السبت ٢ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم خالد شاهين

هَلْ لَي بِمُنَادَاتكْ كَارْدِينَال؟

[1] حُقولٌ حَصَدتْ كُلَّ عَصافيرِها، تَناثَرَ الطِّينُ فَوْقَ السَّطْحِ، جَنَى الرَّصاصُ وَرْدَةً كانَتْ عَلى وَشْكِ النُّضُوجِ، أَحاطَتِ الْأَسْلاكُ خَصْرَ قُرْنُفُلَةٍ، قَذِيفَةٌ اغْتالَتْ فَراشاتٍ تَطِيرُ عَلى صَدْرِكِ. لَمْ يَعْتَرِفِ الْجُنُودُ، وَفَوارِغُ الرَّصاصاتِ تَحْتَ "بَساطِيرِهِمْ" كانَتْ تَلْمَعُ.

[2] كانَتْ تَلْعَبُ فَوْقَ الْغَيْمِ، التَهَمَتْها رَعْدَةٌ عابِرَةٌ، رَغْبَةٌ فاجِرَةٌ، وَاتَّهَمْنا السَّماءَ بِذُبُولِ نَجْمَةٍ إِلَى الْأَبَدِ، مَشْغُولُونَ نَحْنُ يا وَرْدَتِي بِمُتابَعَةِ الْخَدِيعَةِ، فَلا تُفْسِدُوا أَهْدافَنا النَّبِيلَةَ فِي تَشْجِيعِ الْمُرُوءَةِ، ضائِعِينَ أَنا وَأَنْتِ يا صَدِيقَتِي بَيْنَ غَزَّةَ الْغارِقَةِ فِي التَّبْغِ وَسِعْرِ صَرْفِ الدُّولارِ الْقَطَرِيِّ وَجِنِينِ الَّتِي يَرْتَفِعُ فِيها مَنْسُوبُ الدَّمِ وَقِيمَةُ الضَّرِيبَةِ الْمُضافَةِ.

[3] بَعْدَكِ الْحُجْرَةُ صارَتْ وَحِيدَةً، كُتُبُ الشِّعْرِ الْمَمْلُوءَةُ بِالْخَرْبَشاتِ نامَتْ عَلى بَطْنِها وَأَبْيَضَّتِ الصَّفَحاتُ. الدُّبُّ الْمُفَضَّلُ لَدَيْكِ صارَ يَبْكِي حَتَّى ابْتَلَّ الْقُطْنُ مِنَ الْوَجَعِ، أَعْرِفُهُمْ جَيِّدًا هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ الْوَرْدَ عَلى هَيْئَةِ سِكِّينٍ. وَهُمْ الَّذِينَ يَمْشُونَ فِي الْجَنازاتِ وَقُلُوبُهُمْ تَضْحَكُ مِنْ فَرْطِ النَّرْجِسِيَّةِ.

[4] يا دَمَكِ الْبارِدِ، لا تُسَلِّمْ عَلَيَّ، وَالشَّوْكُ النّابِتُ فِي يَدَيْكِ يُجْرِحُ صَخْرَةً. رائِحَةُ الْقَتْلَى الْمُنْبَعِثَةُ تُوحِي أَنَّكَ الرّاحلُ إِلَى حَتْفِكَ الْأَخِيرِ، يا لِزَفِيرِكَ "الزَّفِرِ" وَالشَّهِيقِ "الشَّاقِّ"، تَلاشَى، تَبَخَّرَ، عِطْرُكَ الرَّدِيءُ مَهْزَلَةٌ. فَلا رِحْلَةَ حُبٍّ صَباحَ الْغَدِ صارَتْ مُمْكِنَةً، وَلا رُؤاكَ أَصْلًا فِي عَيْنِي واضِحَةٌ.

[5] هامِساً: أَنا أُحِبُّكِ لِأَنَّنِي بارِعٌ فِي إِبْرازِ هُوِيَّتِي أَمامَكِ، وَأُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكِ أَنَّكِ بِخَيْرٍ، وَلَدَيَّ الدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ. تَذَكَّرِي: الرُّوحُ كِيسٌ مِنْ وَرَقٍ لِمَلْءِ الْخَوْفِ. الْقَلْبُ حُجْرَةٌ مِنْ طِينٍ وَنَارٍ وَقَشٍّ، جُزْءٌ مِنْ خَرِيفٍ وَمِنْ صَيْفٍ. عاشِقانِ يَتَناوَبانِ الْأَسْئِلَةَ، مُحاوَلَةٌ لِفَكِّ رُمُوزِ الْعَتْمَةِ، أَنْجَحُ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْأَجْوِبَةِ. وَلَمُّ شَمْلِ النِّكاحِ وَالنُّواحِ فِي غُرْفَةٍ واحِدَةٍ.

