مفتوح من الأعلى
إلى بسام أبو فاعور
إلى أحلامه المؤجّلة
كنتُ أطوفُ الأرضَ دونَ ظلٍّ وكأنَّ الشمسَ لا تعرفني هائماً والليلُ خبَّأَ عنّي لونَه خلفَ النجوم، أمشي بخطىً لا وقْعَ لها ولا يتعبُ بمحوها المطر، هكذا مثل خريفٍ ضائعٍ ما بين صيفٍ وشتاء، رائحتُهُ المنعشة كأنَّها ترابٌ مبلَّلٌ بالحليب.
كنتُ أمشي وكأنِّي جسدٌ أسطوانيٌّ مفتوحٌ من الأعلى ولا سقفَ لصدري والفضاءُ فوقي يتدلّى كطيفٍ مسلوخٍ، وأنا أنهشُه.
كان عظمي خافقاً مثلما تغطُّ الريشةَ في الحبرِ وتنفضُها وتبكي.. وسمعي يخطفُ ما تراكم متيبّساً في الثقبِ الأسود من أصواتٍ وتأمّلاتٍ يذكرُ أصحابُها عنقي، أشاهدُ أغصاناً خفِيَّةً فوق خيوط الينابيع البيضاء، لستُ ملاكاً ولا جنيّاً بل معتوهاً في نظر الجامدين.
بشقاوةٍ ذكرتُ امرأةً متوفّاة فارقت آخر اللفظ بنطق اسمي.. ذكرتُها وأنا أمرُّ بحجرٍ في بقعةِ أرضٍ وحيدةٍ أجهلُ لِمَ خطرَ لي أن أقتلعَها وأقلِّبها من كل وجوهها أتفرسُ فيها وكأنّها مُلْكي.. لم تكن ثقيلةً فهي على رجُلٍ مثلي مفتوحٍ من الأعلى أخفُّ من وقعِ الضوءِ.. أعرفُ أعلى حالات العشقِ فلا تخدعني حجرٌ مغلقةٌ إلا من فوَّهاتٍ لا مرئيةٍ تتأهَّبُ للصراخِ الداخليّ، وتذكَّرتُ الملحَ تذكَّرتُ طعمَه الذي كان عذباً وعندما اقتلع من مقالعه ظلَّ يُحتَضَرُ في فمنا مؤاخيا الأُجاجَ الأزلي.
هكذا كمن يدركُ ألفَ معنىً ومعنى للموت سرتُ
وكمن يدركُ أنّهُ يمكنُ أنْ يحفرَ ظلَّهُ كقبر , يداي حملتْ لي أعصابُها وجْدَ الحجرةِ واللحمُ حملَ لي أنينَها , فلقد سرتُ بها مسافةً من خَرَسِ الامِّحاء ولم يعدْ بوسعي أن أستمرَّ في حملها إلى حيثُ تنتمي لي , عدتُ بها أدراجي بإحساس خفّاشٍ حتى استشعرتُ مكانَ الحجرةِ من رائحةِ الدمِ الترابيّ.. أعدتُها لمكانها
.. تماما كما كانت ومضيتُ مصاقباً الريحَ وأنينُ الحجرة في سمعي ودمُ الترابِ في ذاكرتي الشَـمِّيّة حتى بلغتُ مشارفَ مصطبةٍ معقودةٍ من حجارةٍ لا تبكي ولا أنين لها رغم أنّها منذ زمنٍ اقْتُلِعتْ.. ولعل ذلك كان في خريف.
أيها الرعب اختم على حلمي فإنني مملوءٌ بخطىً تنتظرُ سُلَّماً عريضاً ترقى بي إلى رأسي المعلّقِ على حَبلٍ بحريٍّ سائل.
الشارقة
18-10-2005