الجمعة ٦ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم حسن سلمان

هل تعتبر الأغنية شكلا من أشكال المقاومة؟

الأغنية الوطنية تزدهر بعد أحداث غزة، وفنانون سوريون يحذرون من انتشارها لأسباب موسمية فقط.

شكلت الحروب والأزمات الحالية في العالم العربي أرضا خصبة لإعادة إحياء الأغنية السياسية والوطنية من رُقادها، بعد سنوات من الغياب أو التغييب الذي مارسته بعض الأنظمة العربية على هذا النوع من الأغاني.

وإذا كانت الأحداث السياسية ساهمت، بشكل أو بآخر، في غياب الأغنية الوطنية وبالتالي تحوّل روادها إلى الأنواع الغنائية الأخرى (التجارية خاصة) بهدف كسب العيش، فإن هذه الأحداث ذاتها أعادت هذه الأغنية إلى الواجهة، وخير دليل على ذلك حرب لبنان عام 2006 وأحداث غزة الأخيرة.

غير أن التطور الكبير في وسائل الإعلام وخاصة في مجال الفضائيات ومواقع الإنترنت وسعي عدد كبير من الفنانين العرب إلى الشهرة، أدى إلى ظهور نوع جديد من الأغاني متدنية المستوى نعتها البعض بـ "الوطنية"، فيما رأى البعض الآخر أنها لا تختلف كثيرا عن الأغاني التجارية، مبررا ذلك بأن أصحابها يسعون للربح المادي، بدليل أنهم لا يمتلكون تاريخا نضاليا ويحاولون أن يركبوا الموجة ليحققوا الشهرة سريعا.

ويقول الفنان سميح شقير: "رغم أهمية الأغنية كأحد وسائل التعبير لكنها لا تكفي في ظل هذا العجز الرسمي العربي، لقد تعودنا دائما مع تكاثر الحروب في منطقتنا العربية على الكثير من الكلام والقليل من الفعل، وقد كشفت مأساة غزة الأخيرة عزلة الإنسان العربي وعدم قدرته على أن يكون صاحب قرار في ظل صمت الأنظمة العربية الحالية."

ويؤكد شقير الذي يمتلك سجلا حافلا بالأغنيات الوطنية ضمن مسيرة غنائية تمتد لربع قرن أن ظهور نوع من الأغاني التي يصفها البعض بالوطنية، هو إحدى تجليات الإحساس الوطني الموسمي لدى بعض المغنين الذين يعزفون على الوتر الوطني أو يستغلون الأزمات الكبيرة والتركيز الإعلامي عليها ليحققوا الشهرة عبر أغاني ذات سوية فنية رديئة."

فيما ترى الفنانة ليلى عوض أن الفن عموما والأغاني بشكل خاص لن تساهم في حل الأزمات، كما أنها لن تغير شيئا من حجم المأساة على الأرض، مشيرة إلى أن أحداث غزة أكدت العجز العربي الكامل على جميع المستويات."

وتضيف: "أخبرني ماذا قدم الفنانون الذين خرجوا بمسيرات شموع أو صوروا بعض الأغاني الحماسية؟ ماذا فعل هؤلاء لغزة المحاصرة التي تعرض شعبها للقتل وهدّمت البيوت فوق رؤوس أصحابها، هذا الأمر لا يعوّضه ولا 20 ألف أغنية."

من جانبه لا يستغرب الإعلامي عبد الكريم العفنان وجود هذا الكم الهائل من الأغاني الوطنية ذات الطابع الحماسي في فترة زمنية قصيرة، مشيرا إلى أن الأزمات عادة ما تفرز عددا من المتغيرات التي قد تودي بحياة البعض، فيما يستغلها البعض الآخر لتحقيق مكاسب سياسية أو مادية، "وفي كل أزمة دائما هناك رابح وخاسر."

