يدٌ في الماء وأخرى في الجحيم
عبثا حاولت أن أقنع محدثي السوداني إن الرئيس عمر البشير بريء براءة الذئب من دم يوسف وإن المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحقه بطلب من المدعي لويس مورينواوكامبو، ليست سوى لعبة في يد أمريكا للنيل من رئيس عربي، وإن الحق سيظهر، وإن... وإن.. وإن....
كان صديقي يحاول إقناعي بشتى الوسائل ويذكر ماتردده الأمم المتحدة إن الحرب الأهلية في دارفور أسفرت منذ 2003عن سقوط نحو300 الف قتيل!!، وكنت أقول ببرود أعصاب وبهدوء من يده في نعيم الماء وليس كيد محدثي التي كأنها بين السنة الجحيم: إن الرقم مبالغ به، فالخرطوم تتحدث عن عشرة آلاف قتيل فقط!!! وبين الرقمين بون شاسع!! وتلفيقات
قال: ولوفرضنا إن الرقم كما تذكر الخرطوم أليس العشرة آلاف قتيلا من المواطنين السودانيين؟؟
قلت له: وهل نحن في سويسرا حتى نقلبها عزاء على قتل مواطن!! لا تنس إننا في العالم الثالث، عالم عنوانه الموت المجاني على الأرصفة!!
– فقال: ومن أوصلنا الى هذه الحالة المزرية أليست حكوماتنا؟
– قلت له: كيفما تكونوا يول عليكم
فثار وعربد وظل مصرا على موقفه، لم يتزحزح عنه، وأنا كذلك وكأننا في جدل عقيم (يرى الدكتور علي الوردي إن معظم جدالاتنا عقيمة فكل فريق يطرح آراءه على الفريق الثاني الذي يناقضه فيها، ويستمر السجال حتى يسكت الطرفان وكل واحد يعتقد إنه أخرس الثاني بحجته الدامغة!!!)
ذلك لأني بقيت مصرا على دفاعي وصب شتائمي لأمريكا والمجتمع الدولي الذي صار لعبة بيديها تحركه كيفما شاءت وشاءت سياساتها!!
كان صديقي يأتيني بالوقائع والأرقام وأنا أفندها بكلمة واحدة سهلة وخفيفة تنساب كما تنساب سمكة في نهر هذه الكلمة هي (كذب)
هويذكر لي وقائع وأحداثا يشيب لها الرأس حول أسر تشردت، ونساء أغتصبت، وعروض انتهكت
وأنا أفند وأكرر (أنت يا صديقي ضحية وسائل الإعلام وأكاذيبها) وووووو
قال (إذا كان بريئا فليذهب للمحكمة ويدافع عن نفسه)
قلت له (هوبريء من غير محاكمة، فكيف يمتثل لقرارها ويعطيها شرعية؟)
فاستعاذ بالله وسبح وحوقل وسحب نفسا من سيجارته ثم استشهد بكلام للمعارض الإسلامي حسن الترابي الذي ما أن ذكر به إن الرئيس البشير مدان سياسيا بجرائم ارتكبت في دارفور من تهجير واحراق قرى ومجازر، حتى اعتقل لمدة شهرين ولم يفرج عنه إلا بعد أن ساءت حالته الصحية في السجن.
– قلت له: ماذا تتوقع من المعارضين؟ بالتأكيد سيقولون هذا الكلام ويرددونه؟
وكنت هاديء الأعصاب أرد الصاع صاعين بالكلام المنمق الذي يشبه كلام يافطات الشوارع العربية.
بينما صديقي السوداني كان منزعجا منفعلا متوترا تماما مثلما أنفعل وأنزعج عندما يجادلني أصدقائي العرب بالشأن العراقي!!!