هاتف الثلج ـ وسيلُ النَخيلٍ الطالعُ من حجر ..
الوسامة المظهرية حين تتفق مع رشاقة الإبداع والفيض بأكثر من مفصل ومفصل تعطينا الجمالات التي تخرج من وتر أحزاننا حتى تبقى في الذاكرة ولاتمحى. كما أن المضامين المتميزة بالقوة والمتعة القرائية وقدرتها على النمو بين الثوابت والمتغيرات، تعطينا الأمل في أن نعرف مامعنى إنتصار الكلمة في أزمنة يصعب المغامرة بها وتحديها بكل وثوقٍ وحضورٍ طاغٍ، كما خروج الشجيرات من أرضٍ كلها صخرٍ وحصى . وأحد رموز مانقوله بهذا الصدد هوالكاتب والمسرحي (هاتف الثلج) في كتابه (المكاشفات) والذي أثبت لنا أنه ضالعٌ في تأريخ الكلمة الحرة التي تشق صلابة المستحيل لتجد لها معبرا آخراً ينقذها من مقالب السلطة والحاكم فكان بحق من الدهاة الذين عرفوا كيف ينتقون المادة الصحفية لتصل الى القاريء بكل طراوة وذكاء، هاتف الثلج سيد مزاجه ولايدع احدا ينتزع منه شغفه بهكذا مكاشفات وكان يَعرف متى يضع السهم في القوس كي يصل الى هدفيته وغائيته التي يريدها هو لا مايمليه عليه الآخرون. المكاشفات هي التصريح بترميم الإنكسار الذي يعني إعادة توجيه الموجة عن مسارها في أغلب شعاب مجتمعاتنا، فالمكاشفات كانت تنطلق وتعود الى منبعها من هذا المفهوم عند الكاتب هاتف، الذي مضى عليه في نضال الكلمة خمسة عقود ولازال النبض يعشق العراق.
ومن تكريت بزغ سطوعه الأول من ثقافة أبيه التربوي والرياضي وهذا مما ساهم في زرع البتلات الأولى لهاتف لتظل بأنساغها صاعدة نحو الغيم الماطر فتهطل علينا بين الفينة والآخرى بفيضها الماتع والصميمي الذي ياما وياما أثرت بعمقها ومحتواها وأدت الى تساقط العديد من المسؤولين الذين نالوا الكراسي التي لاتليق بهم. وعلى الرغم من إعدام أبناء عمومته الا أنه ظل يكتب بالميزان لاخوفاً ولا هروبا الاّ أنه ينطبق عليه قول صديق لينين، الا وهو الفيلسوف اليساري برتراند راسل حين قال: على المرء أن يحافظ على نفسه من الأخطار التي تحيط به بسبب فكرة ما طالما هي قابلة للجدل والتغيير. وهنا برتراند يريد أن يقول: علينا أن نحافظ على المثقفين والمبدعين فهم القلة النخبوية التي من خلالها يتم الإرتقاء بالشعوب نحو الأفضل. المكاشفات ترصد بعين البانوراما عن ماهية الشعب العراقي ومايتوجب عليه في ان يكون واعيا عارفا بما يجري في الساحة الثقافية والسياسية وماهي حقوقه الحقيقية على غرار الشعوب المتحضرة التي تدرك ما عليها وما لها علاوة على ضرورة احترام الذات واعتبار الانسان هو سيد نفسه الذي لايعلى عليه، وليس على غرارالأغنام التي تفكر بالطعام فقط ولاتفكر بمن يقدم لها الطعام.
في المكاشفات نجد الجدلية المترابطة التي تحكم حياتنا وأيامنا بأدق التفاصيل ومامعناه هو أننا لايمكن أنْ نعيش الليل دون المرور بالنهار، لايمكن لنا أنْ نتنفس دون انْ نشهق، لايمكن لنا انْ نحيا دون انْ نموت، لايمكن لنا أنْ نعرف الأسود دون معرفة البياض، لايمكن أن نعرف الفرح دون الشعور بالحزن وهكذا تنطلق المكاشفات في تفاصيلها المتشعبة.
حين أقرأ هاتف أجد الحداثة في أغلب سردياته، الحداثة الوارفة التي تكسر الجمود والتكلّس وتبرز الإستنارة التي تتوائم مع الإيقاع المدني للعصر ومتغيراته السريعة عبر الزمن بحيث أننا نستطيع اللحاق بما توصلت اليه البشرية من علوم وفلسفة وحياة لايحتاج بها المرء أن يغلق بابه خوفاً من أخيه الآخر وإقتحامه له على حين غرة. الحداثة التي تسعى الى كشف مجاهيل الكون وعجائبه والتي تتطلب خلع الحجب عن الكثير من الأسرار الدفينة. ومارأيته من الحداثة لدى الكاتب هاتف أنه لايوحي بالتكلف والغموض والترميز، بل كان على سجيته طليق اليراع في كل فكرة جاء بها وأجاد وأفاد في أزمنةٍ صعبةٍ ذات مخالبٍ مميتةٍ، وهذا ما قرأته حين إختص بالعمود الصحفي في جميع مكاشفاته التي بدأت 1991 في جنوب تكريت( المكيشفية) ومنها إشتق عنوان (مكاشفة) حتى بلغت أكثر من 1500 مكاشفة عمودية في خمسة أجزاء، وكلها إنطلقت من حدائق الضمير لدى هاتف الثلح والتي شملت كل المفاصل الاقتصادية والتربوية والإجتماعية والفلكلور والموسيقى والفن التشكيلي والبنى التحتية وواقع المرأة والمطالبة بتغيير أسماء الشوارع بأسماء الثورات أو حدث عظيم أو بأسماء المبدعين من كتاب وشعراء وفلاسفة على سبيل المثال لاالحصر قد طالب بتغيير ساحة الطيران بإسم ثورة العشرين .تدعو المكاشفات الى الالفة والمحبة دون الكراهية بين الناس وهنا يقترب هاتف من عبدالله بن المقفع حين قال (لكل حريق مطفيء فللنار الماء، وللسم الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق الفرقة، أما نار الحقد فلاتخبو أبدا).
تحدث هاتف عن ضرورة الإهتمام بالغابات والتشجير ومصدات الريح ووقف عملية قلع النخيل التي تضر بالبيئة العامة تحدث عن المياه العربية التي غيرت مسارها لآسباب عدائية أولغايات أخرى واليوم نشهد جفاف نهري دجلة والفرات بسبب السياسة المائية الجديدة وحروبها وهذه كتبها هاتف عام 1998 وهذا يدل على عمق المادة الصحفية الصميمية ونبوئتها.
في المكاشفات نجد الحديث على إعتماد القطاع الإشتراكي بدلا من التخصيص وأولها البطاقة التموينية ودعمها وضرورة توفير الخبز للفقراء مثلما تقول حكمة المافيا الإيطالية (إذا لم يأكل الفقير سوف لن يأكل الغني). فإذا ما جاع المعدمون سوف تكون هناك ثورة وهذا ماحصل لماري انطوانيت عندما استهزأت بالشعب الجائع وقالت: اذا لم يأكلوا الخبز فليأكلوا الشوكولاته فكان هذا سبباً عظيما في إعدامها . لأن الانسان على حسب قول نيتشة عبارة عن عبوة ديناميت في اي لحظة تنفجراذا ماتوافرت الشرارة. اضف الى ذلك قد لا تتحقق الثورة كحركة شعبية لتغيير الأوضاع فى حياة الناس وأزماتهم. ولكن على الأقل، لقد غُرِست البذرة فى الأرض، ولسوف يزدهر النبت، طالما أن الشمس تطلع كل يوم. وقد تتحقق بالفعل فتكون ثورة عارمة على الطاغي وهذه نقلها لنا الفيلم البديع (قناع زورو) من إنتاج 1998 تمثيل أنطونيو باندرياس وأنتوني هوبكنز والحسناء كاثرين زيتا ومن إخرج مارتن كامبل. نرى في الفيلم كيف إستطاع البطل زورو (باندرياس) مع العجوز الخبير في القتال( هوبكنز) في تحريك ثوار عمال المناجم ضد المالك المجرم مستغل سواعد العمال وتجويعهم، حتى قبضوا عليه ورموه من شرفة عالية الى العمال فتلاقفوه وأصبح فريسة تستحق الضرب بالركلات واللكمات في مشهد رائع يثير كل النوازع البشرية التي ظّلمت وتريد الثأر. مشهدٌ يوصف العمال وكيف إذا ثاروا على الطغاة في سبيل تحقيق العدالة ونيل الحياة الحرة .
بعض المكاشفات تحدثت عن الحق ضد أباطيل الجلاوزة والمسؤولين الذين يتصرفون بما لايخدم المجتمع، وعن أولئك الذين إرتقوا الى الثراء السريع أو بما يعرف ( بالكومبرادور) وهذه تنشأ في الحروب والحصار وفي عمالتها مع الرأسمال الأجنبي وهذه الفئة من الفئات الأخطر على الشعوب وإقتصاد الدول فلابد من الوقوف ضدها ومنعها من الإنتشار قبل فوات الأوان.
في عمود آخر تتطرق المكاشفات عن ضرورة الإدخار وهذه معمول بها في الدول الأسكندنافية حيث يحتسب الراتب لكل موظف بشكل دقيق على سبيل المثال اذا كان يدخن او يشرب الكحول ومن ثم عليه ان يدخر من ماله لغرض السفر خارج القطر والإستمتاع والتعرف على معالم البلدان الأخرى ، كل هذه تحتسب وفق ضوابط حسابية صارمة لكي يعيش المرء في كنف السعادة والحرية.
تنتقل بنا البانوراما المكاشفاتية الى التأقلم مع التخلّف دون الوعي الصحيح ويضرب لنا مثلا عن نظرية الضفدع اذا ما وضع في إناء يحتوي على الماء الحار ثم نقوم برفع درجة حرارة الماء بالتدريج حتى تصل درجة الغليان ويبقى الضفدع متأقلما مع هذا الوضع ثم موته دون أن يشعر. وكل هذا بسبب التأقلم وهذا مايحصل اليوم في شعوبنا التي إذا ما إستمرت على هذا الحال فبالتأكيد سيؤدي الى هلاكها في المكان والزمان.
المكاشفات تناولت الإهتمام بكبار المبدعين وتقييمهم أوعمل تماثيل لهم في مسقط رأسهم ومنهم القاص المعروف عبد الملك نوري الملقب بالصوفي الماركسي. بينما قبل أيام في بغداد تم تحطيم تمثال النحات العراقي الشهير (جواد سليم) من قبل زمرة جاهلة. وهذا النوع من الفن معمول به في الدنمارك حيث هناك تماثيل عديدة للكاتب الشهير الذي ترجمت اعماله الى جميع لغات العالم وهو (هانس أندرسن) مكتشف حورية البحر التي يأتي اليها كل عام ملايين الزوار للنظرالى هذا الصرح المهيب وقد قامت الإمارات قبل عام بعمل إحتفال كبير على الشاشات الكبرى لحورية البحر وهذا دليل على إنتقال وتلاقح الثقافات.
في باب آخر من المكاشفات نقرأ عن النقل دون العقل والإستفسار والسؤال والبحث عن الحقيقة، بل ظلّت على العقل الباطن أو المكتسب وهذا يؤدي بالشعوب الى الكسل والتخلف دون الوصول الى ركب الحضارة التي وصلت اليها الشعوب الآخرى وأصبحت في مصاف المدنية والعلمانية وركنت الماورائيات خلفها. العقل المكتسب خطير جدا على الفرد والشعب بأكمله وهنا نعني لو أن شخصاً سأل أمه عن الشاي وقالت له أنه في الدرج، فذهب وأخذ الشاي، وفي اليوم الثاني ربما نسى ايضا وسأل امه مرة أخرى عن الشاي وقالت له أنه في الدرج فذهب وأخذه ، لكنه بمرور الأيام سوف لن يضطر لسؤال أمه لآنه أصبح في العقل الباطن والمكتسب من أن الشاي في الدرج . هذا يعني لو أصبح أعمى فأنه يستطيع أن يجد الشاي في الدرج دون السؤال . وهذه هي التي جعلت من شعوبنا لاتسأل وبقيت على النقل والتقليد دون الإستمرار في السؤال فالإنسان الذي لايسأل عن ماهيات الأمور سوف يظل كسولا لايمكن له الإبداع في أي شي. لذلك ترانا تخلّفنا في الميادين العديدة وأصبحنا مستهلكين نعتمد على مايأتي من خارج أمصارنا في صغائر الأمور وكبائرها.
هاتف الثلج ـ وسيلُ النَخيلٍ الطالعُ من حجر ..جزء ثانٍ
المكاشفات لم تخلو من ذكر فن الغناء ثم الموسيقى التي تعني الأصوات المنتظمة عن عمد ولها تاثير كبير في الشعور الانساني والهرموني وهذا يذكرني بقول مظفر النواب ( قبلة لكل شاعر يجمع الناس ويطرد الهواء الفاسد ويغني). الانسان البدائي كان يصنع الآلات من العظام والنباتات ويصنع منها أجمل الألحان الموسيقية ويقال انها أول ماظهرت في الهند، ثم السومريين وأول مدونة موسيقية واول نوتة وجدت في لوح في نيبور في سومر ثم المصريين وتطورت الالات في الصين والهند وبابل حتى انتقلت الى الآغريق حيث اتخذت الموسيقى كعِلم عن طريق الفيلسوف فيثاغورس. أما في الغرب إتخذت للشعائر الدينية والجناز حتى تطورت وأصبحت في متناول العباقرة كبتهوفن وموتسارت وغيرهم. أما لدى العرب اول من أخذ علم الموسيقى من فيثاغورس هو الفارابي الذي نقلها الى بغداد ومن ثم العزف لدى مجالس سيف الدولة الحمداني حتى وصلت الى ماعليه الان وأعطتنا العديد من الموسيقيين العراقيين ومنهم المطرب حسين الاعظمي وموسيقى الكونتريانا والهرمونيا ، والكثيرين على غرار منير بشير وجميل بشير وضابط الايقاع سامي عبد الآحد الحاصل على جائزة افضل عازف طبل في العالم في مهرجان الراين 1975 . ثم اليوم عازف العود الشهير نصير شمة.
ثم ينتقل الكاتب هاتف الى مسألة توارث الاجيال وتغيير القيم وافلام البورنو التي باتت يتناولها الشباب وكل هذا ياتي من الكبوت والحرمان . هذه الظاهرة تفاقمت مع قدوم الأجنبي والإحتلال والميديا والتواصل الإجتماعي فاستغل الشباب بشكل سلبي هكذا أفلام عارية بحيث أن العراقي يتناولها حتى وهو في التواليت مما أدى الى ضياع الثقافة الحقيقية والإنشغال بالمتع الجسدية والحسية بشكل مقرف لاينم عن الفهم الأساسي للجنس والعاطفة والحب واحترام المرأة التي كتب عنها هاتف في بعض مكاشفاته. وذات يوم كتبت أنا صاحب هذا المقال تحذيرا بعدم ارسال أي مادة فلمية تتعلق بالبورنو على الماسنجر لآنني ارى النساء يوميا منطرحات عاريات في السواحل وقبالة بيتي وهذه من الثقافة العامة لتلك الشعوب الحرة. تلك الشعوب التي وضعت قوانينا للجنسانية التي هي الأكثر رهافة عند الأنسان، وعلينا أن نفهم من أن هناك جنسانية بين من يحبون بعضهم وهناك جنسانية بين من لايحبون بعضهم ، وهناك جنسانية للمراهقين ولاسيما لدى طلاب المدارس والتي تعني ممارسة الجنس في وقت اللامسؤولية أي خارج مؤسسة الزواج الرسمي وماتتطلبه الإسرة.
وكل هذه وضعت لها ضوابط صارمة غير فوضوية لدى الشعوب الغربية. لكن بالنتيجة ان مفاهيم الجنسانية لديهم هي وجود الاشياء التي تبحث في بعضها عن العنصر الذي ينقصها. أما مانراه اليوم لدى الكثير من فتياننا في العراق ومثلما رصدها لنا هاتف الثلج تختلف عن هذا الطرح إختلافا نوعياً مخيفا لابد من فضحه وعدم السكوت عنه. وللآسف الشديد مازالت مفاهيم الجنسانية لدينا هي تلك الإسطورة الفحولية التي دّعمت بعناية لإبقاء المرأة تحت هيمنة حامل القضيب.
ينتقل بنا هاتف وبعيون رائية فاحصة الى مكاشفة الشيطان والمفاهيم الفلسفية لأخلاق الإنسان الذي يتوجب عليه أن يكون ضمن إطار الخير لا الشر، فكل إنسان يحمل بدواخله نوازع الخير والشر معا، والإنسان أصله بصلة وزجاجة عطر فأي من النوازع هذه تطغي على الآخرى سيكون الإنسان على شاكلتها. أي بمعنى إذا طغى الجانب البصلي على العطري في داخل النفس البشرية سوف يؤدي الى نزوع الشر والعدوان على الآخر ومن المحتمل في حالة شدة جانب الشر أن يتحول الى مرض خطير بما يسمى (السايكو باث) وهذا المرض يجعل المرء قادراً على القتل في أي لحظة وهذه ما نجدها عند أغلب مجرمي القتل والإعتداء العنيف على الآخرين. أضف الى ذلك هناك مفاهيم أخرى عن الشيطان تنقلها لنا (نوال السعداوي) فتقول: حين سُئلَ الامازيغ عن الشيطان قالوا: نحن لم نكن نعرف الشيطان حتى جاء العرب وجلبوه معهم من الجزيرة، يرجمون الشيطان منذ اربعة عشر قرنا فماتوا وبقي الشيطان وتناسوا ان الشيطان يُقتل بالمعرفة والعلم لا بالحجارة. لذلك مانقله لنا هاتف الثلج بخصوص ذلك علينا أن نعرف كيفية التصرف في دواخلنا حيال هذا الأمر ولانقرأ السطحيات من المعرفة بل علينا التوغل أكثر وأكثر كي نصل الحقيقية المنشودة.
أما بعد 2003 لقد فضحت المكاشفات كيفية سرقة المال العام في تكريت من قبل الأحزاب الإسلامية وقد وثقها هاتف برسالة الى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وتضمنت الإعتداء على الناشطين ومنهم نجل الكاتب الكبير الدكتور فرج ياسين . ثم عرّج هاتف في مكاشفاته لكونه كاتبا يساريا وشيوعيا على العديد من الشخصيات اليسارية ومنهم صديقه المقرب سكرتير الحزب الشيوعي العراقي (رائد فهمي) والحديث عن نزاهة هذا الرجل وعمله المتفاني في سبيل الإرتقاء بالوطن الى ماهو أفضل وأرقى. أما في مجال الصحافة تناول هاتف جريدة المدى ودار نشرها بزعامة الشخصية الوطنية البارزة واليسارية المعروف بنضاله الطويل الا وهو (فخري كريم) الذي تعرض لمحاولة إغتيال لشرفه وعمله الدؤوب هذه الأيام في فضح السياسات الخاطئة.
سطور أخرى بحق الكاتب هاتف الثلج:
طائر حر أول تغريدة له حيث ولد في تكريت ثم قضى شطط طفولي في الناصرية حتى نشأ على الثقافة وأنهل منها وأستطاع أن يصل الى ماهو عليه الآن حتى أصبح غزيراً في نتاجاته الأدبية وفي مختلف أجناس الكتابة والنشر. عضو فرقة مسرح اليوم لعام 1975 وكتب مسلسلا إذاعياً بعنوان (عملاق الأذاعات العربية وعاشق أثيرها)، كتب عن الأطفال والعديد من القصص القصيرة وله من المطبوعات التي وصلت الى أكثر من أربعين كتاب ومنها: مسافر يسترجع المحطات (12 جزء)، حوارات ومثاقفة (سبعة أجزاء عن المشهد الأدبي والفني والتراثي والسياسي العراقي والمشهد الأدبي العربي والآثاري الأجنبي)، بغداد في عيون مقاهيها، وغيرها من الكتب علاوة على إمتلاكه (دار نشر هاتف الثلج للطباعة والنشر في بغداد). كتب عنه الكثير من عمالقة الفكر والأدب ومنهم علي الوردي، الشاعر عبد الوهاب البياتي، والناقد الرائد علي جواد الطاهر وغيرهم.
ويبقى هاتف صاعدا نحو افق الغيم وعاليا بمرتفعات ويذرنج . ويبقى من النوع الذي يأرق ويقلق على بلده و يفكر على طريقة الثائر العظيم جيفارا حين قال (ان الروح التي تعتاد على القلق تظن انّ الطمأنينة فخ). نرى القوة العقلانية هي المسيطرة في المكاشفات الحالمة بنظام خالي من الإضطهاد والنزاع، خالي من الولاءات التي تنجب اللعنات، والتي تورث الرعب الى القادمين الجدد وخرافاتهم التي تتحول الى أصنام يتوجب عبادتها لكنها بالنتيجة ستهتريء وتتبدد مثلما حصل للنزاعات الايمانية التعسفية في أوروبا 1618 ـ 1648 وعنفها وتخاشنها وتحطيمها للعقل الأوروبي، لكنها إنتهت الى طاولة العقل والإصلاح بفعل المستنيرين أنذاك الذين عملوا على تحويل الإنفجار الإيماني الى إنبجاس تنويري حتى إستقرت الى يومنا هذا. وفي النهاية أقول: أن هاتف الثلج كاتب منصف آثر ان يكون مبدئيا على ان يغتنم ويكسب المال، طارده المقبور عدي صدام ومنعه من النشر. أنه الرمز النضالي الذي يمرق في الربوع فتزهر كل نبتة نحو الاعالي حتى ترقص الشمس وتحلو الاغاني. كاتب يؤمن ان الحب هو الثورة الوحيدة التي لاتخون الإنسان. وما يجعلنا نثور بكل قوة هو ذلك الشيء الكامن فينا (نحن أنفسنا) على حد زعم ( جورج باتاي).