ويضيف: "مع تكاثر الأزمات السياسية والإنسانية في عالمنا العربي، كان لا بد من وجود بعض الأعمال الفنية- الجيدة والهابطة على السواء- التي يؤرخ بعضها للمأساة بشكل عالي المستوى يوازي- نوعا ما- حجم تلك المأساة، وهنا يحضرني على سبيل المثال مشروع الفنان الكبير مارسيل خليفة الذي عبّر بصدق عن المأساة اللبنانية والفلسطينية خلال المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في لبنان وفلسطين، دون أن ننسى ما قام به الفنان زياد الرحباني في أعماله المسرحية، ولاحقا المخرج حاتم علي في عمله الملحمي "التّغريبة الفلسطينية."

غير أن العفنان يؤكد بالمقابل أن بعض الفنانين استغّل تلك الأحداث المأساوية ليحقق بعض الشهرة والكسب المادي، فقدم أعمالا متدنية المستوى "ليبدو وكأنه يتاجر بدماء الشهداء الذين ذهبوا ضحية تلك الأحداث، وخاصة أحداث غزة الأخيرة."

ويضيف: "لا نستطيع أن ننكر الأثر الكبير الذي تركته الأغاني الوطنية للشيخ إمام ومارسيل خليفة وأحمد قعبور، بل إن بعضها أدى لقيام ثورات أو تظاهرات حاشدة في العالم العربي، لكن هؤلاء يشفع لهم تاريخهم النضالي الكبير، أي أنهم لم يكتفوا بالأغاني الحماسية كما فعل البعض، كما أنهم قدموا فنا راقيا بعيدا كل البعد عما يُروّج له الآن من الأغاني التي تُكتب ويتم تصويرها خلال أسبوع، ويقوم المغني بأدائها بلا إحساس وكأنه يقدم إعلانا لإحدى السلع التجارية."

فيما تؤكد المخرجة واحة الراهب ضرورة مشاركة الفنانين بأي شكل من أشكال التعبير عن القضية الفلسطينية خاصة وقضايا الأمة العربية بشكل عام، متسائلة: "لماذا اختفت الأغنية الوطنية من تاريخنا، أنا أحنّ لطفولتي فقط لأمر واحد هو أغاني فيروز الوطنية (زهرة المدائن وغيرها) إضافة إلى أغاني الشيخ إمام ومارسيل خليفة."
وتوضح أن الأغاني الوطنية ترتبط بمرحلة حاول البعض قتلها، "لدرجة أنهم قضوا على ظاهرة الشيخ إمام ومارسيل خليفة كي لا يثور الشارع العربي"، مشيرة إلى أننا "نشهد موت الأغنية الوطنية بقدر ما نشهد موت القضية الوطنية."

وتضيف: "لذلك فالقضية الوطنية تنهض أحيانا في مواسم يُفرض خلالها على الأنظمة العميلة أن تضطّر إلى إعادة الاعتبار للأغنية الوطنية، لذلك تجد الأغاني المقدمة هزيلة وليست بحجم الحدث لأنها قادمة من فراغ فهي موسمية أو مناسباتية تظهر وتختفي بين الحين والآخر."

وتعتقد الراهب أن الفنان "لكونه شخصية اعتبارية يقتدي بها عدد كبير من الناس" مطالب بتقديم جميع أشكال الدعم والمقاومة، "بدءا بالتظاهر في الشوارع وانتهاء بتقديم أعمال حقيقية وصادقة تُعبّر عن الواقع العربي عامة والفلسطيني خاصة، وترسّخ المقاومة كسبيل وحيد في مواجهة الاحتلال بجميع أشكاله."

وتضيف: "هناك عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية العربية التي تتحدث عن تاريخ الصهيونية والمجازر التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وتفضح الأعمال التي يقوم بها الاحتلال الأميركي في العراق، أبرزها "الاجتياح" الذي تم التعتيم عليه إعلاميا و"الطريق إلى كابول" الذي تم توقيفه بقرار أميركي، وهناك مسلسل عن تاريخ الصهيونية عرضته فضائية المنار وعلى أثرها تم حجب استقبال القناة بأوروبا واعتبروها قناة "إرهابية"، كما أن فيلمي "رؤى حالمة" حُورب كونه يتحدث عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ومُنع من العرض في أوروبا وأميركا."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى