الاثنين ٦ أيار (مايو) ٢٠١٩
بقلم حسين سرمك حسن

مقدّمة لآخر كتاب لشهيد الثقافة العراقية «ناظم السعود»*

*ملاحظة:

هذه مقدمة طلبها منّي شهيد الثقافة العراقية الراحل”ناظم السعود”لآخر كتبه قبل رحيله.
ناظم:”جئت الى الدنيا بلا إسناد اجتماعي، وبلا غطاء اقتصادي"

(أمام هذا الاحتفال الذي يذكّرني بأيام الشباب التي ولّت بلا أسف، أجدني ازداد حيوية وتصبّرا فانا أقابل إخوة وأصدقاء وزملاء عشت معهم لأكثر من ثلاثين عاما. وهذه هي عائلتي الحقيقية. وهذا هو ظلي الذي سيبقى في الأرض من بعدي. الانسان لن يموت ما دام الآخرون يتذكرونه، لن يمّحى من الذاكرة ما دام هناك من يلهج باسمه. ماذا أريد من زماني - أنا الفقير - وقد جئت الى الدنيا بلا إسناد اجتماعي، وبلا غطاء اقتصادي؟ لكنني غنيٌّ بكل هذه القلوب المُحِبة، القلوب التي تُظهر مودّتها لي دائما حتى وأنا اقيم الآن في قرية تتبع ناحية تتبع قضاء من كربلاء. لكني رغم كل الجور الاجتماعي والظلم الجغرافي سعيدٌ لأن المنهج الذي رسمته نجح)

ناظم السعود- منتدى المسرح - 2011

* رحلتي رحلة طويلة.. أوشكت على النهاية حياتيا او صحفيا

(1). اجتاحني شعور عميق بالمرارة وأنا أختم قراءة مخطوطة كتاب أخي الأستاذ ناظم السعود الجديد:”المدوّنة الحادية عشرة: أقباسٌ من كتاباتي الصحفيّة". فبين ثنايا معانيه المستترة إحساس حارق بالإحباط والنقمة برغم تفاؤلية السعود المعروفة والظاهرة في مقالات هذا الكتاب وغيره بل وفي مسيرته الحياتية – المهنية والشخصية - الطويلة. ولكن إحساس المحلل النفسي غير إحساس الفرد وحتى المثقف العادي. فروح التحليل الناجح يتأسس على هذا الشعور بما هو متخفّ بين عبارات الكلام الملفوظة وخلف جمل السطور المكتوبة من أحاسيس كثيرا ما تخالف النبرة المعلنة، بل قد تنسرب من خلالها. ولكن المشكلة أن هذا الشعور قد يكون مُسقطاً منّي فيجعلني أقرأ رسالة وداع تلوب، أصلا، في أعماقي. هذه الرسالة تململمت مع تقدّمي في قراءة المقالات ثم اشتعلت وأنا أستمع لناظم وهو يقول في حفل تكريمه في منتدى المسرح عام 2011:

(رحلتي رحلة طويلة.. أوشكت على النهاية حياتيا او صحفيا فلكم الشكر من قبل ومن بعد!).

(2). ولكن لهذا الشعور بالمرارة وجها إيجابيا، فهو شعور بنّاء، فقد وفّر الطاقة النفسية التي جعلت قلم ناظم مبضعاً ينغرز عميقا في لحم المشكلات الثقافية من أجل استئصال أورامها المؤذية لا من أجل تمزيق النسيج الحي فيها ومن حولها كما يفعل، للأسف، الكثيرون من النقّاد الذين ينفثون سموم أنفسهم المحتقنة تحت أغطية عملية النقد الملوّنة الخادعة. عرفت ناظم منذ أكثر من ثلاثين عاما كاتبا وإنسانا بلا عُقد ولا احتقانات ولا سموم نفسية. وهي من الحالات النادرة التي أراها في حياتي وفي عملي العيادي النفسي وفي منهجي النقدي.

* لأول مرّة يجامل الحكومة الحقيرة

وهذه النفس الصافية – بل البريئة - ولأكن أكثر تطرفا وأقول: الطفلية البيضاء، متصالحة مع ذاتها. وهذا التصالح يتعبه بطبيعة الحال، لكنه يمنحه في الوقت نفسه وعبر ضريبة ”التعب”الاجتماعي هذه، قدرا عاليا من المصداقية التي حين يخالفها يكون هو أول من يشعر بهذه”الخطيئة”فنجده سرعان ما يرفع – وبلا تردّد – راية”الاعتراف". وهذا ما حصل حين بدأت بقراءة المقالة الثالثة من مخطوطة الكتاب:”زهير القيسي وفهد الأسدي ومحمد الخفاجي وهادي الربيعي: أربعة فتحوا عاصمة الثقافة!” وتحسست روحا”مجاملة”بعيدة عن النهج”الستراتيجي"؛ الحياتي والنقدي، لأبي أسعد، ناظم الجسور. فمن هي هذه المؤسسات الثقافية الرعناء الكذّابة الجاهلة المنحطّة التي يحاول ناظم بتاريخه العريق والمجيد تبييض صفحتها؟ هؤلاء المثقفون الكبار الأربعة لا يصل سياسيو الثقافة إلى كعب أحذيتهم. هؤلاء المثقفون الأربعة كلّهم ماتوا بسبب إهمال المؤسسات الثقافية لهم. في نفس هذه المخطوطة يكتب ناظم مقالة يشرح فيها همومه وضياعه بل الإهانة التي واجهها في مستشفى ابن البيطار وهو يحمل كتابا من وزارة الصحة لرعايته!! يقول ناظم:

“وأصارحكم أنني ربطت الحال المتخلف الذي شهدته عيانا وحالات تفشي العلل وتعدد الوفيات بشكل مخيف لكثير من الأدباء والمثقفين الذين ودعناهم تباعا: أليس من العجيب أن أسماء عزيزة على الثقافة العراقية رحلت عن هذه الحياة خلال اسابيع معدودة وجميعها اشتكت تفاقم أوضاعها الصحية وتكالب أوجاعها من جراء رقودها او مراجعاتها للمستشفيات العامة: زهير أحمد القيسي، فهد الأسدي، محمد علي الخفاجي، هادي الربيعي.. أربعة من كبار أدباء العراق فقدناهم في مدد متقاربة ويشتركون في مصير جامع هو أنهم جميعا ضحايا النظام البيروقراطي وغير الإنساني المهيمن على المستشفيات العراقية!"

ولأول مرّة في تاريخنا الثقافي أسمع – وللأسف من ناظم - أن موت مبدعينا سببه تدهوّر الأوضاع في المستشفيات الحكومية. نحن المثقفين الذين عايشنا آلام القيسي والأسدي والخفاجي والربيعي – وقبلهم العشرات من المثقفين الراحلين- نعرف كيف ماتوا وما هو سبب موتهم. إنه الإهمال الرسمي وليس تدهور المستشفيات الحكومية. هل إنشاء مستشفى للمبدعين وهم ثروة العراق أمر مستحيل وسط هذه المئات من مليارات الدولارات المهدورة؟ ثم أن ناظم يقول:

"كنت أدبّ بصعوبة حاملا في صدري جلطتين والثالثة اسمها فقر دائم"

فهل المستشفيات الحكومية هي المسؤولة عن فقر علم عراقي مبدع مثل ناظم السعود؟ هل المستشفيات الحكومية هي التي قامت بنفي – نعم أقول”نفي”وبلا تردد – ناظم إلى قرية في أطراف كربلاء؟ هل المستشفيات الحكومية مسؤولة عن ضيق ذات يد المبدعين وعدم توفر سكن لائق بهم؟

مرّة قال أحد المثقفين الأمريكيين:”من كل شارع ومقهى وحانة استطيع أن آخذ أشخاصا وأدرّبهم ليعملوا كسياسيين ولكنني لا أستطيع تدريب شخصا واحدا ليصبح مبدعا". وعندما سُئل: لماذا؟ أجاب: العمل السياسي يتطلب اتقان موهبة الكذب. أما الإبداع فنبوّة وموهبة من السماء". السياسي كائن أرضي فاني ومنحط والمبدع كائن سماوي خالد، ولهذا يحقد السياسيون على المبدعين أو يتظاهرون بصداقتهم ودعوتهم على العشاء للاحتفاء بهم كدمى والحصول على بركاتهم أمام الجمهور.

* صاحب الضمير الحيّ يتراجع عن المجاملة

(3). هذه”المجاملة"، سرعان ما يشعر بها ناظم السعود نفسه ولا ينتظر من أحد أن ينبهه إليها. والسبب هو أن ناظم صاحب ضمير حي قل نظيره، فنراه يقول في نفس تلك المقالة:
“لقد لامني كثيرون على ما نشرته وبشّرت به حول افتتاح العاصمة الثقافية وما تضمنته من احتفاءات خاصة بـ “الأقمار الأربعة “بدعوى انه يدخل في باب “الدعاية المؤسساتية"! وهم لا يعلمون ان صاحب السطور، على امتداد عمره المهني، كان لا يهمل أية اشراقة ولو كانت بصيصا خجولا إلا وأشار إليها وذاد عن فرصتها فكيف ونحن أمام مهرجان كبير ومحفل مكتنز ببرامجه وخططه وتفاصيله؟!"

• المثقف العراق المُحتقر يبيّض صفحة محتقريه

وهنا لا بُدّ لي أن أتدخل وأحذّر إخوتي المثقفين من سلوك يقوم به أغلب المثقفين العراقيين منذ عشرات السنين وهو الإحتفاء بأي نشاط إيجابي تقوم به المؤسسة الرسمية وكأنه هبة نازلة من السماء ناسين إهمال هذه المؤسسة التاريخي للمثقفين – ومنهم ناظم - حتى الموت واحتقارها للثقافة وحتى سجنها وإعدامها للمثقفين منذ تأسيس الدولة العراقية.
لماذا يهرول المثقف العراقي ويصفّق لأن السياسي الفلاني والمؤسسة الفلانية قامت بعمل إيجابي؟ إنّه يقوم بتبييض صفحة هذه الجهات السوداء ولا ينظر إلى هذا العمل كرشوة للتغطية على التقصير في واجباتها؟ ما معنى أن نصفّق لطبيب جرّاح يجري عملية واحدة بنجاح وهو كل عمره يفشل في العمليات وأحيانا يقتل المرضى أو يهملهم حتى الموت؟

إن الحكومات المتعاقبة التي تحتقر المثقف تحصل على التزكية من المثقف العراقي المُحتقَر نفسه عندما يهرول ليشارك في انشطة حكومة تحتقره ثمانين سنة وتقدم له الحلوى في مناسبة لساعات أو أيام.

* على المثقف العراقي أن لا يقنع بالرشى العابرة من الدولة

(4). يجب على المثقف العراقي أن ينظر إلى المؤسسة الرسمية كجهة مقصّرة بحقه وبحق الثقافة وكخادم له ولإبداعه، ويتابع وينتقد ما تقوم به إلى أن تصبح”ثقافية”كل السنوات وكل المراحل وليس في مهرجان أو حفلة أو لقاء؟؟

على المثقف العراقي أن ينظر إلى أي نشاط وقتي للمؤسسة الثقافية على أنه”رشوة”و”خدعة”وقتية ستحصل منه على التزكية من ضحيتها المثقف نفسه لتعود بعده حليمة الفاسدة إلى عادتها القديمة المعروفة.

• مواطنو المغرب يعرفون السيّاب ونازك والجواهري أكثر من رئيس الجمهورية العراقية
من يعلّمنا ذلك؟ إنه الصحفي المجاهد”ناظم السعود”نفسه.

فأغلب مقالات الكتاب المقبلة هي إعلان جارح وجسور عن فساد المؤسسة وضياع المثقف والثقافة في بلد علّم الدنيا كلها وكان عبر تاريخه منارة الثقافة بجهود مثقفيه الذين كانوا يشرّفون الحكومات بحضورهم ومنجزهم وسمعتهم الخارجية وليس بجهود وزارات الثقافة.

الجواهري والرصافي والسياب كلهم لم تصنعهم الدولة أو المؤسسة الرسمية بل احتقرتهم وسجنتهم وافقرتهم. هم الذين شرّفوا الحكومة عبر تاريخها وليس العكس. واذهب إلى أقصى المغرب العربي واسأل عن شخص اسمه الجواهري أو السياب أو نازك وآخر كان وزيرا في حكومة عراقية، أو رئيس وزراء عراقي وحتى رئيس جمهورية ستجد أن لا أحد يعرف الأخيرين هناك في حين تجد المئات يعرفون مبدعي العراق! اسأل مواطنا في موريتانيا على سبيل المثال مَنْ يعرفْ أكثر: السيّاب أم السيد الرئيس فؤاد معصوم مع كامل احترامي للسيد الرئيس؟ سيقول لك أنه يعرف السياب وأنشودة المطر وسيقرأ لك مقاطع منها.

يقول الشاعر الراحل”محمد جواد الغبان”في كتابه”الجواهري فارس حلبة الأدب”إنّه كان حاضراً سهرة جميلة امتدت حتى الفجر على شرف شاعر العرب الأعظم الجواهري في بيت أحد الأساتذة الجامعيين في بغداد. وكان الجواهري نجم الدعوة المتلألىء كالعادة. وبعد أن قرأ قصيدته الرائعة”فارنا”وهزّ الحاضرن بشعره وإلقائه، قام الأستاذ صاحب المنزل والدعوة واتجه إلى الجواهري ليصافحه، فقام الجواهري ومد إليه يده، وإذا بالأستاذ وعلى حين غرة يأخذ يد الجواهري ليقبلها، وحين أحس الجواهري بذلك سحب يده بسرعة قائلا له: (أستغفر الله يا أبا فلان)، ولكن الأستاذ أصرّ على تقبيل يد الجواهري إعجاباً به والجواهري يتدافع معه ويصرّ على الامتناع، والحاضرون يصفقون إعجابا بتلك الصورة الباهرة وذلك الموقف المثير، وحين لم لم يترك الأستاذ إصراره لم يجد الجواهري بُداً من أن يصيح بأعلى صوته بالأستاذ الممسك بيده قائلاً له: ويحك يا فلان ما قيمة تقبيلك ليدي، نعال، وهات يدك لكي أقبلها أنا، فتكون يدك عندئذ أول يد يقبلها شاعر العرب الأكبر الجواهري في حياته، وهذا أمر سيجعلك تدخل التاريخ يا أستاذ من أوسع أبوابه، فضج الجميع بالتصفيق وأمطروا وجه الجواهري بالقُبل تقديراً لهذا التصرف العظيم الرائع والعفوي البسيط للجواهري.

هكذا يعلّمنا الجواهري. وهكذا يقدّم ناظم السعود الدرس بعد الدرس على صفحات مخطوطة كتابه هذا:

• منذ وفاة السياب عام 1964 لم تنشىء له الدولة متحفاً أو ترمّم بيته

# مقالة”في خمسينية السيّاب: يستذكرونه... ونلعنه “حيث يقول ناظم:

“لكم ان تتخيلوا العجب - او حتى الفضيحة الكبرى - معي ذلك ان اتحاد الإمارات هو الذي قدم مقترحا لنظرائه العرب للاحتفال بخمسينية شاعرنا السياب وليس الاتحاد العراقي الصامت الذي يعيش غيبوبة كاملة فلم نسمع له تعليقا او توصية او مبادرة"