[6] اللَّعْنَةُ الَّتِي تَصِلُ مُبْتَغاها وَلا تَرْتَدُّ عَلَيْكَ: واجِبَةٌ. تَعَرَّفْتُ مِنْ مُدَّةٍ عَلى أُناسٍ دَفَعُوا أَمْوالًا، قَطَعُوا أَمْيالًا مِنَ الْحُزْنِ عَلى ظَهْرِ حِمارٍ. وَحِينَ وَصَلُوا، عَرَفُوا أَنَّ هَذا هُوَ الْعُنْوانُ الْغَلَطُ. مَلابِسُهُمْ كانَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِمْ، فِي الْأَصْلِ كانُوا مَجاذِيبَ، وَتَحَوَّلُوا بِفِعْلِ فاعِلٍ لِمُهَنْدِسِي دِيكُورٍ.

[7] أَعِيشُ وَحْدِي فِي بَيْتٍ لَيْسَ لِي، وَأَنا مِنْ قَبْلِ الْحَرْبِ أَصْلًا لا أَمْلِكُ بَيْتًا يُؤْوِينِي. تِسْعُونَ بِالْمِئَةِ مِنَ النَّاسِ الْآنَ يَعِيشُونَ فِي خَيْمَةٍ. الْخَيْمَةُ خَيْبَةٌ وَإِهانَةٌ، أَتَمَنَّى بَعْدَ الْخَلاصِ مِنَ الْمَهْزَلَةِ أَنْ أَذْهَبَ وَأَعِيشَ وَحْدِي فِي مِنْطَقَةٍ نائِيَةٍ. أُراقِبُ حَرَكاتِ النُّجُومِ الْخائِفَةِ، مَدَّ الْبَحْرِ وَجَزْرَهُ، لَنْ أَكُونَ سَعِيدًا، لَنْ أَكُونَ حَزِينًا، وَهَكَذَا يَا سَادَةُ: أَنَا لَا أَثِقُ فِي قَلْبِي، أَتَأَفَّفُ أَمَامَهُ دُونَ أَنْ أُفَكِّرَ فِي الْعَوَاقِبِ. يَتَحَوَّلُ مِنْ دَارِ عِبَادَةٍ لِنُزُلٍ رَخِيصٍ يَسْمَحُ لِلْغُرَبَاءِ الْمَبِيتَ مَعًا. أَسْئِلَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ سَمِجَةٌ، وَأَنَا غَيْرُ مُبَالٍ بِأَيِّ أَجْوِبَةٍ فِي الْوَقْتِ الرَّاهِنِ، حَوْضُ النَّعْنَاعِ الْبَلَدِيِّ أُصِيبَ بِلَوْثَةٍ فِي أَوْرَاقِهِ الْمُنْتَصِبَةِ مِثْلَ قَضِيبٍ خَامِلٍ عَنْ مُمارَسَةِ اللَّعْنَةِ.

[8] سَاقٌ مُتَوَرِّمَةٌ صَارَتْ فِي حَالِ وَرَعٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ، خُضَ بَطْنَ الشَّاةِ وَاسْتَخْرِجْ مِنْهَا جُبْنَةَ "كِيرِي". اقْطَعْ تَذْكِرَتَيْنِ، أُدْخُلْ فِي السِّينِمَا وَحْدَكَ، وَذَكِّرْنِي لَاحِقًا لِمَاذَا أَنَا هُنَا؟ أَفْتَعِلُ الْمَشْهَدَ، أُحَاوِلُ أَنْ أَخْلُقَ مَا بَيْنَ الْجِدِّ وَبَيْنَ الْهَزْلِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةً، أُطْلِقُ الْعِنَانَ لِرُوحِي وَأَفْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ بِجُنُونٍ مُفْرِطٍ، قَالَتْ لِي رُوحِي الْمُنَزَّهَةُ: اعْتَنِقِ الْإِسْلَامَ مِنْ جَدِيدٍ، وَدَعْكَ مِنْ سُنَّةِ الْفِكْرِ الْمُدَنَّسِ.

[9] تَفَقَّدْ خَسَائِرَكَ الْمُتَتَالِيَةَ فِي الْحَرْبِ وَفِي الْمَاضِي وَفِي سِرِّكَ. واحجِزْ مَقْعَدَكَ فَوْقَ سَقْفِ الْفِرْدَوْسِ الْمَفْقُودِ. تَنْتَظِرُكَ مُفَاجَآتٌ هُنَاكَ نَظِيرَ صَبْرِكَ. الرُّوحُ: صَحْنٌ مِنْ فَرَحٍ لِمَلْءِ الْكَعْكِ. وَفِي رِوَايَةٍ كَأَنَّهَا: جَاثِيَةٌ عَلَى رُكْبَتَيْهَا مِنَ التَّعَبِ. أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ لَكَ مَا لَمْ أَقُلْهُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِكَ، أَتَعَرَّى كَطِفْلٍ يُكْمِلُ السَّنَةَ الْأُولَى مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوْقَ بَطْنِكَ، أَتَوَغَّلُ فِيكَ كَنَاسِكٍ غَاصَ فِي كِتَابٍ عَنِ الْجَنَّةِ وَتَفَاصِيلُ صَغِيرَةٌ تَخُصُّ فَمَكَ. أُرِيدُ أَنْ أُعِيرَكَ لِسَانِي كَيْ يَقُولَ قِصَّتِي الَّتِي تُشْبِهُكَ.

[10] ضَعِينِي عَلَى جَدْوَلِ يَوْمِكِ سَبْعَ دَقَائِقَ؛ تَكْفِي كَيْ أَعْرِفَ كُلَّ الْغَزَوَاتِ الَّتِي انْتَصَرْتِ بِهَا، سَبْعَةٌ تَكْفِي كَيْ أَلْثِمَ الْكَلَامَ مِنْ فَمِكِ بِخِفَّةِ كَرْدِينَالٍ، فَكُونِي يَا حَبِيبَتِي الْمُشْتَهَاةَ مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، خُذِي نَفَسًا عَمِيقًا مِنِّي كُلَّمَا اقْتَرَبْتِ مِنَ الْأَعْمَاقِ وَقَبْلَ كُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ، تَوَاضَعِي لِي وَمَعِي وَمَعَ ظِلِّكِ. كُونِي شَدِيدَةً كَحَرِّ الصَّيْفِ فِي بَغْدَادَ عَلَى مَنْ يَضَعُ حَجَرًا فَوْقَ قَلْبِكِ، وَكُونِي أُمِّي إِذَا اقْتَضَتِ الضَّرُورَةُ، أَعِيدِي شَرْعِيَّةَ الْوَقْتِ كَيْفَمَا شَاءَتِ الْآلِهَةُ.

[11] اللَّحْظَةُ: خَبِّئِي الْحُزْنَ فِي صَدْرِكِ، وَإِنْ فَاضَ عَنْ قَلْبِكِ وَانْدَلَقَ فَوْقَ الرُّخَامِ كَرَغْوَةِ صَابُونٍ. يَا شَهْوَةَ الْمَاءِ فِي الْغَابَاتِ الْمَطِيرَةِ، يَا لِفَمِكِ الَّذِي يَتَغَذَّى عَلَى زَهْرَةِ خَشْخَاشٍ، يَا لِعَيْنَيْكِ الرَّابِضَتَيْنِ عَلَى وَجْهِكِ كَذِئْبَيْنِ. وَيَا لِكُلِّكِ الْمُشْتَهَى. هَلْ أَمْنَحُ نَفْسِي تَأْشِيرَةَ مُرُورٍ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لِلسَّفَرِ فِيكِ وَالتَّنْقِيبِ عَنْ قَلْبِكِ وَأَمَاكِنِكِ الْأَثَرِيَّةِ؟ اصْطَدَمْتُ بِشَامَةٍ عَلَى ظَهْرِكِ، يُشِيرُ السَّهْمُ إِلَى الصُّرَّةِ، وَصَلْتُ إِلَى الْأَرْضِ الْمُحْتَلَّةِ، أَنَا يَا مَوْلَاتِي أَسْكُنُ بَيْنَ النَّهْدِ وَالنَّاصِرَةِ، أَتَعَرَّفُ مِنْ جَدِيدٍ عَلَى مَدِينَةٍ مِنْ لَآلِئَ وَشَقَائِقِ نُعْمَانٍ. خِيَارُ الْمُقَاوَمَةِ مَشْرُوعٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ؛ وَحَتَّى اللّهُ يَأْمُرَنِي وَيَقُولَ لِي: "حَارِبْ."

[12] هَلْ لِي بِمُنَادَاتِكِ كَارْدِينَال؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى