هواجس نفس ما بين الصّباح والمساء
أرواحنا تزهق كلّ يوم، وفي الهمّ تصهر، نبحث عن بصيص أمل يكبر في عيوننا ثم في بدء تخلّقه يتكوّر، يقولون إنّ الحياة دار ابتلاء ولا راحة فيها تذكر، لنرشّ على جراحنا ملحًا ومعها نسهر، جراح جراح لا تنتهي، تنمو وتكبر، خسرنا أنفسنا كثيرا فإلى متى سنظلّ نخسر! حائرون عالقون بين الماضي والمستقبل، بين القلب والعقل متأرجحون تائهون متآكلون بفعل قوارض الأيّام والأشهر، وحيدون متخبّطون، نتعلّق كلّ مرّة بأوهام تفتّت صلابتنا وتدمّر.
نفتقر للاستقرار والأمان، ونتنقّل من خذلان إلى خذلان، فهل خلقنا الله لنعذّب في الحياة وأحياء بها ندفن؟ هل وجدنا لنظلّ نصارع البقاء، وفي رحى العذاب نطحن؟ تساؤلات تتلوها تساؤلات… علامات تعجّب كثيرة واستفسارات. نتوه عن أنفسنا، وننساق وراء قلوبنا دون وعي، أو قدرة على التّفسير. علامات استفهام كثيرة تتأرجح بين المعاني، تجول العقل راجية منه أي توضيح أو رأفة بحيرتها، لسان حالها يقول: كيف آل بي المطاف إلى هنا؟ أين ذاتي ومبادئي التي طالما قدّستها؟ أأنا تغيّرت أم أنّني وجدت ذاتي وكان عليّ أن أتغير؟
يتذبذب القلب والعقل بين طيّات المنطق ودهاليز القلب، صراع عميق يظلّ يسكنك، وحيرة طالما ترافقك. تكتفي بذاتك، وتخشى أن تقحمها في خيبة ما، تتمنّى أن تجد أحدًا يغوص إلى عمق عالمك، ويفهم صمتك قبل كلامك، لكنّك في كلّ مرة تخفق وتعجز، وتعود في الاقتراب أدراجك، لكن ها هو الصبح على ظلام اللّيل يتمرّد، ها هي الطّيور من جديد تزقزق وتغرّد، ها هي خيوط الشّمس تنثر الأمل في بقاع اليأس والألم، ها هي الأحلام تنادي أنا على قيدكم أحيا، فلا تتركوني في منتصف الطريق، لا تركنوا لكذبة المستحيل فهي سلاح الضعفاء ضد المثابرة والسعي، أصبحتَ في نعمة وعافية وستر فاترك عنك هواجس الأمس، وانظر إلى النصف الممتلئ من الكأس.
قم واقتل بإرادتك وعزمك أصنام الجهل واليأس، تأمّل في هذا الكون، وعِظم عجلة دورانه، تأمّل الطّبيعة وخذ من السّماء صفاء الذهن، ومن البحر الغزارة في الفكر، ومن الشّجر الثّبات والصّمود، وحتى من النّمل تعلّم السّعي الدّؤوب، انفضّ غبار اليأس عن قلبك كلما تنفّس الصّبح، وهيئه لاستقبال أمل جديد، وبه تشبّث، تذكّر أن الحياة محطّات، خلقنا فيها ضعفًا على ضعف، لكنّها لا تعترف إلا بالأقوياء، ولا تذيع إلا صيتهم. مَن لا يخضعون للضّعف، ويبحثون عن مواطن القوّة، ولا يقفون على أطلال الخيبات والعقبات، ولا يكوِّمون أعذارهم على علّاقة الظّروف والعجز، فيصادقون الفشل، ويصبح لهم ظلًّا ورفيقًا.
مَن يضعفون في لحظات، لكنّها لا تطول، فسرعان ما ينطلقون منها كشرارة نحو الهدف بهمة وعزم، من يتفهّمون أحزانهم وآلامهم، لكنهم لا يحترمونها، ولا يدلّلونها، ويطردونها بكلّ ما أوتوا من تحدٍّ وطاقة، فهيّا بنا نعانق الصّباح، ونحتضن الأحلام والأمنيات، ونخرجها من قوقعة الظّلام، هيّا بنا ننفض كلّ الجراح عن وجه الفلاح، ونمضي بتفاؤل في دروبنا، هيّا بنا ننثر أينما حللنا عبق النّجاح.