ثم يتساءل:

"هل أنهم أقاموا – هنا في بغداد او هناك في البصرة – متحفا يضم مؤثراته ومقتنياته وابداعاته العديدة؟ أين بيت السياب الموعود؟ اين يذهب السياح اذا قصدوا البصرة وأرادوا رؤية منزل رائد الشعر العربي الحديث؟!. وتكبر بي الغصة وربما يتكدر مريض مثلي ازاء اسئلة يجهر بها كل عام دون ان يجد اجابة شافية. كما أن الإجابة المسبقة تنبجس من ايحاءات الخبر المذكور الذي يمد لسانه لنا فيقول بقصدية واضحة”... وانطلاقا من ذلك نظم اتحاد كتاب وأدباء دولة الإمارات العربية في أبو ظبي أمسية شعريّة أدائية؛ هي باكورة البدء بالاحتفاء بمرور 50 عاماً على وفاة الشاعر الرائد بدر شاكر السياب (25 كانون الأول 1926 ـ 24 كانون الأول 1964)، أحد أهم مؤسّسي الشعر الحرّ في الأدب العربيّ. وقد كان سبّاقا بهذا الاحتفال قبل كل الدول العربية حتى موطنه..."!.

"لن اقدم هنا مزيدا من النبش والعرض والمقارنة , ولكنني كتبت قبل ست سنوات او يزيد في مناسبة كهذه ما نصه:”.. عقود متكالبة لم تنجح في دفع المسئولين المحليين أن كان في بغداد العاصمة أم في بصرة الولادة بإنشاء ولو متحف صغير يجمع عظام السياب وأنفاسه وأصداء كلماته للأجيال المحاصرة أو الخارجة من كهوف الحكومات ولم تنفع النداءات والاستغاثات بدفع حكام البصرة وبغداد في إعادة الروح لأطلال بيت السياب المتهاوية ولا إغاثة نهر (بويب) بجرعة ماء الله فبقي منسيا وآفلا.....أما (بيت جدي) و (شناشيل ابنة ألجلبي) فبقيا طيفا في عيون المحبين وقراء تراث السياب ولم تمتد يد خيرة أو متبطرة أو باحثة عن الوجاهة في جر الذكرى من السديم وجعلها حية تسعى في جغرافيا أبي الخصيب ..".. وقد لا يجد هذا النداء صدى عند اصحاب الكهف!) (انتهى حديث ناظم).

• لا توجد في العراق لا دولة مثقفة ولا دولة ثقافة

# مقالة”الحكومة والـ “تحولات": من البؤس.. إلى المواجهة”، وفيها ينفي ناظم وجود دولة في الثقافة فيقول:

(ان ما نلحظه هو وجود فاعل لطرف واحد (المثقف الفرد) وغياب فاحش للطرف الثاني (المؤسسة الحكومية) بمعنى ان ثقافتنا تقوم وتظهر بل وتعمق وجودها وخطاباتها الفكرية والأدبية والجمالية استنادا الى قواها الداخلية (...) وأصارحكم أنني عشت سبعة عهود كاملة لم اجد في أي منها اهتماما يذكر بالثقافة: مفهوما ومضامين وعناوين، بل كنت اجد الهموم الثقافية وشجون المثقفين تتراكم وتعلو كالجبال حتى ما عاد نظري الكليل يحيط بها ولم اشعر يوما ان هناك مسؤولا واحدا او جهة بعينها تهتم بإيجاد الحلول او تسعف المثقف المبتلى بنظرة منصفة تفهم ما يريد وتمهد له دروب إبداعاته او تزيل عنه الفخاخ وما أكثرها!).

