الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم خالد محمد غازي

17 ألف عالم عراقي أجبروا علي الرحيل منذ بدء الاحتلال!

العالمة العراقية رحاب طه

ما هو مصير العلماء العراقيين؟ هل أرهبتهم العصا الأمريكية فاستسلموا، أم طمعوا في جزرتها فضعفوا ؟! هل أضطروا للهجرة لأمريكا•• ودول الغرب•• أم أنهم مازالوا علي أرض وطنهم يشاركون شعبهم نفس المصير؟ أم أهم قد قتلوا بعد أن تأكد الاحتلال الأمريكي أنهم أداة هامة فكان لابد من التخلص منهم؟

البحث عن مصير العلماء يبدو للبعض عبثاً، فبعد سقوط الجسد وانهياره لا يري البعض جدوي من البحث عن العقول، وعلي العكس يؤكد آخرون أهمية البحث عن العلماء العراقيين ومحاولة التواصل معهم وإنقاذ ثروة العراق العلمية والعقلية بقدر ما نستطيع، هذا إن كانوا مازالوا علي قيد الحياة!

الأرقام المعلنة عن العلماء والأساتذة الذين تم اغتيالهم وإجبارهم علي الرحيل مفزعة، ويكفي أن نشير هنا إلي المعلومات التي ذكرت في ندوة عقدت بالقاهرة، تشير إلي أن فرق الاغتيالات الإسرائيلية اغتالت حوالي 310 من علماء وأساتذة العراق، ولاحقاً تم الكشف عن أن أكثر من 500 من علماء العراق، وأساتذته موضوعون علي قوائم الاغتيال الإسرائيلية، وتشير أيضاً إلي أن 17 ألفاً من العلماء والأساتذة أجبروا علي الرحيل عن العراق منذ بدء الاحتلال، هذه التصفية الجماعية لعلماء العراق وأساتذته، ليست سوي وجه واحد من وجوه محنة قاسية مؤلمة يعيشها أساتذة العراق اليوم، وتعيشها جامعاته ومؤسساته الأكاديمية•

المصير المجهول

من هذا المنطلق طرحنا التساؤلات•• وبدأنا البحث عنهم ، منذ البداية كان الهدف واضحاً وهو ما عبر عنه السيناتور الأمريكي جوزيف بايران الذي أقترح مشروع القانون صراحة بأن القانون يسعي لحرمان العراق من الكوادر الفنية والهندسية الضرورية لاستمرار برنامجه في إنتاج أسلحة الدمار الشامل وأن مشروع القانون سوف يساعد المفتشون مثل كل شيء في العراق، يبدو مصير العراقيين مجهولاً مبهماً، ويظل محلاً للتخمينات والتوقعات، هناك من يجزم بهجرة عدد كبير منهم إلي أمريكا بعد سلسلة من الضغوط الأمريكية مورست عليهم، تنوعت بين الترهيب والترغيب بدأتها أمريكا مبكراً أثناء عملية التفتيش، وقبل احتلال العراق بفترة طويلة، منها القرار الأمريكي الذي صدر بتسهيل منح العلماء العراقيين الراغبين في إفشاء أسرار أسلحة الدمار الشامل الجنسية الأمريكية، ووصل الأمر لسن قانون خاص لهجرة العلماء العراقيين صدق عليه مجلس الشيوخ لمنح العلماء العراقيين الذين يوافقون علي إفشاء معلومات مهمة عن برامج بلادهم التسليحية بطاقة الهجرة الأمريكية الخضراء، كان الهدف واضحاً وهو ما عبر عنه السيناتور بايران والذي أقترح مشروع القانون صراحة بأن القانون يسعي لحرمان العراق من الكوادر الفنية والهندسية الضرورية لاستمرار برنامجه في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، واعتقد بايران أن مشروع القانون سيساعد المفتشون الدوليون، ويسهل مهمتهم في البحث عن الأسلحة، ورغم صدور القانون ومواصلة عمل المفتشين، وبالرغم من وجود آلاف المفتشين الأمريكيين الذين دخلوا بعد سقوط بغداد للبحث عن هذه الأسلحة، إلا أن أحداً لم يسمع عن وجودها! ولم نسمع أيضاً عن أسماء أعلنتها الإدارة الأمريكية لعلماء حصلوا علي بطاقة دخول الجنة الأمريكية؟
عقل العراق إذن كان مستهدفاً، وليس أدل علي ذلك من وجود عدد من علماء العراق النوويين والبيولوجيين علي القائمة الشهيرة التي وزعتها وزارة الدفاع الأمريكية للمطلوبين العراقيين.

المطاردة القاتلة

دليل آخر جاء في مواد القرار 1441 لمجلس الأمن والذي أصرت واشنطن علي أن يتضمن بنداً حول استجواب العلماء العراقيين، وكان بالطبع لديها كشوف بأسماء وعناوين هؤلاء العلماء، وتردد أنه تمت مطاردتهم بعد الاحتلال واعتقال بعضهم وتهديدهم لتسليم ما لديهم من أبحاث، مما دفع بعض هؤلاء العلماء للاستعانة من خلال البريد الإلكتروني لإنقاذهم من عمليات المداهمة والتحقيق والاعتقال وكشفوا أيضاً عن محاولات لإغرائهم ونقلهم إلي مراكز بحثية غربية.

ويكشف حديث لجنرال فرنسي متقاعد عن جانب آخر من المأساة، حيث أكد وجود عدد من وحدات الكوماندوز الإسرائيلي دخلت الأراضي العراقية بهدف اغتيال العلماء العراقيين، الأصابع الإسرائيلية يراها البعض واضحة تماماً فيما حدث ويحدث بالعراق، وهو ما يؤكده الدكتور باهر أيوب أستاذ العلوم السياسية حيث يري أن دخول قوات إسرائيلية أثناء عملية احتلال العراق أمر وارد، خاصة بعد ما تردد حول مسعي قوات التحالف للاستعانة بخبرة إسرائيل لقمع أي حركة تمرد داخل الشعب العراقي، ولأن إسرائيل أيضاً تعلم جيداً أن المشروع العراقي القومي لن يجهض إلا بإبادة القائمين عليه، وهم العلماء، فالاحتلال إلغاء الميزانيات لا يجهض المشروع، وإنما اغتيال العقول التي يكمن فيها الحلم والتي تسعي لتحقيقه.

الاغتيالات المعنوية

وعلي حد تعبير د. محمود بركات رئيس هيئة الطاقة الذرية العربية السابق فالظروف التي تعرض لها هؤلاء العلماء دمرتهم من الداخل، الحصار الطويل عليهم، ونقص الأدوية، والرعاية الطبية، ومعظمهم في سن تجاوز الخمسين مما عرضهم للإصابة بالذبحات والجلطات، ويؤكد علي أنه شخصياً يعرف أربعة من أهم رجال المفاعلات ماتوا بسبب نقص الأدوية، ويشير إلي أن هناك بالطبع آلاف ممن لا يعرفهم تعرضوا للاغتيال المعنوي النفسي بعد أن منعت عنهم المراجع والأجهزة والأدوات والمواد اللازمة لعملهم، بعد أن دمرت الجامعات، وفرض عليهم التجويع والحصار، وقبضة النظام العراقي السابق، التي أحكمت سطوتها خاصة بعد محاولات عدد محدود من العلماء السفر، والذي كان هدفه الخروج من الحصار والبحث عن مكان للعلاج إلا أن الحكومة العراقية السابقة تنبهت لذلك، وخشيت من هروب كوادرها العلمية ففرضت رسوماً باهظة لخروج العلماء وصلت إلي ما يعادل 40 ألف دولار كان هدفهم كما يقول الدكتور محمود الحفاظ علي الكوادر العلمية، لكن في ظل الظروف القاسية التي تعرض لها العلماء أنهاروا معنوياً وبالطبع علمياً، ووصل بهم الأمر لدرجة أنهم لجأوا لبيع مراجعهم وكتبهم للحصول علي ثمن الدواء، وأضطر آخرون لترك العلم والعمل في مجالات أخري من أجل الحصول علي القوت اليومي.

بالطبع ازدادت الصورة بعد الاحتلال سوءاً، فبعد سقوط الدولة، وبعد انهيار النظام لم يعد لأي شيء قيمة، لا نتصور بالطبع وجود جامعة تعلم أو كوادر للبحث العلمي تواصل نشاطها، فالانهيار كان تاماً وشمل الجميع وانقطعت بالطبع الصلة بالعلماء العراقيين أيضاً فالتواصل معهم صعب ومثير للقلق أيضاً ووسائل الاتصال مقطوعة•
كما يؤكد د• بركات، ومن ثم فقدنا الاتصال بالعلماء العراقيين وبالطبع لا تستطيع أي هيئة عربية دخول العراق إلا بدعوة مثلها مثل أي منظمة دولية خلاصة القول أصبح مصير العلماء العراقيين محزناً، وفي تصوري أن العدد الأكبر منهم مازال في العراق يعيش ظروفه القاسية، وهناك قلة نجحت في السفر لبعض البلاد العربية.

عودة للعصور الوسطي

أياماً كان المصير فالهدف تحقق في النهاية، وهو القضاء علي الصرح العلمي العراقي الذي ضم آلاف العلماء، ومن الصعب بالطبع حصر الأعداد بدقة فالنظام العراقي -علي حد تعبير بركات- كان عاشقاً للسرية... إلا أنه يمكن القول أن هذا الصرح ضم مدرسة علمية متفردة، ومتعددة الجوانب في المجال الطبي والنووي والكيماوي والبيولوچي، ويمكن القول أنه في مجال العلوم النووية فقط وصل عدد المتخصصين العراقيين إلي عدد يترواح ما بين 200 و300 عالم... ويتميزون بمكانتهم العلمية وخبراتهم وتفوقهم، حيث تخرجوا من أكفأ المدارس العلمية الأمريكية والروسية والإنجليزية المتخصصة في هذه المجالات ومن ذلك يمكن اعتبارهم رأسمال بشرياً، كما وصفهم البعض، وكان الهدف بالطبع هو القضاء عليه والعمل علي إنهائه وانهياره، لإرجاع ليس العراق فقط، وإنما المنطقة كلها للعصور الوسطي، فالمنطقة كلها كانت وستظل مستهدفة، والهدف دائماً هو القضاء علي أية محاولة تقوم بها أي دولة عربية للاعتماد علي نفسها وإثبات تفوقها ووجودها.

الهدف هو القضاء علي المشروع الوطني العراقي، هذا المشروع الذي سعي لتسخير العلم بهدف الحفاظ علي الأمن القومي،ولأنه يتعارض مع مصلحة إسرائيل ولأنه يتيح الفرصة للاعتماد علي النفس وعدم التبعية للغرب فكان من الضروري العمل علي إنهائه حتي لا يخرج عن المنظومة التي رسمتها الإمبراطورية الأمريكية لمشروعها الاستعماري والذي تدعم به حليفتها إسرائيل وليس هناك أدلة علي صدق ذلك من تصريح جاء علي لسان مستشارة الأمن القومي السابقة ووزيرة الخارجية الحالية كوندليزا رايس عندما قالت >أن القضاء علي نظام صدام أسهم في توفير الحماية والأمن لإسرائيل<.

غياب حقوق الإنسان

ولأن الهدف هو القضاء علي الصرح العلمي العراقي فكان طبيعياً هو السعي لإلغاء القبض علي قيادات البحث العلمي، ومن أبرزهم د. رحاب طه ود. هدي عماشي حيث جري استجوابهما، فضلاً عن إلقاء القبض علي أعداد كبيرة من العلماء العراقيين لإجبارهم علي الاعتراف بوجود أسلحة دمار شامل في محاولة مستميتة لحفظ ماء الوجه بعد أن انكشف للجميع كذب المزاعم التي ساقتها الإدارة الأمريكية لشن حربها ضد العراق...
مصير العلماء العراقيين هو نفس مصير العلماء الألمان واليابنيين -وعلي حد تعبيرد. جمال زهران - فما حدث لهؤلاء يتكرر مع العلماء العراقيين فبعد الحرب العراقية تعرض هؤلاء العلماء للإرهاب والترهيب لإرغامهم علي الهجرة بالقوة إلي أمريكا، وهو ما يحدث الآن للعلماء العراقيين وأمريكا تضرب مرة أخري مثالاً سيئاً بحجة دعواها التي تتشدق بها عن حقوق الإنسان، فما يحدث للعلماء العراقيين يتنافي مع أبسط قواعد حقوق الإنسان، وأمريكا لا يهمها ذلك بالطبع ولم تعد تكترث ولا يعنيها أي رد فعل مضاد، ويساعدها علي ذلك صمت عربي يبدو مريباً وحتي نعرف حجم هذا الصرح العلمي العراقي يكفي أن تذكر وجود مجموعة من العالمات كقيادات علي رأس هذا الجهاز، وهذا أبلغ دليل علي مدي تقدم الدولة، فالدكتورة رحاب طه والتي أطلق عليها دكتورة >جرثومة< وهي زوجة وزير النفط العراقي السابق عامر رشيد لعبت دوراً رئيسياً في برنامج العراق البيولوچي، وقد استسلمت هي وزوجها للاحتلال وبعد استجوابهما أفرج عنهما في ظروف مريبة.

وكان علي رأس القائمة المستهدفة أيضاً >حازم علي< العالم المتخصص في دراسة مرض الجدري، وأيضاً عالم الذرة مهدي العبيدي والذي يعقتد أنه علي دراية بمحاولات إنتاج الأسلحة النووية العراقية.

قتل واعتقال وخطف

ولم يسلم أساتذة الجامعات والمؤسسات التعليمية من الاضطهاد الأمريكي- فقد أصدرت رابطة الجامعيين العراقيين تقرير عن أشكال الأعتداءات عليهم في العراق كشف حقائق مأساوية سواء عن صور في أشكال الاعتداءات علي الأستاذة والجامعات، أو عن الجهات التي تنفذ هذه الاعتداءات من صور الاعتداءات التي يرصدها التقرير مثلاً: القتل والاعتقال والخطف الاقصاء القسري من المناصب الإدارية، وتدخل جهات أجنبية في إدارة الاحتفالات، واقامة معارض الكتاب وانتهاك حرمة الجامعات والمؤسسات التعليمية من قبل القوات الأمريكية والحرس الوطني وميليشيات خاصة، ويكشف التقرير أن هذه الاعتداءات وغيرها، لا تشملها فقط قوات الاحتلال، وإنما أيضاً قوي وجهات طائفية، وعصابات إجرام منظمة، هي إذن حملة تصفية وإبادة منظمة لكل علماء وأستاذة العراق وعقوله، وهي حملة تخريب شاملة لكل مؤسساته العلمية وجامعاته.

ما حدث للعرق هو ردة علمية ولن يستطيع العلماء العراقيون تفريخ عدد آخر من العلماء إلا في ظل وجود مناخ علمي متمثل في وجود المكتبات والمراجع والأجهزة والأدوات، وقاعات البحث العلمي، والمعامل ، وكلها عوامل غير متوافرة وغائبة، واستعادتها ليس بالأمر السهل.

ما حدث للعقول العراقية درساً يجب التنبه إليه، ولابد من التحرك لحماية هؤلاء العلماء والاستفادة منهم أثناء الحصار وقبل وقوع الإحتلال لكن لم يحدث ذلك، وبالطبع لم يحدث طالما أن هناك احتلال!!

ـــــــــــ...ـــــــــــ


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى