معركة «تجديد التراث» و«الأصالة والمعاصرة» ما زالت مستمرة!
– مجمع اللغة العربية بدمشق يحسم الموضوع في مؤتمره الثامن.
أقام مجمع اللغة العربية بدمشق مؤتمره السنوي الثامن لعام 2009 وموضوعه «نحو رؤية معاصرة للتراث»، شارك فيه رؤساء مجامع اللغة العربية في الأقطار العربية، وأعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق عاملين ومراسلين، وعدد كبير من الباحثين وأساتذة الجامعات والكتّاب والمهتمين. والغاية من المؤتمر هو الوصول إلى كيفية الإفادة من تراث الماضي في إحداث نقلة نوعية في التنمية العربية المعاصرة من أجل مستقبل أفضل. وأقدّم هنا خلاصة لأهم القضايا التي أُثيرت في المؤتمر.
معنى التراث لغةً:
«التراث» اسم من الفعل «وَرِثَ». فنقول «ورِثَ فلاناً، ومنه وعنه: صار إليه ماله أو مجده بعد موته» [1]. فالتراث ما يخلِّفه الميت لورثته من تركة سواء أكانت تلك التركة مالاً أو مجداً أو عقيدةً أو علماً أو فكراً. وقد ورد هذا اللفظ بهذا المعنى في القرآن الكريم: ﴿وتأكلون التراث أكلاً لماً﴾ (الفجر: 9)، فهنا يعني التراث التركة المادية ، وكذلك ﴿يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ (مريم: 6) وهنا يعني التراث تركة النبوة والفضيلة والمعرفة وليس المال.
كما ورد هذا اللفظ بمعنييه، التركة المادية والتركة المعنوية، في الحديث الشريف، فقال الرسول (ص) يصف المؤمن العابد الزاهد بالدنيا: «وكان عيشه كفافاً، فعجلت منيته، وقلّت بواكيه، وقلّ تراثه.» وفي حديث آخر: «إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر.»
وورد لفظ «التراث» كثيراً في الشعر العربي كذلك، ومنه قول المتنبي:
ولستُ أبالي بعد إدراكي العُلا
أكان تراثاً ما تناولتُ أم كسبا
مفهوم التراث اصطلاحاً:
خلال النهضة العربية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حاول المثقفون العرب إحياء التراث الفكري والثقافي العربي، في سعيهم إلى إيجاد هوية عربية مشتركة، تمكّن من إقامة أُمّة عربية موحَّدة مستقلَّة عن الإمبراطورية العثمانية. فأخذ استعمال لفظ «التراث» في القرن العشرين، يدلّ على «ما ورثه العرب عن أسلافهم من حضارة» ؛ وراح اسم «التراث» يختلف في دلالته الخاصة عن اسمين آخرين مشتقين من الفعل (وَرِثَ) كذلك هما «الإرث» و «الميراث»، إذ إنهما يشيران إلى نصيب كل فرد من تركة الميت؛ فهما يقتضيان وفاة الأب وحلول الابن محله، في حين أن «التراث»، في دلالته الحديثة، يشير إلى الإرث الفكري والثقافي الذي وصلنا من آبائنا وأسلافنا على مر العصور والذي ما يزال فاعلاً في ثقافتنا السائدة. وهكذا فإذا كان الإرث أو الميراث المادي يتطلَّب موت الأب أولاً، فإن «التراث» الفكري والحضاري يعني حضور الأب في الابن، واستمرار الماضي في الحاضر.
ويختلف التراث عن التاريخ على الرغم من أن كلاً منهما متعلقٌ بالماضي. فـ «إذا كان التاريخ هو الماضي في بُعده التطوري، فإن التراث هو الماضي في بعده التطوري موصولاً بالحاضر ومتداخلاً معه ومتشابكاً به.» ويشكّل التاريخ حوار الماضي مع الحاضر عبر التراث، حواراً يكون فيه زمام المبادرة للحاضر الذي يتشابك فيه الماضي بالمستقبل [2].
يدلّ لفظ «التراث» اليوم على كل ما خلّفته لنا الأجيال السابقة من:
ـ معارف (العلوم الإنسانية والعلوم الأساسية والطبيعية)،
ـ قيم ( أنماط تفكير وسلوك، وعادات ومُثل)
ـ نظم ومؤسَّسات ( الأسرة، المسجد، المدرسة، الأوقاف والأحباس، الخلافة...)
