وين الغلط؟
لم يكن هذا العنوان يعني لي سوى تلك الحلقات التلفزيونية الكوميدية التي كنت أترقب بثها في سنوات الطفولة ،غير أن أحداثا ومتغيرات كثيرة ربما تسببت بشكل أو بآخر بتهجير طفولة جيل ما بعد النكسة مبكرا ، فكبروا سريعا وكبروا دونما استئذان وكبرت معهم عبارة (وين الغلط) ومثيراتها، وفقدت كما فقد(السوداويون منهم )روح الفكاهة خاصتها.
وأصبح يكفي الواحد منهم رصد موقف عابر ليتسائل :أين يكمن الخلل؟ ليحلق في فضاء مفرغ يجبره في النهاية على إدانة نفسه وتصديق كذبة مفادها بأن الخلل يكمن في الزاوية التي ينظر من خلالها للأشياء ، لأن المفاضلة والانتقاء فيما نحتاج تصديقه يصبح أكثر إلحاحا كلما ازدادت كمية الأكاذيب المطروحة ، فعلى الرغم من أن المكوث في الزاوية السوداء يكاد يكون موقف الصدق الوحيد ، إلا أنه يثقل من يختاره برؤية ما وراء الأكاذيب ، لا سيما وأن المشاهد كثيرة ، فرؤية عجوز يتأرجح بإحدى حاويات القمامة بحثا عن بقايا طعام يسد بها جوعه تجبرك على تكذيب نتائج الدراسات التي أفادتنا بأن كل المتسولين ليسوا محتاجين ،أما فائض العنف الأسري الذي يرتكب بحق النساء والأطفال والرجال أحيانا وتزايد نسبة الطلاق فيدعوان إلى نقض التوقعات والمقولات الوردية التي نسدلها على المؤسسة الزوجية كما يدعو إلى إعادة النظر في القيمة الاجتماعية العالية المعطاه لمفهوم الزواج كضرورة من الضرورات الاجتماعية ، لكن هذا (الغلط) أو الوليد الشرعي للزاوية السوداء لن يقتصر حضوره على تلك المشاهد ، فالخلل كامن في معظم اتجاهاتنا ومنطلقات تفكيرنا ويلوث مختلف علاقاتنا ولذا يتخذ شكل التفاعل مع الآخر أو الآخرين إما صفة الإلزام أو المنفعة الشخصية المؤقته غير أن صورة فظيعة من صور (الغلط) قد تنكشف في علاقة الشخص مع (الله) بحيث تجمع بين الصفتين فهي شعور بالالتزام غير المقرون بقناعات حقيقية كما أنها في أغلبها ترتبط بتحقيق منفعة عاجلة أو آخروية ودون أن تؤدي هذه العلاقة لدى البعض إلى تنميط الشخصية بما يدعونه من أخلاق ، وكأن المطلوب (إلهيا) هو التظاهر بمتطلبات الشرع ، وضمن هذا الطرح ربما يكون من المناسب ذكر صورة من واقع مجتمعنا عمدت فيها زوجة الأب إلى فرض الصوم على أطفال لم يتعدوا العاشرة متذرعة بالثواب لها وللأطفال ، غير أن الأطفال كانوا أذكى من الحيلة الدينية ، فعندما سئلوا عن سبب رفضهم الطعام في يوم ليس رمضانيا قالوا بأن زوجة أبينا تجبرنا على الصوم كي تريح نفسها من إعداد الطعام ، تلك صورة قد يقاس عليها الكثير من الحيل التي قد تبرر بالدين وغير الدين ولك أن تختار في أي زاوية تكون ومن أي منظار ترى الأشياء لكنك في كلتا الحالتين لن يكون لك إلا أن تردد (وين الغلط) مستفهما ورافضا أو مستنكرا وجود الخلل من أساسه فهنيئا لك حينها ،