الثلاثاء ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠
عبد النـاصر والسـادات
بقلم عمرو صابح

وخطة الحرب فى مذكرات الفريق الشـاذلى.

تحظى مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب 6 أكتوبر 1973 بنوع من القداسة لدى كل معارضى الرئيس السادات، وفى مقدمتهم الناصريون الذين يبجلون الفريق الشاذلى بسبب معارضته للرئيس السادات.

غالباً لم يقرأ هؤلاء الناصريون مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلى حتى الأن، هم فقط سمعوا عنها.

لماذا؟

لأن مذكرات الشاذلى تدين جمال عبد الناصر وقادته العسكريين بضراوة أكثر مما تدين الرئيس السادات.

يقول الفريق سعد الدين الشاذلى فى مذكراته:

 ان أول خطة هجومية للحرب من وضعه وهى خطة"المأذن العالية"وقد قام بوضعها خلال شهرى يوليو و أغسطس 1971، وينفى نفياً قاطعاً وجود خطط هجومية من وضع محمد فوزى وعبد المنعم رياض.

 الشاذلى يؤكد ان كل ما ذكره محمد فوزى عن الخطط العسكرية والاستعداد لحرب التحرير فى كتابيه"حرب الثلاث سنوات"و"حرب أكتوبر 1973.. دراسة ودروس"مجرد خيال نظرى وكلام على الورق.

 الشاذلى يؤكد ان ما يسمى بالخطة"جرانيت"هى مجرد عمليات تعرضية هجومية وليست خطة بالمعنى العسكرى المفهوم.

 الشاذلى يؤكد انه لا علاقة بين حرب الاستنزاف وحرب 6 أكتوبر 1973.

 الشاذلى يؤكد ان حرب 6 أكتوبر هى حرب محدودة، وهدفها الرئيسي تحقق بالعبور وتثبيت رؤوس كبارى على الضفة الشرقية لقناة السويس بعمق من 10 - 12 كم.

 الشاذلى ينفى نفياً قاطعاً وجود نية لتطوير الهجوم نحو الممرات فى وسط سيناء، سواء عقب العبور أو بعده بأيام، بل ان خلافه الرئيسي مع السادات كان بسبب قرار تطوير الهجوم بوجه عام وليس توقيت القرار، والشاذلى يقوم بتكذيب ما أورده رئيس هيئة العمليات خلال الحرب المشير الجمسي فى مذكراته عن ان قرار تطوير الهجوم كان من المفترض أن يتم يوم 9 أكتوبر 1973.

 الشاذلى يهاجم وزير الحربية خلال حرب 1973 المشير أحمد اسماعيل بقسوة فى مذكراته، ويتهمه بكراهية جمال عبد الناصر، بينما أحمد اسماعيل فى مذكراته يشدد على احترامه وحبه لجمال عبد الناصر ويصف مشاعره بالحزن عليه عند وفاته.

 الشاذلى يرفض وجهات نظر جميع رفاقه من قادة الحرب بخطأ قراره بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق للغرب للتصدى للثغرة، ويؤكد ان قراره هو الصائب وجميع رفاقه مخطئون.

 الشاذلى يعترف بوقوفه مع السادات ضد الفريق محمد صادق وزير الحربية وكبار قادة القوات المسلحة فى 24 أكتوبر 1972، بعدما عارض الفريق صادق وكبار القادة خطة السادات بإشعال حرب محدودة وأصروا على معركة شاملة، وقد ترتب على هذا الصراع وانحياز الشاذلى للسادات، عزل صادق وكبار القادة المؤيدين له يوم 26 أكتوبر 1972، وقد كان انتصار السادات فى ذلك الصراع ضد كبار قادة جيشه، إيذاناً ببدء المعركة المحدودة التى كان الشاذلى رجلها ومخططها العسكرى.

 الشاذلى يصف مشروع الصواريخ المصرى فى عهد عبد الناصر بالأكذوبة، وان القاهر والظافر هما صورة حديثة من المنجنيق الذى كان يستخدم فى العصور الوسطى!!

 بينما يؤكد سامى شرف سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات، أن أشرف مروان صهر الرئيس الراحل لم يكن يكلف بأى مهام سياسية خلال عهد عبد الناصر، يقول الشاذلى فى مذكراته ان أشرف مروان كان مبعوث عبد الناصر إليه، والناقل لتعليمات الرئيس الراحل.