ـ إبداع وصنع: (الغناء والموسيقى والتراث الشعبي، والفنون المعمارية والزخرفية والتصويرية..).
فالتراث تراكم حضاري وثقافي ينتقل عبر الأجيال والقرون عن طريق اللغة والمحاكاة والتقليد، ويشمل العناصر المعنوية من أفكار ومعتقدات وسلوك، والعناصر المادية، كالصناعات والحرف والآثار.
والتراث ظاهرة إنسانية نجدها في جميع المجتمعات، فلكل أُمَّة تراثها، على الرغم من أن الأمم تختلف من حيث عمق تراثها الحضاري في التاريخ أو ضخامته أو بساطته. كما أن جميع الأمم تشترك في تراثٍ إنسانيٍّ عام. ولهذا فإن «التراث» يشمل التراث القومي «ما هو حاضر فينا من ماضينا» والتراث الإنساني «ما هو حاضر فينا من ماضي غيرنا» [3]. ومن ناحية أخرى، قد يُنظَر إلى التراث من حيث مجالات تخصُّصه فتكون له أنواع مثل «التراث العلمي» و «التراث الجغرافي» و«التراث الشعبي»، إلخ.
أخطاء شائعة عن التراث:
سعى أعلام النهضة العربية في القرن التاسع عشر الذين كانوا يرومون إقامة أمّة عربية موحّدة مستقلة، إلى إحياء التراث العربي، كما قلنا، من أجل إشاعة شعور لدى العرب بأنهم أُمّة واحدة ذات هوية متميزة عن غيرها من الأمم، بتاريخها الواحد، ولغتها الواحدة، وتراثها الشعبي المتميِّز، وثقافتها المشتركة. ولهذا اقتصرت حركة إحياء التراث في بدايتها على تحقيق المخطوطات التراثية التي تتناول اللغة والأدب والتاريخ والفقه والتفسير والحديث. وكانت تلك المخطوطات قد كُتبت في عصور مختلفة من مسيرة الأمة العربية: عصور الازدهار وعصور الانحطاط، وتحمل كماً هائلاً من المعارف المختلفة والمنهجيات المتباينة، منها العقلاني ومنها الخرافي، منها ما يدعو إلى الوحدة ومنها ما يبث التفرقة الطائفية والمذهبية، منها ما يدعو إلى نقد الأوضاع الاجتماعية ومقاومة الظلم، ومنها ما يفرض الطاعة للسلطان الغاشم بوصفه ظلّ الله في الأرض.
ولهذا أخذ مفهوم التراث لدى بعضهم يقتصر على المخطوطات التي تتناول علوم العربية والإسلام، وساد شعور لديهم بأن «إحياء التراث» يعني تحقيق المخطوطات البالية ونشرها، وأن التراث يقتصر على ما هو قديم وسلبي من العلوم الإنسانية، ونُسِي أهم مظاهر الحضارة العربية إبان ازدهارها مثل حرية الفكر وحرية الحوار وحرية الانتقال، انتقال الأفكار والأفراد والسلع، والاعتماد على العقل والتجربة وطلب المعرفة حيث كانت، وهي قضايا تناولها بالتحليل رئيس المجمع، الدكتور مروان المحاسني، في كلمته الاقتتاحية للمؤتمر [4]. وأثار بعضهم مسألة قيمة هذا التراث وجدواه في محاولتنا لتحقيق التنمية والتطور. فدارت معارك فكرية بين أولئك الذين يقدِّسون التراث فقالوا «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها» وبين أولئك الذين أضحى التراث، في نظرهم، مسؤولاً عن هزائم الأمة وانكساراتها ورأوا ضرورة التخلُّص من كل ما هو قديم والأخذ بالجديد من أجل اللحاق بالغرب المتطوِّر. وأطلق على هذه المعارك الفكرية اسم «القديم والجديد» وما يتعلَّق بها من مقارنات بين «الشرق والغرب» أو «الإسلام والغرب» أو «العرب والأوربيين». [5]
القطيعة مع التراث:
اعتقد بعض المفكرين أن لا سبيل إلى التخلُّص من سلطة تراث الماضي المتخلِّف، ووضع حدٍّ لتحكمه في حاضرنا ومستقبلنا، والدخول في حداثة العصر، إلا بإحداث قطيعة معرفية معه بحيث نتوسَّل بعقل الحداثة، فلا سلطة إلا للعقل الذي يتخذه العلم الحديث مصدراً وحيداً ولا سلطة إلا لضرورات الواقع [6]
ومن الذين نادوا بذلك اللبناني حسين مروة في كتابه «النزعات المادية في الإسلام»، والمصري حسن حنفي في كتابيه «التراث والتجديد» و «من العقيدة إلى الثورة»، والجزائري محمد أركون في كتابه «تاريخية الفكر الإسلامي»، والمغربي محمد عابد الجابري في كتابيه «نحن والتراث» و «تكوين العقل العربي».
ولكن ما المقصود بالقطيعة في مصطلحهم؟ وهل القطيعة مع التراث ممكنة فعلياً؟
مصطلح «القطيعة المعرفية (أو الإبستمولوجية)» ظهر على يد فيلسوف العِلم الفرنسي غاستون باشلار (1884ـ1962)، ليدل على مفهومَين:
الأوَّل، تخلّي العالِم في المختبر عن المعرفة التقليدية الشائعة، والأخذ بالمعرفة العلمية الموضوعية القائمة على التجربة والبرهان.
الثاني، القطيعة بين الأنظمة المعرفية في تاريخ العِلم. والنظام المعرفي هو مجموعة من المفاهيم والمقولات وطرائق التفكير التي تمكِّننا من حلِّ المشكلات أو التوصل إلى معرفة جديدة تطوّر حياتنا. فعندما يصل النظام المعرفي الذي نستخدمه إلى طريق مسدود ولا يستطيع معالجة الإشكاليات التي تواجهنا، لا بدَّ لنا من تغيير الزاوية التي ننظر منها إلى الأشياء، أي التخلي بوعي تام عن ذلك النظام المعرفي القديم وتبني نظام معرفي جديد يستطيع التعامل مع الإشكاليات التي عجز النظام المعرفي القديم من التعامل معها. فالتطور العلمي لا يتوقف على التراكم الكمي فحسب، بل على آليات التفكير الجديدة أيضاً.
وفيما اشتغل باشلار على المفهوم الأول لمصطلح القطيعة المعرفية، تبنى المفهوم الثاني وطوَّره ثلاثة من المفكرين هم: الفيلسوف الناقد الفرنسي ميشيل فوكو (1926 ـ1984) الذي اتبع طرائق بحث جديدة في كتابه «تاريخ الجنون» ، والفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير(1916 ـ 1990) الذي أعاد قراءة ماركس قراءة بنيوية فبيَّن أن ماركس في كهولته قد قطع صلته الإيديولوجية والمثالية بالفلسفة الألمانية وتبنّى مقاربة علمية ونظرية قرأ فيها الأشياء قراءة نسقية توضح بنيتها الداخلية ونظامها الهيكلي فأثمرت كتابه «رأس المال»؛ ومؤرخ العلم الأمريكي توماس كوهن (1922 ـ 1996) صاحب كتاب «بنية الثورات العلمية» الذي برهن فيه على أن التطوُّر العلمي ليس بالضرورة تراكمياً وتدريجياً، وإنما قد يتأتى من ثورات بنيوية يتمّ فيها تغييرُ نسق البحث وآلياته. وأصبح للقطيعة المعرفية مفهوم مختلف شيئاً ما لدى كلِّ واحد من هؤلاء المفكرين الثلاثة [7].
وعندما استعار الباحثون العرب مصطلح «القطيعة المعرفية» من أولئك المفكِّرين الغربيين، طبّقوه على التراث بطرق مختلفة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كما يقولون، هو: هل نستطيع إحداث القطيعة مع التراث بصورة فعلية؟
ينبغي، أوَّلاً، أن نشير إلى أن الإنسان يمتاز عن الحيوان في القدرة اللغوية وقابلية التفكير والعمل. فالحيوان لا يستطيع الاستفادة من خِبَر وتجارب أسلافه من الحيوان، ويقتصر الإرث الذي يناله على الإرث البيولوجي؛ في حين أن الإنسان قادر على الاستفادة من معارف إسلافه وخِبراتهم وأفكارهم، والإضافة إليها وتطويرها بتجاربه ومعارفه وعلمه، من أجل بناء حاضره وتقدمه في مستقبله [8]. وحتى لو أراد القطيعة مع بعض المعارف أو القيم أو طرائق التفكير التي ورثها عن الأسلاف، لا بُدَّ له أولاً أن يتلقّاها وينقدها ليعرف عجزها لكي يتخلى عنها.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننا لا يمكننا، حتى لو أردنا، إحداث قطيعة تامة مع بعض عناصر التراث، مثل اللغة والقيم والعادات والتقاليد والمشاعر، لأن هذه العناصر يستغرق نشوؤها وتكوّنها حقباً تاريخية طويلة ولا يمكن إلغاؤها بضربة لازب، فأنت تستطيع أن تنقل البدوي من خيمته إلى عمارة شاهقة خلال ساعات، ولكنك لا تستطيع تغيير قيمه ومثله وتجعله يتحدّث بلغة شكسبير بنفس السرعة.. فاللغة، مثلاً، وهي أهم عناصر التراث، لأنها وسيلته الأساسية في نقل المعرفة وتراكمها من جيل إلى جيل، لا يمكن القطيعة معها واستبدالها بلغة أخرى دون حدوث صعوبات خطيرة على مستوى التفكير وتمثُّل المعلومات والإبداع، ودون المخاطرة بهُوية الأمة وتماسكها. وهنا يكمن أحد أسرار وأسباب تخلُّف الأمة العربية علمياً وتكنولوجياً في العصر الحاضر؛ فالحكومات العربية تصرُّ ـ مخالفة بذلك إجماع علمائها ومفكريها ـ على استخدام لغة المستعمِر القديم (الإنكليزية أو الفرنسية) في تدريس العلوم والتكنولوجياً في جامعاتها ومعاهدها العليا، دون أن تدرك أن تراث كل أُمّة من الأمم يشتمل على منظومة مفهومية خاصة بها تنسجم وتتفاعل مع بنية لغتها، واستبدال وسيلة نقل المعرفة وتمثّلها (اللغة) يؤدي إلى بطءٍ في الفهم، وصعوبةٍ في التمثّل والإبداع، وعرقلةٍ في تبادل المعلومات بين الأفراد والمؤسسات، ما يستحيل معه إيجاد مجتمع المعرفة القادر على تحقيق التنمية البشرية المنشودة. «فتراث أية أُمّة من الأمم ليس هو تراكم معرفة وخِبَر وتجارب فحسب، ولكنه تمثيل لشخصية الأمة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويعني ذلك تمثيلاً لخصائص الأمة الحضارية، المادية والمعنوية؛ فالشخصية القومية الحضارية لا تولد في الحاضر وليست لها حقبة زمنية معينة، وإنما هي وليدة إرث أجيال متعاقبة عبر التاريخ وعير تجارب وخِبر وأفكار تلك الأجيال. ولذلك فالتراث الحضاري هو العامل الأساسي في وحدة الأمة وبقائها واستمرارها، وهو الوسط الذي تنمو فيه الشخصية الحضارية وتترعرع.» [9].
وفي حقيقة الأمر لم يدعُ أحد من المفكرين العرب إلى قطيعة تاريخية تامة مع التراث، وإنما إلى قطيعة معرفية مع نماذج معينة من التراث. فالدكتور الجابري الذي كان أعلى المنادين بالقطيعة صوتاً، لا يدعو إلا إلى «إحداث قطيعة ابستمولوحية تامة مع بنية العقل العربي في عصر الانحطاط وامتداداتها إلى الفكر العربي الحديث والمعاصر.» [10] وهو لا يدعو إلى عدم قراءة التراث، وإنما يريد «قراءات معاصرة» عقلانية تاريخية، وليست «قراءة سلفية للتراث»... من أجل إقرار طريقة «ملائمة» في التعامل مع التراث». فالقطيعة التي يدعو إليها الجابري» ليست القطيعة مع التراث بل القطيعة مع نوع من العلاقة مع التراث، القطيعة التي تحوّلنا من كائنات تراثية إلى كائنات لها تراث» [11].
إذن، نستطيع أن نجدّد التراث، وفق رؤية معاصرة فننتقي منه النماذج الإيجابية التي تساعدنا على بناء حاضرنا ومستقبلنا، ونترك نماذجه السلبية أو نعدّلها. فتجديد التراث يعني اختيار النماذج النافعة من تراثنا اختياراً قائماً على الفهم والتمييز والنقد والمفاضلة بين العناصر التراثية، وجعل الصالح منها منطلقاً إلى الإبداع والابتكار بطريقة تعبّر عن ذاتية الأمة.
في محاضرته الافتتاحية في المؤتمر، تناول الدكتور محمود السيد، نائب رئيس المجمع، النماذج الإيجابية فذكرها على الوجه التالي:
النموذج العلمي التجريبي: الذي طوَّره عدد من علمائنا القدامى مثل جابر بن حيان والبيروني وابن الهيثم والخوارزمي وابن النفيس وغيرهم كثير.
النموذج الوظيفي أو النفعي للمعرفة، انطلاقاً من الدعاء النبوي «اللهم علّمني ما ينفعني، وانفعني بما علّمتني، وزدني علماً، وكلُّ علمٍ وبالٌ على صاحبه إلا من عمل به.»
النموذج التربوي، الذي يجعل التعليم مدى الحياة حقاً للإنسان وواجباً عليه وعلى الدولة، ويجعل الحرية الفكرية أساساً لتنمية الشخصية الإنسانية وتنمية المعرفة ذاتها.
النموذج اللغوي، الذي يتسم بالروح العلمية والفكر والموضوعي في تحليل اللغة الفصيحة المشتركة وتقعيدها، لتكون أداة طيعة للتواصل ونقل المعرفة وبلورة هوية الأمة.
النموذج الاجتماعي، الذي يجعل من الإنسانِ مركزَ الاهتمام، ومن الأسرةِ الخليةَ الأولى في المجتمع، ويركِّز على التواد والتراحم والتعاطف بين أبناء المجتمع.
النموذج الإنساني، الذي يؤكِّد حقوق الإنسان، والمساواة المطلقة بين بني الإنسان، ذكوراً وإناثاً، انطلاقاً من ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء﴾ (النساء: 1) [12].
توصيات المؤتمر:
انطلاقاً من بحوث المؤتمر ومناقشاته التي أكدت أن التراث العربي تراث حي، لأنه ظل سارياً بيننا متغلغلاً في نفوسنا، ولأنه قابل للتطور، ولأنه إنساني في قيمه ومناهجه ومواقفه، فهو يدعو إلى الإخاء والمساواة في الإنسانية، وهي معايير صالحة في هذا العصر وفي سائر العصور؛ تبنّى المؤتمر جملةً من التوصيات أهمها ما يلي:
استكشاف التراث الحي الذي لم يُحقَق بعد وتحقيقه، ومعالجته بنيوياً، وتحليله تاريخياً، والكشف عن دوره في مسيرة العلم الذي يشتمل عليه.
نشر التراث وجعله حافزاً مؤثراً في حياتنا المعاصرة.
تمثُّل القيم الإيجابية ومناهج البحث العلمي في تراثنا وتوظيفها في النهضة العربية المأمولة.
الإفادة من الكتب التراثية المحقَّقة في البرامج التعليمية، مع التأكيد على أن التراث العربي حلقة أساسية في سلسلة التطور المعرفي في العالم.
الانطلاق من التراث وأهله في أعمال إبداعية: روايات، مسرحيات، قصص، عروض سينمائية وإذاعية وتلفزية، وإحياء الفنون التراثية كالعمارة والنقش والتزيين.
دراسة الفلسفة العربية الإسلامية دراسة شاملة ومتأنية لجعلها أساساً لنظرة حية متجدِّدة في مواجهة مشكلات الحضارة الحديثة، وخدمة شؤون الإنسان المعاصر.
التأكيد ـ في معالجة التراث وإحيائه ـ على ما يجمع ويوفِّق، واستبعاد من يباعد ويفرّق، ليكون تراث الأمة لكل أبنائها [13].