة حرة. و بعد دلك فكر في التوجه إلى أفغانستان، و هدا ما فعله رفقة خالد حولي. حيث اتجها معا على مثن الطائرة من الدار البيضاء إلى سوريا و من هناك إلى طهران ثم إلى أفغانستان برا، و قصدا كابول. و بعد دلك انتقلا إلى فيلات حولها حراس. و كان بها يمنيون و سعوديون و لم يكن بينهم مغاربة. و بعد تدريب لمدة ثلاثة أيام تسلم عبد الاله الفزازي كلاشينكوف، إلا أنه بدأ الانسحاب من المنطقة مع اشتداد أطوار الحرب ضد الأمريكيين. و توجهت المجموعة التي كان ضمنها الفزازي برا إلى باكستان بفضل مساعدة مهربين، و ظل أفرادها يتنقلون من قرية إلى أخرى و في نهاية المطاف و صلوا إلى جنوب إيران. و من هناك رجع عبد الإله الفزازي من إيران إلى الدار البيضاء عبر البحرين.
و بخصوص زكرياء بوغرارة، الملقب بأبي سيف الإسلام، فقد تم إلقاء القبض عليه بعد صدور مقال له في إحدى الصحف الجهوية بوجدة شرق المغرب. و حسب ما ورد في محضر الضابطة القضائية فان زكرياء بوغرارة يعد الوسيط المالي بين تنظيم و زكرياء هدا عاطل، لم يسبق له أن اشتغل قط، و كان يحصل على مبالغ مالية ضخمة من الخارج عبر حسابه البنكي. و كان يستعمل شقيقه و شقيقته لاستخلاص الأموال المتوصل بها. و كل تلك الأموال كانت موجهة في واقع الأمر إلى زكرياء الذي توصل في أقل من سنة بما قدره 400 ألف دولار.
و بخصوص محمد النكاوي فقد اعترف بحيازة لأسلحة و بتورط الشبيبة الإسلامية في اغتيال عمر بنجلون زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية = شقيق أحمد بنجلون رئيس حزب الطليعة و الذي آزر بعض المتهمين في إطار محاكمات الإرهاب بالمغرب = .
كما أقر محمد النكاوي أن عبد العزيز النعماني، زعيم حركة المجاهدين المغاربة، كان من بين مؤسسي تنظيم الشبيبة الإسلامية إلا أنه اختلف مع عبد الكريم مطيع بصدد اغتيال عمر بنجلون. و لدلك انفصل عنه و أسس حركة المجاهدين المغاربة التي ظل يترأسها حتى وفاته.
و قد وضح محمد النكاوي في هدا الصدد بأن عبد العزيز النعماني أسر له أنه هو الذي قام باغتيال عمر بنجلون بأمر من عبد الكريم مطيع، و حدث أن رغب هدا الأخير في اتخاذ مسافة بينه و بين مسؤوليته في حادث الاغتيال فقام بطرده حتى تتبرأ الشبيبة الإسلامية منه.
روبير بيير أنطوان ريشارد
حسب أقوال روبير بيير فان رشيد العروسي هو الذي دل رجال الأمن على مكانه. اد صرح أنه انه طلب منه التوجه إلى القنصلية الفرنسية لطلب المساعدة و تعيين محام بعد أن فشل هو في القيام بدلك بنفسه لن مقر القنصلية كان محروسا من طرف الأمن، في حين كان البحث جاريا عليه.
كما تبين من تصريحاته هنا و هناك انه كان ينوي ضمان تمويل نشاطاته بالمغرب بواسطة إدخال السيارات المسروقة من أوروبا إلى المغرب. و هدا ما أقام به فعلا اد صرح أحد المتهمين انه تسلم من روبير أكثر من 20 سيارة لتفكيكها.
و كان روبير يدخل و يخرج من المغرب بسهولة باستعمال جواز سفر متقادم.
