مسرحية: مقهى الذكريات المنسية
مسرحية درامية – فانتازية يمكن تقديمها على خشبة المسرح بسهولة، بعدد محدود من الشخصيات وديكور واحد.
المسرحية من فصلين، كلُّ فصلٍ من مشهدين:
الشخصيات
ماهر: شاب في أوائل الثلاثين، هادئ، يحمل حزنًا قديمًا.
ليلى: امرأة في أواخر العشرين، تبحث عن شيء ضائع في حياتها.
القهوجي/المايسترو: صاحب المقهى، شخصية غامضة، يتحدث بنبرة حكيمة.
رجل عجوز: زبون دائم، يبدو كأنه يعرف أكثر مما يقول.
سارة: فتاة مراهقة تهرب من واقعها.
أصوات مسرحيّة: تُستخدم خلال مشاهد الذكريات.
الفصل الأول: المشهد الأول: الافتتاح – “عندما يتكلّم المقهى”
الديكور: مقهى قديم ذو إضاءة دافئة. رفوف عليها أكواب بأسماء غريبة: “ذكرى 1”، “نسيان خفيف”، “نسيان كامل”، “استعادة قديمة”.
المايسترو يقف خلف الطاولة، ينظف كوبًا ببطء.
المايسترو (للجمهور مباشرة):
أهلاً بكم في مقهى… لا يقدّم القهوة فقط. هنا، كل رشفة تُعيدك إلى مكانٍ لم تزرْه منذ زمن… أو تمحو شيئًا لا تريد عودته.
لكن احذروا… فالذكريات ليست دائمًا مطيعة.
يدخل ماهر بخطوات مترددة، ينظر حوله.
ماهر: هل… هذا هو المكان الذي يتحدّثون عنه؟ مقهى الذكريات؟
المايسترو: يعتمد على ما تريد أن تتذكّره، أو ما تريد أن تنساه.
ماهر: أريد كوبًا… يعيد إليّ شيئًا فقدته. لا أعرف ما هو.
المايسترو (يختار كوبًا مميزًا): هذا اسمه “ذكرى لم تكتمل”. تفضّل.
ماهر يشرب. الإضاءة تهتزّ. صوت طفلة تضحك. ماهر يتجمّد.
ماهر (بصوت مخنوق):
من… هذه؟!
الإضاءة تعود لطبيعتها.
المايسترو: ذكرياتك… ستجيب في الوقت المناسب.
ينتهي المشهد على وجه ماهر القلِق.
إظـــــــــلام.
المشهد الثاني: ليلى وسارة – “أكواب متقاطعة”
الإضاءة تعود. يدخل العجوز ثم ليلى. تجلس منفصلة، متوترة.
ليلى: أريد كوبًا من “نسيان خفيف”. لديّ ذكرى تزعجني… لكنها ليست سيئة بالكامل.
المايسترو: أحيانًا… عندما نمحو طرفًا من الذكرى، يسقط الطرف الآخر معها.
تتردد، ثم تشرب. تظهر خلفها إضاءة زرقاء وصوت رجل يقول: “ليلى… انتظري!”
تنتفض.
ليلى: لا… ليس هو.
يدخل سارة مسرعة، تجلس قرب ليلى دون استئذان.
سارة: عمو… كوب “ذكرى واضحة”. أريد أن أعرف لماذا الجميع يكذب عليّ.
ينظر لها المايسترو بقلق واضح.
المايسترو: هذا الكوب… أثقل من عمرك يا صغيرة.
سارة: أعطني إيّاه.
تتناول الكوب وتشرب. ضوء أبيض قوي. صوت رجل وامرأة يتشاجران: “سارة ليست ابنتك…!”
سارة (تصرخ):
كفااااااااه!
تسقط الكأس من يدها. ينهض العجوز ويهزّ رأسه.
العجوز: قلتُ لكم… هذا المكان لا يخطئ. لكنه لا يتحمّل الأسرار الكبيرة.
ليلى تمسك يد سارة مواسية، رغم أنها لا تعرفها.