 كتب الفريق الشاذلي فى مذكراته ان دليله على عدم وجود خطة هجومية قبل توليه هو لقاءه بمؤرخ القوات المسلحة المصرية اللواء حسن البدري والفريق أول محمد فوزي -"وزير الحربية قبيل 14 مايو 1971"- في منزل الأخير سنة 1994، وقال الشاذلي أنه سأل الفريق فوزي عن الشخص الذي ترك معه الخطة عند خروجه من الجيش، فأجابه أنه لم يتركها لأحد، واستدل الشاذلي بذلك على أن الفريق أول محمد فوزي لم تكن معه خطة وإنما مجموعة أفكار!!

 رواية الفريق الشاذلي عن لقاءه بالبدري وفوزى لا يمكن تصديقها، لأن الفريق أول محمد فوزي واللواء حسن البدري كتبا مع مجموعة من كبار قادة القوات المسلحة المصرية خلال حربي الاستنزاف و1973، تعقيباً تم نشره بصحيفة الأهرام المصرية فى 6 مايو سنة 1996 (بعد عامين من اللقاء الذي تحدث عنه الفريق الشاذلي في روايته ولا نعلمه إلا عن طريقه) به ما يخالف رواية الفريق الشاذلي تماما، وأعيد نشر هذا المقال فى الفصل الأول من كتاب"حرب الاستنزاف"الصادر عن الحزب العربي الديمقراطي الناصري.

 اللواء سمير فرج مدير ادارة الشؤون المعنوية الأسبق قال في حوار له منشور في جريدة المصري اليوم بتاريخ 4 أكتوبر 2013 بالنص:

"أول خطة للهجوم على خط بارليف واقتحام قناة السويس وضعها عبدالناصر، وكان يطلق عليها المآذن العليا ولا نستطيع إلغاءها أو القول بأن السادات هو من صنعها".

إدارة الشؤون المعنوية هي التي تحتوي كل وثائق وأسرار الحروب السابقة.

 الفريق سعد الدين الشاذلي قال في حواره مع العقيد جمال النجار ً:

"قمت بعدها بإعادة صياغة خطة عسكرية بناء على ما هو متوافر فعلا لدينا من قدرات وإمكانيات، فعدلت الهدف من القتال، فأنا لم أكن امتلك القدرات التى تمكننى من تحرير كل سيناء ولكن لو أحسن استغلال القدرات والإمكانيات التى بين أيدينا فيمكنني عبور قناة السويس وتحرير جزء من الأرض حوالى عشرة إلى اثني عشر كيلو متر ثم نقوم بعد ذلك بتحرير جزء جديد، وهذا الجزء سيكون أسهل فلن تكون بيننا وبينهم قناة سويس، ولن يكون هناك خط بارليف الحصين و، هكذا نحرر الأرض على مراحل.

وعندما عرضت الخطة على الرئيس السادات قال:

"حرروا لى شبرا واحدا من سيناء وأنا سأحل المشكلة بالمفاوضات وإذا فشلت المفاوضات أكملوا".

 المشير محمد عبد المنعم الجمسي وزير الحربية الأسبق، والذى كان يتولى منصب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973، نفى فى مذكراته كون خطة حرب 1973 من وضع الفريق سعد الدين الشاذلي بمفرده، وأكد انها نتاج عمل مختلف فروع وهيئات وأسلحة القوات المسلحة المصرية.

 الفريق سعد الدين الشاذلى فى مذكراته عن حرب أكتوبر دافع بضراوة عن عدم تطوير الهجوم شرقاً نحو المضايق فى سيناء لدرجة اعترافه ان خطة تطوير الهجوم شرقاً نحو المضايق هى خطة مزورة تم إعدادها بأمر من الرئيس السادات وإرسالها للقيادة السورية لإقناع السوريين بالمشاركة فى حرب، بينما الخطة الأصلية هى العبور شرقاً والتمسك بالمواقع بعمق من 10-15 كم داخل نطاق حماية حائط الصواريخ، ويؤكد الشاذلى ان وزير الحربية أحمد إسماعيل، ورئيس هيئة العمليات عبد الغنى الجمسي لا صلة لهما بخطة الحرب وانها موضوعة من قبلهما بواسطته ما بين شهرى يوليو و أغسطس 1971!!

ويشدد الشاذلى على عدم إمكانية التقدم فى سيناء عن عمق 10 - 15 كم شرق القناة لأن قواتنا بذلك تخرج عن نطاق حماية حائط الصواريخ، وسوف تتعرض لمجزرة من الطيران الإسرائيلى، وعلى امتداد صفحات الكتاب يؤكد الشاذلى ضعف قواتنا الجوية البالغ مقارنة بالقوات الجوية الإسرائيلية، ويشيد بقراره عدم الزج بالطيران المصرى فى معارك كثيرة خلال الحرب حتى يحتفظ به سليماً، ولتوثيق كلامه يقول ان عدد طائراتنا كان يفوق بـ100 طائرة عدد طيارينا، وان طرد السادات للخبراء الروس فى يوليو 1972 أدى لعجز فادح فى سلاح الطيران لانسحاب 75 طيار روسي كانوا يشاركون فى قيادة الطائرات المصرية، بل ان الفريق الشاذلى يفتخر بمشادة كلامية حدثت بينه وبين الجنرال الروسي"لاشنكوف"جرت فى نوفمبر 1973، ولامه خلالها لاشنكوف على عدم استخدامه لقواته الجوية بما يناسب امكانياتها، ورد عليه الشاذلى بقسوة أنه أدرى بقواته وانه فخور بحفاظه عليها.

ويوجه الفريق الشاذلي فى مذكراته كل التقدير والتحية للطيران العراقى المشارك فى المعارك على الجبهة المصرية لدرجة انه يذكر ان الاتصالات كانت تأتى له من قادة القوات البرية المصرية بطلب مشاركة الطيران العراقى بالذات لحمايتهم!!

 شهادة الفريق سعد الدين الشاذلي تؤكد ان خطة الحرب كلها مبنية على وجود حائط الصواريخ والحماية التى يوفرها لقواتنا البرية ومدرعاتنا بعمق يصل من 10 إلى 15 كم داخل سيناء.

 حائط الصواريخ تم الانتهاء من بناءه وتحريكه حتى الحافة الغربية لقناة السويس فى شهر أغسطس 1970، وهو ما يعنى ان جاهزية القوات المسلحة لخوض الحرب أصبح متاحاً منذ أغسطس 1970، وتصبح شهادات الفريق أول محمد فوزى ومجموعة رجال مايو 1971عن توقيع الرئيس جمال عبد الناصر لخطة العبور قبيل رحيله فى 28 سبتمبر 1970، وان الموعد النهائي لخوض الحرب كان لن يتجاوز شهر أبريل 1971، وان سبب خلافهم الرئيسي مع الرئيس السادات هو تأجيله لقرار الحرب،، كلها شهادات صحيحة.

 حديث الفريق الشاذلي عن وضعه لخطة الحرب متناقض مع حديثه عن استحالة تقدم قواتنا خارج نطاق حماية حائط الصواريخ، لسبب بسيط مادام الحائط موجود منذ أغسطس 1970، فلماذا تأخر قرار الحرب حتى أكتوبر 1973؟!

ومادامت خطة الحرب تعتمد بشكل رئيسي على وجود حائط الصواريخ الموجود منذ أغسطس 1970، فأى خطة وضعها الفريق الشاذلى الذى تولى منصب رئيس الأركان فى 14 مايو 1971 أى بعد الانتهاء من بناء حائط الصواريخ وتحريكه للحافة الغربية لقناة السويس بتسعة أشهر؟!!
 بقيت نقطة أخيرة:

الفريق سعد الدين الشاذلى لم يصدر الطبعة الأولى من مذكراته إلا فى 1 سبتمبر 1979، وهو يعترف فى مقدمة الطبعة الأولى منها انه أصدرها رداً على ما أورده الرئيس السادات عن حرب أكتوبر فى مذكراته"البحث عن الذات"، والتى صدرت طبعتها الأولى فى أبريل 1978.

الرئيس السادات أقال الفريق الشاذلى من منصبه كرئيس للأركان فى 13 ديسمبر 1973، وعينه سفيرا من الدرجة الممتازة فى وزارة الخارجية، وعمل الشاذلى سفيراً لمصر فى بريطانيا ثم فى البرتغال حتى يوم 19 يونيو 1978،عندما قرر الاستقالة من منصبه وعقد مؤتمراً صحفياً هاجم فيه سياسات الرئيس السادات ثم اتجه من البرتغال للجزائر.

الفريق الشاذلى كان شاهداً على اتفاقيتى فك الاشتباك 1974 - 1975، كان شاهداً على قرارات الانفتاح، كان شاهداً على انتفاضة 18 - 19 يناير 1977، كان شاهداً على مبادرة السادات بزيارة فلسطين المحتلة، وما تلاها من زيارات متبادلة بين المسئولين المصريين والصهاينة، ولكنه رغم كل هذا لم يغضب إلا بعد صدور مذكرات السادات فى أبريل 1978، الشاذلى غضب لنفسه وليس لأى أحد أخر، وفى مذكراته اختصر الحرب كلها فى شخصه بدون شركاء، فهو البداية والنهاية لكل الخطط العسكرية.

قطعاً من حق الفريق الشاذلى الانتصار لنفسه ورواية الأحداث من وجهة نظره، ولكن يجب على الباحث عن الحقيقة قراءة كل شهادات قادة الحرب وعدم الاكتفاء بشهادة الفريق الشاذلى فقط.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى