يقارب إشكالية المواكبة النقدية للسرد العربي
أسدل الستار صبيحة يوم الأحد 28 غشت 2016، على فعاليات ندوة: "السرد العربي وسؤال المواكبة النقدية" التي نظمها "الراصد الوطني للنشر والقراءة" أيام: 26، 27، 28 غشت 2016، بجولة سياحية إلى معالم مدينة طنجة الأثرية تحت إشراف الأستاذ يونس الشيخ علي (صاحب مقهى لحظات طنجة).
افتتحت الندوة التي احتضنها نادي ابن بطوطة للتعليم ـ طنجة بمعزوفات موسيقية من أداء العازف الواعد إلياس الحميوي، ثم أعطيت الكلمة لـ "الراصد الوطني للنشر والقراءة" والجهات الداعمة لهذه التظاهرة الأدبية، وقد شهد الافتتاح تكريم الأساتذة: العربي المصباحي (المندوب الإقليمي السابق لوزارة الثقافة بطنجة)، الكاتب المغربي مصطفى يعلى، الروائية العراقية صبيحة شبر تقديرا لجهودهم/هن في النهوض بالثقافة والإبداع العربي.
بعد استراحة شاي، انطلقت فعاليات الجلسة الأولى التي عرفت مشاركة القاص حميد الراتي بورقة عنونها بـ "تجربة مبدع في علاقته بالنقد"، تحدث فيها عن وظائف النقد التي تتمثل في 1- التأهيل من خلال اكتشاف الطاقات الإبداعية وتأطيرها قبل خروجها إلى دائرة النشر، 2- الرصد والغربلة وتقتضي متابعة ما ينشر، والتعاطي معه بنية البحث عن عنصر الجدة والإبداعية الخلاقة بقصد الفرز، 3ـ الارتكاز على النص أي نقد النص لذاته لسبر أغواره والغوص في مناطقه المعتمة، والاعتماد على المناهج كمفاتيح ضوئية للنص، 4- البناء والتحرر من النظريات النقدية الغربية وبناء نظريات عربية بالاعتماد على المدونة الإبداعية الكبيرة والهامة.
وحول الموضوع نفسه، استهلت الروائية العراقية صبيحة شبر ورقتها بالحديث عن تبعية النقد للمدارس والنظريات الغربية وعدم ملاءمته للسرد العربي، مشيرة إلى أن الإبداع يحتاج إلى نقد بناء ومنصف يضع المبدع في الطريق الصحيح ليواصل مسيرته، بعيدا عن نقد المجاملة الذي يضر بالإبداع العربي أكثر مما ينفعه، كما تحدثت عن تجربتها الشخصية مع النقد في مواكبة أعمالها القصصية والروائية.
أما الروائية زوليخا موساوي الأخضري فقد اعتبرت النقد وسيلة لتقريب النص من كاتبه، وأن النقد البناء وسيلة تدفع الكاتب إلى مراجعة تقنياته ومشاريعه الكتابية بل ويجعل الساحة الثقافية تنتعش وتعيش حركية من خلال ردود الأفعال والسجال الكبير الذي يتبع المقالات النقدية، واختتمت ورقتها بأن الساحة الثقافية تعاني من غياب شبه تام للمشاريع النقدية وانتشار مبدأ المحاباة والمصالح المتبادلة والسقوط في السطحية وغياب النظرة الشمولية والعميقة للنص الأدبي إضافة إلى غياب نظريات نقدية جديدة نابعة من معاينة النصوص والمنشورات.
وفي السياق نفسه، تحدثت الروائية مريم الحسن في ورقة عنونتها بـ "الإبداع ما بين هوس الكتابة وضوء النقد" عن تجربتها الإبداعية في القصة والروائية، مشيرة إلى التأثير الإيجابي للقراءات النقدية التي تناولت منجزاتها السردية على تطوير تجربتها الإبداعية، وتحفيزها على البحث المستمر عن آليات جديدة للكتاب بحس لغوي وإبداعي شديد من أجل الأفضل والأحسن.
وقد تميزت صبيحة يوم السبت27 غشت 2016، بحفل تقديم وتوقيع كتاب: «السرد وتمثيل الذاكرة التاريخية قراءات في رواية "الناجون" للزهرة رميج» الذي صدر مؤخرا عن منشورات "الراصد الوطني للنشر والقراءة"، وقد تحدث الناقد أحمد الجرطي (منسق الكتاب) في ورقته التقديمية عن دواعي تنسيق هذا العمل النقدي المتمثل في تقديم مقاربة نقدية تستبطن خصوصية رواية "الناجون" من مختلف جوانبها الفنية والثقافية والمرجعية انسجاما مع ما تكتنز به الرواية من تعدد في أنساقها الدلالية والجمالية، التي يتواشج داخلها إعادة قراءة التاريخ السياسي المغربي قراءة جديدة تنزاح عما هو سلطوي ومؤسساتي، وتنفذ لجوانبه المهمشة المغيبة وهذا فضلا عن تفكيك التمركز الكولونيالي ورؤيته الإقصائية للآخر، معتبرا أن تعدد القراءات النقدية يغني الممارسة النقدية وينتج معرفة بالعمل الأدبي في تعدد مستوياته، وأن النقد يكون منتجا وفاعلا في مواكبته للنصوص الروائية العربية إذا ما كان هدفه الأساسي هو إنتاج معرفة بالأعمال الأدبية والابتعاد عن شرك القراءات الجاهزة والإسقاطية.
وفي ورقة بالمناسبة، شكرت الروائية الزهرة رميج جمعية "الراصد الوطني للنشر والقراءة" على دعمه لهذا الكتاب، كما شكرت النقاد المساهمين في الكتاب على قراءاتهم الحصيفة والعميقة، قبل أن تتحدث عن واقع المواكبة النقدية للأعمال الإبداعية وما تعرفه من محسوبية ومحاباة وكذا العلاقات الشخصية وتركيزه على الأسماء المعروفة مغربيا وعربيا، مضيفة أن مجموعة من النقاد الشباب كسروا هذه القاعدة وساهموا في قراءة مجموعة من الأعمال الجادة والهادفة، كما أشارت إلى مواكبة النقد لمختلف أعمالها السردية الأمر الذي حفزها على تقديم أعمال جيدة ومختلفة لتكون في أفق انتظار المتلقي.
وفي مساء اليوم نفسه، انطلقت فعاليات الجلسة الثانية من ندوة: «السرد العربي وسؤال المواكبة النقدية» التي عرفت مشاركة الكاتب مصطفى يعلى بورقة عنونها بـ «تنظير القصة القصيرة: رافد إبداع ومصدر نقد»، تحدث فيها عن الكتابة القصصية الأصيلة تتطلب الجمع بين الموهبة والوعي النظري، في بحثها عن الأحكام والإضافة والتميز، قبل أن يتطرق إلى عملية تنظير القصة القصيرة عند إدكار آلان بو وخوليو كورتازار وفرانك أوكونور، ثم خلص في خاتمة ورقته إلى التطور الذاتي للإبداع القصصي الذي أنتج بالتوازي مزيدا من القواعد الضابطة لكينونة القصة القصيرة، باعتبارها نوعا سرديا مستقلا، محافظة عليها من الميوعة والتسيب. وهو ما هيأ للممارسة النقدية آليات تقنية ضرورية لقراءة النصوص القصصية القصيرة، وتلقيها قراءة ونقدا بالصورة المطلوبة.
وقد استهل الناقد الميلودي الوريدي ورقته التي عنونها بـ «السرد والنقد بين سؤال المفهوم وسؤال التجلي» بالحديث عن مفهومي السرد العربي والنقد، متسائلا في ورقته عن الجهة المؤهلة للحكم على المتون النقدية العربية في مدى مواكبتها للمنجز الإبداعي؟ مستشهدا بآراء مجموعة من المبدعين (عيسى شريط، عبد الوهاب بن منصور، بشير مفتي...) حول رؤيتهما للإبداع والنقد على مستوى القصدية والرؤية والمنهج، كما استشهد بآراء المنظرين النقاد (أحمد اليابوري، إدريس الناقوري، جبرا إبراهيم جبرا...)، مشيرا في خاتمة ورقته إلى أزمة نقدية عربية باتفاق المبدعين والنقاد، من حيث المصطلح والتقليد والتبعية والاستنساخ وانعدام الموضوعية والحيادية، وكذا ضمور وانحسار تاريخ الآداب، وانحسار مباحث السرديات المقارنة، وانعدام المشروع الثقافي.
أما الباحث المغربي فريد أمعضشو فقد تطرق في ورقته إلى علاقة النقد بالقصة القصيرة جدا؛ فبين بإفاضة كيف أن هذه الفاعلية النقدية تظل متخلفة بكثير قياسا إلى التراكم الكمي المهم الذي تحقق في القصة القصيرة جدا، وأن هذا الكم يعتريه نقص وارتباك منهجيا ومصطلحيا؛ الأمر الذي يدعو إلى توجيه هذا النقد، والرقي به، وبنائه على أسس علمية متينة بعيدا عن أي ارتجال وتسرع... وختم ورقته بتقديم جملة من المقترحات العملية في أفق تحقيق دينامية نقدية حقيقية وناجعة للفن المذكور في أدبنا المعاصر.
واختتمت الجلسة بورقة الباحث المغربيعبد الواحد العرجوني التي تطرق فيها إلى استقراء المنجزين الروائي ونقوده على سبيل المقارنة في فترة محددة ما بين سنتي 2000 و2008 مع استخلاص مجموعة من الملاحظات حول مدى مسايرة المنجز الوصفي للنصوص الإبداعية المنشورة في الفترة نفسها، مع التأكيد على الفاصل الزمني الضروري بين النص والقراءة الواصفة له، حيث قدم في ورقته إحصائيات حول النصوص القصصية والروائية المنجزة خلال هذه الفترة مع القراءات النقدية التي أنجزت حولها، وخلص في ورقته إلى عدم مواكبة النقد المغربي للتحولات الروائية، وأن النقد في حاجة لتوثيق دوري تسهيلا لعمل الباحثين.
وقد تميزت فعاليات الندوة بحضور ثلة من المبدعين والنقاد والاعلاميين المغاربة والعرب الذين ساهموا بأفكارهم ومواكبتهم لمختلف محطات الندوة ما ساهم في إغناء إشكالية السرد العربي وسؤال المواكبة النقدية.