إظـــــــــلام.
الفصل الثاني : المشهد الاول : الشرارة – “حين تتلاقى الطرق”
ماهر يعود مرتبكًا. ليلى وسارة تجلسان. العجوز يراقبهم كأنه ينتظر اللحظة.
ماهر: شربت كوبين ولم أفهم شيئًا. فقط… صوت طفلة. هل كان لديّ أخت؟ ابنة؟ لا أتذكر.
المايسترو (يفتح خزانة خشبية): الذكريات لا تعود دفعة واحدة يا ماهر… أحيانًا تحتاج إلى من يشاركك بها.
ينظر المايسترو إلى ليلى.
ليلى (مندهشة): أنا؟ ماذا أفعل بذكرياته؟
المايسترو: ذكرياتكم متشابكة… منذ زمن.
يصمت الجميع. فجأة تقول سارة:
سارة: أنا أعرف هذا الصوت الذي سمعته. سمعته… في شريط تسجيل في منزل أمي.
الجميع ينظر لها.
سارة (مترددة): كانت هناك طفلة… وصورة ممزقة لرجل يشبهك.
ماهر يفقد توازنه ويجلس.
ماهر: لا… هذا مستحيل.
العجوز (ينهض لأول مرة): لا شيء مستحيل هنا. كلّكم تهربون من الحقائق، وتأتون تبحثون عن كذبة جميلة… أو حقيقة مؤلمة.
يتقدم نحوهم.
العجوز: الطفلة… كانت ابنتك يا ماهر. واختفت في حادث قديم. و… ليلى كانت هناك أيضًا.
ليلى ترتعش.
ليلى: كنتُ شاهدة… ولم أتجرأ أن أقول له. خوفًا… عليه. وعليّ.
ماهر ينظر إلى ليلى ودموعه تنزل.
ماهر: لماذا… لماذا لم تخبريني؟
ليلى (تخفض رأسها): لم أستطع.
إظـــــــــلام.
المشهد الثاني : المواجهة – “الكوب الأخير”
المشهد يبدأ بصمت ثقيل.
المايسترو يخرج كوبًا ذهبيًا.
المايسترو: هذا هو “كوب الحقيقة”. لا يشربه أحد وحده. بل يتشاركه اثنان… أو ثلاثة.
يضعه على الطاولة.
المايسترو: من سيشرب؟
ماهر ينظر إلى ليلى. ليلى تنظر إلى سارة.
سارة: أريد أن أعرف الحقيقة كلها.
يمدّون أيديهم على الكوب ويشربون معًا. الضوء يتحول إلى أبيض ناصع. تُسمع أصوات: ضحكة طفلة… صفارة سيارة… صراخ… ثم صمت.
الإضاءة تهدأ. الجميع ينظر للمايسترو.
ماهر (بهدوء): أتذكر الآن… كل شيء. الطفلة… كانت ابنتي. وسارة… أنتِ تشبهينها لأنكِ… (يتردد)… كنتِ صديقتها يوم الحادث.
سارة تبكي.
ليلى: وكنتُ هناك… أنا السائق الذي شهد الحادث، لا المتسبب به. أردت أن أخبرك… سنوات… ولم أستطع.
ماهر يقترب منها، ينظر إليها طويلًا.
ماهر: اليوم… لا أريد أن أنسى. أريد أن أتذكّر، لأستطيع أن أبدأ من جديد.
المايسترو يبتسم، لأول مرة بصدق.
المايسترو: وهذا… هو الهدف الحقيقي للمقهى. ليس أن ننسى… بل أن نتذكّر الشيء الصحيح.
العجوز يصفّق بخفة، ثم يخرج ببطء، وكأنه كان ينتظر هذا الحلّ.
ماهر، ليلى، وسارة يجلسون معًا لأول مرة بشكل هادئ.
المايسترو (للجمهور):
الذكريات… لا تختفي. هي فقط تنتظر لحظة الشجاعة.
والمقهى… سيظلّ هنا لمن يبحث عنها.
إظــــــــــــــــــــــــــــلام تام.