إن التصريحات التي فاجأت الجميع هي تلك المتعلقة بارتباطه و علاقته بالمخابرات الفرنسية اد صرح روبير أمام هيئة المحكمة أن المخابرات الفرنسية اتصلت به و طلبت منه الحصول على جواز سفر من المافيا التركية و كذلك ربط علاقات بالإسلاميين. و فعلا، حصل على الجواز المطلوب. و بعد دلك توجه إلى المغرب، و كان لا زال سبب تواجده بالمملكة المغربية سرا بينه و بين المخابرات الفرنسية و بالتالي لا يمكن البوح به. و هو يدخل، حسب أقواله، في كونه كان مكلفا بتتبع أنشطة السلفية الجهادية بفرنسا بأمر من المخابرات الفرنسية، لاسيما و إن فرنسا كانت تخشى أن تتحول مدينة طنجة إلى قاعدة خلفية للمتطرفين.
و نفى روبير جميع التهم الوجهة إليه، لكنه اعترف بعلاقاته مع جملة من المتهمين. اد قال انه التقى حسن الكتاني سنة 2001 و هو الذي وجهه إلى أبي حفص. و بخصوص لقائه مع الأول قال روبير انه كان يعاني من مشاكل عائلية فقصد الكتاني لاستفساره حول أمور دينية، لكن هدا الأخير أحاله على أبي حفص لمسائلته عن فتوى حول الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فقال له أن دلك يجب لأن يكون باحترام النظام.
كما نفى روبير زيارته لأفغانستان و التفكير في أي مشروع يستهدف مصفاة لتكرير البترول بمدينة ليون الفرنسية و ضرب محلات ماكدونالد و الكنائس و شاحنة لنقل مادة "البلوتينيوم" المستخدمة في الصناعة النووية. كما نفى نفيا كليا الشروع في استقطابه عدد من الأشخاص لتكوين خلية إرهابية.
وحسب التحقيق و الاستقصاء المجري من طرف الضابطة القضائية و قاضي التحقيق، يظهر أن روبير بيير انطوان كان يحمل مشروعا إرهابيا و يروج إليه، و لهدا الغرض حاول جاهدا التعرف على جملة من الأشخاص بالمغرب. و هكذا التقى ببعض المغاربة الأفغان و أخبرهم بمشروعه، و وافقوه شريطة الحصول على جوازات سفر و التمويل اللازم للعمليات المقترحة.
و بعد أن تأكد روبير أن محمد النكاوي يمتلك خبرة أكثر منه في صنع المتفجرات قام بمعيته بجملة من التجارب في هدا الصدد. و هكذا تم إجراء تجربة بمنزل المسمى عبد السلام بمدينة طنجة حضرها أشخاص آخرين إلا أن التجربة الأولى فشلت. و بعد مضي 15 يوما أعادوا الكرة بمنزل آخر بحضور أشخاص آخرين من ضمنهم أحد المتهمين يعمل بصفوف البحرية الملكية، و هده المرة كللت العملية بالنجاح.
كما تعرف روبير على رشيد العروسي الذي كان يجري أبحاثا بخصوص المتفجرات و التفجير بالتحكم عن بعد باستعمال هاتف محمول معبأ ببطاقات خاصة.
و بعد أن أخبره أحد معارفه بوجود مجموعة بمدينة فاس اتجه روبير سنة 2003 إليها، و هناك اجتمع معهم لمناقشة موضوع الجهاد و سبل محاربة الفساد و التصدي إليه. آنذاك أخبر روبير بعضهم أن مدينة فاس مناسبة و مواتية جدا لإجراء تداريب، لاسيما بالمنطقة المعروفة بالكهوف المتوارية عن الأنظار.
و حسب نتيجة التحقيقات يتبين أن روبير انتقل إلى مدينة شفشاون بشمال البلاد و أقام هناك معسكرا على غرار ما كان موجودا بأفغانستان. كما صرح أحد المتهمين أنه تسلم مبلغا ماليا لتوزيع بعض المنشورات، و صرح آخر أن الفرنسي كلفه بالانتقال إلى مدينة الناظور للحصول على أسلحة نارية.
و بعد دلك عمل روبير على الاتصال بحن الكتاني من أجل منحه فتوى حول مدى شرعية القيام بالعمليات الاستشهادية ضد المصالح الأمريكية و الفرنسية إلا أنه أخبره بأنه غير مؤهل للإجابة على دلك فوجهه إلى أبي حفص لأنه مؤهل للإجابة أكثر منه، و منحه رسالة بخط يده و هي عبارة عن كلمة سر.
و بخصوص الأسلحة النارية فقد حجزت الشرطة مسدسين في منزل محمد النكاوي، و رشاشين و أربع مسدسات أخرى و رصاصات بمدينتي بركان و الخميسات. كما كشفت التحريات على وجود أسلحة بأماكن أخرى و كلها أدخلت إلى المغرب عبر مدينة مليلية السليبة. و أكدت التحقيقات أن هده الأسلحة أدخلت إلى المغرب سنة 1984 ثم في سنة 2000 عبر المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة و مليلية، كما أبانت أن بعضها تسلمها محمد النكاوي من عند عبد الله بنيعيش الذي توفى بأفغانستان.
و على اثر أقوال روبير، نفى وزير العدل المغربي أن يكون الفرنسي قد تعرض لأي اعتداء أو اغتصاب خلال مدة اعتقاله، مضيفا أنه أبدى تعاونا كبيرا مع السلطات الأمنية و القضائية في كل مراحل التحقيق معه، كما أنه كشف عن معلومات دقيقة غاية في الأهمية ساعدت بشكل كبير في إلقاء القبض على مجموعة من الأشخاص المتورطين في الأعمال الإرهابية.
خلايا الإرهاب
كانت بداية الاعتقالات في صفوف المتطرفين في صيف 2002 حيث سلمت المخابرات المغربية تسع أشخاص متورطين في جرائم قتل متعددة إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قصد التحقيق معهم في الأفعال المنسوبة إليهم، و كان دلك في سرية تامة. و استمرت الاعتقالات لتشمل أشخاص آخرين كشف التحقيق عن تورطهم في مجموعة من جرائم القتل. و قد همت هده الاعتقالات بالأساس جماعة التكفير و الهجرة (مجموعة يوسف فكري و من معه).
و تتالت الأحداث و توسعت الاعتقالات بعد تفجيرات 16 مايو الدامية بالدار البيضاء عندما استهدف الإرهاب المغرب لأول مرة و بشكل مباشر.
و قد أظهرت الأحداث أن خلايا الإرهاب كانت منتشرة بالدار البيضاء و فاس و طنجة و أكادير و القنيطرة. و أنها تناسلت كالفطريات في الأحياء المهمشة بهده المدن في صفوف الشباب العاطل و المعطلين المستقطبين لاستعمالهم كقنابل بشرية، و دلك خلال مدة لم تتجاوز الستة أشهر على أكبر تقدير دون علم دويهم و أقاربهم و دون إثارة الريبة و الشك.
لقد انطلق التخطيط بتكوين خلايا محدودة العناصر للعمل و النشاط دون إثارة الشبهات لاسيما و أن الإرهابيين عقدوا العزم على ضرب أكبر عدد من المنشآت و إلحاق الخسائر المادية و البشرية بها. و هكذا عمل رؤوس الإرهاب على تكوين انتحاريين جاهزين توا و انتحاريين احتياطيين لضرب الأماكن المستهدفة. و هي العناصر التي أطرتها خلايا الدار البيضاء و طنجة و فاس و القنيطرة و أكادير و سلا و الرباط و الصويرة و سيدي بنور و تمارة. فكانت كل خلية من تلك الخلايا تتكون من 15 عنصرا على أكبر تقدير يترأسها أمير يقوم بتسييرها و توجيهها و تتبعها. و كانت المهام مونعة بدقة بين أفرادها. فكان من تكلف بالاستقطاب و البحث و التقصي على العناصر المؤهلة، و من تكلف بالتكوين و تلقين المبادئ الداعية إلى التكفير و الجهاد، و من تكلف بالتداريب شبه العسكرية. انه تنظيم محكم يمكن من تأطير المستقطبين و متابعتهم عن قرب إلى حين إعدادهم لقبول تحويل أجسامهم إلى قنابل بشرية قاتلة.
و لم تكن الخلايا على ارتباط أو أدنى علاقة فيما بينها، و عملية التنسيق تتم عن طريق الأمراء الدين كانوا يخضعون لتعليمات و توجيهات الأمير الوطني.
و في إطار الإعداد في مجال صناعة المتفجرات كان أشخاص على دراية بهذا المجال يعقدون جلسات مع كل خلية على حدة من أجل التدريب، كما كانوا يمركزون مختلف التجارب لتعميم نتائجها على مختلف الخلايا.
و قد لعب المغاربة الأفغان – الدين تدربوا على استخدام الأسلحة بأفغانستان في ظل حكم طالبان- دورا بارزا في هدا الصدد.
و أفادت تحقيقات أن الأغلبية الساحقة لانتحاريي أحداث 16 مايو تنتمي إلى خلايا الدار البيضاء، و قد التحق هؤلاء بخلاياهم عبر مسلسل ابتدأ باجتياز اختبارات الثقة. و قد كان هدا العمل سهلا بالنسبة لرؤوس الإرهاب بفعل تغلغل الجماعات المتطرفة في أحياء الدار البيضاء المهمشة. و قد ساعدهم استفحال المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية بتلك الأحياء على بلوغ أهدافهم. اد كانت التربة مهيأة سلفا بعدما قامت جماعة الصراط المستقيم و جماعة الهجرة و التكفير و جماعة السلفية الجهادية بإرساء الأفكار الأساسية الرامية إلى تكفير المجتمع و تكفير النظام و اعتبار المؤسسات و القائمين عليها رموزا للطاغوت، و اعتبار المتشبعين بهده الأفكار يشكلون وحدهم الفرقة الناجية من النار.
و ضمت خلية فاس عناصر تتراوح أعمارهم ما بين 17 و 52 سنة، توبعوا بتهم تكوين عصابة إجرامية و الاختطاف و الاحتجاز و السرقة الموصوفة و استعمال السلاح و الضرب و الجرح بواسطة السلاح الأبيض المؤدي إلى عاهات مستديمة مع سبق الإصرار و الترصد و توزيع منشورات هادفة إلى التحريض على العنف و تهديد الأمن العام و الانتماء لتنظيم سري و القيام بمهام من اختصاص رجال الأمن.
و قد اعتبر المدعو مصطفى التاقي زعيم هده المجموعة التي عمدت على شن جملة من الاعتداءات الإرهابية في حق المواطنين بعدة أحياء هامشية بمدينة فاس. و كان الزعيم يقوم بإصدار فتاوى التكفير و الاعتداء ضد من كان يعتبرهم فاسقين و ملحدين و أعداء الله. و من ضمن الأفعال الإجرامية المنسوبة إليه و لجماعته القيام ببتر يد مواطن بالسلاح الأبيض.
و أغلب أعضاء خلية فاس ينتمون لوداديات سكنية تابعة لأحياء فقيرة بفاس أحدثت وفق تصوراتهم، و كانوا يقومون بدوريات لمحاربة باعة الخمور و المخدرات و المتعاطين للفساد و النساء المتبرجات و اللواتي يرافقن الغرباء. كما استهدفت الخلية بعض الأماكن للسطو عليها اعتبارا لأن أمرائها ربا في نظرها و مخالفة للشرع.
أما خلية سيدي بنور فكانت تضم ما يناهز 20 عنصرا. و تعود الوقائع المرتبطة بها إلى 20 يونيو 2003 حيث نظم فرع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الحزب ذو الأغلبية الحكومية) بمدينة سيدي بنور ندوة جماهيرية، فتقدم عبد الصمد بنعياد لإلقاء مداخلته التي تمثلت في اتهام المخابرات المغربية بافتعال تفجيرات الدار البيضاء لضرب ما أسماهم بالإسلاميين. كما وجه انتقادات شديدة اللهجة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و للبرلمان لمصادقتهما على قانون الإرهاب، و أضاف أنه يعرف عدة أشخاص مغاربة بايعوا أسامة بن لادن و أن تنظيم القاعدة لا علاقة له بأحداث الدار البيضاء.
و يعد بوشعيب ركيبة أبرز عنصر في هذه الخلية، و هو الذي كان يحث أتباعه على عدم الصلاة وراء أئمة المساجد الذين يقومون بالدعاء للملك، كما يأمرهم بالاستعداد لمواجهة الأعداء الكفار و الجهاد كواجب شرعي.
و حسب محضر الضابطة القضائية فان بوشعيب ركيبة هو الذي أسس خلية سيدي بنور و هي تابعة للسلفية الجهادية و كانت تعقد اجتماعات سرية تتناول فيها مواضيع التكفير و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باستعمال العنف.
و قد تمحورت مرافعة النيابة العامة حول ثبوت صلة المتهمين، أعضاء الخلية، ببوشعيب ركيبة و حول القيام هؤلاء بالاستعداد لمخطط إرهابي قصد تنفيذه. في حين ركز الدفاع على أن المحاكمة لا ينبغي أن تنم على المقاصد و النوايا، بل على أفعال إجرامية، و اعتبر أن لا وجود في ملف النازلة لأعمال إجرامية، و الأفكار و المعتقدات لا يطالها القانون إلا إذا ترجمت إلى أفعال.
و بعد مداولة استمرت من الساعة الحادية عشرة و النصف من مساء الجمعة إلى الساعة الثالثة و الربع زوال يوم السبت 13 شتنبر 2003 أصدرت المحكمة أحكامها بإدانة جميع المتهمين 19 بأحكام تتراوح بين ثماني و عشر سنوات سجنا نافذا.
و خلية تمارة كانت تابعة لجماعة الهجرة و التكفير، و تمت محاكمة مجموعة من 15 شخصا في إطار الملف الخاص بها و الذي عرض على العدالة. و قد أدانتهم المحكمة بتهم زعزعة عقيدة المسلم و عقد اجتماعات بدون ترخيص. و صدرت في حقهم أحكام تتراوح ما بين سنتين و ثلاث سنوات حبسا نافذا.
أما بالنسبة لخلية المحمدية فقد أفادت التحقيقات أن الطيب بنتيزي كان من أبرز قادتها. و هو البالغ من العمر 50 سنة. حيث جاء في محضر الضابطة القضائية أنه سافر إلى أفغانستان و تدرب هناك على استخدام الأسلحة و ساهم رفقة سعد الحسني و نور الدين بنمالك في تأسيس الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة. كما جاء في المحضر كذلك أن الطيب قام بجمع 17 ألف دولار، و كان يوزع مبالغ مالية 500 دولار على أعضاء الخلية غير المتزوجين و 1200 دولار على المتزوجين منهم كما أشار المحضر إلى أن الطيب تسلم من أسامة بن لادن في أفغانستان 15 ألف ريال سعودي بعد لقائه به.
و قد كشف الطيب بتيزي لهيئة المحكمة رحلاته المتعددة إلى الخارج. فقد سافر إلى ليبيا و مكث بها مدة سنة، ثم توجه إلى فرنسا فيما بين 1981 و 1995 و عمل هناك كحارس لأحد المساجد التابعة إلى منظمة الاتحاد الإسلامي و عاين هناك الانشقاق الذي عرفته هذه المنظمة. كما صرح أنه كان يدرب مجموعة من الأفراد على فنون الحرب بعد انخراطه في جماعة الاتحاد الإسلامي باعتباره حاصل على الحزام الأسود في رياضة التيكواندو. و إذا كان الطيب قد اعترف للمحكمة بسفره رفقة رئيس منظمة الاتحاد الإسلامي إلى هولندا و اسبانيا و حضر مؤتمرات إسلامية في عدة دول، فانه نفى كليا سفره إلى الخرطوم و انجلترا قبل طرده من فرنسا بعد انتهاء مدة إقامته بها و عدم تمكنه من تجديد بطاقة الإقامة بها.
و قد نفى كافة عناصر المجموعة انتماءهم إلى تنظيم سري، كما اتفقوا جميعا في قولهم أمام المحكمة أن تصريحاتهم الواردة في محاضر الضابطة القضائية كانت تحت التعذيب و لا تمت بصلة بالوقائع، كما أكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب. و من هؤلاء (ر-ز) الذي يشتغل مهندسا بالمركز النووي بالدار البيضاء.
و قد أكد الدفاع في دفوعاته الشكلية و الأولية على عدم اختصاص المحكمة (محكمة الإرهاب) في البت في ملف النازلة و ضرورة إحالته على المحكمة المختصة التي ارتكبت بدائرتها الوقائع اعتبارا لكون هذه الوقائع كانت سابقة لصدور قانون مكافحة الإرهاب. كما دعا الدفاع ببطلان إجراءات التفتيش و الإشعار و انعدام حالة التلبس بالنسبة للمتهمين، كما التمس الدفاع بطلان محاضر الضابطة القضائية. إلا أن المحكمة رفضت كل الدفوعات و أدانت المجموعة بالتهم المنسوبة إليها.
و بخصوص خلية مدينة القنطرة، فقد أطلقت على نفسها خلية الحنشة نسبة لدوار الحنشة، و هو أحد الأحياء الهامشية للمدينة. و كان المسمى أحمد ماطو أميرها، و كان على علاقة بمحمد الفزازي و حسن الكتاني و أبي حفص. و قد أشار محضر الضابطة القضائية إلى أن أفراد الخلية تلقوا تداريب شبه عسكرية بالغابة المجاورة للدوار المذكور. و قد أدانت المحكمة جميع أعضاء الخلية بالتهم المنسوبة إليهم و كانت أقصى عقوبة أصدرتها في ملف النازلة هي 30 سنة حبسا نافذا.
أما خلية أكادير فقد بدأت عملياتها باغتيال مواطنة فرنسية بواسطة السلاح الأبيض أثناء مرورها بشارع مدينة أكادير الرئيسي عائدة من الشاطئ. و قد تم تنفيذ هذه الجريمة بعد أحداث 16 مايو بالدار البيضاء.
بايعت هذه الخلية (البالغ عدد أفرادها 14 شخصا) أميرا لها، و كانت تستهدف الأجانب و تنوي تفجير الحافلات السياحية و تستعد للهجوم على مؤسسات سياحية و صناعية حسب ما ورد في محضر الضابطة القضائية. و من أجل تنفيذ مخططاتها حصلت الخلية على كمية من المتفجرات من خلال السطو عليها من المقالع التابعة لمعمل الأسمنت. حيث كان عناصر الخلية ينتقلون إلى عين المكان بعد صلاة العشاء لتعيين الأماكن التي توضع بها المتفجرات من طرف المهندسين. و في اليوم الموالي يتسللون زوالا إلى تلك المواقع التي خضعت للتفجير قصد البحث عن المتفجرات التي لم تنفجر لأسباب تقنية و يجمعونها لتخزينها قصد الاستفادة من موادها لصنع متفجرات لاحقا بطريقة عتيقة.
و قبل انطلاق حملة الاعتقالات بلغ عدد أتباع الخلية ما يزيد على 40 شخصا بفعل عمليات الاستقطاب التي كانت جارية بدون انقطاع.
ففي غضون شهر يوليوز 2003 اعتقلت مصالح الشرطة 12 من المشتبه فيهم في نازلة مقتل السائحة الفرنسية.
و أمير خلية أكادير لا يتعدى مستواه الدراسي الخامسة ابتدائي، و كان يمتهن بيع الكتيبات الدينية أمام المساجد و هو من مواليد سنة 1970 بأكادير، سبق أن حوكم بتهمة العنف ضد الأصول (الوالدين) سنة 1996.
و قد تراوحت الأحكام الصادرة في حق عناصر خلية أكادير بين المؤبد و 5 سنوات بعد اتهامهم بالانتماء إلى تيار السلفية الجهادية و جمع أموال بنية استخدامها في عمل إرهابي و تكوين عصابة إجرامية لإعداد و ارتكاب أعمال إرهابية و الاعتداء عمدا على حياة شخص في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام و بسلامة الدولة و ممتلكات فئة من المواطنين و التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية و عقد اجتماعات دون ترخيص مسبق و ممارسة نشاط في جمعية غير مرخص بها.
و بالنسبة لخلية طنجة عمل الفرنسي روبير أنطوان على استقطاب عدد الشباب المنتمين لتيار السلفية الجهادية و كون معهم خلية استهدفت القيام بعمليات تخريبية بالمغرب عن طريق استعمال المتفجرات و نظام التفجير عن بعد بواسطة هواتف محمولة. و من أجل الاستعداد لذلك تم إنشاء معسكر تدريبي بنواحي مدينة فاس تمحور بالأساس حول التمارين الرياضية و الإعداد البدني و التدريب على السلاح و تصنيع المتفجرات و إجراء التجارب عليها. و لنفس الأغراض أقيم معسكر آخر بجبال مدينة شفشاون بشمال البلاد.
و من أجل تمويل هذه الأنشطة تقرر الاستعانة بشبكة تهريب المخدرات للحصول على بنادق قصد استخدامها ضد قوات الأمن و الاستيلاء على أسلحة إضافية. و بعد الحصول على كمية كافية منها عقد أعضاء الخلية العزم على استعمالها للهجوم على الثكنات العسكرية للحصول على الذخيرة اللازمة، و كل ذلك بهدف إثارة الفتنة و زعزعة الأمن و الاستقرار بشمال البلاد.
وقد تكونت خلية طنجة في بدايتها من 10 عناصر يترأسهم روبير أنطوان الذي أطلق عليها اسم خلية " أسود خلدن" أسوة بمعسكر خلدن بأفغانستان. كما عزمت الخلية على إنشاء معسكر بطنجة يكون قاعدة خلفية للقيام بعمليات هجومية على السدود الأمنية و القوافل العسكرية. و من أعضاء هذه الخلية عبد الإله الفزازي و هو الابن الأكبر لمنظر السلفية الجهادية محمد الفزازي، و هو عائد من أفغانستان التي تلقى فيها دروسا نظرية و تطبيقية في صناعة المتفجرات حسب ما ورد في محضر الضابطة القضائية.
و خلية الرباط، يعتبر ملفها الوحيد في ملفات محاكمات الإرهاب بالمغرب الذي يضم العنصر النسوي بشكل بارز. ففي إطار هذا الملف توبعت التوأمين سناء و إيمان و امرأتين. و كانت التوأمان القاصرتان من المرشحات للقيام بعمليات انتحارية استهدفت البرلمان و جملة من كبريات الأسواق التجارية بالرباط. كما كان مخططا اختطاف شخصيات بارزة في الدولة قصد طلب الفدية.
و قد تبين أن أهم أعضاء خلية الرباط هم من قاطني أحد الأحياء الهامشية. و حسب سكان الحي المعني، و هو حي جبل الريسي، همت الاعتقالات و الاستنطاقات جميع المتعاطفين مع التيارات الإسلامية و جميع الملتحين بالحي. كما أن بعض الاعتقالات تمت بمقر السكنى ليلا و عرفت أحيانا مواجهات بين عناصر الأمن السري و العائلات لاسيما في شارع السوق الذي عرف اعتقال أكثر من 30 شخصا.
و يعتبر حسن الشاوني الملقب بكشك أبرز عناصر هذه الخلية. و هو من مواليد سنة 1975، متزوج و أب لطفل عمره 9 أشهر، يقطن بإحدى غرق بيت العائلة. يمتهن بيع الحلوى لفائدة شخص آخر بشارع السوق بحي الريسي و يتقاضى أجرا يوميا أقل من 4 دولارات، و لا يتعدى مستواه الدراسي الأولى من التعليم الإعدادي. سبق له أن استضاف بمنزل عائلته سعد الغمضي المتهم بانتمائه لتنظيم القاعدة مكث ضيفا عنده لمدة قصد البحث عن زوجة.
و حسب عائلة الشاوني فقد تم إلقاء القبض عليه يوم 14 غشت 2003 و ليس يوم 20 غشت كما ورد في المحضر، وقد تساءلت العائلة عن مكان تواجده و مصيره فيما بين تاريخ الاعتقال الفعلي و التاريخ المنصوص عليه بالمحضر.
و قد وجهت إليه المحكمة تهمة الانتماء لتيار السلفية الجهادية و توزيع مناشير مناهضة للنظام و المساهمة و الإشراف على إعداد عمليات تخريبية.
و يظل ارتباط هذه الخلية بقاصرات من المسائل التي استأثرت كثيرا بالرأي العام. فحسب محضر الضابطة القضائية تم استدراج القاصرتين و التغرير بهما من طرف عناصر خلية الرباط بأفكار لا تتناسب سنهما و وضعيتهما الاجتماعية، و كان تأطيرهما بشكل منظم و مدروس بدقة.
و الفتاتان القاصرتان هما توأمان من مواليد 1989 عاشتا وسط بيئة تعاني من الفقر المدقع و ضمن أسرة تعيش على التسول و بيع الملابس المستعملة أحيانا. كانت القاصرتان إيمان و سناء تلتقيان بعد الصلاة بمسجد الوحدة بالرباط ببعض النساء اللواتي يستدعينهما لمآدبهن دون علم أمهما بذلك. و تعددت اللقاءات و تحجبت التوأمان حيت توطدت علاقتهما بالأصوليات.
و حسب ما ورد في المحضر أن انطلاقة الاعتقالات كانت بعد اتصال إحدى القاصرتين بإمام مسجد الحي لاستفساره حول شرعية القيام بالعمليات الانتحارية، و فيما هي هل حلال أو حرام؟ و بعد أن أبلغ الإمام الشرطة بالأمر بدا التحقيق مع القاصرتين و أفدى إلى التعرف على نوايا خلية الرباط.
و قد تابعت المحكمة الجنائية للأحداث بالرباط القاصرتين بتهم تتعلق بتكوين عصابة إجرامية لإعداد و ارتكاب أعمال إرهابية و جمع و تدبير أموال بنية استخدامها في عمل إرهابي و التآمر على شخص جلالة الملك و الأسرة الملكية. و حكم عليهما بخمس سنوات سجنا نافذا مع وضعهما في إصلاحية الأحداث إلى حين بلوغهما سن الرشد.
و فيما يخص خلية مدينة سلا فقد أفادت الأبحاث بوجود أكثر من خلية متطرفة في عدد من الأحياء الهامشية بالمدينة. و تعرفت قوات الأمن و الدرك على عدد من عناصرها و داهمت أحد البيوت المشتبه فيها إلا أن المجتمعين فيه تمكنوا من الفرار.
و في غضون شهر شتنبر 2003 اعتقلت قوات الدرك بسلا أحد المشتبه فيهم للتحقيق معه بخصوص لقاءات تعقد بأحد المنازل. و عندما كان المعني بالأمر بالمخفر يخضع للتحقيق طلب من الدركي سجادة لأداء الصلاة بعد سماعه الآذان، و حين كان الدركي المحقق بصدد البحث عن المطلوب باغته المعتقل و حاول اغتياله بواسطة سكين، إلا أنه نجا رغم إصابته ببعض الجروح.