هل يقول الطير؟!
فى الثامن من فبراير / شباط الماضى قدمت "حماس" كل المطلوب منها من تنازلات، فى استجابة واضحة "للمطالب الدولية، التى استمرأ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن) مطالبة حكومة حماس بضرورة الاستجابة لتلك المطالب، وفى 15 من الشهر نفسه قدم الأخ إسماعيل هنية استقالة حكومته إلى عباس، فقبلها الأخير، وحسب التقاليد المرعية فى مثل هذه الحالة أوكل عباس لحكومة هنية مهمة تسيير الأمور، إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، التى يحلو للكافة تسميتها "حكومة الوحدة الوطنية"! إذ لنا أن نصدق بأن عدو الأمة، الأمريكى – الإسرائيلى، يريد لنا وحدة وطنية، وأن النوم قد طار من عيون هذا العدو، إلى أن تتحقق تلك الوحدة. ولله فى أعدائنا شئون!.
المهم، بينما حكومة عباس تستر الأمور، وإذ بقرار من وزير التربية والتعليم فيها، د. ناصر الشاعر، يطلب إحراق كتاب "قول يا طير" التراثى، الذى ألفه إبراهيم مهوى، وشريف كناعنه (4/3)!.
وارتجت الحركة الثقافية الفلسطينية لهذا القرار الجاهل. رغم أن الشاعر أكد بأن القرار اتخذته لجنة فنية، بعد أن رأت أن الكتاب حافل بالتعابير الجنسية ويصعب تركه بين أيدى الطلاب، لكن مسئولا فى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أكد بأن قرار سحب الكتاب جاء من وكيل الوزارة فى قطاع غزة، حيث القيادة المركزية لحماس. وقد طلبت الوزارة تشكيل لجنة لإتلاف الكتاب فى كل مدرسة، تتألف من مدير المدرسة، رأس المكتبة، وأحد المدرسين، يا سلام! طابع ديمقراطى لإعدام الثقافة!.
بدأ إتلاف 1500 نسخة من هذا الكتاب، ذريعة أنه لم يكن ممكنا جمع نسخ الكتاب بدل إتلافها! ذلك أن الجمع - بمنطق أصحاب المحرقة - سيبقى النسخ فى المكتبات، ما يتيح الإطلاع عليها! علما بأن وزير الثقافة فى حكومة حماس سبق أن منع عرض الأفلام فى دور السينما بغزة!.
نحن، إذن، أمام محاولة حمساوية لتنظيم قطيعة معرفية مع تراثنا. وربما لم تلاحظ قيادة "حماس" أنها تتقاطع هنا مع عدونا الإسرائيلى، الذى يسطو على تراثنا، وما يعجز عن سرقته يدمره!.
كما يبدو أن قيادة "حماس" استبقت الأمور، وحرقت المراحل، وكأن فلسطين قد تحررت، وأن لقيادة "حماس" أن تفرض صنيعتها الدينية على المجتمع.
على أننى أستبعد، تماماً، اقتناع قيادة "حماس" بما اقترفت هنا، وإلا لما تراجعت عنه، بكل هذه السرعة.
إن على قيادة "حماس" أن تعى هنا بأن التقاءنا معها هو على تحرير فلسطين، وليس على برنامج طالبان! وأنها بتصرفاتها غير المسئولة عنه تعمد إلى دفع التناقضات الهامشية إلى السطح، لتطغى تلك التناقضات على تناقضنا الرئيسى مع عدونا الأمريكى-الإسرائيلى.
كما على قيادة "حماس" أن تعى بأن تراثنا الشعبى هو أحد أهم معالم هويتنا الوطنية والقومية، إلا إذا كنت تلك القيادة لا تزال تدين القومية والوطنية، ما يضع قيادة "حماس" ضمن القوى المؤيدة للعولمة، أو إن شئت الدقة-الأمركة.
لقد ضم الكتاب- مشكلة 45 حكاية شعبية، زودها مؤلفاها بدراسة شاملة عن المجتمع الفلسطينى وثقافته، فضلا عن أن الحكايات والدراسات عنها تنهض مرجعاً للإلمام بأنثروبولوجيا المنطقة، ناهيك عن الروابط الحميمة بين هذه الحكايات وبقية مفردات التراث العربى.
يبقى السؤال الملح: هل هذا المنع هو استمرار للاقتتال البغيض الذى ساد الساحة الفلسطينية، على مدى ثلاثة أشهر (ديسمبر (كانون الأول) – فبراير(شباط) الماضيين، أم أن ثمة ما يشى بأننا أمام إعادة إنتاج طالبانى؟! دون أن ينسى شعبنا كيف أن (المرحوم) عرفات أقام عرسا لحرق كتب إدوارد سعيد، قبل عشر سنوات!.