السبت ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠٢١
بقلم عمرو صابح

هوامش ناصرية فى ذكرى ميلاد لينين.


 فى الذكرى المئوية لميلاد فلاديمير لينين والتي حلت فى 22 أبريل 1970، قرر الرئيس جمال عبد الناصر إصدار طابع بريد مصري للاحتفاء بالذكرى، كانت العلاقات المصرية السوفيتية قد أصبحت أكثر قوة بعد هزيمة 5 يونيو 1967، والدعم العسكري السوفيتي الهائل لمصر مقابل الدعم الأمريكي الهائل لإسرائيل.

 أثار إصدار طابع لينين استهجان الدوائر اليمينية فى قمة نظام الحكم الناصري، جاء إصدار الطابع بعد 3 شهور من زيارة الرئيس جمال عبد الناصر السرية لموسكو فى يناير 1970 وهي الزيارة التى تمخضت عن القرار السوفيتى بإرسال وحدات دفاع جوي بكامل معداتها وأطقمها من الجيش الأحمر وطائرات حربية يقودها طيارون سوفيت لحماية سماء مصر من الطيران الإسرائيلي، وإعطاء الجيش المصري الفرصة لبناء حائط الصواريخ والقفز به حتى الحافة الغربية لقناة السويس تمهيداً لعبور الجيش المصري لقناة السويس تحت حماية حائط الصواريخ القادر على إسقاط الطيران الإسرائيلي.

- شارك العسكريون السوفيت نظرائهم المصريين فى كل التدريبات على الحرب القادمة وصولاً لعملية العبور ذاتها التى جرت تجارب محاكاة لها على فرع لنهر النيل مماثل لقناة السويس بالخطاطبة.

 استشهد العديد من الضباط والجنود السوفيت خلال معارك حرب الاستنزاف وقد تم تكريم أسماءهم.

 الدور السوفيتى فى حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية هو الأكبر للسوفيت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تفوق على الدور السوفيتى فى فيتنام، والتعاون العسكرى المصرى السوفيتى بدأ من التدريب على مستوى الكتيبة عقب حرب 1967، ثم مشاركة أطقم دفاع جوى وطيارين ومظليين وقوات خاصة سوفيتية فى القتال على الجبهة المصرية منذ مارس 1970، وصولاً لتزويد مصر بصواريخ سام 3 وصواريخ ستريلا وصواريخ سكود وهى أسلحة لم تخرج من الاتحاد السوفيتى لأى دولة فى العالم إلا مصر.

 أطلق السوفيت على دعمهم العسكرى والسياسي لمصر بعد حرب 1967، الأسم الكودى"عملية القوقاز".

 قبل إصدار الطابع بحوالي 4 أشهر وتحديداً فى 20 ديسمبر 1969، اتخذ الرئيس جمال عبد الناصر قراراً مفاجئاً بتعيين أنور السادات نائباً له مفضلاً إياه على حسين الشافعي، وقبل تعيين السادات نائباً لعبد الناصر بحوالى شهرين، كان على صبري أمين عام الاتحاد الاشتراكي العربي عائداً من موسكو ومعه هدايا جلبها من هناك، وفى مطار القاهرة تم افتعال مشكلة على قيمة الجمارك المستحقة لتلك الهدايا بحضور صحفي ومصور من جريدة الأهرام كان الأستاذ هيكل قد أرسلهما للمطار لرصد وصول علي صبري وهداياه بأمر من الرئيس عبد الناصر الذى وصلته معلومات عن قدوم على صبري للقاهرة محملاً بالهدايا الروسية، صودرت الهدايا فى المطار وتم تصوير وقائع الحادث، وفى اليوم التالي نشر الأستاذ هيكل القصة كاملة فى جريدة الأهرام، والطريف أن الهدايا الروسية أرسلت فى مساء نفس يوم نشر القصة بالأهرام لمنزل علي صبري.

 قرر على صبري الاستقالة من منصبه لغضبه من التشهير به بلا داعي، تحقق هدف الرئيس جمال عبد الناصر من تحجيم على صبري سياسياً، وإرسال رسالة للسوفيت بسيطرته الكاملة على كل أدوات السلطة، وابتهج الأستاذ هيكل الذى وجه ضربة موجعة لخصمه اللدود على صبري.

 فى أبريل 1970 قرر الرئيس جمال عبد الناصر تعيين الأستاذ هيكل وزيراً للإرشاد القومي "الإعلام"،بدون أن يخطر الأستاذ هيكل أو يستشيره فى قراره، جاء قرار التعيين بعد هجوم من كوادر الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي -الذين يدين أغلبهم بالولاء لعلي صبري- على هيكل الدائم الانتقاد للاتحاد الاشتراكي، والذي يمارس النقد من برجه العاجي وهو بعيد عن العمل السياسي التنفيذي، تخوف الأستاذ هيكل من قرار توزيره وظن أنه خطوة نحو الاطاحة به من منصبه العتيد فى مؤسسة الأهرام، وانعكست مخاوفه وسوء حالته النفسية على سكرتيرته نوال المحلاوي،وعلى الأستاذ لطفي الخولي - رئيس تحرير مجلة الطليعة اليسارية التى تصدر عنها مؤسسة الأهرام-والذى كان مقرباً من هيكل وقتها، وفى جلسة بمنزل لطفي الخولي جمعته بنوال المحلاوي وزوجها عطيه البنداري، دار الحوار حول قرار توزير هيكل بدون رغبته، وهاجم الثلاثة الرئيس جمال عبد الناصر وسياساته وقراراته الطائشة!! ولكن فاتهم أن أجهزة الأمن كانت تسجل الجلسة، وأن شريط التسجيل وصل للرئيس عبد الناصر فى نفس الليلة، استدعى الرئيس عبد الناصر الأستاذ هيكل وأسمعه الشريط ووبخه وأبلغه أنه أمر بإلقاء القبض على لطفي الخولي ونوال المحلاوي وعطيه البنداري والتحقيق معهم، كما أمره بفصل نوال المحلاوي من منصبها، وبرفع اسم لطفي الخولي من ترويسة رئاسة تحرير مجلة الطليعة، نفذ الأستاذ هيكل أوامر الرئيس عبد الناصر مضطراً، وتدخل نائب الرئيس أنور السادات لتلطيف الجو بين عبد الناصر وهيكل عبر الإيحاء لعبد الناصر أن هيكل لا صلة له بهجوم أصدقاءه، فور انتهاء جنازة الرئيس جمال عبد الناصر، تقدم الأستاذ هيكل للسادات باستقالته من منصب وزير الإرشاد القومي وقد قبلها السادات.

 فى يوليو 1970 كان الرئيس جمال عبد الناصر في زيارة إلى الاتحاد السوفياتي، فأصدر نائبه السادات أمراً بوضع قصر اللواء صلاح الموجي تحت الحراسة، تمهيداً لاستيلاءه عليه، رفض الموجي قرار السادات واتصل بالأستاذ فريد عبد الكريم الذي كان أميناً للاتحاد الاشتراكي بمحافظة الجيزة وأبلغه الأمر، قرر فريد عبد الكريم نشر الموضوع بتفاصيله في بيان وقام بتوزيعه على قواعد الاتحاد الاشتراكي في الجيزة والقاهرة، كما وصل الموضوع للرئيس جمال عبد الناصر فى الاتحاد السوفيتى عبر سكرتيره للمعلومات سامي شرف.
عندما عاد عبد الناصر من رحلته، وجد أنور السادات في استقباله بمطار القاهرة فقام بتعنيفه بشدة أمام كل الحاضرين ثم طلب منه أن يستريح بمنزله وألا يريه وجهه فى الأيام القادمة، سافر السادات إلى منزله الريفي بقريته ميت أبو الكوم حيث اعتكف هناك، ولم يظهر فى الاحتفال بالعيد الثامن عشر للثورة فى 23 يوليو 1970، ونشر نبأ إصابته بأزمة قلبية تستدعي أن يستريح من أعباء العمل، تدخل الأستاذ هيكل للصلح بين عبد الناصر والسادات، وسافر لميت أبو الكوم لزيارة السادات وإقناعه بالعودة للقاهرة ورأب الصدع مع عبد الناصر وعدم ترك الساحة للأخرين، وهؤلاء الأخرين هم خصوم هيكل والسادات ممن اصطلح على تسميتهم فيما بعد بمجموعة مايو "علي صبري - سامي شرف - شعراوي جمعه - الفريق أول محمد فوزي"، وبالفعل عاد السادات للقاهرة بعد أن تكللت مساعى هيكل لدى الرئيس عبد الناصر بعفوه عن السادات.

 كان تعيين السادات نائباً لعبد الناصر انتصاراً ضخماً للجناح اليميني فى النظام الناصري، وكان تهميش علي صبري هزيمة موجعة للجناح اليساري فى النظام، والعجيب انه لم تمض سوى 9 أشهر على نيابة السادات لعبد الناصر إلا وقد فاضت روح عبد الناصر إلى بارئها، وأصبح السادات هو الرئيس.

 كان الرئيس جمال عبد الناصر سياسياً عبقرياً، ظل منذ بداية حكمه حتى نهايته مدمناً لسياسة التوازنات فى قمة السلطة، لذا جمع نظامه بين الأضداد الذين لا يوحدهم سوى شيء واحد هو الولاء لجمال عبد الناصر محرك العرائس والمسيطر على الجميع، بوفاة عبد الناصر المفاجئة،تصارع الأضداد، وانتصر الجناح اليميني بقيادة السادات ومحمد حسنين هيكل وحسن التهامي والفريق محمد صادق فى مايو 1971، لكي يؤسس السادات بشرعية جمال عبد الناصر وانجازاته النظام النقيض لكل أفكار عبد الناصر وسياساته، ولكي يؤكد ان سياسة التوازنات فى قمة النظام الحاكم تفيد الحاكم ولكنها تضر الشعب، وأن النظام غير المؤدلج والمتناقض فكرياً، من الطبيعى أن ينتهى بفوز أسوء العناصر فيه واستيلاءها على السلطة.

 الصورة لطابع البريد المصري الذي يحمل صورة الزعيم السوفيتى فلاديمير لينين والذى صدر فى 22 يناير 1970 خلال احتفال العالم بمئوية ميلاد لينين.

 المراجع:

 كتاب"عملية القوقاز": تأليف: ديما أدامسكي - ترجمة: د.جمال الرفاعي.
 كتاب "شعراوي جمعه.. شهادة للتاريخ": محمد حماد.
 كتاب "على صبري يتذكر": عبد الله إمام.
 كتاب "عبد الناصر كيف حكم مصر؟": سامي شرف.
 كتاب "هيكل": عادل حمودة.
 كتاب "التنظيمات السياسية لثورة 23 يوليو": جمال سليم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى