الأحد ١٢ أيار (مايو) ٢٠١٩
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

من المستشفى (2)

أبي يستطيع أن يتحرك، وإن ساندناه يتمش، لكنه لا يستطيع التكلم، ولهذا نقلوه إلى قسم العناية المخصصة للقلب (ccu).

أخبرت أبناءه بحالته التي بدأت تزداد سوءا، فجاء أبو جاسم وأبو عماد وأم سلمان وأزواجهم وأبناؤهم من الأهواز.

وسكنا المستشفى نزوره كلما سمحوا لنا بزيارته.

وأنا في صالة الانتظار التي لا تخلو من الزوار ليلا ونهارا، كنت ألاحظ المراجعين والمرضى، وقد ينبهني توجعهم أو شكاويهم أو صياحهم إن غفلت عنهم لحظة.

وكنت أتألم مما أرى فأكبت ألمي وحزني، وهل لي من سبيل لأبثهما سوى الكتابة:

فوزية تبلغ من العمر الثانية والعشرين، لديها طفلان، أصيبت بالحمى، فأتى بها زوجها إلى المستشفى على دراجة نارية، وجلبا الطفلين معهما.

وبعد أن عالجها الطبيب، رجعوا... لكنهم لم يصلوا بسلامة!

تلتف عباءة المرأة المسكينة بعجلة الدراجة بعد أن يفقد الرجل السيطرة بسبب حفرة عرضت لهم، وتنقلب الدراجة، وتنكسر رجل فوزية.

وشوارع المحمرة معبدة، لكنها معبدة بالحفر والمطبات...مظلومة هذه المدينة العربية، وأي ظلم!

تقول أم فوزية: إن الزوج مسكين، بل فقير؛ لا يكاد يشبع طفليه.

ولم يجلب زوجته إلى الطبيب إلا بعد أن يئس من شفائها من تلقاء نفسها، بل لم يكن يملك مبلغ علاجها.

والآن، قد أمسى الجميع في حيرة، والعلاج يتطلب الكثير من المال!

وسرحت في أفكاري الخيالية:

دخلت المحمرة في شهر رمضان، اقترح البعض أن تقام مسابقة شعرية يسمونها (مسابقة أمير البيان)، وأن تدعم هذه المسابقة المنطقة الحرة بالمليارات لترويجها ولتجهيز إستوديو تصويرها، وأن يدعوا مقدما من جنوب لبنان، ثم يدعوا الإعلامي الشهير جورج قرداحي ليزيدوها رونقا وشهرة.

لكن المنطقة الحرة رفضت وقالت:

ليس قبل أن نجعل هذه المدينة عامرة ميسورة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، من كارونها، ونخيلها، ومينائها، والنفط الذي يكاد أن يتدفق في كل شبر من أراضي الأهواز... فلا ينبغي أن يمس أهلها نصب ولا لغوب.

وأعادني إلى عالمي الواقعي عويل امرأة ثكلى فقدت ابنها في حادث سير.

وفتحت عيني وأذني لأرى الحرمان والحزن والدموع، ولأسمع الأنين والتأوه والاستياء.

وركضت لأمسك هذه الأفكار الخيالية التي جعلتني سعيدا لدقائق قليلة، لكنها أسرعت إلى باب المستشفى لتتبخر مع أحلامنا الكثيرة التي تتبدد كل يوم ومنذ عقود.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى