آخر تقليعات هوليوود"البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي"
بدأ في العشرين من هذا الشهر عرض فيلم "البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي" في دور السينما الأمريكية. وهو من بطولة وإخراج ألبرت بروكس وتمثيل شيتال شيث وجون كارول لينش وجون تيني.
إن "البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي" عنوان جذاب ولموضوع جذاب أيضا ولكنه ليس فيلما عظيما بل أكاد أن أقول أنه فيلم تافه. إن كوميديا ألبرت بروكس من النوع الناعم التي تحتاج إلى مضمون جيد ليضحك المشاهد. ففي ِأفلامه "الأم" و" فقد في أمريكا" أعطت بروكس الإطار الجيد لفنه. لقد فشل البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي أن يقدم فنا كوميديا حقيقيا على الرغم أنه كان هناك لحظات أثناء الإنتاج. أما ترديد كلمات "البحث عن الضحك" لم تكن ملائمة بل وغريبة لفيلم لم يصل ابدا للمستوى الحقيقي من الكوميديا.
إن الفيلم يطرح سؤالا كبيرا ألا وهو: هل الكوميديا عالمية؟ فهل يضحك المسلمون في الباكستان والهند على نفس الأشياء التي يضحك عليها النيويوركيون مثلا؟ ولكنها الطريقة الأمريكية دائما عندما يعتقدون أنهم مركز العالم وعلى العالم أن يفهم ويتقمص الثقافة الأمريكية وبالتالي يضحك لما يضحك له الأمريكيون ويبكي لما يبكيهم. لم يدر بخلد كاتب النص والمخرج أن النكتة والفكاهة والكوميديا بصورة عامة هي حالة ثقافية يجب الإعداد لها ثقافيا وضمن مضمون ثقافي معين. هي قضية تطوير حالة بين الكوميدي والجمهور والتأكد من أن الجمهور له نفس فهم المادة التي يقدمها الكوميدي أو راوي النكتة والفكاهة. إن الجمهور يحتاج إلى خلفية وإعداد ليفهم ما ينقل إليه من كوميديا.. واتضح هذا عندما يقدم بروكس المادة نفسها لمجموعتين مختلفتين في الهند والباكستان. تبدو مهمته في الهند كانت فشلا ذريعا وفي الباكستان كانت ناجحة نسبيا عندما هربه عملاء المخابرات عبر الحدود الهندية الباكستانية لمقابلة الكوميديين الباكستانيين الذين استمعوا لأدائه بمصاحبة الترجمة الفورية. المادة لم تتغير ولكن فهم الجمهور هو الذي تغير. وبروكس نسي القاعدة الذهبية: "إعرف جمهورك."
وإني لأحسب أن هذا الفيلم يريد الترويج لعولمة الكوميديا كما هي عولمة التجارة والاقتصاد. لقد أخطأ الفيلم أيضا في اختيار الهند والباكستان ليكونا محور أحداث الفيلم حيث لا يمثلان مركز العالم الإسلامي.
إن فيلم "البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي" يروي ما يحدث مع الممثل الكوميدي ألبرت بروكس عندما تكلفه الحكومة الأمريكية في مهمة في الهند والباكستان ليبحث عما يضحك حوالي 300 مليون مسلم في المنطقة. وبروكس بصحبة اثنين من الخارجية ومساعد خاص، يذهبون في رحلة توصله إلى إقامة حفلة كوميدية على أحد مسارح نيودلهي وإلى تاج محل وإلى مكان سري في جبال باكستان. الفيلم نظرة عجيبة وغريبة لبعض القضايا التي تناولت ما بعد أحداث 9\11.
تقررحكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن تمول مشروعا لدراسة الكوميديا عند المسلمين. يظهر أن الهدف بريء وأن الأمريكيين قرروا تجربة طرق ووسائل جديدة لفهم العالم الإسلامي وفهم ثقافته. يقع الاختيار على الكوميدي ألبرت بروكس الذي تم استدعاؤه إلى الخارجية الأمريكية ويتم تكليفه من قبل لجنة مختصة بهذا الهدف. تطلب اللجنة، برئاسة سيناتور سابق (فريد دالتون طومسون)، من بروكس بأن يغتنم الفرصة ويسدي خدمة لبلده أي أن يسافر إلى الهند والباكستان ليستكشف ماذا يضحك المسلمين ويعود بتقرير من 500 صفحة على الأقل يلخص فيه نتائج البحث. ومع أن بروكس لن يتقاضى أموالا على عمله لكن رئيس اللجنة يعده بأن يحصل على ميدالية الحرية الجميلة ذات الشريط الملون التي سال لها لعاب بروكس.
يصل بروكس إلى الهند بصحبة اثنين من موظفي الخارجية (جون كارول لينش وجون تيني) وهنالك يوظف سكرتيرة متحمسة له شيتال شيث(مايا) لمساعدته في تدوين الملاحظات وفهم العادات والتقاليد وساهمت في انتشاله من مواقف محرجة في العديد من المرات وفي جميع الحالات كانت تقوم بتشجيعه بسلبيتها إن صح التعبير.
فالذهاب إلى الهند حيث يوجد 150 مليون مسلم وهم أقلية أشعرت بروكس أنه أهين لأنه عومل على أنه كوميدي من الدرجة الثانية. فالجلوس على مكتب صغير يحاول تقمص شخصية مواطن هندي ويلبس الملابس التقليدية وحذاء علاء الدين ويمضي برفقة سكرتيرته في شوارع نيودلهي يسأل النساء والرجال عما يضحكهم.
تم بناء الفيلم على أداء بروكس حيث حاول طوال الفيلم أن يجعل المسلمين يضحكون من خلال مشهد شيق تمثيلي. يفجر سلسلة من النكات النتنة غير اللائقة: يسأل: "لماذا ألغى الهنود الاحتفال بالهلاوين؟" ويجيب: لأنهم تخلصوا من غاندي (كاندي). وفي موقف كوميدي عادي قام به لعقود في برنامح سوليفان حيث يسيطر على الجمهور بأسئلته دون الانتطار الإجابات مما جعلهم أكثر تجهما وجدية.
وبعد الوصول إلى مكان المهمة يفقد الفيلم صفته الكوميدية رغم أنه تخلله من وقت لآخر بعض القفشات والعروضات التي استعارها بروكس من أيام عروض السبعينات من القرن السابق. مثلا قال: "كنت في كشمير الاسبوع الماضي لأزور واحدة من ستراتي القديمة" التي من المفروض ان تضحك الجمهور ولكنها لم تنل استحسان وإعجاب الجمهور.
ولاحقا ذهب إلى الباكستان عبر الحدود المشتركة مع الهند سرا للقاء بعض الكوميديين هناك وحصل على القليل من النتائج. وبدلا من أن يعترف من عقم هذه المهمة استمر في عمله غير عابئ بالنزاع الحدودي الذي سببه وجوده. إنه الأمريكي المشغول بنفسه. ومع أن الفيلم تم تصويره في الهند، إلا أننا لا نرى تاج محل إلا لماما الذي يمر بروكس بالقرب منه ولا يلاحظه.
مع أن الفيلم يمتلك حوارا لكنه هزيل وضعيف التركيز. معظم الفيلم يتكرس لبروكس وهو يتسكع في شوراع نيودلهي يسأل الناس عما يضحكهم. تضفي الممثلة شيتال شيث (مايا) شيئا من الفكاهة وهي صاحبة أسلوب مغاير لأسلوب بروكس البائس الحزين. وكل ما صدر من مواقف هزلية جاءت من تجربته لمشاهدة الأفلام أو من استخدامه للخيمة كغرفة ملابس قبل الصعود على منصة المسرح لـتأدية ما يعتقد أنه مضحك ولكنه لم يعجب الجمهور في نهاية المطاف.
ويصر الفيلم عبر الحوار أن يقحم اليهود واليهودي حتى ينقل للمشاهد "كراهية" المسلمين لليهودي واليهود بغض النظر عن صحة ذلك. فمثلا في إحدى مقابلاته لتوظيف سكرتيرة له سألته الفتاة المحجبة:"هل أنت يهودي؟" وكذلك الأمر عندما استدعته قناة الجزيرة ليشارك في عمل كوميدي للقناة بعنوان "اليهودي التافه". وكل هذا تكريس للفكرة السائدة في الغرب أن العرب والمسلمين يكنون الكراهية لليهود إلى هذا الحد.
إن فكرة ذهاب بروكس إلى العالم الإسلامي والعربي والسخرية من عاداتهم وثقافتهم فكرة غير بريئة أبدا فلو كان هذا الفيلم قد أطلق عليه (البحث عن الكوميديا في العالم اليهودي) وكتبه مسلم وعرض في دور سينما في دول إسلامية لاعتبره الأمريكيون Anti-Semetic أي ضد السامية بجدارة ولتم استنكاره في هوليوود واعتبرته الحكومة الأمريكية فيلما إرهابيا.
وباختصار شديد، أفضل ما يوصف به هذا الفيلم أنه فاشل وتافه. ومن الغريب أن يكون فيلما عن الكوميديا ولكنه بكل تأكيد خلا من الكوميديا الحقيقية وإنما امتلأ سخرية واستخفافا بثقافة الآخرين وبعقول الشعوب.