مغامرة رأس المملوك جابر
فهرس:
1- في المنابع والمرجعيات2- الخصائص البنائية لمسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر»- من الترابط إلى التشظّي (تقنية التركيب)- من مكوّن الفصل أوالمنظر إلى مكوّن اللوحـــــة أوالوقفة الدرامية- من مبدأ العليّة والقانون السببي إلى مبدأ الصدفة والمفاجأة.3- التقنيات الملحمية:أ- في مستوى علاقة المتفرّج/الممثل بالخشبة- من الاندماج إلى التغريب- من التطهير إلى النقد والتفكير- من القاعدة إلى الاستثناء- من التقمّص والتجسيم إلى التسريد والتبعيد.- كسر الجدار الرابع: الممثل المتفرّجب - في مستوى علاقة الممثل بالدور:- تقنية نزع القناع- كسر النمطيّة ج– في مستوى الديكور والملابس:- كسر الشفافية والوضوح4- بعض القول في الدلالات:- من الوعي المثالي الطوباوي إلى الوعي السلبي.- من الميتافيزيقا إلى التاريخ- هموم الواقع من التفسير إلى التغيير تعليميا: من السلبية إلى الانخراط النضالي
1- في المنابع والمرجعيات
: لا أحد يشكّ في تعدّد الروافد الثقافية التي نهل منها ونّوس ووقف منها موقف الناقد المتبصّر لا موقف المتلقّي والمستهلك السلبي ونذكر منها:
الرافد الغربي وخاصة الألماني الفرنسي:
– إيروين بيسكاتور (1893/1966)
ممثل المسرح السياسي أومسرح البروليتاريا: استخدم الوسائل السينمائية وطريقة سرد الحقائق التاريخية المسجّلة. استعمل اللافتات وتسجيلات صوتية لخطابات لينين.
المسرح عنده هوإعداد الجماهير للثورة.
– رينهارت (1873/1943)
اتّسم مسرحه بشيء من الجمالية والتقليل من الخطابية التي غلبت على مسرح بيسكاتور.كسر الفجوة بين الخشبة أوالركح والصالة.
– بيرنديللو(1867/1936) إيطالي. في عمـله ‘‘ ستّ شخصيات تبحث عن مؤلّف ’’ و‘‘ هذا المساء سنرتجل’’، كسر العلاقة بين الخيال والواقع والعقل والجنون ، كما استطاع أن يقوّض مواضعات كثيرة في المسرح...
أدخل فكرة المسرح داخل المسرح والمتفرّج الممثــُل
– بيرتولد بريشت: (1898/1956) وهوالأكثر تأثيرا في مسرح ونّوس وتوجيها لقناعاته وتقنياته المسرحية.(وصل التأثير أحيانا إلى التشابه في العناوين: الملك هوالملك /الرجل هوالرجل / مغامرة رأس المملوك جابر / الرؤوس المدوّرة والرؤوس المذببة...)
– بلور بريشت أفكاره في مقدمات مسرحياته كمسرحية ‘‘ بائع الحديــــد ’’ (1937) وفي عمل تنظيريّ حول المسرح الملحمي هو‘‘الأورغانون الصّغير’’ (1948). ويمكن اختزال أفكاره فيما يلي:
- المسرح الملحمي/التعليمي/الديالكتيكي: معارضة لمفاهيم المسرح الأرسطي المعتمدة على الإيهام والتخدير وخاصّة عنصر التطهير المولّد لحالة مصالحة وتماهٍ بين الفرد والبطل وبين الفرد ونفسه وبين الفرد والمجتمـــــــع والواقع.
عمل بريشت إذن على كسر هذه المصالحة الوهمية والآنية في سبيل خلق دور أكثر إيجابية للمتفرّج المتلقّي.(المتفرّج الواعي المنخرط المتمرّد الثائر...).
– مخاطبة عقل المشاهد من خلال توسيط المعرفة وإضعاف المتعة الحسية وقطع كلّ محاولة لمخاطبة اللاوعي أوالعواطف عبر أساليب الاستهواء والإغراء بالاندماج في المشهد. فالمتعة المنشودة في المسرح الملحمي هي المتعة الذهنيّة وهي متعة غير آنية أي يمتدّ مفعولها إلى خارج العرض، وهي متعة طرح السؤال والمحاكمة العقلية المستمرّة، وهي متعة الاندهاش واليقظة الذهنية التي تحيل الخشبة إلى مرآة يرى من خلالها المتفرّج ذاته الحقيقة بدلا عن ذاته المطموسة بالإيهام والاندماج. - كسر مفهوم المطابقة وبناء مفهوم جديد: هوالتناقض. فمسرح بريشت لا يعبّر عن أطروحة جاهزة ولا يقدّم حلولا أوبدائل بل يستثمر تناقضات الفعل المسرحي وخيبات المتفرّج كي يستطيع هذا الأخير تعلّم الدرس بنفسه واكتشاف المقصد البعيد القريب.
الجدول#
الشكل الملحمي | الشكل الدرامي |
التركيز على السرد ونقل الدور أو إظهاره | التركيز على الفعل وتقمّص الدور |
المتفرّج مشاهد وملاحظ متيقّظ الذهــــــن و قادر على الحكم واتّخاذ قرارات ومواقف. | المتفرّج منخرط في المشهد |
المسرح يمثل رؤية إلى العالم والأشياء | التركيز على العواطف والانفعالات في مقابل اليقظة الذهنية |
المتفرّج بعيد عن المشهد يقف في الخارج فهو يــــــدرس ويناقش. | المتفرّج غارق في المشهد . |
الحجاج | الإيحاء |
الدفع بالعواطف حتّى تصبح معارف ومواقف | العواطف منقولة كما هي |
الإنسان معطى متغيّر هو موضوع البحث فهو كان محوّل ومتحوّل | المتفرّج في الداخل فهو يتعاطف ويتماهى مع الموقف |
انشداد إلى السيرورة والتمشّي أكثر من النهاية | مسلمات وبديهيات |
مشاهد أو لوحات مستقلة (على المتفرّج أن يكتشف الروابط والأسباب). | الإنسان معطى ثابت ومألوف |
تقنية التركيب | انشداد كبير إلى النهاية وانفراج العقدة |
مسار متعرّج لولبي متكسّر أحيانا | تعاقب المشاهد وترابطها |
طفرات وقفزات و تقطّعات | نموّ عضوي للأحداث |
الإنسان كقضية وكإشكالية | تمشّي خطّي تراكمي |
الكينونة الاجتماعية هي التي تحدّد الوعي | الفكر محدّد للكينونة |
العقل - تطوّر مستمرّ للحكاية | المشاعر وعالم الوجدان |
الوعي السلبي الحقيقي | - الوعي المثالي الزائف |
روافد أخرى:
– جون جونييه، سيرو، أنتونين آرتوا....
– الرافد العربي:
استطاع ونّوس أن يؤصّل المسرح الملحمي من خلال استلهام أشكال تراثية وشعبية لا تتعارض مع تقنيات المسرح الملحمي ولا تعيق المشروع الجديد لمسرحه.ومن بين الروافد العربية المؤثرة في ثقافة المؤلف نذكر:
– المسرح الاحتفالي للمغربي عبد الكريم برشيد في منتصف السبعينات: يرى برشيد أنّ أصل المسرح هوالاحتفال الجماعي بين الناس في المناسبات كالأعـــياد والولادات والأعـــــــراس والحصــاد والأسواق والمواسم... ولذلك ينبغي أن يكون المسرح عملا جماعيا تلقائيا ويُقام حيث يوجد الجمهور.
– مسرح الحلقة:
نوع من المسرح التراثي المغربي ما يزال حتى اليوم. وهولقاء عام يتألف من المتفرّجين الذين يشكلون حلقة حول الممثل أوالراوي الذي يُمثّل وسط الحـــــلقة. وفي هذا المسرح يختلط السرد بالتشخيص والتمثيل بالتقليد والجدّ بالهزل...
- مسرح السامر الشعبي:
نوع من المسامرة المسرحية فيه اجتماع مشترك يلتقي فيه الرقص بالغناء والتــمثيل.
وقد دعا إليه يوسف إدريس وركّز فيه على ضرورة كسر الجدار الرابع وبناء علاقة توحد بين الجمهور والخشبة ويصبح الجميع في حالة تمــــــــسرح أومسامرة قائمة على الحديث المرتجـــــــــــل والمشاركة الجماعية. روافد أخرى: كخيال الظلّ ومسرح الحكواتي...
2- الخصائص البنائية لمسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر»:
أ- في مستوى مكوّنات المسرحية:
نحن أمام ثلاثة نصوص متداخلة متواشجة:
– نصّ الحكاية التاريخية المستوحاة من الكتب التراثية والتي زمنها العصر العباسي وصراع السلطة بين الخليفة العباسي المستعصم ووزيره مؤيد الدين العلقمي: فترة سقوط بغداد على أيدي التتار والمغول سنة 656 هـ.
– نصّ السائد اليومي بين ما يقدّمه مونس الحكواتي من# «حكايات كئيبة يسودّ لها قلب السامع» وما يطلبه زبائن المقهى من سير وبطــولات «والحقّ الذي يغلب الباطل والعدل الذي يغلب الظلم»
– نصّ ونّوس النهضوي والمدافع عن التنوير والتغيير الملحمي وهونصّ يبرز من حين إلى آخر عندما يتدخّل بالتعليق أواقتراح أشكال من اللبـاس والديكور أوتوزيع الأدوار وإمكانية تغييرها...
بين النصّ الأوّل والثاني تجاذبات وتقاطعات وأحيانا نوع من المنافـــــــــــــــسة والصـــدام: فكأنّ النصّ الواقعيّ يتدخّل أحيانا ليُقطّع أوصال النصّ الواقع بين التخيـــــــــــيل والتاريخ ليعبث به ويسخر منه. فكلّما امتدّت الحكاية التخييلية/التاريخية وأوشكت أن توقع المتلقّي في نوع من الانبهار والاندماج والسقوط في شرك الإيهام، ينهض النصّ الثاني (الواقعي/اليومي) كاستراحة تغريبية لينــــــتشل المتلقّي من أثير السحر والتّخدير. فكأنّ هذا النصّ همزة مفاجئة للمتفرّج كي يبقى في حالة تيقّظ ذهني ويتفطّن إلى أنّ ما يشاهده هولعبة أومحض تمثيل.
وإذا حاولنا تمثّل النظام البنائي للمسرحية ألفينا ألوانا من التعـــرّجات والوثبات (كسر منطق التسلسل السببي كما في الدراما الأرسطية) والتقطّعات .فأهمية الحكاية ليس في نهايتــــــــــــها أو نتائجها وإنّما في مساراتها وكيفية حدوثها. فكسر الاسترسال وعرض الأحداث بشـــــــــكل متقطّع أقرب إلى تقنية اللوحة مدعاة إلى حمل المشاهد على الخروج من سلبيته واستنطاق الذهن في سبيل استجلاء الأسباب التاريخية الكامنة وراء تحرّك الأحداث.
لوحة أولى:
– الزبائن ينتظرون مونس الحكواتي أملا في سماع سيرة ظاهر الدين بيبرس البطل المملوكي الذي هزم الصليبيين في معركة عين جالوت.
– قدوم الحكواتي وخيبة الزبائن لأنّه لم يستكمل بعد حكايات الاضطراب والفوضى.
لوحة ثانية:
– حوار بين ثلاثة رجال وامرأتين يمثلون أهالي بغداد يعلنون من خلاله الطاعـــة والولاء للخليفة ويؤثرون السلامة والأمان بدلا من ركوب المخاطر والتدخل في السياسة.
لوحة ثالثة:
- زبائن المقهى يؤيدون الموقف:‘‘ من زمان هذا هوالطريق’’أي طاعة أولي الأمر والبحث عن لقمة العيش.
لوحة رابعة:
- حوار جابر ومنصور:
*بين مهتمّ متوجّس من خطر ما يحدق بقصر الخليفة ولا مبال غير مهتمّ باحث عن اللـــــــــــذة والمال«يستطيع الوضع أن يتعقّد ويضطرب كمياه دجلة ولكن بعيدا عنّي.»
* بين من يكتفي بدور المتفرّج المتسلّي ومن يبحث عن الأســباب ويتخوّف من الفتنة.
لوحة خامسة:
–
زبون من زبائن المقهى يزجر أبا محمّد أن يبتعد من أمامه. (ترد هذه اللوحة في سطر واحــــد وكأنّها ومضة تغريبية قاطعة لفعل التخييل).
استئناف اللوحة الرابعة:
- جابر يلعب لعبة الرهان حول من سيفوز في الصراع: الخليفة أم الوزير: الوجه الأول للقرش يمثل الخليفة والوجه الثاني الوزير.
لوحة سادسة:
- إعجاب الزبائن بشخصية جابر ‘‘ ابن زمانه ’’ وتعاطفهم مع لامبالاته: ‘‘ لا شيء يشغل باله، لا خليفة ولاوزير ’’
- النادل يقدم الملقط وموقد النار (قرينة نصية معلنة عن وضع الزبائن وهم يدخنون النرجيلة إثر استماعهم للحكواتي: النرجيلة كعنصر يزيد في الإيهـــــــــام والتخدير ).
لوحة سابعة:
- عودة إلى أهالي بغداد (خمسة ممثلين) في شارع من شوارع بغداد يستعجلون الفرّان لإحضار الخبز.
- حوار حول الخبز والتجار سرعان ما يتدرّج إلى حراس الخليفة والشأن السيــاسي.
- بروز الرجل الرابع يسأل عن سبب الخلاف وتوتر الأوضاع
- خوف وتوجس من سؤال الرجل الرابع ‘‘ ابعد عن الشرّ وغنّ له. ’’
- خوض في بعض الأسباب "طريق الخبز والأمان وا أسفاه يمرّ من هذا السؤال" من قبيل: تخفيض الضرائب، تحسين أحوال الرعية، الخزينة تزرب، نزاع على قيادة العسكر أوتعيين الولاة.
– ظهور حارسين وتغيير الموضوع: الرجل الرابع يحكي قصة الحمال...
– استئناف الحوار بعد اختفاء الحارسين.
لوحة ثامنة:
- الزبائن يتأكدون من ملامح الرجل الرابع: هوالذي تقمص دور منصور في اللوحة الرابعة.
– الزبائن يخاطبون الممثل ويطلبون إليه أن يُنزل هذا السلم عن ظهره.
– الممثل يخاطب الزبائن (المتلقّين) قائلا: "آه لوأستطيع "
- تعليق الزبائن:"هذه سوسة إذا سكنت الرأي صعب انتزاعها"
استئناف اللوحة السابعة:
- استئناف الحوار حول: مخاطر التدخل في الشأن العام، تمسك الرجل الرابع بموقفه: "لا أحبّ عيشة الكلاب التي أعيشها، كما لا أحبّ أن أدفع رأسي ثمنا لاضطراب لا رأي لي فيه ".
"أراكم تنسون أيّها الناس الطيبون أنّهما يتعاركان فوق رِؤوسنا " - انقطاع الحوار على صوت الفرّان وقد نضج الخبز. - ينهضون جميعا إلاّ الرابع: "يلقي نظرة عاتبة وحزينة ويقول: ليس هذا طريق الأمان ".
اللوحة التاسعة:
– الحكواتي يلخّص بعض الأحداث ثمّ يهيئ لظهور جابر وقد سمع خبرا سال له لعابه.
- الزبائن يتشوقون لظهوره ويطالبون الحكواتي بالاستزادة: هات يا عم مونس ما هذا الخبر؟
اللوحة العاشرة:
- رواق في قصر الوزير وحوار بين ياسر وجابر ومنصور حول محاصرة المدينة وحيرة الأمير في إخراج رسالة يطلب بها المدد وفكّ الحصار.
– جابر يلتقط الخبر ويدخل على الأمير رفقة عبد اللطيف أحد أمراء بغداد.
- يدخل بعد لأْيٍ ويعرض الخطة والتفاصيل فيندهش الوزير من ذكائه وفطنته حتّى يبتلع النشوق ويغدووجهه" كالقناع المدعوك"
ثمّ يقطع الحكواتي الحكاية.
اللوحة الحادية عشرة:
- انبهار الزبائن بشخصية جابر: "مثله يستطيع أن يلعب بدولة "
استئناف اللوحة العاشرة:
– تفصيل الخطة واستيعاب الوزير لمراحلها.
اللوحة الثانية عشرة:
- تعليق الزبائن:" فكرة تساوي كنزا"
استئناف (2) اللوحة العاشرة:
- جابر يعلن طلبه: "المرأة التي يشتهي وكوم من المال "
– تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة: حلق الشعر وكتابة الرسالة ثمّ إضافة الحاشية الناقصــــــة والإقامة في غرفة منعزلة مظلمة.
اللوحة الثالثة عشرة:
- الحكواتي يستأذن المستمعين في استراحة لشرب الشاي.
- الزبائن يمتعضون من قطع الحكاية ثمّ ينشأ بينهم حوار تحليليّ لما استمعوا إليه من قبيل: مصير المملوك جابر، التراهن حول نهاية الحكاية...
– يفتح الراديوفي الأثناء وينبعث صوت أمّ كلثوم ‘‘ الحبّ كده’’
- تهدأ الضجة ويتابع الحكواتي الحكاية.
اللوحة الرابعة عشرة:
– ممثلان قاما بدوري الوزير والأمير يمثلان دوري الخليفة المنتصر بالله وأخيه عبد الله.
اللوحة
الخامسة عشرة:
– حوار الزوجين حول الفقر ولقمة العيش (لا تجد الزوجة ما ترضعه لطفلها )
- تحاول الزوجة الخروج لكن الرجل يمنعها.
اللوحة السادسة عشرة:
- حوار جابر وزمرد
اللوحة السابعة عشرة:
- جابر يتهيأ للرحيل قاصدا بلاد العجم لحمل الرسالة إلى الملك منكتم بن داوود
اللوحة الثامنة عشرة:
– حوار المملوكين ياسر ومنصور
اللوحة التاسعة عشرة:
– أحد زبائن المقهى يصرخ في الحكواتي ويستنشده أن يعود به إلى حكاية جابر: "ردّنا إلى جابر يا عم مونس"
* تتعرض اللوحة السابعة عشرة إلى كثير من التقطيــــــــــــعات والاستراحات التغريبية القصيرة تنتهي أخير إلى حمل الزبائن على تغيير مواقفهم من أهل بغداد: "دائما مثل الأطرش بالزفة ".
اللوحة العشرون:
- عودة إلى جابر في قصر الملك منكتم بن داوود.
- قراءة الرسالة وقطع رأس حامل الرسالة.
اللوحة الواحدة والعشرون:
– احتجاج الزبائن على النهاية المخيبة لانتظاراتهم: "نهاية غير عادلة "
اللوحة الثانية والعشرون:
- السياف يتقدم نحوالجمهور حاملا الرأس المقطوع مقهقها:"...ولم يسأل السؤال."
- السياف يرمي بالرأس المقطوع إلى الحكواتي ليقرأ الرسالة.
– الحكواتي يسرد أحداث دخول جيوش العجم إلى بغداد.
- الحكواتي والرجل الرابع وزمرد ينهضون من بين الأمــوات ويتوجهون إلى الجمـــــــــــهور والزبائن مخاطبين:
"من دليل بغداد العميق نحدثكم. من ليل الويل والموت والجثث نحدثكم. تقولون.. فخار يكسر بعضه.. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا.. لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا ذلك. لكل واحد رأي وتقولون.. هذا رأينا لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا هذا رأينا. لكن إذا التفتم يوما، ووجدتم أنفسكم غرباء في بيوتكم. الرجل الرابع: إذا عضكم الجوع ووجدتم أنفسكم بلا بيوت..
"
اللوحة الأخيرة:
– الحكواتي يتأهب للخروج والزبائن يتذمرون من سواد الحكاية بحيرة وكآبـــــة ويناشدونه أن يبدأ سيرة الظاهر في اليوم المــوالي وإلاّ سوف يقاطعون المقهى.
- الحكواتي لا يدري هل سيحكي ذلك أم لا، لا يعرف السبب ربما يتعلق الأمر بالزبائن.
– ينسحب الزبائن واحدا بعد الآخر والخادم يغلق المقهى وهويودع الجمهور: "أنتم أيضا.. تصبحون على خير وإلى الغد."
تحليل:
– هذا التقطيع يجعل من المسرحية أشبه باللوحات المركبة يقوم فيها البناء على خطّ متكسّر متعرّج تخترقه فجوات واستراحات.كما يمكن أن نكتشف داخل كلّ لوحة بنية تصاعدية مصغّرة.
– يتعمد الحكواتي تغييب العقدة أوالذروة من الحكاية المسرودة وكذلك إخفاء الصراع ودفع المتفرجين إلى استجلاء بعض مكامنه المستكنة في التناقض بين الأفعال والكلام والتصرفات.
– ترد الخاتمة مفتوحة في شكل أسئلة جوهرية كبيرة تمتدّ في ذهن المشاهد ومخــــــــــيلته:
والسؤال " أليس لنا قدر من المسؤولية فيما يحدث في التاريخ؟"
أشكال التداخل في الفضاء الزماني والمكاني:
– فضاء سينوغرافي معاصر مرتبط بالعرض الونّوسي(المقهى)
الفضاء
– فضاء تراثي تاريخي يصوّر الصراع بين الخليفة والأمير
- (القصر، أروقة القصر، مدينة بغداد، شوارعها...)
زمن العرض:
– وهو زمن الفرجة التي قدمها سعد الله ونوس
الزمن
– الزمن التراثي الممتدّ من نهاية الدولة العباسية حتى سقوط بغداد.
هذا التداخل الفضائي والزماني يجعل النصّ فعلا مسرحيا حداثيا من خلال التقنيات التالية:
- كسر الوحدات الثلاث التي تشكّل انزياحا واضحا عن القالب الأرسطي والمسرح الكلاسيكي.
- بناء الأحداث على نوع من الوثبات والطفرات وأشكال من التقطيع والتركيب.
– تداخل العقدتين: التاريخية والتخييلية (أزمة الزبائن مع الحكواتي / أزمة أهالي بغداد مع مثقفيهم كمنصور والرجل الرابع...).
- تهشيم السرد والتمسرح الدرامي بواسطة وقفات تغريبية لإبقاء ذهن المتفرّج في حالة تيـقّظ.
– خلق شخصية المتفرّج/الممثّل: ممثّلا في زبائن المقهى والنادل: "كوسيلة اصطناعية لتشجيع المتفرّج على الكلام والارتجال والحوار... وكسر الطوق اليابس للعرض المسرحي." ونوس / مقدمة المسرحية.
- إدماج المسرح داخل المسرح.
3- التقنيات الملحمية:
أ- في مستوى علاقة المتفرج /الممثل بالركح:
تمثّل المسرحية عملا تغريبيا بامتياز، يتداخل فيه التاريخ بالأسطورة والفــــلكلور والوهمي بالواقع اليومي المتصلّب.
رادف بريشت بين التغريب والتلحيم: فالفعل المسرحي أقرب إلى فعل المدرّس في قاعة التدريس وهويشرح شيئا ما على السبورة ويعلّق. وبنفس الآلية يعمل الممثل الملحمي ضمن استراتيجية التغريب:
من آليات التغريب:
- إعلان قواعد اللعبة وأنّ ما يحدث هوحكاية تروى أولعبة يقوم بها لا عبون محترفون.
- خلق الحكواتي أوالمغنّي (بريشت) لكنّه مختلف عن الراوي القديم: فهولا يستجيب لرغبة المستمعين وهولا يتعاطف أويبدي موقفا ما من الحكاية المســـرودة:
"العم مونس رجل تجاوز الخمسين. حركاته بطيئة. وجهه يشبه صفحة من الكتاب القديم الذي يتأبطه. التعابير في ملامحه ممحوة حتى ليحس المرء أنه بإزاء وجه من شمع أغبر. عيناه جامدتا النظرة، ورغم اختباط لونيهما، فإنهما توحيان بالحياد البارد. على العموم... أهم تعبير يمكن أن نلحظه في وجه مونس الحكواتي هوالحياد البارد، الذي سيحافظ عليه تقريبا خلال السهرة كلها"
– خلق مسافة وأشكال من الانزياحات تتيح الحوار والاخـــــتلاف وتنتشل الجمهور من السقوط في شرك التعاطف والاندماج.
- كسر الجدار الرابع وخلق متفرجين من الدرجة الثانية.
- تقويض عملتيْ التشويق وتنامي الأحداث بواسطة القطع والتفتيت
- استعمال الفعل الماضي والماضي البعـــــــــيد (كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان خليفة في بغداد يدعى شعبان المنتصر بالله وله وزير يقال له محمد العبدلي ) لتضخيم المسافة بين زمن الـتلفظ وزمن الحكاية وقايةَ للمتفرّج من الاندماج وتلبّس شخصية البطل.
- فضح قواعد اللعبة من خلال: تقديم الشخصيات وتحديـــد علاقاتها وتكرار أدوارها في أكثر من مشهد:
"يدخل الممثلون الخمسة الذين رأيناهم من قبل يمثلون أهل بغداد وهم يحملون معهم شباك فرن وبعض القطع الأخرى التي مكن أن توحي بمنظر شارع عام. يضع الممثلون قطع الديكور ويركبونها أمام المتفرجين "
- استخدام اللافتات والمعلقات واللوحات لشرح المشهد واختزاله أوتفسير أبعاده الفكرية:
"يمكن هنا كما في كل المشاهد، الاستعاضة عن ذلك بالبانوهات المرسومة. بعد إعداد المنظر يبدأ التمثيل. إنهم ينتظرون بنفاد صبر وقلق أمام شباك القرن..."
- التركيز على الخطّ الرئيسي وتغييب التفاصيل.
- الحديث بضمير الغائب لا المتكلم.
- قراءة الدور جنبا إلى جنب مع التعليق والملاحظة المصاحبة له.
"أثناء كلام الحكواتي يدخل الممثلان اللذان قاما بدوري الوزير والأمير عبد اللطيف.. هما الآن يمثلان دوري الخليفة المنتصر بالله وأخيه عبد الله. يضعان ما يحملان من قطع ديكور بسيطة تمثل ديوان الخليفة، وهوشبيه جدا بديوان الوزير يتخذان مكانيهما، وينتظران سكوت الحكواتي.. بعد لحظات " - يتمّ التغريب أحيانا بتقنيات أخرى كـ: التظاهر بعدم الفهم، وهي تقنية تعليمية تهدف في الحقيقة إلى تعميق الفهم وإثارة حيرة المشاهد/المتعلّم: فتكديس الغموض أوتكويمه ييسّر فيما بعد إزالته بنوع من الدهشة والانبهار والاعتبار: (الحكواتي يتظاهر بعدم فهم سبب تأخير سيرة الظاهر، ماذا يقصد ب: "قدامنا حكايات كثـــيرة، ولكلّ شيء أوان، وسيرة الظاهر دورها بعد قصــص هذا الزمان...")
يحدث التغريب أحيانا بخرق العرف والقاعدة والتمسّك بالاستثناء مثال: *الحكواتي في العرف القديم أنه يستجيب لرغبات المستمعين. * أبطال الحكايات في الموروث القديم غالبا ما ينتصرون أويثأرون لمن يغدر بهم ويتحداهم. - تعمد المؤلف المسرحي كشف قوانين اللعبة وتقطيع أوصال الحكاية من الداخـــل والسخرية مما يقدّم واللعب به لعبا: "زبون: بعد من قدامنا يا أبومحمد. (يغير الخادم مكانه... بينما جابر يوالي كلامه ولعبته دون أن يتوقف)."
– تغريب المألوف وتصويره على نحوجديد وكأنّه يُرى لأوّل مرّة .فبريشت يدعوإلى عدم التسليم بالحقيقة كما تبدولنا إذ لا بدّ من رؤيتها من جديد بعد تفكيكها وإعادة تركيبها. وهدف هذا الشكل من التغريب هوإذكاء التفكير التحليلي بعد تقويض الشكل الظاهري الذي يبدومعروفا ومألوفا. هودفع المتفرج إلى نظرة فاحصة ناقدة متبصرة بما يجري. هواستنطــــــــــــــــــاق للبديهـــــــــــيات والمسلمات. يقول بريشت في الأوغانون الصغير: ‘‘ لقد كان التغريب ضروريا لكي يحدث الفهم، فكلّما كانت الأشياء بديـــــــــهية إلاّ وتوقف الفهم وتعطّل التفكير. ’’ ويرى هيغل أنّ ‘‘ افتراض كون أيّ شيء في الوجود هوكما يصادفنا إنّما يُعدّ ضــــــــربا من خداع النّفس. ’’ فالأشياء في الحقيقة ليست كما نراها.
فالتغريب الأخير قائم على مساءلة المألوف وهتك المواضعات ووضع كلّ شيء على مشرحة النقد والسؤال: * في مسرحية "منمنمات تاريخية "ينقلب على التنزيه المشين لابن خلدون الذي تعاون مع تيمورلنـــــــــــك وكانت دمشق تعجّ بالفوضى والاضطراب. * في مسرحية "الاغتصاب" يبحث عن هامش من الإنسانية والإنصاف في الآخر الإسرائيلي ولكن السؤال يبقى مفتوحا. * في" حفلة سمر من أجل 5 حزيران" يسائل أسباب الهزيمة: فيخرج الممثـــــــلون والجمهور في آخر المسرحية بحثا عن المسؤولين الحقيقين عن الهزيمة. * وفي "مغامرة رأس المملوك جابر" يسأل التاريخ عن أسباب سقوط بغداد: هل الخلفــــــــــــاء والأمراء وحدهم المسؤولون؟ أليس للعامة نصيب في ذلك؟ أليس لأصحاب العقل نصيب أيضا؟
4- الاتّجاه المضادّ للدرامية والاندماج
يقول بريشت:
‘‘ إنّنا في حاجة إلى ممثلين من النوع الرديء حتّى يستيقظ هؤلاء المتفرّجون. ’’ الأورغانون الصغير
فالمسرح الكلاسيكي في نظر بريشت شبيه بالطقس الديني أوالعشاء الرباني القائم على الإذعان والطاعة والتقديس والحلول في الآخر.أمّا ما ينشده المسرح الملحمي فهوالمتفرّج المتمرّد المشاكس والمجادل والمفجّر للسؤال والرافض لتكريس القائم.
هذا النوع من المتفرجين هوحلم سعد الله ونوس: هوالمتفرج المشارك في العرض المسـرحي وهوالذي يعرقل العرض بجــرأة ووقاحة ويصرخ بملء صوته أنّ ما يجري أمامه لعـــــــة أومســـخرة وأحيانا مهزلة.
أ- في مستوى علاقة الممثل بالدور:
- إذا كان الممثل في المسرح الكلاسيكي يؤدّي الدور فهوفي المسرح الملحمي يبرز الـــــــــدور ويظهره: الأول يحاكي والثاني يوحي ويلعب في نفس الوقت، فكأنّه يظهر نيابة عن الشخصية التي يؤدّيها ولكنه أحيانا يتبرّأ منها ويعلن أنّ ما يقوم به هومحض خداع وتمثيل.
ومن أشكال هذا التبعيد والتغريب بين الممثل والشخصية نجد:
- عملية التلاعب بالأسماء وتشويه القناع من قبيل تسمية الخليفة:
شعبان المنتصر بالله وهوفي الأصل المستعصم عبد الله المستنصر.
فشعبان اسم لا يليق بالخليفة وهومن الأسماء المستحدثة في البيئة الشعبية العربية وعادة ما يقترن بالفئات المهمشة في المجتمع.
هكذا يعبث المؤلف بالتاريخ والمرجع وكأنه ينزله منزلة استنقاص وهزل فيعمد إلى كسر سطوة المطابقة والقناع من خلال التلاعب بالأسماء. وكذلك فعل مع الوزير محمد العبدلي الذي هومؤيد الدين العلقمي البغدادي الرافضي ونفس الشيء فعله مع الراوية الديناري ولعله: نصر الدنيوري (ت 1020) الذي ألف للخليفة القادر أقدم كتب تفسير الأحلام أولعله يكون شمس الدين الذهبــي (ت 1348) محدث دمشق المشهور وصاحب:تاريخ الإسلام الكبير. فالأسماء لا ترمز إلى أيّ طباع أومثيلات لها مرجعية بقدر ما هي أدوار لها قيمة وظائفية لا غير. فالمسرحية لعب أدوار وليست تقمص أدوار. ولذلك يتعمد المؤلف أحيانا أن يسمي الشخصيات إمّا بأسماء الجنس: الزبائن أوبالأرقام: الرجل الأول فالثاني فالثالث.
فهي كائنات جوفاء أوأقنعة خاوية بلا ذوات. - من الآليات الأخرى المتعلقة بالشخصية عمد ونّوس إلى تقويض أسطورة البطل الإيجابي المنتفخ بإنّيته الحامل لخصال مثالية وخلق لنا نوعا جديدا من الشخصية أوالبطولة المزيفة من قبيل: البطل المخدوع كما في "الفيل يا ملك الزمان "والبطل المهادن (ابن خلدون) كما في" منمنمات تاريخية" والبطل الانتهازي الوصولي كما في مغامرة جابر. - تحطيم الشخصية النمطية والأدوار النموذجية: فالطباخون في المسرح الكلاسيكي دائما بدينون شرهون والفلاحون أغبيــــــــــاء والعشاق وسيمون رقيقوا الأحاسيس . وهي صورة نمطية خلفها لنا المسرح الإليزابيثي بمواضعاته الجمالية والأخلاقية الثابتة.
كان همّ المؤلف إذن التخلص من قداسة القيم والأشياء وتنزيل الأشياء على مشرحة المساءلة والاستجواب المستمرّيْن. ألا نقرأ بالتالي في مسرحية المملوك جابر مساءلة للتاريخ المألوف (سقوط بغداد) للبحث عن أسباب أخرى وأسئلة نخاف طرحها؟
يقول بريشت في قصيدة ‘‘ الجندي العائد من الحرب ’’
"‘‘ أسئلة عامل يقرأ..’’
من بني طيبة ذات الأبواب السبعة
في الكتب لا أجد سوى أسماء الملوك
هل حمل الملوك أحجار البناء على ظهورهم؟
وبابل التي دمّرت مرات ومرات
من كان يعيد بناءها؟
وفي أية بيوت طينية كان يسكن البناؤون؟
وأين ذهب العمال عشية الانتهاء من بناء سور الصين؟
وليلة ابتلع المحيط
قارة أطلنطا الأسطورية
ألم يصرخ الغرقى
مستنجدين بعبيدهم؟"
1. في مستوى الديكور والملابس:
- كما عمل ونوس على كسر الإيهام عبر الراوي والدمج بين الخشبــــــــة والصالة قام بنفس الشيء بخصوص الملابس والديكور.فالشخصيات لا تتحرك على الركح ضمن ديكور يحاكي الواقع بقدر ما أصبح ديكورا وظيفيا مشروطا بما سيؤديه من عمل للقائم بالدور.
" يدخل ممثلان يحملان قطع ديكور بسيطة جدا، تمثل ما يشبه رواقا في قصر بغداد ويمكن هنا وفي كل المشاهد التالية الاستعاضة عن قطع الديكور بلوحات مرسومة، بعد تركيب المشهد. "
كما جعل ونوس عملية تبديل الديكور بين اللوحات تقع على مرأى من الجمــــهور ويقوم بها الممثلون أنفسهم مع عمال المسرح.فالديكور في المسرحية يوحي ولا يحاكي وهومكوّن غرضيّ لا حدثيّ أي تنتهي قيمته بمجرّد أداء الوظيفة أوالغرض الذي استخدم من أجله.
وهذه التقنية في استخدام الديكور وتجريده من تمثيليته وتعبيريته نابعة من خلفية بريشتية مناهضة للجدانوفية: تربط مفهوم الجمال في المجتمعات البرجوازية بالوضـــــوح والشفافية ودقة المحاكـــــــــــاة والتعبيرية الطبيعية عن الواقع.
فالفنّ في هذه المجتمعات حسب بريشت هونقل خاطئ للطـــــبيعة والواقع: في حين يجب أن يكون في نظــــره وفي ضوء واقع محكوم بالصراع الطبقي والتاريخي نقلا مضادّا للواقع
5- بعض القول في الدلالات: كان الهمّ الأوّل لمسرح سعد الله ونوس هما نضاليا على جميع الجبهات: - فنيا: يتمثل في كتابة فعل مسرحي جديد يقطع مع الفرجة ويؤسس لانخراط الجمهور في الجدل السياسي والاجتماعي. - قيميا:يبرز في القطع مع السلبية والخوف والهامشية وتوريط الجمهور في حوار شامل وأسئلة استفزازية (الأسئلة أهمّ من الأجوبة ). - وفلسفيا وأنطولوجيا: يظهر في مساءلة الأشياء والمسلمات والقناعات التي تبدولنا على غاية من الشفافية والبداهة.
ولقد ميز ونوس المسرح السياسي عن مسرح التسييس الحامل لمشروعه النهضوي. ولخص إبراهيم جاد الله الفرق بينها كما يلي: المسرح السياسي:" يهدف إلى تلقين الرؤية السياسية المسرحية من علٍ أوفرضها أوطرحها على الأقلّ من أعلى خشبة المسرح على جمهور المتفرّجين الذي يظلّ سلبيا تجاه ما يعرض على خشبة المسرح." مسرح التسييس: "هوالمسرح الذي تندمج فيه الخشبة مع الصالة عبر حوار حقيقيّ حيّ ومرتجل ارتجالا حقيقيا وصادقا وغير متكلف أومصـطنع بحيث يصبح كل عرض تجربة جديدة لا تتكرر مثل مباراة الشطرنج."
ثم يحدد جاد الله أهداف مسرح التسييس وهي: - البحث عن الحقيقة وتعرية الأزمات والهزائم - توعية المتفرج بواقعه الاجتماعي ودفعه للتساؤل والعمل - ربط المسرح بالتراث العربي وذاكرة الناس الحية للولوج إلى عقولهم وقلوبهم. - تمعّن الشرط التاريخي وإعادة محاكمة القناعات والأفكار كي يتسنّى لنا اكتشاف نقاط الضعف والقصور ومحاولة تداركها.
ولعلّ في قراءتنا لمغامرة المملوك جابر نقف على فيض من الدلالات الفلسفية والفكرية والحضارية نحصر أهمها في ما يلي:
– من الوعي المثالي بالواقع إلى الوعي السلبي:
إنّ تلاعب الحكواتي بانتظارات المستمعين من الزبائن والبحث عن أحداث الهزائـــــم والفوضى والاضطرابات المخيبة للآمال لهومن الاستراتيجيات الفلسفية المهمة في النسق الفكري لسعد الله ونوس، وهوموقف يذكرنا بأسس الجدل الماركسي والهيـــــغلي والقائم بدرجة أولى على الوعي السلبي الكامن في الواقع.
يقول هربرت ماركيز: " فالجدل عند ماركس كما هوعند هيغل ينتبه إلى الحقيقة القائلة أنّ السلب الكامن في الواقع هوالمبدأ الخلاق المحرّك والجدل هوجدل السلبية. "
العقل والثورة: هيغل ونشأة النظرية الاجتماعية /هربرت ماركيز
ترجمة فؤاد زكريا. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وكما يكون السلب والنفي دافعيْن لاكتشاف النقائص وإعادة النظر بأسس المجتمع يكونان في نفس الوقت قادحيْن للمواجهة عبر الاحتجاج والنقاش والرفض وبالتالي منتهيا إلى الثورة والتغيير. هذه المراحل في انتقال الوعي من تبئير الواقع وتفسيره إلى تغييره لم يبلغها المؤلف في مسرحية المملوك جابر وإن كان قد لامس بعض حلقاتها الوسطى إذ اكتفى الزبائن بالاحتجاج والامتعاض دون بحث وتنقيب في الأسباب: لماذا كانت النهاية غير عادلة؟ لماذا لا يعود زمن البطولات؟من كان المسؤول عن سقوط بغداد؟ وبين سؤال التاريخ وسؤال الواقع وسؤال الماضي وسؤال الراهن حدود ومسافات.
– من اللاوعي إلى الوعي أومن التخدير إلى التفكير:
إضافة إلى فعل الاندماج والمحاكاة الذي يسعى ونوس إلى تقويضه نجد بعــــــــــــــض الأكسسوارات الإضافية تقوم بدور التغييب عن الواقع وطمس الوعي الحقيقي بالأسباب مثل: النارجيلية التي تتكرر في كلّ لوحة من لوحات المسرحية عندما ينهض الحوار بين زبائن المقهى وينضاف إلى ذلك الراديووما يحمله من دلالات رمزية كبديل عن الجوقة في المسرح الكلاسيكي.
فمسرح ونوس باعتباره لعبة وقبل أن يكون لعبة أوأن يشاهد كلعبة يجب أن يفهم قبل كلّ شيء وهذا الفهم يرتبط عضويا بوظيفة بنائية تقوم على آلية التحويل الفـــــــــــــوري والمباشر لوعي الجمهور وهويستمتع بالعرض. فكأنّه يعلّم جمهورا وهومنشغل باللــــعب ويتلهّى بالعرض.
– من الميتافيزيقا إلى التاريخ:
يقف مشروع ونوس في مواجهة التعمية والتفسيرات الغيبية للتاريخ: فهويعيد الاعتبار للخاصية التاريخية للمصائب االبشرية ويفضح طمس الأسباب: فالأفراد والبطولات لا تصنع التاريخ والخوف واللامبالاة لا يغيران المصائر والأقدار.
"من دليل بغداد العميق نحدثكم. من ليل الويل والموت والجثث نحدثكم. تقولون.. فخار يكسر بعضه.. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا.. لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا ذلك. لكل واحد رأي وتقولون.. هذا رأينا لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا هذا رأينا. لكن إذا التفتم يوما، ووجدتم أنفسكم غرباء في بيوتكم.."
لقد أمل سعد الله ونوس من خلال أعماله المسرحية أن ينشئ عقلا تحليليا عربيا جديدا يقطع مع الإذعان والطاعة والتصديق. وبدل أن يقدّم لنا مسرحا خطابيا مشحونا بالشعارات والوصفات الجاهزة استفزّنا بمزيد من الأسئلة المحيّرة وكما قال أحد النقاد " من يريد أجوبة جاهزة وحلولا ودواء فالأفضل له ألاّ يقرأ نصوصه وألاّ يشاهد عروضه المسرحية...فهولا يقدّم حلولا ولا يتفضّل علينا بدواء... ونّوس شرّع السؤال في عصر كُفّر فيه السائل والسؤال. "
قائمة المراجع والمصادر:
– المصادر:
- ونوس (سعد الله): مغامرة رأس المملوك جابر. دار الآداب ط 6 بيروت 2006
- الأعمال الكاملة، المجلّد الأوّل، دار الأهلي. دمشق 1996
– المراجع:
بالعربية:
- ونوس (سعد الله): بيانات لمسرح عربيّ جديد. دار الفكر الجديد. لبنان 1988
- سعد أردش: المخرج في المسرح المعاصر، عالم المعرفة، العدد 19 يويليو1979
- جورج لوكاتش: التاريخ والوعي الطبقي، ترجمة حنّا الشاعر، دار الأندلس، بيروت لبنان ط 2، 1982
— # هربرت ماركيز: العقل والثورة: هيغل ونشأة النظرية الاجتماعية، ترجمة فؤاد زكريا، ط2 الهيئة
المصرية العامة للكتاب، 1979
– مقالات:
- محمّد بدوي: تجليات التغريب في المسرح العربي، قراءة في سعد الله ونوس، مجلة فصول مجلد 2 عدد 3 سنة 1982.
- أحمد عثمان: قناع البريختية، مجلة فصول مجلد 2 عدد 3 سنة 1982.
عن الأنترنت: - جميل حمداوي: سهرة مع أبي خليل القباني لسعد الله ونوس: بين مسرحة التراث والتجريب الدرامي
- أريج الفرج: سعد الله ونوس مثقف ومبدع فوق العادة
- نبيل الحفار: برتولد بريشت: لمحة موجزة عن حياته وأعماله
- إبراهيم جاد الله: عن سعد الله ونوس وراهن العرب وراهن الغرب مسرحيا وسياسيا
- نديم الوزة: وعي الهزيمة: قراءة في أعمال سعد الله ونوس المسرحية.