أرنوب ديمة
قرأت كتاب "فلفل" وجدُّه "الأسمر" (رواية للفتيات والفتيان، للأجيال: 13-8 سنة، 84 صفحة، رسومات: آلاء أحمد، تنسيق: آلاء مارتيني، الصادرة عن أ. دار الهدى، عبد زحالقة، كفر قرع) حين أهدتنا الصديقة المقدسيّة ديمة جمعة السمّان نسخة منه، وقرأته ثانيةً حين تقرّر تناوله في ندوة اليوم السابع المقدسيّة.
قرأت للكاتبة "برج اللقلق"، و"غفرانك قلبي"، و"رحلة ضياع" و"هذا الرجل لا أعرفه"، مايسترو ندوة اليوم السابع الثقافيّة المقدسيّة التي تديرها منذ سنوات، ولها بصمة مميّزة في المشهد الثقافي المقدسيّ والفلسطيني.
لفت انتباهي حين قرأت على الصفحة الأولى "تنسيق: آلاء مارتيني"، فتساءلت ما دور "التنسيق"؟ كلمة صرتُ أمقتها في الآونة الأخيرة، ووجّهت في حينه نداءً لمجمع اللغة العربيّة لحذفها من قاموسنا لمفهومها في أيّامنا، وهل بسببه وجدنا على النسخة الإلكترونية الفئة العُمريّة 8-12 سنه بينما على النسخة الوقيّة 8-13 سنة؟ وكذلك الأمر بالنسبة للتجنيس، نجده على الغلاف مرّةً "رواية للفتيات والفتيان" وأخرى "قصّة"، وفي الصفحة الأولى "قصّة"، فلماذا هذا الالتباس؟ وراقت لي رواية للفتيات والفتيان أكثر.
وجدتها رواية تربويّة بامتياز، تسلّط الضوء على قضية العنصرية والآراء المسبقة بسبب لون البشرة، وتحثّ الفتيات والفتيان على رفض التمييز ومحاربته لتأمين حياة أفضل دون اضطهاد، ووجدتها رواية تحملُ رسالةً واضحةً غايتُها حثّ صغارنا على التحدّي لمحاربة الأفكار المُسبقة والمثابرة، فالنصر حليف كلّ مثابر.
جاء اختيار أسماء أبطال الرواية موفقاً في غالبيّته، الأرنبة/ الزوجة/ الأم "فلّة"، الأرنب/ الزوج/ الأب "فوفو"، الأرانب الصغار توتو وجوجو وتيتي وجيجي... وخامسهم "فلفل" / ذو الفراء الأسود.
ملاحظة لا بدّ منها، وقعت الكاتبة، لا شعورياً ورُغم حُسن النيّة، بفخّ النمطيّة والآراء المُسبقة، فبسبب لون فرائه الأسود لم "تدّلعه وتدللّه" كإخوته باسم يليق به بل أطلقت عليه اسم "فلفل" بسبب لون بشرته، وأخذتني التسمية للعنصريّة الأمريكيّة في حينه حين أطلقوا على السود مصطلح زنجي (Negro و/أو Negress) وأصلها من الساحل الشرقي لإفريقيا وكان يستخدم ليصف أي شيء أسود بشكل مهين.
تلبس الكاتبة قبّعة المرشدة والمربيّة، وبامتياز، تصوّر الأخوة ينفرون من أخيهم بسبب لونه الأسود، وجيرانهم/ أرانب الحيّ يتجنّبون معاشرته واللعب معه بسبب لون بشرته وكأنّهم به وسخاً دون استحمام ممّا يؤلمه فيلجأ لأمّه التي تواسيه وتمدّ له يد العون دون تردّد، وتحكي له حكاية جدّه لأبيه الذي كان أسمر اللون، "وكان زملاؤُه يضربونه ولا يلعبون معه في الحي يا فِلفلُ، مِثلك تماماً" (ص.12)، ورغم ذلك جدّ واجتهد وتفوّق بحِنكته على جميع أقرانه حتّى تم انتخابه زعيماً للقرية.
تناولت الكاتبة بذكاء التعدّدية البيولوجيّة والوراثة والجينات، فمن الطبيعي أن يولد توتو وجوجو بفراء أبيض اللون مخطط باللون الرمادي، وإخوتهما تيتي وجيجي بفراء أبيض اللون...وأخيهم الخامس يحمل فراء لونه أسود، من ذات الوالدين.
تتناول الكاتبة رفض التمييز على أساس اللون، كقيمة يجب تذويتها، وترسيخها في عقول الفتيان فالتمييز، على أشكاله، مرفوض، ويجب محاربته، بين أفراد المجتمع الواحد، وليس فقط مع الآخر، ويجب أن يشعر كلّ طفل مختلف بالنديّة وليس الدونيّة، فلا يجوز معاملة شخص ما بشكل سلبي بسبب لون بشرته، وللبيت دور محوريّ في تربية الولد ونشأته وغرس هذه القيم فيه منذ الصغر.
نجحَت الكاتبة بتوظيفِ الرسوماتِ لنقلِ الرسالةِ لليافع المتلقّي، فنحن في عصر الصورة، فللصورةِ والرسمة ميزةٌ خاصةٌ بالنسبةِ إلى النصِّ، فهي تنقلُ الرسالةَ فوراً قبل الكلمات ودون تكلّف.
أنهت الرواية كاتبةً: "انتخبتِ الأرانبُ جدَّكَ الأسمر قائداً لها، فحافظت القرية على ازدهارها، وأصبح يؤُمُّها كلّ من سمع عن هذه القريةِ المتطوّرة الوادعة، والتي لا يُظلمُ فيها أحدٌ...
تأثّر فِلفلٌ كثيراً، وقال موجّها حديثه لأمّهِ ولأبيهِ: سأكون مثلَه يا أبي... سأعمل جهدي أن أُصبح القائد الذي سيُعيد العدلَ والأمنَ والأمان لقرية الأرانب يا أمّي".
ملاحظة لا بدّ منها، في ظلّ التنمّر المستشري في عالم أولادنا ووسائل التواصل التي استحوذتهم، أنصح الأهالي بقراءتها لأطفالهم في منّ 4-5 سنوات وتذويت قيمها فيهم منذ الصغر لمواجهة التمييز على أنواعه؟
] مشاركتي في ندوة اليوم السابع المقدسية، الخميس 23.01.2025