# مقالة”هل أتاك حديث (المكتبة المركزية)؟!"، حيث يقول:

(وفي التحقيق ثمة ما يخجل ويخدش الذات الثقافية والوطنية.. هناك تفاصيل عن الحال الفاجع الذي يوشّح المكتبة المركزية بأسوأ المظاهر وأكثرها خزيآ وإدانة، وهنا أسأل ولا انتظر جوابآ: هل هناك حالة موجعة أكثر من أن تعيش المكتبة حالات من الظلام (السرمدي) بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها؟!..وهل نصدّق أننا في القرن الواحد والعشرين ونجد اكبر مكتبة علمية وثقافية في العراق وقد أثقلت كاهلها الأوساخ وسخام الحرائق والأتربة المتراكمة حتى أن المطالعين والموظفين يستخدمون كفوفآ واقية ومصابيح يدوية للتجوال في العتمة بحثا عن كتاب أو مرجع او أطروحة علمية؟).

ويختمها بالقول: (واذا كانت حجة (المسؤولين) في وزارة التعليم تعود دائما الى ضعف (التخصيصات المالية) فأنا اقولها واكتبها مرارا بأننا نفتقد الى شئ واحد اسمّيه ( التخصيصات الأخلاقية)..وذلك هو رأس البلاء!!).

• دولة تحتقر الثقافة والمثقفين

# مقالة”هذا الكلام خطير.. فاحذروه!"، وفيها يشير إلى احتقار المثقف العراقي وإهماله وعدم دعوته للمشاركة في كتابة دستور البلاد: (استذكرت على الفور ما حدث في بلادنا من محنة مماثلة تخص (استبعاد المبدعين والمثقفين من اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد) وكيف ان الذين تم اختيارهم لمسؤولية كتابة الدستور استبعدوا أي ناشط ثقافي سواء أكان أديبا او كاتبا او فنانا من اللجنة المخولة بكتابة الدستور.. يومها كتبتُ مقالا غاضبا عنونته هكذا ( المثقف المحنط بين الأخضر الإبراهيمي وفؤاد معصوم!) إشارة الى الاسمين المكلفين باختيار الأسماء لكتابة الدستور وذكرت فيه ان المثقف العراقي مبعد تماما منذ عقود وعهود عن أية اسهامة او ارتباط بالفعل العام بسبب تجاهل مقصود جاء أولا من العهود الحاكمة”(...) “نعم، تم في وقتها استبعاد أي مثقف إبداعي عراقي من المشاركة في كتابة الدستور ففي أية مراجعة جادة لمحتويات الدستور الحالي نكتشف حجم الشحوب الثقافي بل لا يمكن الادعاء ان هناك مادة او فقرة واحدة أشارت الى الثقافة والمثقفين او حتى انتبهت لوجودهم في المجتمع بعكس بقية الكائنات والقوى الظاهرة والمستترة).

• تكاثر”فقراء الثقافة”وتناسلهم

# مقالة”فقراء الثقافة... و قانون سكسونيا!”حيث يقول:

(ومن جراء تقادم الممارسات المهمشة والنظرات القاصرة تكاثرت جموع ما اسميهم (فقراء الثقافة) الذين وجدوا أنفسهم مبعدين عن أية واجهة وليس هناك من إسناد حقيقي يقيهم غول العوز و عسف الحاجة و ذل المرض، وأكثر من هذا إنهم وجدوا وزارة بأسمهم وضعت في أسفل الاهتمام الحكومي حتى قال احد وزرائها صراحة أن ميزانية الوزارة لا تكاد تكفي رواتب لموظفيها (!) ثم صعقهم تصريح منسوب لأحد البرلمانيين بعد أن أحيلت، بطريقة المحاصصة، وزارة الثقافة (كحصة إلى كتلته) فقال قولته المشهورة التي ستدخله التأريخ (أعطونا وزارة.. تافهة)..".

وهناك الكثير من المقالات التي يمكن للسيّد القارىء مراجعتها في هذا الكتاب ليجد مبضع السعود، لا قلمه فقط، يخز الجراح النائمة بجسارة وشجاعة هي التي تعودناها منه عبر عقود طويلة. هذا هو ناظم السعود الذي أعرف منذ أكثر من ثلاثين عاما. ومن بين هذه المقالات:

#المثقف وسؤال العاصمة: من ألَصدمة الى القَباحَة!
#حديث عن محنة شرائح المثقفين المستمرة!
#درس من غواتيمالا!!
#العراق بلا نشيد وطني!
#وصية شكسبير:حافظوا على بدري حسون فريد!
#كاظم الحجاج: الكهرباء.. الاعتكاف.. ثم الرضوخ!
#لا تدفعوا مجلة ( تشكيل ) الى مصير معروف!
#درس مجاني لمن يريد أن يتعلّم!
#من طرد العبقرية العراقية؟!
وغيرها الكثير.
* رائد الدعوة للإسناد الثقافي

(5). وهناك سمة ثقافية إنسانية حاسمة في سلوك ناظم السعود الثقافي تلازم سمة الحزم والجرأة والجسارة في تشخيص المعضلات الثقافية، وهي ما اصطلح هو على تسميتها بـ”الإسناد الثقافي". ففلسفة ناظم الثقافية تقوم في جانب مهم منها على أهمية دور فصيل الصف الثاني الذي تُطلب منه التضحية والصبر بل الحنو في تعهّد الأصوات الجديدة التي تدفعها نحو مواقع الصف الأول. من دون هذا الموقف التربوي والسلوكي تموت الثقافية ويجف نسغها. كثيرة هي الأصوات التي تعهدها ناظم بالرعاية حتى استوت على سوقها قامات إبداعية مهمة ومؤثرة في بستان الثقافة العراقية الآن (بعضها تنكر له في محنته). يقول ناظم موضحا هذه”الستراتيجية”الثقافية:

(أنا انظر الى العمل الثقافي على انه خطان متوازيان، الخط الأول: المبدعون، أي الناس الذين يعملون في الإبداع من قصاصين الى شعراء الى نقاد، والخط الثاني: المسندون، الذين عملهم الأساسي إسناد الخط الأول، لا ان يكونوا بمعيتهم او يتنافسوا معهم، والاسناد هنا لا يعني ان (تطبطب) على أكتافهم بل بالنقد والتوجيه والنصح وهو جزء من الإسناد، فإذا ما اخطأ المبدع فعليّ توجيهه الذي هو نوع من الإسناد له، وانا وجدت العديد من الشباب خلف الكواليس ومددت لهم يدي البيضاء الساندة لكي انقلهم الى منطقة النور، وللأسف، في الثقافة العراقية يوجد الخط الأول، ولكن الخط الثاني فيه قلة أو ندرة في الساندين، عشت في مصر سنة وربع السنة اطلعت ميدانيا على الصحافة والثقافة وكيف تسند المبدعين في الصف الأول، وهذا شيء عملة نادرة عندنا في العراق، والسبب ان كل من يكتب يريد ان يكون في الواجهة، ولكن هذه الواجهة تحتمل الكثير، لا ينبغي ان امجد الأنا لكي استقطب النور لوجدي، بل المفروض أن استقطب الأنوار للآخرين، وهذا ما اسميه الإسناد الثقافي).

يعمل الكثير من الكتّاب والنقّاد عندنا على طريقة”قومي رؤوس كلّهم.. “كما قال الراحل علي الشرقي.

ولو قرأت مقالة:”شرايين جديدة في الصحافة الكربلائية!”لتلمست عمليا مقدار الإيمان والجهد والتوثيق والصبر ومسؤولية التعهّد في مجال رعاية الأصوات الصحفية الجديدة. كما تكشف لك مقالة:”اكتشاف ناقد وسط غابة من الكتب والاوهام والأشتات!”الأبعاد نفسها في حقل آخر هو العمل النقدي الأدبي.

* ناقد أدبي يكتب مقالة مفهومة لا ألغاز

(6). وقد ضم الكتاب مقالات كثيرة أخرى تعكس عمل ناظم السعود كناقد أدبي في مجالات السرد؛ قصة ورواية وفن مقالي، والشعر. وتهمني الإشارة هنا إلى سمة مهمة هي أن ناظم السعود – وأنا مثله واسمحوا لي بهذه اللمسة النرجسية – هو من النقاد القلائل الذين يكتبون نقداً”مفهوما”بعد أن اكتسحنا طوفان الحداثة وما بعد الحداثة النقدية الغربية وأوقع نقادنا – خصوصا الشباب – في مصيدة الإسراف في اللغة المتعالية metalanguage حتى أصبح النص النقدي يحتاج ناقدا يشرحه لنا. مقالات ناظم النقدية ممتعة وحوارية ومفهومة. خذ على سبيل المثال لا الحصر مقالات مثل:

# أحمد ألجنديل: تمنطق بالقناع واستغاث بمملكة الحيوان!
#افتراس “: استحلاب ممض لأيام الوجع!
#وهل هناك”ضفاف سعيدة “في العراق؟!
#عشرة اعترافات في مجموعة شعرية!!
#نعيم الصيّاد: يستذّكر الحرب في ديوانه ألأول
#علامتان في سرد “جاسم محمد صالح": البطولة.. أنسنة الحيوان!
وغيرها الكثير.
* بطل ماراثون الثقافة العراقية المجاهد

(7). في عام 1999 أو عام 2000 (لا أتذكر التاريخ بالضبط) كنتُ عسكريا في جبهات القتال، وجاءني من يخبرني بإقامة حفل تكريم لناظم السعود في حدائق اتحاد الأدباء ببغداد وأن اللجنة المشرفة على الحفل (وهي مستقلة لا تتبع أي جهة وقامت بالحفل بمبادرة شخصية) تطلب منّي كلمة بهذه المناسبة. فأرسلت كلمة قرأها نيابة عنّي أخي الشاعر المبدع”سلمان داود محمد”وانبرى أحد رؤساء تحرير الصحف المشهورين آنذاك وهو (ا. ص.) للاحتجاج دفاعا عن النظام وعن”الأستاذ”برغم عدم مساسي بهما في الكلمة وكاد يوقعنا في براثن السلطة ويتسبّب في سجننا، وهو الآن يصول ويجول على شاشات الفضائيات كمقاوم ضد النظام السابق (شلون عدنه مثقفين سفلة)!!. قلتُ في تلك الكلمة:

(لا أدري لِمَ لمْ يحفظ المؤرخون اسم الجندي الفرنسي الذي قطع عشرات الكيلومترات ركضا – تصوّروا ركضاً - كي يُبلغ الامبراطور (نابليون) بشرى النصر في إحدى المعارك:

قال له نابليون:
 انت جريح.
فقال الجندي:
 أنا ميّت.
ثم سقط ميتاً.

وذكّرت بالجندي اليوناني الذي ركض المسافة التي سُمّيت لاحقا ماراثون لينقل خبر انتصار جيشه إلى سكان مدينته ثم يسقط ميتا، وقلت أن ناظم السعود يقاتل ثقافيا بهذه الروح الشامخة المتعالية من أجل هدف عظيم هائل اسمه”شرف الثقافة".. وأن موته مؤجل بانتظار الوصول الكبير وتبليغ الرسالة وتسليم الأمانة، وسوف ينتصر في وجداننا ويخلد في ذاكرة الثقافة العراقية العظيمة التي ينحتها المبدعون الشرفاء لا المؤسسات الكسيحة..

تحية للصحفي المجاهد”ناظم السعود”وهو يقدّم نتاجه الثقافي والتربوي الجديد.. متمنيا له الصحة الدائمة والإبداع المتجدّد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى