

يبكي ويضحك
«يبكي ويضحك لا حزنًا ولا فرحــا» (1) | فيروز تنشج أم قيثارهـــا صدحـــا |
والكون ينشد من أعماقـــه ثمـــــــلًا | نشوان، لاخمرةً تُزجى ولا قدحــا |
في هدأة الليل والسكيــنُ مغمـــــدةٌ | والقلب طائر شوقٍ مُدنف ذبحـــــا |
رفت جناحاه، واهتـزت فرائصـه | حلاوة الروح والدمّ الذي سُفحــــا |
والكون ينثال في الأفــــاق أغنيـةً: | يا من لطيرٍ وحيد مُرغما نزحــا |
مهاجرٍ ليس يدري فيـــمَ هجرته | ولا متى غيبت أحزانـه المرحا |
يجوب رمل صحاري العرب مذ لمعت | عيناه نورًا وإشراقا وما برحــا |
ما في المحطات من خلٍ يودعه | ولا يد لوحت من وجدها فرحا |
لا نخل بغداد يحنو فوق هامته | أو شط دجلة حيا قاربا جنحـا |
ولا بوهران ذات الحسن قد ثملت | نشوانةً إذ تبدّي ليلهـا صُبُحــا |
لا رمل بيروت في الشطآن يعرفــه | والمعجزات التي في ساحها اجترحا |
أيام ملحمة الدنيا هنا انبثقـت | فيضًا من الدم والبرق الذي سنحا |
ولا تذوّق من صنعاء كرمتهـا | أو ألقمته شـآمٌ ثديهـا بلحــــــا |
فيم المدائن والشطآن يذرعها | تسوقه الريح، شلوًا ضائعًا،شبحا |
على الرصيف إذ الشرطي يرقبــه | والليل والبوم والكلب الذي نبحا |
يشي به، علمــوه كيف يتبعـــــه | وكيف ينهشه إن شطّ أو جمحا |
هذي الغماماتُ ما انفكت تطارده | فيتبع الشدو دمعًا ما غفا وصحا |
وينظم الشعر ألحانًا يُجـوّدهـــا | حتى إذا اكتملت أزرى بها ومحا |
ما أبدعت يده فنا وما رسمـــت | ما اعتاد إلا جراحًا تنزف الملحا |
«سيزيف» أورثه همّا وصخـرتـه | يعاند الموج والتيار إن سبحــــا |
ما الحزن إلا سحابـاتٌ مُوشَيـــةٌ | بيضاء، قطر الندى من وشيها رشَحـا |
أذاب في القلب نورا وأنثنى خضلا | نحو الجفون فأدمى حيث ما جرحا |
تفتحت كل أبواب الحياة لــــــــه | على مصاريعها والقلب ما انفتحا |
( 1 ) الشطر الأول مطلع قصيدة للأخطل الصغير غنتها فيروز.